Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 26-44)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما نبه تعالى على منتهى الخلق وهو الحشر يوم القيامة إلى ما يستقرون فيه ، نبههم على مبدأ أصلهم آدم ، وما جرى لعدوه إبليس من المحاورة مع الله تعالى . وتقدم شيء من هذه القصة في أوائل البقرة عقب ذكر الأماتة والإحياء والرجوع إليه تعالى . وفي الأعراف بعد ذكر يوم القيامة ، وذكر الموازين فيه . وفي الكهف بعد ذكر الحشر ، وكذا في سورة ص بعد ذكر ما أعد من الجنة والنار لخلقه . فحيث ذكر منتهى هذا الخلق ذكر مبدأهم وقصته مع عدوه إبليس ليحذرهم من كيده ، ولينظروا ما جرى له معه حتى أخرجه من الجنة مقر السعادة والراحة ، إلى الأرض مقر التكليف والتعب ، فيتحرزوا من كيده ، ومن حمإ قال الحوفي بدل من صلصال ، بإعادة الجار . وقال أبو البقاء : من حمإ في موضع جر صفة لصلصال . وقال ابن عباس : المسنون الطين ومعناه المصبوب ، لأنه لا يكون مصبوباً إلا وهو رطب ، فكنى عن المصبوب بوصفه ، لأنه موضوع له . وقال مجاهد وقتادة ومعمر : المنتن . قال الزمخشري : من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به ، فالذي يسيل بينهما سنين ولا يكون إلا منتناً . وقال غيره : من أسن الماء إذا تغير ، ولا يصح لاختلاف المادتين . وقيل : مصبوب من سننت التراب والماء إذا صببته شيئاً بعد شيء ، فكان المعنى : أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها . قال الزمخشري : وحمأ مسنون بمعنى مصور أنْ يكون صفة لصلصال ، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصال ثم غيره بعد ذلك إلى جوهر آخر انتهى . وقيل : المسنون المصور من سنة الوجه ، وهي صورته . قال الشاعر : @ تـريك سنـة وجـه غيـر مقرفـة @@ وقيل : المسنون المنسوب أي : ينسب إليه ذريته . والجان : هو أبو الجن ، قاله ابن عباس . قال الزمخشري : والجان للجن كآدم للناس . وقال الحسن وقتادة : هو إبليس ، خلق قبل آدم . وقال ابن بحر : هو اسم لجنس الجن ، والإنسان المراد به آدم ، ومن قبل أي : من قبل خلق الإنسان . وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : والجأن بالهمز . والسموم قال ابن عباس : الريح الحارة التي تقتل . وعنه : نار لا دخان لها ، منها تكون الصواعق . وقال الحسن : نار دونها حجاب . وعن ابن عباس : نفس النار ، وعنه : لهب النار . وقيل : نار اللهب السموم . وقيل : أضاف الموصوف إلى صفته أي : النار السموم . وسويته أكملت خلقه ، والتسوية عبارة عن الإتقان ، وجعل أجزائه مستوية فيما خلقت . ونفخت فيه من روحي أي : خلقت الحياة فيه ، ولا نفخ هناك ، ولا منفوخ حقيقة ، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيـي به فيه . وأضاف الروح إليه تعالى على سبيل التشريف نحو : بيت الله ، وناقة الله ، أو الملك إذ هو المتصرف في الإنشاء للروح ، والمودعها حيث يشاء . وقعوا له أي : اسقطوا على الأرض . وحرف الجر محذوف من أن أي : ما لك في أن لا تكون . وأي : داع دعا بك إلى إبائك السجود . ولا سجد اللام لام الجحود ، والمعنى : لا يناسب حالي السجود له . وفي البقرة نبه على العلة المانعة له وهي الاستكبار أي : رأى نفسه أكبر من أن يسجد . وفي