Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 46-52)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المقرّن : المشدود في القرن ، وهو الحبل . الصفد : الغل ، والقيد يقال : صفده صفداً قيده ، والاسم الصفد ، وفي التكثير صفده مشدداً . قال الشاعر : @ وأبقـى بـالملـوك مصفـدينـا @@ وأصفدته : أعطيته . وقيل : صفد وأصفد معاً في القيد والإعطاء . قال الشاعر : @ فلـم أعرض أبيت اللعـن بالصفـد @@ أي : بالعطاء . وسمي العطاء صفداً لأنه يقيده ويعبد . السربال : القميص ، يقال : سربلته فتسربل . القطران : ما يحلب من شجر الابهل فيطبخ ، وتهنأ به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحره وحدته ، وهو أقبل الأشياء اشتعالاً ، ويقال فيه قطران بوزن سكران ، وقطران بوزن سرحان . { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال . فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام . يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار . وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد . سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار . ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب . هـذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إلـه واحد وليذكر أولوا الألباب } : الظاهر أنّ الضمير في مكروا عائد على المخاطبين في قوله : { أو لم تكونوا أقسمتم من قبل } [ إبراهيم : 44 ] أي مكروا بالشرك بالله ، وتكذيب الرسل . وقيل : الضمير عائد على قوم الرسول كقوله : { وأنذر الناس } [ إبراهيم : 44 ] أي : وقد مكر قومك يا محمد ، وهو الذي في قوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } [ الأنفال : 30 ] الآية ومعنى مكرهم أي : المكر العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم ، والظاهر أنّ هذا إخبار من الله لنبيه بما صدر منهم في الدنيا ، وليس مقولاً في الآخرة . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة للظلمة الذين سكن في منازلهم . وعند الله مكرهم أي : علم مكرهم فهو مطلع عليه ، فلا ينفذ لهم فيه قصداً ، ولا يبلغهم فيه أملاً أو جزاء مكرهم ، وهو عذابه لهم . والظاهر إضافة مكر وهو المصدر إلى الفاعل ، كما هو مضاف في الأول إليه كأنه قيل : وعند الله ما مكروا أي مكرهم . وقال الزمخشري : أو يكون مضافاً إلى المفعول على معنى : وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به ، وهو عذابهم الذي يستحقونه ، يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون انتهى . وهذا لا يصح إلا إن كان مكر يتعدى بنفسه كما قال هو ، إذ قدر يمكرهم به ، والمحفوظ أنّ مكر لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه . قال تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } [ الأنفال : 30 ] وتقول : زيد ممكور به ، ولا يحفظ زيد ممكور بسبب كذا . وقرأ الجمهور : وإن كان بالنون . وقرأ عمرو ، وعلي ، وعبد الله ، وأبيّ ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وأبو إسحاق السبيعي ، وزيد بن علي : وإن كاد بدال مكان النون لتزول بفتح اللام الأولى ورفع الثانية ، وروي كذلك عن ابن عباس . