Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 9-10)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الظاهر أن هذا من خطاب موسى لقومه . وقيل : ابتداء خطاب من الله لهذه الأمة ، وخبر قوم نوح وعاد وثمود قد قصه الله في كتابه ، وتقدم في الأعراف وهود ، والهمزة في ألم للتقرير والتوبيخ . والظاهر أنّ والذين في موضع خفض عطفاً على ما قبله ، إما على الذين ، وإما على قوم نوح وعاد وثمود . قال الزمخشري : والجملة من قوله : لا يعلمهم إلا الله ، اعتراض والمعنى : أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله انتهى . وليست جملة اعتراض ، لأنّ جملة الاعتراض تكون بين جزءين ، يطلب أحدهما الآخر . وقال أبو البقاء : تكون هذه الجملة حالاً من الضمير في من بعدهم ، فإن عنى من الضمير المجرور في بعدهم فلا يجوز لأنه حال مما جر بالإضافة ، وليس له محل إعراب من رفع أو نصب ، وإن عنى من الضمير المستقر في الجار والمجرور النائب عن العامل أمكن . وقال أبو البقاء : أيضاً ويجوز أن يكون مستأنفاً ، وكذلك جاءتهم . وأجاز الزمخشري وتبعه أبو البقاء : أن يكون والذين مبتدأ ، وخبره لا يعلمهم إلا الله . وقال الزمخشري : والجملة من المبتدأ والخبر وقعت اعتراضاً انتهى . وليست باعتراض ، لأنها لم تقع بين جزءين : أحدهما يطلب الآخر . والضمير في جاءتهم عائد على الذين من قبلكم ، والجملة تفسيرية للنبأ . والظاهر أنّ الأيدي هي الجوارح ، وأنّ الضمير في أيديهم وفي أفواههم عائد على الذين جاءتهم الرسل . وقال ابن مسعود ، وابن زيد أي : جعلوا ، أي : أيدي أنفسهم في أفواه أنفسهم ليعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل . وقال ابن زيد : عضوا عليكم الأنامل من الغيظ . والعض بسبب مشهور من البشر . وقال الشاعر : @ قد أفنى أنامله أزمة وأضحى يعض على الوظيفا @@ وقال آخر : @ لو أن سلمى أبصرت تخددي ودقة في عظم ساقي ويدي وبعد أهلي وجفاء عوّدي عضت من الوجد بأطراف اليد @@ وقال ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم . وقال أبو صالح : لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا رسول الله إليكم ، وأشاروا بأصابعهم إلى أفواههم أنْ اسكت تكذيباً له ، ورداً لقوله ، واستبشاعاً لما جاء به . وقيل : ردّوا أيديهم في أفواههم ضحكاً واستهزاء كمن غلبه الضحك فوضع يده على فيه . وقيل : أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم : إنا كفرنا بما أرسلتم به أي : هذا جواب لكم ليس عندنا غيره إقناطاً لهم من التصديق . وقيل : الضميران عائدان على الرسل قاله : مقاتل ، قال : أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم . وقال الحسن وغيره : جعلوا أيدي أنفسهم في أفواه الرسل ردًّا لقولهم ، وهذا أشنع في الرد وأذهب في الاستطالة على الرسل والنيل منهم ، فعلى هذا الضمير في أيديهم عائد على الكفار ، وفي أيديهم عائد على الرسل . وقيل : المراد بالأيدي هنا النعم ، جمع يد المراد بها النعمة أي : ردوا نعم الأنبياء التي هي أجلّ النعم من مواعظهم ونصائحهم ، وما أوحي إليهم من الشرائع والآيات في أفواه الأنبياء ، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها