Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 16-18)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر حال منكري النبوة وكانت مفرعة على التوحيد ، ذكر دلائله السماوية ، وبدأ بها ثم أتبعها بالدلائل الأرضية . وقال ابن عطية : لما ذكر تعالى أنهم لو رأوا الآية المذكورة في السماء لعاندوا فيها ، عقب ذلك بهذه الآية كأنه قال : وإنّ في السماء لعبراً منصوبة عبر عن هذه المذكورة ، وكفرهم بها ، وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو انتهى . والظاهر أن جعلنا بمعنى خلقنا ، وفي السماء متعلق بجعلنا . ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا ، وفي السماء المفعول الثاني ، فيتعلق بمحذوف . والبروج جمع برج ، وتقدم شرحه لغة . قال الحسن وقتادة : هي النجوم . وقال أبو صالح : الكواكب السيارة . وقال علي بن عيسى : اثنا عشر برجاً : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت ، وهي منازل الشمس والقمر . وقال ابن عطية : قصور في السماء فيها الحرس ، وهي المذكورة في قوله : { ملئت حرساً شديداً وشهباً } [ الجن : 8 ] وقيل : الفلك اثنا عشر برجاً ، كل برج ميلان ونصف . والظاهر أن الضمير في وزيناها عائد على البروج لأنها المحدث عنها ، والأقرب في اللفظ . وقيل : على السماء ، وهو قول الجمهور . وخص بالناظرين لأنها من المحسوسات التي لا تدرك إلا بنظر العين . ويجوز أن يكون من نظر القلب لما فيها من الزينة المعنوية ، وهو ما فيها من حسن الحكم وبدائع الصنع وغرائب القدرة . والضمير في حفظناها عائد على السماء ، ولذلك قال الجمهور : إن الضمير في وزيناها عائد على السماء حتى لا تختلف الضمائر ، وحفظ السماء هو بالرجم بالشهب على ما تضمنته الأحاديث الصحاح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشياطين تقرب من السماء أفواجاً فينفرد المارد منها فيستمع ، فيرمي بالشهاب فيقول لأصحابه . وهو يلتهب : إنه الأمر كذا وكذا ، فتزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة فيزيدون على الكلمة مائة كلمة " ونحو هذا الحديث . وقال ابن عباس : إن الشهب تخرج وتؤذي ، ولا تقتل . وقال الحسن : تقتل . وفي الأحاديث ما يدل على أنّ الرجم كان في الجاهلية ولكنه اشتد في وقت الإسلام . وحفظت السماء حفظاً تاماً . وعن ابن عباس : كانوا لا يحجبون عن السموات ، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات ، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها . والظاهر أنّ قوله : إلا من استرق ، استثناء متصل والمعنى : فإنها لم تحفظ منه ، ذكره الزهراوي وغيره والمعنى : أنه سمع من خبرها شيئاً وألقاه إلى الشياطين . وقيل : هو استثناء منقطع والمعنى : أنها حفظت منه ، وعلى كلا التقديرين فمِن في موضع نصب . وقال الحوفي : من بدل من كل شيطان ، وكذا قال أبو البقاء : حر على البدل أي : إلا ممن استرق السمع . وهذا الإعراب غير سائغ ، لأن ما قبله موجب ، فلا يمكن التفريغ ، فلا يكون بدلاً ، لكنه يجوز أن يكون إلا من استرق نعتاً على خلاف في ذلك . وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون من في موضع رفع على الابتداء ، وفأتبعه الخبر . وجاز دخول الفاء من أجل أنّ مِن بمعنى الذي ، أو شرط انتهى . والاستراق افتعال من السرقة ، وهي أخذ الشيء بخفية ، وهو أن يخطف الكلام خطفة يسيرة . والسمع المسموع ، ومعنى مبين : ظاهر للمبصرين .