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وابن وثاب ، والكسائي كذلك ، إلا أنهم قرأُوا وإن كان بالنون ، فعلى هاتين القراءتين تكون إنْ هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة ، وذلك على مذهب البصريين . وأما على مذهب الكوفيين فإن نافية ، واللام بمعنى إلا . فمن قرأ كاد بالدال فالمعنى : أنه يقرب زوال الجبال بمكرهم ، ولا يقع الزوال . وعلى قراءة كان بالنون ، يكون زوال الجبال قد وقع ، ويكون في ذلك تعظيم مكرهم وشدته ، وهو بحيث يزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها . ويحتمل أن يكون معنى لتزول ليقرب زوالها ، فيصير المعنى كمعنى قراءة كاد . ويؤيد هذا التأويل ما ذكره أبو حاتم من أنّ في قراءة أبيّ : ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال ، وينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير لمخالفتها لسواد المصحف المجمع عليه . وقرأ الجمهور وباقي السبعة : وإن كان بالنون مكرهم لتزول بكسر اللام ، ونصب الأخيرة . ورويت هذه القراءة عن علي ، واختلف في تخريجها . فعن الحسن وجماعة أنّ إنْ نافية ، وكان تامة ، والمعنى : وتحقير مكرهم ، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها ، ويؤيد هذا التأويل ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ : وما كان بما النافية : لكنّ هذا التأويل ، وما روي عن ابن مسعود من قراءة وما بالنفي ، يعارض ما تقدم من القراءات ، لأنّ فيها تعظيم مكرهم ، وفي هذا تحقيره . ويحتمل على تقدير أنها نافية أن تكون كان ناقصة ، واللام لام الجحود ، وخبر كان على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين : أهو محذوف ؟ أو هو الفعل الذي دخلت عليه اللام ؟ وعلى أنّ إنْ نافية وكان ناقصة ، واللام في لتزول متعلقة بفعل في موضع خبر كان ، خرجه الحوفي . وقال الزمخشري : وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ، وإن عظم مكرهم وتتابع في الشدة بضرب زوال الجبال منه مثلاً لتفاقمه وشدته أي : وإن كان مكرهم مستوٍ لإزالة الجبال معداً لذلك . وقال ابن عطية : ويحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم أي : وإن كان شديداً بما يفعل ليذهب به عظام الأمور انتهى . وعلى تخريج هذين تكون إن هي المخففة من الثقيلة ، وكان هي الناقصة . وعلى هذا التخريج تتفق معاني القراءات أو تتقارب ، وعلى تخريج النفي تتعارض كما ذكرنا . وقرىء لتزول بفتح اللام الأولى ونصب الثانية ، وذلك على لغة من فتح لام كي . والذي يظهر أنّ زوال الجبال مجاز ضرب مثلاً لمكر قريش ، وعظمه والجبال لا تزول ، وهذا من باب الغلو والإيغال والمبالغة في ذم مكرهم . وأما ما روي أن جبلاً زال بحلف امرأة اتهمها زوجها وكان ذلك الجبل من حلف عليه كاذباً مات ، فحملها للحلف ، فمكرت بأن رمت نفسها عن الدابة وكانت وعدت من اتهمت به أن يكون في المكان الذي وقعت فيه عن الدابة ، فأركبها زوجها وذلك الرجل ، وحلفت على الجبل أنها ما مسها غيرهما ، فنزلت سالمة ، وأصبح الجبل قد اندك ، وكانت المرأة من عدنان . وما روي من قصة النمرود أو بخت نصّر ، واتخاذ الأنسر وصعودهما عليها إلى قرب السماء في قصة طويلة . وما تأول بعضهم أنه عبر بالجبال عن الإسلام ، والقرآن لثبوته ورسوخه ، وعبر بمكرهم عن اختلافهم فيه من قولهم : هذا سحر هذا شعر هذا إفك ، فأقوال ينبو عنها ظاهر اللفظ ، وبعيد جداً قصة الأنسر . والنهي عن الحسبان كهو في قوله : { ولا تحسبن الله غافلاً } [ إبراهيم : 42 ] وأطلق الحسبان على الأمر المتحقق هنا كما قال الشاعر : @ فلا تحسبن أني أضل منيتي فكل امرىء كأس الحِمام يذوق @@ وهذا الوعد كقوله تعالى : { إنا لننصر رسلنا } [ غافر : 51 ] { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } [ المجادلة : 21 ] وقرأ الجمهور بإضافة مخلف إلى وعده ، ونصب رسله . واختلف في إعرابه فقال الجمهور . الفراء ، وقطرب ، والحوفي ، والزمخشري ، وابن عطية ، وأبو البقاء : إنه مما أضيف فيه اسم الفاعل إلى المفعول الثاني كقولهم : هذا معطي درهم زيداً ، لما كان يتعدى إلى اثنين جازت إضافته إلى كل واحد منهما ، فينتصب ما تأخر . وأنشد بعضهم نظيراً له قول الشاعر : @ ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع @@ وقال أبو البقاء : هو قريب من قولهم : يا سارق الليلة أهل الدار . وقال الفراء وقطرب : لما تعدى الفعل إليهما جميعاً لم يبال بالتقديم والتأخير . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : هلا قيل مخلف رسله وعده ، ولم قدم المفعول الثاني على الأول ؟ ( قلت ) : قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً لقوله : { إن الله لا يخلف الميعاد } [ آل عمران : 9 ] ثم قال : رسله ، ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً ، وليس من شأنه إخلاف المواعيد ، كيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته ؟ انتهى . وهو جواب على طريقة الاعتزال في أنّ وعد الله واقع لا محالة ، فمن وعده بالنار من العصاة لا يجوز أن يغفر له أصلاً . ومذهب أهل السنة أنّ كل ما وعد من العذاب للعصاة المؤمنين هو مشروط إنفاذه بالمشيئة . وقيل : مخلف هنا متعد إلى واحد كقوله : { لا يخلف الميعاد } [ آل عمران : 9 ] فأضيف إليه ، وانتصب رسله بوعده إذ هو مصدر ينحل بحرف مصدري والفعل كأنه قال : مخلف ما وعد رسله ، وما مصدرية ، لا بمعنى الذي . وقرأت فرقة : مخلف وعده رسله بنصب وعده ، وإضافة مخلف إلى رسله ، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، وهو كقراءة . قتل أولادهم شركائهم ، وتقدم الكلام عليه مشبعاً في الأنعام . وهذه القراءة تؤيد إعراب الجمهور في القراءة الأولى ، وأنه مما تعدى فيه مخلف إلى مفعولين . إنّ الله عزيز لا يمتنع عليه شيء ولا يغالب ذو انتقام من الكفرة لا يعفو عنهم . والتبديل يكون في الذات أي : تزول ذات وتجيء أخرى . ومنه : { بدلناهم جلوداً غيرها } [ النساء : 56 ] { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } [ سبأ : 16 ] ويكون في الصفات كقولك : بدلت الحلقة خاتماً ، فالذات لم تفقد لكنها انتقلت من شكل إلى شكل . واختلفوا في التبديل هنا ، أهو في الذات ، أو في الصفات ، فقال ابن عباس : تمد كما يمد الأديم ، وتزال عنها جبالها وآكامها وشجرها ، وجميع ما فيها حتى تصير مستوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، وتبدل السموات بتكوير شمسها ، وانتثار كواكبها ، وانشقاقها ، وخسوف قمرها . وقال ابن مسعود : تبدل الأرض بأرض كالفضة نقية لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة . وقال على تلك الأرض من فضة والجنة من ذهب . وقال محمد بن كعب وابن جبير : هي أرض من خبز يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم ، وجاء هذا مرفوعاً . وقيل : تصير ناراً والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها . وقال أبي : تصير السموات حقاباً . وقيل : تبديلها طيها . وقيل : مرة كالمهل ، ومرة وردة كالدهان ، قاله ابن الأنباري . وقيل : بانشقاقها فلا تظل . وفي الحديث : " إنّ الله يبدل الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي " وفي كتاب الزمخشري وعن علي : تبدل أرضاً من فضة ، وسموات من ذهب . وعن الضحاك : أرضاً من فضة بيضاء كالصحائف . وعن ابن عباس : هي تلك الأرض وإنما تغير ، وأنشد : @ وما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت تعلم @@ قال ابن عطية : وسمعت من أبي رضي الله عنه روى أن التبديل يقع في الأرض ، ولكنْ تبدل لكل فريق بما يقتضيه حاله ، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه ، وفريق يكونون على فضة إن صح السند بها ، وفريق الكفرة يكونون على نار