في أفواههم ، ورجعوها إلى حيث جاءت منه على طريق المثل . وقيل : الضمير في أفواههم على هذا القول عائد على الكفار ، وفي بمعنى الباء أي : بأفواههم ، والمعنى : كذبوهم بأفواههم . وفي بمعنى الباء يقال : جلست في البيت ، وبالبيت . وقال الفراء : قد وجدنا من العرب من يجعل في موضع الباء فتقول : أدخلك الله الجنة ، وفي الجنة . وأنشد : @ وارغب فيها من لقيط ورهطه ولكني عن شنبس لست أرغب @@ يريد : أرغب بها . وقال أبو عبيدة : هذا ضرب مثل أي : لم يؤمنوا ولم يجيبوا . والعرب تقول للرجل إذا سكت عن الجواب وأمسك : رد يده في فيه ، وقاله الأخفش أيضاً . وقال القتبي : لم يسمع أحد من العرب يقول : رد يده في فيه إذا ترك ما أمر به انتهى . ومن سمع حجة على من لم يسمع هذا أبو عبيدة والأخفش نقلا ذلك عن العرب ، فعلى ما قاله أبو عبيدة يكون ذلك من مجاز التمثيل ، كان الممسك عن الجواب الساكت عنه وضع يده فيه . وقد رد الطبري قول أبي عبيدة وقال : إنهم قد أجابوا بالتكذيب لأنهم قالوا : إنا كفرنا بما أرسلتم به ، ولا يرد ما قاله الطبري ، لأنه يريد أبو عبيدة أنهم أمسكوا وسكتوا عن الجواب المرضي الذي يقتضيه مجيء الرسل بالبينات ، وهو الاعتراف بالإيمان والتصديق للرسل . قال ابن عطية : ويحتمل أن يتجوز في لفظة الأيدي أي : أنهم ردوا قوتهم ومدافعتهم ومكافحتهم فيما قالوا بأفواههم من التكذيب ، فكان المعنى : ردوا جميع مدافعتهم في أفواههم أي : في أقوالهم ، وعبر عن جميع المدافعة بالأيدي ، إذ الأيدي موضع أشد المدافعة والمرادة انتهى . بادروا أولاً إلى الكفر وهو التكذيب المحض ، ثم أخبروا بأنهم في شك وهو التردد ، كأنهم نظروا بعض نظر اقتضى أن انتقلوا من التكذيب المحض إلى التردد ، أو هما قولان من طائفتين : طائفة بادرت بالتكذيب والكفر ، وطائفة شكت ، والشك في مثل ما جاءت به الرسل كفر . وقرأ طلحة : مما تدعونا بإدغام نون الرفع في الضمير ، كما تدغم في نون الوقاية في مثل : أتحاجوني والمعنى : مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله . ومريب صفة توكيدية ، ودخلت همزة الاستفهام الذي معناه الإنكار على الظرف الذي هو خبر عن المبتدأ ، لأنّ الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه ، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه . وقدر مضاف فقيل : أفي إلاهية الله . وقيل : أفي وحدانيته ، ثم نبههم على الوصف الذي يقتضي أنْ لا يقع فيه شك البتة وهو كونه منشىء العالم وموجده ، فقال : فاطر السموات والأرض . وفاطر صفة لله ، ولا يضر الفصل بين الموصوف وصفته بمثل هذا المبتدأ ، فيجوز أن تقول : في الدار زيد الحسنة ، وإن كان أصل التركيب في الدار الحسنة زيد . وقرأ زيد بن علي : فاطر نصباً على المدح ، ولما ذكر أنه موجد العالم ، ونبه على الوصف الذي لا يناسب أن يكون معه فيه شك ذكر ما هو عليه من اللطف بهم والإحسان إليهم فقال : يدعوكم ليغفر لكم أي : يدعوكم إلى الإيمان كما قال : إذ تدعون إلى الإيمان أو يدعوكم لأجل المغفرة ، نحو : دعوته لينصرني . وقال الشاعر : @ دعوت لما نابني مسوراً فلبى فلبى يدي مسور @@ ومن ذنوبكم ذهب أبو عبيدة والأخفش إلى زيادة من أي : ليغفر