Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 18-18)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الرماد معروف ، وقال ابن عيسى : هو جسم يسحقه الإحراق سحق الغبار ، ويجمع على رمد في الكثرة وأرمدة في القلة ، وشذ جمعه على أفعلاء قالوا : أرمداء ، ورماد رمدد إذا صار هباء أرق ما يكون . { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد } : ارتفاع مثل على الابتداء ، وخبره محذوف تقديره عند سيبويه . فيما يتلى عليكم ، أو يقص . والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة ، وأعمالهم كرماد جملة مستأنفة على تقدير سؤال كأنه قيل : كيف مثلهم ؟ فقيل : أعمالهم كرماد ، كما تقول : صفة زيد عرضه مصون ، وماله مبذول . وقال ابن عطية : ومذهب الكسائي والفراء أنه على إلغاء مثل ، وأنّ المعنى : الذين كفروا أعمالهم كرماد . وقال الحوفي : مثل رفع بالابتداء ، وأعمالهم بدل من مثل بدل اشتمال . كما قال الشاعر : @ ما للجمال مشيها وئيداً أجندلا يحملن أم حديدا @@ وكرماد الخبر . وقال الزمخشري : أو يكون أعمالهم بدلاً من مثل الذين كفروا على تقدير : مثل أعمالهم ، وكرماد الخبر . وقال ابن عطية : وقيل هو ابتداء ، وأعمالهم ابتداء ثان ، وكرماد خبر للثاني ، والجملة خبر الأول . وهذا عندي أرجح الأقوال ، وكأنك قلت : المتحصل مثالاً في النفس للذين كفروا هذه الجملة المذكورة وهي أعمالهم في فسادها وقت الحاجة ، وتلاشيها كالرماد الذي تذروه الريح ، وتفرقه بشدتها حتى لا يبقى له أثر ، ولا يجتمع منه شيء انتهى . وهذا القول الذي رجحه ابن عطية قاله الحوفي ، وهو لا يجوز ، لأن الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ الأول الذي هو مثل عارية من رابط يعود على المثل ، وليست نفس المبتدأ في المعنى ، فلا تحتاج إلى رابط . وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام ، وعتق الرقاب ، وفداء الأسارى ، وعقر الإبل للأضياف ، وإغاثة الملهوفين ، والإجارة ، وغير ذلك . شبهها في حبوطها وذهابها هباءً منثوراً لبنائها على غير أساس من معرفة الله والإيمان به ، وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف . وقرأ نافع ، وأبو جعفر : الرياح على الجمع ، والجمهور على الأفراد . ووصف اليوم بقوم عاصف ، وإن كان من صفة الريح على سبيل التجوز ، كما قالوا : يوم ما حل وكيل نائم . وقال الهروي : التقدير في يوم عاصف الريح ، فحذف لتقدم ذكرها كما قال الشاعر : @ إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف @@ يريد كاسف الشمس . وقيل : عاصف من صفة الريح ، إلا أنه لما جاء بعد اليوم اتبع إعرابه كما قيل : جحر ضب خرب ، يعني : إنه خفض على الجوار . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وإبراهيم بن أبي بكر عن الحسن : في يوم عاصف على إضافة اليوم لعاصف ، وهو على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، تقديره : في يوم ريح عاصف . وتقدم تفسير العصوف في يونس في قوله : { جاءتها ريح عاصف } [ يونس : 22 ] وعلى قول من أجاز إضافة الموصوف إلى صفته يجوز أن تكون القراءة منه : لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء ، أي : لا يرون له أثراً من ثواب ، كما لا يقدر من الرماد المطير بالريح على شيء . وقيل : لا يقدرون من ثواب ما كسبوا ، هو على حذف مضاف . وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ، إنّ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المسكين ، هل ذلك نافعه ؟ قال : « لا ينفعه لأنه لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين » وفي الصحيح أيضاً : " إن الكافر ليطعم بحسناته في الدنيا ما عمل لله منها " ذلك إشارة إلى كونهم بهذه الحال . وعلى مثل هذا الغرر البعيد الذي يعمق فيه صاحبه ، وأبعد عن طريق النجاة ، والبعيد عن الحق ، أو الثواب . وفي البقرة : { لا يقدرون مما كسبوا } [ البقرة : 264 ] على شيء من التفنن في الفصاحة ، والمغايرة في التقديم والتأخير ، والمعنى واحد .