Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 38-41)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كرر النداء للتضرع والالتجاء ، ولا يظهر تفاوت بين إضافة رب إلى ياء المتكلم ، وبين إضافته إلى جمع المتكلم ، وما نخفي وما نعلن عام فيما يخفونه وما يعلنونه . وقيل : ما نخفي من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة ، وما نعلن من البكاء والدعاء . وقيل : ما نخفي من كآبة الافتراق ، وما نعلن مما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع : إلى من تكلنا ؟ قال : إلى الله أكلكم . قالت : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : لا نخشى تركتنا إلى كافٍِ . والظاهر أنّ قوله : وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ، من كلام إبراهيم لاكتناف ما قبله وما بعده بكلام إبراهيم . لما ذكر أنه تعالى عمم ما يخفى هو ومن كنى عنه ، تمم جميع الأشياء ، وأنها غير خافية عنه تعالى . وقيل : وما يخفى الآية من كلام الله عز وجل تصديقاً لإبراهيم عليه السلام كقوله تعالى : { وكذلك يفعلون } [ الشعراء : 74 ] والظاهر أنْ هذه الجمل التي تكلم بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم تقع منه في زمان واحد ، وإنما حكى الله عنه ما وقع في أزمان مختلفة ، يدل على ذلك أن إسحاق لم يكن موجوداً حالة دعائه ، إذ ترك هاجر والطفل بمكة . فالظاهر أنّ حمده الله تعالى على هبة ولديه له كان بعد وجود إسحاق ، وعلى الكبر يدل على مطلق الكبر ، ولم يتعرض لتعيين المدة التي وهب له فيها ولداه . وروي أنه ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة . وقيل : إسماعيل لأربع وستين ، وإسحاق لتسعين . وعن ابن جبير : لم يولد له إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة . وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنة فيها بهبة الولد أعظم من حيث أنّ الكبر مظنة اليأس من الولد ، فإنّ مجيء الشيء بعد الإياس أحلى في النفس وأبهج لها . وعلى الكبر في موضع الحال لأنه قال : وأنا كبير ، وعلى علي بابها من الاستعلاء لكنه مجاز ، إذ الكبر معنى لا جرم يتكون ، وكأنه لما أسنّ وكبر صار مستعلياً على الكبر . وقال الزمخشري : على في قوله على الكبر بمعنى مع ، كقوله : @ إني على ما ترين من كبري أعلم من حيث يؤكل الكتف @@ وكنى بسميع الدعاء عن الإجابة والتقبل ، وكان قد دعا الله أن يهبه ولداً بقوله : { رب هب لي من الصالحين } [ الصافات : 100 ] فحمد الله على ما وهبه من الولد وأكرمه به من إجابة دعائه . والظاهر إضافة سميع إلى المفعول وهو من إضافة المثال الذي على وزن فعيل إلى المفعول ، فيكون إضافة من نصب ، ويكون ذلك حجة على إعمال فعيل الذي للمبالغة في المفعول على ما ذهب إليه سيبويه ، وقد خالف في ذلك جمهور البصريين ، وخالف الكوفيون فيه . وفي إعمال باقي الخمسة الأمثلة فعول ، وفعال ، ومفعال ، وفعل ، وهذا مذكور في علم النحو . ويمكن أن يقال في هذا ليس ذلك إضافة من نصب فيلزم جواز إعماله ، بل هي إضافة كإضافة اسم الفاعل في نحو : هذا ضارب زيد أمس . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من إضافة فعيل إلى فاعله ، ويجعل دعاء الله سميعاً على الإسناد المجازي ، والمراد : سماع الله انتهى . وهو بعيد لاستلزامه أن يكون من باب الصفة المشبهة ، والصفة متعدية ، ولا يجوز ذلك إلا عند أبي علي الفارسي حيث لا يكون لبس . وأما هنا فاللبس حاصل ، إذ الظاهر أنه من إضافة المثال للمفعول ، لا من إضافته إلى الفاعل . وإنما أجاز ذلك الفارسي في مثل : زيد ظالم العبيد إذا علم أنّ له عبيداً ظالمين . ودعاؤه بأنْ يجعله مقيم الصلاة وهو مقيمها ، إنما يريد بذلك الديمومة . ومن ذريتي ، من للتبعيض ، لأنه أعلم أنّ من ذريته من يكون كافراً ، أو من يهمل إقامتها وإن كان مؤمناً . وقرأ طلحة ، والأعمش : دعاء ربنا بغير ياء . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : بياء ساكنة في الوصل ، وأثبتها بعضهم في الوقف . وروى ورش عن نافع : إثباتها في الوصل . والظاهر أنّ إبراهيم سأل المغفرة لأبويه القريبين ، وكانت أمه مؤمنة ، وكان والده لم ييأس من إيمانه ولم تتبين له عداوة الله ، وهذا يتمشى إذا قلنا : إن هذه الأدعية كانت في أوقات مختلفة ، فجمع هنا أشياء مما كان دعا بها . وقيل : أراد أمه ، ونوحاً عليه السلام . وقيل : آدم وحواء . والأظهر القول الأول . وقد جاء نصاً دعاؤه لأبيه بالمغفرة في قوله : { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } [ الشعراء : 86 ] وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف جاز له أن يستغفر لأبويه وكانا كافرين ؟ ( قلت ) : هو من تجويزات العقل ، لا يعلم امتناع جوازه إلا بالتوقيف انتهى . وهو في ذلك موافق لأهل السنة ، مخالف لمذهب الاعتزال . وقرأ الحسين بن علي ، ومحمد ، وزيد : ربنا على الخبر . وابن يعمر والزهري والنخعي : ولولديّ بغير ألف وبفتح اللام يعني : إسماعيل وإسحاق ، وأنكر عاصم الجحدري هذه القراءة ، وقال : إنّ في مصحف أبيَّ بن كعب : ولأبوي ، وعن يحيـى بن يعمر : ولولدي بضم الواو وسكون اللام ، فاحتمل أنْ يكون جمع ولد كأسد في أسد ، ويكون قد دعا لذريته ، وأن يكون لغة في الولد . وقال الشاعر : @ فليت زياداً كان في بطن أمه وليت زياداً كان ولد حمار @@ كما قالوا : العدم والعدم . وقرأ ابن جبير : ولوالدي بإسكان الياء على الإفراد كقوله : واغفر لأبي ، وقيام الحساب مجاز . عن وقوعه وثبوته كما يقال : قامت الحرب على ساق ، أو على حذف مضاف أي : أهل الحساب كما قال : { يقوم الناس لرب العالمين } [ المطففين : 6 ] .