Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 27-29)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نزلت : ويقول الذين كفروا ، في مشركي مكة ، طلبوا مثل آيات الأنبياء . والملتمس ذلك هو عبد الله بن أبي أمية وأصحابه ، رد تعالى على مقترحي الآيات من كفار قريش كسقوط السماء عليهم كسفاً . وقولهم : سير علينا الأخشبين ، واجعل لنا البطاح محارث ومغترساً كالأردن ، وأحي لنا مضينا وأسلافنا ، ولم تجر عادة الله في الإتيان بالآيات المقترحة إلا إذا أراد هلاك مقترحها ، فرد تعالى عليهم بأن نزول الآية لا يقتضي ضرورة إيمانكم وهداكم ، لأنّ الأمر بيد الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف يطابق قولهم : لولا أنزل عليه آية من ربه ، قل إن الله يضل من يشاء ؟ ( قلت ) : هو كلام يجري مجرى التعجب من قولهم ، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤتها نبي قبله ، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية ، فإذا جحدوها ولم يعتدوا بها وجعلوه كأنه لم ينزل عليه قط كان موضع التعجب والاستنكار ، فكأنه قيل لهم : ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم إن الله يضل من يشاء ، فمن كان على صفتكم من التصميم وشدة التسليم في الكفر فلا سبيل إلى اهتدائكم وإن أنزلت كل آية ، ويهدي إليه من كان على خلاف صفتكم . وقال أبو علي الجبائي : يضل من يشاء عن رحمته وثوابه عقوبة له على كفره ، ويهدي إليه من أناب أي : إلى جنته من أناب أي : من تاب . والهدى تعلقه بالمؤمن هو الثواب لأنه يستحقه على إيمانه ، وذلك يدل على أنه يضل عن الثواب بالعقاب ، لا عن الدين بالكفر ، على ما ذهب إليه من خالفنا انتهى . وهي على طريقة الاعتزال . والضمير في إليه عائد على القرآن ، أو على الرسول صلى الله عليه وسلم . والظاهر أنه عائد على الله تعالى على حذف مضاف أي : إلى دينه وشرعه . وأناب أقبل إلى الحق ، وحقيقته دخل في توبة الخير . والذين آمنوا : بدل من أناب . واطمئنان القلوب سكونها بعد الاضطراب من خشيته . وذكر الله ذكر رحمته ومغفرته ، أو ذكر دلائله على وحدانيته المزيلة لعلف الشبه . أو تطمئن بالقرآن ، لأنه أعظم المعجزات تسكن به القلوب وتنتبه . ثم ذكر الحض على ذكر الله وأنه به تحصل الطمأنينة ترغيباً في الإيمان ، والمعنى : أنه بذكره تعالى تطمئن القلوب لا بالآيات المقترحة ، بل ربما كفر بعدها ، فنزل العذاب كما سلف في بعض الأمم . وجوزوا في الذين أن يكون بدلاً من الذين ، وبدلاً من القلوب على حذف مضاف أي : قلوب الذين ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين ، وأن يكون مبتدأ خبره ما بعده . وطوبى : فعل من الطيب ، قلبت ياؤه واواً لضمة ما قبلها كما قلبت في موسر ، واختلفوا في مدلولها : فقال أبو الحسن الهنائي : هي جمع طيبة قالوا في جمع كيسة كوسى ، وصيفة صوفى . وفعلى ليست من ألفاظ الجموع ، فلعله يعني بها اسم جمع . وقال الجمهور : هي مفرد كبشرى وسقيا ورجعى وعقبى ، واختلف القائلون بهذا في معناها . فقال الضحاك : المعنى غبطة لهم . وعنه أيضاً : أصبت خيراً . وقال عكرمة : نعمى لهم . وقال ابن عباس : فرح وقرة عين . وقال قتادة : حسنى لهم . وقال النخعي : خير لهم ، وعنه أيضاً كرامة لهم . وعن سميط بن عجلان : دوام الخير . وهذه أقوال متقاربة ، والمعنى العيش الطيب لهم . وعن ابن عباس ، وابن جبير : طوبى اسم للجنة بالحبشية . وقيل : بلغة الهند . وقال أبو هريرة ، وابن عباس أيضاً ، ومعتب بن سمي ، وعبيد بن عمير ، ووهب بن منبه : هي شجرة في الجنة . وروي مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عتبة بن عبيد السلمي أنه قال ، " وقد سأله أعرابي : يا رسول الله أفي الجنة فاكهة ؟ قال : « نعم فيها شجرة تدعى طوبى » " وذكر الحديث . قال القرطبي : الصحيح أنها شجرة للحديث المرفوع حديث عتبة ، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي ، وذكره أبو عمر في التمهيد والثعلبي . وطوبى : مبتدأ ، وخبره لهم . فإن كانت علماً لشجرة في الجنة فلا كلام في جواز الابتداء ، وإن كانت نكرة فمسوغ الابتداء بها ما ذهب إليه سيبويه من أنه ذهب بها مذهب الدعاء كقولهم : سلام عليك ، إلا أنه التزم فيه الرفع على الابتداء ، فلا تدخل عليه نواسخه هكذا قال : ابن مالك . ويرده أنه قرىء : وحسن مآب بالنصب ، قرأه كذلك عيسى الثقفي ، وخرج ذلك ثعلب على أنه معطوف على طوبى ، وأنها في موضع نصب ، وحسن مآب معطوف عليها . قال ثعلب : وطوبى على هذا مصدر كما قالوا : سقيا . وخرجه صاحب اللوامح على النداء قال : بتقدير يا طوبى لهم ، ويا حسن مآب . فحسن معطوف على المنادى المضاف في هذه القراءة ، فهذا نداء للتحنين والتشويق كما قال : يا أسفي على الفوت والندبة انتهى . ويعني بقوله : معطوف على المنادى المضاف ، أنّ طوبى مضاف للضمير ، واللام مقحمة كما أقحمت في قوله : يا بؤس للجهل ضراراً لأقوام ، وقول الآخر : يا بؤس للحرب التي ، ولذلك سقط التنوين من بؤس وكأنه قيل : يا طوباهم وحسن مآب أي : ما أطيبهم وأحسن مآبهم ، كما تقول : يا طيبها ليلة أي : ما أطيبها ليلة . وقرأ بكرة الأعرابي طيبي بكسر الطاء ، لتسلم الياء من القلب ، وإن كان وزنها فعلى ، كما كسروا في بيض لتسلم الياء ، وإن كان وزنها فعلاً كحمر . وقال الزمخشري : أصبت خيراً وطيباً ، ومحلها النصب أو الرفع كقولك : طيباً لك ، وطيب لك ، وسلاماً لك ، وسلام لك ، والقراءة في قوله : وحسن مآب بالرفع والنصب بذلك على محلها ، واللام في لهم للبيان مثلها في سقيا لك . وقرىء : وحسن مآب بفتح النون ، ورفع مآب . فحسن فعل ماض أصله وحسن نقلت ضمة سينه إلى الحاء ، وهذا جائز في فعل إذا كان للمدح أو الذم كما قالوا : حسن ذا أدباً .