الأعراف صرح بجهة الاستكبار ، وهي ادعاء الخيرية والأفضلية بادعاء المادة المخلوق منها كل منهما . وهنا نبه على مادة آدم وحده ، وهنا فاخرج منها وفي الأعراف : { فاهبط منها } [ الأعراف : 13 ] وتقدم ذكر الخلاف فيما يعود عليه ضمير منها . وقد تقدمت منها مباحث في سورة البقرة ، والأعراف ، أعادها المفسرون هنا ، ونحن نحيل على ما تقدم إلا ما له خصوصية بهذه السورة فنحن نذكره . فتقول : وضرب يوم الدين غاية للعنة ، إما لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم ، وإما أن يراد أنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب ، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه . ويوم الدين ، ويوم يبعثون ، ويوم الوقت المعلوم ، واحد . وهو وقت النفخة الأولى حتى تموت الخلائق . ووصف بالمعلوم إما لانفراد الله بعلمه كما قال : { قل إنما علمها عند ربي } [ الأعراف : 187 ] { إن الله عنده علم الساعة } [ لقمان : 34 ] أو لأنه معلوم فناء العالم فيه ، فيكون قد عبر بيوم الدين ، وبيوم يبعثون ، ويوم الوقت المعلوم ، بما كان قريباً من ذلك اليوم . قال الزمخشري : ومعنى إغوائه إياه نسبته لغيه ، بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام ، فأفضى ذلك إلى غيه . وما الأمر بالسجود الأحسن ، وتعريض للثواب بالتواضع ، والخضوع لأمر الله ، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك ، والله تعالى بريء من غيه ومن إرادته والرضا به انتهى . وهو على طريقة الاعتزال . والضمير في لهم عائد على غير مذكور ، بل على ما يفهم من الكلام ، وهو ذرية آدم . ولذلك قال في الآية الأخرى : { لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً } [ الإسراء : 62 ] والتزين تحسين المعاصي لهم ووسوسته حتى يقعوا فيها في الأرض أي : في الدنيا التي هي دار الغرور لقوله تعالى : { أخلد إلى الأرض واتبع هواه } [ الأعراف : 176 ] أو أراد أني أقدر على الاحتيال لآدم ، والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء ، فأنا على التزيين لأولاده أقدر . أو أراد لأجعلن مكان التزيين عندهم الأرض ، ولأرفعن رتبني فيها أي : لأزينها في أعينهم ، ولا حدثنهم بأنّ الزينة في الدنيا وحدها حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها ، ونحوه : يجرح في عراقيبها نصلي قاله الزمخشري . وإلاّ عبادك استثناء القليل من الكثير ، إذ المخلصون بالنسبة إلى الغاوين قليل ، واستثناؤهم إبليس ، لأنه علم أنّ تزيينه لا يؤثر فيهم ، وفيه دليل على جلاله هذا الوصف ، وأنه أفضل ما اتصف به الطائع . وقرأ الكوفيون ، ونافع ، والحسن ، والأعرج : بفتح اللام ، ومعناه إلا من أخلصته للطاعة أنت ، فلا يؤثر فيه تزييني . وقرأ باقي السبعة والجمهور : بكسرها أي : إلا من أخلص العمل لله ولم يشرك فيه غيره . ولا راءى به ، والفاعل لقال الله أي : قال الله . والإشارة بهذا إلى ما تضمنه المخلصين من المصدر أي : الإخلاص الذي يكون في عبادي هو صراط مستقيم لا يسلكه أحد فيضل أو يزل ، لأنّ من اصطفيته أو أخلص لي العمل لا سبيل لك عليه . وقيل : لما قسم إبليس ذرية آدم إلى غاو ومخلص قال تعالى : هذا أمر مصيره إليّ ، ووصفه بالاستقامة ، أي : هو حق ، وصيرورتهم إلى هذين القسمين ليست لك . والعرب تقول : طريقك في هذا الأمر على فلان أي : إليه يصيرالنظر في أمرك . وقال الزمخشري : هذا طريق حق عليّ أن أراعيه ، وهو أن يكون لك سلطان على عبادي ، إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته انتهى . فجعل هذا إشارة إلى انتفاء تزيينه وإغوائه . وكونه ليس له عليهم سلطان ، فكأنه أخذ الإشارة إلى ما استثناه إبليس ، وإلى ما قرره تعالى بقوله : إن عبادي . وتضمن كلامه مذهب المعتزلة . وقال صاحب اللوامح : أي : هذا صراط عهدة استقامته عليّ . وفي حفظه أي : حفظه عليّ ، وهو مستقيم غير معوج . وقال الحسن : معنى عليّ إليَّ . وقيل : عليّ كأنه من مرّ عليه مرّ عليّ أي : على رضواني وكرامتي . وقرأ الضحاك ، وابراهيم . وأبو رجاء ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وقتادة ، وقيس بن عباد ، وحميد ، وعمرو بن ميمون ، وعمارة بن أبي حفصة ، وأبو شرف مولى كندة ، ويعقوب : عليّ مستقيم أي : عال لارتفاع شأنه . وهذه القراءة تؤكد أنّ الإشارة إلى الإخلاص وهو أقرب إليه . والإضافة في قوله : إنّ عبادي ، إضافة تشريف أي : أنّ المختصين بعبادتي ، وعلى هذا لا يكون قوله : إلا من اتبعك ، استثناء متصلاً ، لأنّ من اتبعه لم يندرج في قوله : إنّ عبادي : وإنْ كان أريد بعبادي عموم الخلق فيكون : إلاّ من اتبعك استثناء من عموم ، ويكون فيه دلالة على استثناء الأكثر ، وبقاء المستثنى منه أقل ، وهي مسألة اختلف فيها النحاة . فأجاز ذلك الكوفيون وتبعهم من أصحابنا الأستاذ أبو الحسن بن خروف ، ودلائل ذلك مسطرة في كتب النحو . والذي يظهر أنّ إبليس لما استثنى العباد المخلصين كانت الصفة ملحوظة في قوله : إنّ عبادي أي : عبادي المخلصين الذين ذكرتهم ليس لك عليهم سلطان . ومن في الغاوين لبيان الجنس أي : الذين هم الغاوون . وقال الجبائي : هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن الشيطان والجن يمكنهم صرع الناس وإزالة عقولهم كما تقول العامة ، وربما نسبوا ذلك إلى السحرة . قال : وذلك خلاف ما نص الله تعالى عليه ، ولموعدهم مكان وعد اجتماعهم والضمير للغاوين . وقال ابن عطية : وأجمعين تأكيد ، وفيه معنى الحال انتهى . وهذا جنوح لمذهب من يزعم أنّ أجمعين تدل على اتحاد الوقت ، والصحيح أنّ مدلوله مدلول كلهم . والظاهر أن جهنم هي واحدة ، ولها سبعة أبواب . وقيل : أبواب النار أطباقها وأدراكها ، فأعلاها للموحدين ، والثاني لليهود ، والثالث للنصارى ، والرابع للصائبين ، والخامس للمجوس ، والسادس للمشركين ، والسابع للمنافقين . وقرأ ابن القعقاع : جز بتشديد الزاي من غير همز ، ووجهه أنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الزاي ، ثم وقف بالتشديد نحو : هذا فرج ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف . واختلف عن الزهري ، ففي كتاب ابن عطية : وقرأ ابن شهاب بضم الزاي ، ولعله تصحيف من الناسخ ، لأني وجدت في التحرير : وقرأ ابن وثاب بضمها مهموزاً فيهما . وقرأ الزهري بتشديد الزاي دون همز ، وهي قراءة ابن القعغقاع . وأنّ فرقة قرأت بالتشديد منهم : ابن القعقاع . وفي كتاب الزمخشري وكتاب اللوامح : أنه قرأ بالتشديد ، وفي اللوامح هو وأبو جعفر .