ونحو هذا ، وكله واقع تحت قدرة الله تعالى . وفي الحديث : " المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش ، وفيه أنهم ذلك الوقت على الصراط " وقال أبو عبد الله الرازي : المراد من تبديل الأرض والسموات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم ، ويجعل السموات الجنة ، والدليل عليه قوله تعالى : { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين } [ المطففين : 7 ] وقوله : { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } [ المطففين : 18 ] انتهى . وكلامه هذا يدل على أنّ الجنة والنار غير مخلوقتين ، وظاهر القرآن والحديث أنهما قد خلقتا ، وصح في الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع عليهما ، ولا يمكن أن يطلع عليهما حقيقة إلا بعد خلقهما . وبرزوا : أي ظهروا . وألا يواريهم بناء ولا حصن ، وانتصاب يوم على أنه بدل من يوم يأتيهم قاله الزمخشري ، أو معمولا لمخلف وعده . وإن وما بعدها اعتراض قاله الحوفي . وقال أبو البقاء : لا يجوز أن يكون ظرفاً فالمخلف ولا لوعده ، لأنّ ما قبل أنْ لا يعمل فيما بعدها ، ولكن جوز أن يلحق من معنى الكلام ما يعمل في الظرف أي : لا يخلف وعده يوم تبدل انتهى . وإذا كان إن وما بعدها اعتراضاً ، لم يبال أنه فصلاً بين العامل والمعمول ، أو معمولاً لانتقام قاله : الزمخشري ، والحوفي ، وأبو البقاء ، أولاً ذكر قاله أبو البقاء . وقرىء : نبدل بالنون الأرض بالنصب ، والسموات معطوف على الأرض ، وثم محذوف أي : غير السموات ، حذف لدلالة ما قبله عليه . والظاهر استئناف . وبرزوا . وقال أبو البقاء يجوز أن يكون حالاً من الأرض ، وقد معه مزادة . ومعنى لله : لحكم الله ، أو لموعوده من الجنة والنار . وقرأ زيد بن علي : وبرزوا بضم الباء وكسر الراء مشددة جعله مبنياً للمفعول على سبيل التكثير بالنسبة إلى العالم وكثرتهم ، لا بالنسبة إلى تكرير الفعل . وجيء بهذين الوصفين وهما : الواحد وهو الواحد الذي لا يشركه أحد في ألوهيته ، ونبه به على أنّ آلهتهم في ذلك اليوم لا تنفع . والقهار وهو الغالب لكل شيء ، وهذا نظير قوله تعالى : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [ غافر : 16 ] وترى المجرمين يومئذ يوم إذ تبدل ، وبرزوا مقرنين مشدودين في القرن أي : مقرون بعضهم مع بعض في القيود والأغلال ، أو مع شياطينهم ، كل كافر مع شيطانه في غل أو تقرن أيديهم إلى أرجلهم مغللين . والظاهر تعلق في الأصفاد بقوله : مقرنين أي : يقرنون في الأصفاد . ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمقرنين ، وفي موضع الحال ، فيتعلق بمحذوف كأنه قيل : مستقرين في الأصفاد . وقال الحسن : ما في جهنم واد ، ولا مفازة ، ولا قيد ، ولا سلسلة ، إلا اسم صاحبه مكتوب عليه . وقرأ علي ، وأبو هريرة ، وابن عباس ، وعكرمة ، وابن جبير ، وابن سيرين ، والحسن ، بخلاف عنه . وسنان بن سلمة بن المحنق ، وزيد بن علي ، وقتادة ، وأبو صالح ، والكلبي ، وعيسى الهمداني ، وعمرو بن فائد ، وعمرو بن عبيد من قطر بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء ، أنّ اسم فاعل من أني صفة لقطر . قيل : وهو القصدير ، وقيل : النحاس . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : ليس بالقطران ، ولكنه النحاس يصير بلونه . والآني الذائب الحار الذي قد تناهى حره . قال الحسن : قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت ، فتناهى حره . وقال ابن عباس : أي آن أن يعذبوا به يعني : حان تعذيبهم به . وقال الزمخشري : ومن شأنه . أي : القطران ، أن يسرع فيه اشتعال النار ، وقد يستسرج به ، وهو أسود اللون منتن الريح ، فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص ، لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح . على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين . وكل ما وعده الله ، أو أوعد به في الآخرة ، فبينه وبين ما يشاهده من جنسه ما لا يقادر قدره ، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة ، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه انتهى . وقرأ عمر بن الخطاب ، وعليّ بن أبي طالب : من قطران بفتح القاف وإسكان الطاء ، وهو في شعر أبي النجم قال : لبسنه القطران والمسوحا . وقرأ الجمهور : وتغشى وجوههم بالنصب ، وقرىء بالرفع ، فالأول على نحو قوله : { والليل إذا يغشى } [ الليل : 1 ] فهي على حقيقة الغشيان ، والثانية على التجوز ، جعل ورود الوجه على النار غشياناً . وقرىء : وتغشى وجوههم بمعنى تتغشى ، وخص الوجوه هنا . وفي قوله : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } [ الزمر : 24 ] { يوم يسحبون في النار على وجوههم } [ القمر : 48 ] لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه ، ولذلك قال : { تطلع على الأفئدة } [ الهمزة : 7 ] وليجزي متعلق بمحذوف تقديره : يفعل بالمجرمين ما يفعل ، ليجزي كل نفس أي : مجرمة بما كسبت ، أو كل نفس من مجرمة ومطيعة : لأنه إذا عاقبت المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المطيعين لطاعتهم ، قاله الزمخشري . ويظهر أنها تتعلق بقوله : وبرزوا أي : الخلق كلهم ، ويكون كل نفس عاماً أي : مطيعة ومجرمة ، والجملة من قوله : وترى ، معترضة . وقال ابن عطية : اللام متعلقة بفعل مضمر تقديره : فعل هذا ، أو أنفذ هذا العقاب على المجرمين ليجزي في ذلك المسيء على إساءته انتهى . والإشارة بهذا إلى ما ذكر به تعالى من قوله : { ولا تحسبن الله غافلاً } [ إبراهيم : 42 ] إلى قوله : { سريع الحساب } [ إبراهيم : 51 ] وقيل : الإشارة إلى القرآن ، وقيل : إلى السورة . ومعنى بلاغ كفاية في الوعظ والتذكير ، ولينذروا به . قال الماوردي : الواو زائدة ، وعن المبرد : هو عطف مفرد أي : هذا بلاغ وإنذار انتهى . وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب . وقيل : هو محمول على المعنى أي : ليبلغوا ولينذروا . وقيل : اللام لام الأمر . قال بعضهم : وهو حسن لولا قوله : وليذكر ، فإنه منصوب لا غير انتهى . ولا يخدش ذلك ، إذ يكون وليذكر ليس معطوفاً على الأمر ، بل يضمر له فعل يتعلق به . وقال ابن عطية : المعنى هذا بلاغ للناس ، وهو لينذروا به انتهى . فجعله في موضع رفع خبراً لهو المحذوفة . وقال الزمخشري : ولينذروا معطوف على محذوف أي : لينصحوا ولينذروا به بهذا البلاغ انتهى . وقرأ مجاهد ، وحميد : بتاء مضمومة وكسر الذال ، كان البلاغ العموم ، والإنذار للمخاطبين . وقرأ يحيـى بن عمارة : الذراع عن أبيه ، وأحمد بن زيد بن أسيد السلمي : ولينذروا بفتح الياء والذال ، مضارع نذر بالشيء إذا علم به فاستعد له . قالوا : ولم يعرف لهذا الفعل مصدر ، فهو مثل عسى وغيره مما استعمل من الأفعال ولم يعرف له أصل . وليعلموا لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعاهم ذلك إلى النظر ، فيتوصلون إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة ، إذ الخشية أصل الخير . وليذكر أي : يتعظ ويراجع نفسه بما سمع من المواعظ . وأسند التذكر والاتعاظ إلى من له لب ، لأنهم هم الذين يجدي فيهم التذكر . وقيل : هي في أبي بكر الصديق . وناسب مختتم هذه السورة مفتتحها ، وكثيراً ما جاء في سور القرآن ، حتى أنّ بعضهم زعم أن قوله : ولينذروا به معطوف على قوله : لتخرج الناس .