لكم ذنوبكم . وجمهور البصريين لا يجيز زيادتها في الواجب ، ولا إذا جرت المعرفة ، والتبعيض يصبح فيها إذ المغفور هو ما بينهم وبين الله ، بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم . وبطريق آخر يصح التبعيض وهو أنّ الإسلام يجب ما قبله ، ويبقى ما يستأنف بعد الإيمان من الذنوب مسكوتاً عنه ، هو في المشيئة والوعد إنما هو بغفران ما تقدم ، لا بغفران ما يستأنف . وقال الزمخشري ما معناه : إنّ الاستقراء في الكافرين أنْ يأتي من ذنوبكم ، وفي المؤمنين ذنوبكم ، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين ، ولأن لا يسوي بين الفريقين انتهى . ويقال : ما فائدة الفرق في الخطاب والمعنى مشترك ، إذ الكافر إذا آمن ، والمؤمن إذا تاب مشتركان في الغفران وما تخليت فيه مغفرة بعض الذنوب في الكافر الذي آمن هو موجود في المؤمن الذي تاب . وقال أبو عبد الله الرازي : أما قول صاحب الكشاف المراد تمييز خطاب المؤمن من خطاب الكافر ، فهو من باب الطامات ، لأنّ هذا التبعيض إنْ حصل فلا حاجة إلى ذكر هذا الجواب ، وإنْ لم يحصل كان هذا الكلام فاسداً . وقال : إلى أجل مسمى ، إلى وقت قد بيناه ، أو بينا مقداره إنْ آمنتم ، وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت انتهى . وهذا بناء على القول بالأجلين ، وهو مذهب المعتزلة . وتقدم الكلام في طرف من هذا في سورة الأعراف في قوله : { ولكل أمة أجل } [ الأعراف : 34 ] وقيل هنا : ويؤخركم إلى أجل مسمى قبل الموت فلا يعاجلكم بالعذاب ، إن أنتم إلا بشر مثلنا لا فضل بيننا وبينكم ، ولا فضل لكم علينا ، فلم تخصون بالنبوة دوننا ؟ قال الزمخشري : ولو أرسل الله إلى البشر رسلاً لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة انتهى . وهذا على مذهب المعتزلة في تفضيل الملائكة على من سواهم . وقال ابن عطية : في قولهم استبعاد بعثة البشر . وقال بعض الناس : بل أرادوا إحالته ، وذهبوا مذهب البراهمة ، أو من يقول من الفلاسفة أن الأجناس لا يقع فيها هذا القياس . فظاهر كلامهم لا يقتضي أنهم أغمضوا هذا الإغماض ، ويدل على ما ذكرت أنهم طلبوا منهم حجة ، ويحتمل أن طلبهم منهم السلطان إنما هو على جهة التعجيز أي : بعثتكم محال ، وإلا فأتوا بسلطان مبين أي : إنكم لا تفعلون ذلك أبداً ، فتقوى بهذا الاحتمال منحاهم إلى مذهب الفلاسفة انتهى . والذي يظهر أنّ طلبهم السلطان المبين وقد أتتهم الرسل بالبينات إنما هو على سبيل التعنت والاقتراح ، وإلا فما أتوا به من الدلائل والآيات كاف لمن استبصر ، ولكنهم قلدوا آباءهم فيما كانوا عليه من الضلال . ألا ترى إلى أنهم لما ذكروا أنهم مماثلوهم قالوا : تريدون أنْ تصدونا عما كان يعبد آباؤنا أي : ليس مقصودكم إلا أن نكون لكم تبعاً ، ونترك ما نشأنا عليه من دين آبائنا . وقرأ طلحة : إن تصدونا بتشديد النون ، جعل إن هي المخففة من الثقيلة ، وقدر فصلاً بينها وبين الفعل ، وكان الأصل أنه تصدوننا ، فأدغم نون الرفع في الضمير ، والأولى أن تكون أن الثنائية التي تنصب المضارع ، لكنه هنا لم يعملها بل ألغاها ، كما ألغاها من قرأ { لمن أراد أن يتم الرضاعة } [ البقرة : 233 ] برفع يتم حملاً على ما المصدرية أختها .