Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 80-83)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استفعل هنا بمعنى المجرد ، يئس واستيأس بمعنى واحد نحو : سخر واستسخر ، وعجب واستعجب . وزعم الزمخشري أن زيادة السين والتاء في المبالغة قال : نحو ما مر في استعصم انتهى . وقرأ ابن كثير : استيأسوا استفعلوا ، من أيس مقلوباً من يئس ، ودليل القلب كون ياء أيس لم تنقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها . ومعنى خلصوا نجياً : انفردوا من غيرهم يناجي بعضهم بعضاً . والنجي فعيل بمعنى مفاعل ، كالخليط والعشير . ومعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل : النجوى بمعنى التناجي ، وهو لفظ يوصف به من له نجوى واحداً كان أو جماعة ، مؤنثاً أو مذكراً ، فهو كعدل ، ويجمع على أنجية قال لبيد : @ وشهدت أنجية الأفاقة عالياً كعبي وأرداف الملوك شهود @@ وقال آخر : @ إني إذا مـا القوم كـانوا أنجيـه @@ ويقول : قوم نجى وهم نجوى تنزيلاً للمصدر منزلة الأوصاف . ويجوز أن يكون هم نجى من باب هم صديق ، لأنه بزنة المصادر محصواً للتناجي ، ينظرون ماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم لهذا الذي دهمهم من الخطب فيه ، فاحتاجوا إلى التشاور . وكبيرهم أي : رأياً وتدبيراً وعلماً ، وهو شمعون قاله : مجاهد . أو كبيرهم في السن وهو روبيل قاله : قتادة . وقيل : في العقل والرأي ، وهو يهوذا . ذكرهم الميثاق في قول يعقوب : لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ، وما زائدة أي : ومن قبل هذا فرطتم في يوسف . ومن قبل متعلق بفرطتم ، وقد جوزوا في إعرابه وجوهاً : أحدها : أن تكون ما مصدرية أي : ومن قبل تفريطكم . قال الزمخشري : على أن محل المصدر الرفع على الابتداء ، وخبره الظرف ، وهو ومن قبل ومعناه : ووقع من قبل تفريطكم في يوسف . وقال ابن عطية : ولا يجوز أن يكون قوله : من قبل ، متعلقاً بما فرطتم ، وإنما تكون على هذا مصدرية ، التقدير : من قبل تفريطكم في يوسف واقع ومستقر . وبهذا القدر يتعلق قوله من قبل انتهى . وهذا وقول الزمخشري راجع إلى معنى واحد وهو : إن ما فرطتم يقدر بمصدر مرفوع بالابتداء ، ومن قبل في موضع الخبر ، وذهلا عن قاعدة عربية ، وحق لهما أن يذهلا وهو أنّ هذه الظروف التي هي غايات إذا ثبتت لا تقع أخباراً للمبتدأ جرت أو لم تجر ، تقول : يوم السبت مبارك والسفر بعده ، ولا يجوز والسفر بعد وعمروزيد خلفه . ولا يقال : عمروزيد خلف . وعلى ما ذكراه يكون تفريطكم مبتدأ ، ومن قبل خبر ، وهو مبني ، وذلك لا يجوز وهذا مقرر في علم العربية . ولهذا ذهب أبو علي إلى أنّ المصدر مرفوع بالابتداء ، وفي يوسف هو الخبر أي : كائن أو مستقر في يوسف . والظاهر أنّ في يوسف معمول لقوله : فرطتم ، لا أنه في موضع خبر . وأجاز الزمخشري وابن عطية : أن تكون ما مصدرية ، والمصدر المسبوك في موضع نصب ، والتقدير : ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقاً من قبل وتفريطكم في يوسف . وقدره الزمخشري : وتفريطكم من قبل في يوسف ، وهذا الذي ذهبا إليه ليس بجيد ، لأنّ فيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف الذي هو على حرف واحد ، وبين المعطوف ، فصار نظير : ضربت زيداً وبسيف عمراً . وقد زعم أبو علي الفارسي أنه لا يجوز ذلك إلا في ضرورة الشعر . وأما تقدير الزمخشري : وتفريطكم من قبل في يوسف ، فلا يجوز لأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل لحرف مصدري والفعل عليه ، وهو لا يجوز . وأجاز أيضاً أن تكون موصولة بمعنى الذي . قال الزمخشري : ومحله الرفع أو النصب على الوجهين انتهى . يعني بالرفع أن يرتفع على الابتداء ومن قبل الخبر ، وقد ذكرنا أن ذلك لا يجوز . ويعني بالنصب أن يكون عطفاً على المصدر . المنسبك من قوله : إن أباكم قد أخذ ، وفيه الفصل بين حرف العطف الذي هو الواو ، وبين المعطوف . وأحسن هذه الأوجه ما بدأنا به من كون ما زائدة ، وبرح التامة تكون بمعنى ذهب وبمعنى ظهر ، ومنه برح الخفاء أي ظهر . وذهب لا ينتصب الظرف المكاني المختص بها ، إنما يصل إليه بوساطة في فاحتيج إلى اعتقاد تضمين برح بمعنى فارق ، فانتصب الأرض على أنه مفعول به . ولا يجوز أن تكون ناقصة لأنه لا ينعقد من اسمها ، والأرض المنصوب على الظرف مبتدأ وخبر ، لأنه لا يصل إلا بحرف في . لو قلت : زيد الأرض لم يجز ، وعني بالأرض أرض مصر التي فيها الواقعة ، ثم غيا ذلك بغايتين : إحداهما : خاصة وهي قوله : حتى يأذن لي أبي ، يعني في الانصراف إليه . والثانية : عامة وهي قوله : أو يحكم الله لي ، لأنّ إذن الله له هو من حكم الله له في مفارقة أرض مصر ، وكأنه لما علق الأمر بالغاية الخاصة رجع إلى نفسه فأتى بغاية عامة تفويضاً لحكم الله تعالى ، ورجوعاً إلى من له الحكم حقيقة ، ومقصوده التضييق على نفسه ، كأنه سجنها في القطر الذي أداه إلى سخط أبيه إبلاء لعذره . وحكم الله تعالى له بجميع أنواع العذر كالموت ، وخلاص أخيه ، أو انتصافه من أخذ أخيه . وقال أبو صالح : أو يحكم الله لي بالسيف ، أو غير ذلك . والظاهر أن أويحكم معطوف على يأذن . وجوز أن يكون منصوباً بإضمار أن بعد أو في جواب النفي ، وهو : فلن أبرح الأرض أي : إلا أن يحكم الله لي ، كقولك : لألزمنك أو تقضيني حقي ، أي : إلا أن تقضيني ، ومعناها ومعنى الغاية متقاربان . روي أنهم لما وصلوا إلى يعقوب أخبروه بالقصة فبكى وقال : يا بني ما تذهبون عني مرة إلا نقصتم ، ذهبتم فنقصت شمعون حيث ارتهن ، ثم ذهبتم فنقصتم بنيامين وروبيل . والظاهر أنّ الأمر بالرجوع هو من قول كبيرهم . وقيل : من قول يوسف لهم . وقرأ الجمهور : سرق ثلاثياً مبنياً للفاعل ، إخباراً بظاهر الحال . وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، والكسائي في رواية سرق بتشديد الراء مبنياً للمفعول ، لم يقطعوا عليه بالسرقة بل ذكروا أنه نسب إلى السرقة . ويكون معنى : وما شهدنا إلا بما علمنا من التسريق . وما كنا للغيب أي : للأمر الخفي حافظين ، أسرق بالصحة أم دس الصاع في رحله ولم يشعر ؟ وقرأ الضحاك : سارق اسم فاعل ، وعلى قراءة سرق وسارق اختلف التأويل في قوله : إلا بما علمنا . قال الزمخشري : بما علمنا من سرقته ، وتيقناً لأنّ الصواع أخرج من وعائه ، ولا شيء أبين من هذا . وقال ابن عطية : أي ، وقولنا لك إن ابنك سرق إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى ، والعلم في الغيب إلى الله تعالى ليس ذلك في حفظنا ، هذا قول ابن إسحاق : وقال ابن زيد : أرادوا وما شهدنا به عند يوسف أن السارق يسترق في شرعك ، إلا بما علمنا من ذلك ، وما كنا للغيب حافظين أنّ السرقة تخرج من رحل أحدنا ، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة ، فشهدنا عنده حين سألنا بعلمنا . ويحتمل قوله : وما كنا للغيب حافظين أي : حين واثقناك ، إنما قصدنا أن لا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه ، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه . وقال الزمخشري : وما كنا للغيب حافظين ، وما علمنا أنه يسترق حين أعطيناك الموثق ، أو ربما علمنا أنك تصاب كما أصبت بيوسف . ومن غريب التفسير أن المعنى قولهم : للغيب ، لليل والغيب الليل بلغة حمير ، وكأنهم قالوا : وما شهدنا إلا بما علمنا من ظاهر حاله ، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو ، أو التدليس عليه . وفي الكلام حذف تقديره : رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بالقصة . وقول من قال : ارجعوا ثم استشهدوا بأهل القرية التي كانوا فيها وهي مصر قاله : ابن عباس أي : أرسل إلى القرية واسأل عن كنه القصة . والعير كانوا قوماً من كنعان من جران يعقوب . وقيل : من أهل صنعاء . فالظاهر أن ذلك على إضمار أهل كأنه قيل : وسل أهل القرية وأهل العير ، إلا إن أريد بالعير القافلة ، فلا إضمار في قوله والعير . وأحالوا في توضيح القصة على ناس حاضرين الحال فيشهدون بما سمعوا ، وعلى ناس غيب يرسل إليهم فيسألون . وقالت فرقة : بل أحالوه على سؤال الجمادات والبهائم حقيقة ، ومن حيث هو نبي ، ولا يبعد أن يخبره بالحقيقة ، وحذف المضاف هو قول الجمهور . قال ابن عطية : وهذا مجاز . وحكى أبو المعالي عن بعض المتكلمين أنه قال : هذا من الحذف وليس من المجاز قال : وإنما المجاز لفظة استعيرت لغير ما هي له قال : وحذف المضاف هو عين المجاز ، وعظمه هذا مذهب سيبويه وغيره . وحكى أنه قول الجمهور أو نحو هذا انتهى . وفي المحصول لأبي عبد الله محمد الرازي ، وفي مختصراته أنّ الإضمار والمجاز متباينان ليس أحدهما قسماً من الآخر . وبل للإضراب ، فيقتضي كلاماً محذوفاً قبلها حتى يصح الإضراب فيها وتقديره : ليس الأمر حقيقة كما أخبرتم ، بل سولت . قال ابن عطية : والظاهر أنّ قوله بل سولت لكم أنفسكم أمراً ، إنما هو ظن سوء بهم كما كان في قصة يوسف قبل ، فاتفق أنّ صدق ظنه هناك ، ولم يتحقق هنا . وقال الزمخشري : بل سولت لكم أنفسكم أمراً أردتموه ، وإلا فما أدري ذلك الرجل أنّ السارق يؤخذ بسرقته لولا فتواكم وتعليمكم . وتقدم شرح سولت ، وإعراب فصبر جميل . ثم ترجى أن الله يجمعهم عليه وهم : يوسف ، وبنيامين ، وكبيرهم على الخلاف الذي فيه . وترجى يعقوب للرؤيا التي رآها يوسف ، فكان ينتظرها ويحسن ظنه بالله في كل حال . ولما أخبر به عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه ، ووصفه الله بهاتين الصفتين لائق بما يؤخره تعالى من لقاء بنيه ، وتسليم لحكمة الله فيما جرى عليه .