Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 43-47)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
خسف المكان يخسف خسوفاً ذهب ، وخسفه الله يريد أذهبه في الأرض به . { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون . أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون . أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين . أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءُوف رحيم } : نزلت في مشركي مكة أنكروا نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا : الله أعظم أن يكون رسوله بشراً ، فهلا بعث إلينا ملكاً ؟ وتقدّم تفسير هذه الجملة في آخر يوسف ، والمعنى : نوحي إليهم على ألسنة الملائكة . وقرأ الجمهور : يوحى بالياء وفتح الحاء ، وقرأت فرقة : بالياء وكسرها وعبد الله ، والسلمي ، وطلحة ، وحفص : بالنون وكسرها . وأهل الذكر : اليهود ، والنصارى ، قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن . وعن مجاهد أيضاً : اليهود . والذكر : التوراة لقوله تعالى : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } [ الأنبياء : 105 ] وعن عبد الله بن سلام ، وسلمان . وقال الأعمش ، وابن عيينة : من أسلم من اليهود والنصارى . وقال الزجاج : عام فيمن يعزى إليه علم . وقال أبو جعفر وابن زيد : أهل القرآن . ويضعف هذا القول وقول من قال : من أسلم من الفريقين ، لأنه لا حجة على الكفار في إخبار المؤمنين ، لأنهم مكذبون لهم . قال ابن عطية : والأظهر أنهم اليهود والنصارى الذين لم يسلموا ، وهم في هذه الآية النازلة ، إنما يخبرون من الرسل عن البشر ، وإخبارهم حجة على هؤلاء ، فإنهم لم يزالوا مصدقين لهم ، ولا يتهمون بشهادة لهم لنا ، لأنهم مدافعون في صدر ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو كسر حجتهم ومذهبهم ، لا أنا افتقرنا إلى شهادة هؤلاء ، بل الحق واضح في نفسه . وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألونهم ويسدون إليهم انتهى . والأجود أن يتعلق قوله : بالبينات ، بمضمر يدل عليه ما قبله كأنه قيل : ثم أرسلوا ؟ قال : أرسلناهم بالبينات والزبر ، فيكون على كلامين ، وقاله : الزمخشري وابن عطية وغيرهما . وقد يتعلق بقوله : وما أرسلنا ، وهذا فيه وجهان : أحدهما : أنّ النية فيه التقديم قبل أداة الاستثناء ، والتقدير : وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالاً حتى لا يكون ما بعد إلا معمولين متأخرين لفظاً ورتبة ، داخلين تحت الحصر لما قبلها ، وهذا حكاه ابن عطية عن فرقة . والوجه الثاني : أنْ لا ينوي به التقديم ، بل وقعا بعد إلا في نية الحصر ، وهذا قاله الحوفي والزمخشري ، وبدأ به قال : تتعلق بما أرسلنا داخلاً تحت حكم الاستثناء مع رجالاً أي : وما أرسلنا إلا رجالاً بالبينات ، كقولك : ما ضربت إلا زيداً بالسوط ، لأن أصله ضربت زيداً بالسوط انتهى . وقال أبو البقاء : وفيه ضعف ، لأنّ ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إذا تم الكلام على إلا وما يليها ، إلا أنه قد جاء في الشعر . قال الشاعر : @ ليتهم عذبوا بالنار جارهم ولا يعذب إلا الله بالنار @@ انتهى . وهذا الذي أجازه الحوفي والزمخشري لا يجوز على مذهب جمهور البصريين ، لأنهم لا يجيزون أن يقع بعد إلا ، إلا مستثنى ، أو مستثنى منه ، أو تابعاً ، وما ظن من غير الثلاثة معمولاً لما قبل إلاّ قدر له عامل . وأجاز الكسائي أن تقع معمولاً لما قبلها منصوب نحو : ما ضرب إلا زيد عمراً ، ومخفوض نحو : ما مرّ إلا زيد بعمرو ، ومرفوع نحو : ما ضرب إلا زيداً عمرو . ووافقه ابن الأنباري في الموفوع ، والأخفش في الظرف والجار والحال . فالقول الذي قاله الحوفي والزمخشري يتمشى على مذهب الكسائي والأخفش ، ودلائل هذه المذاهب مذكورة في علم النحو . وأجاز الزمخشري أن يكون صفة لرجال أي : رجالاً ملتبسين بالبينات فيتعلق بمحذوف ، وهذا وجه سائغ ، لأنه في موضع صفة لما بعد : إلا ، فوصف رجالاً بيوحى إليهم ، وبذلك العامل في بالبينات كما تقول : ما أكرمت إلا رجلاً مسلماً ملتبساً بالخير . وأجاز أيضاً أن يتعلق بيوحى إليهم ، وأن يتعلق بلا يعلمون . قال : على أنّ الشرط في معنى التبكيت والإلزام كقول الأجير : إن كنت علمت لك فاعطني حقي ، وقوله : فاسألوا أهل الذكر ، اعتراض على الوجوه المتقدمة يعني : من التي ذكر غير الوجه الأخير . وأنزلنا إليك الذكر : هو القرآن ، وقيل له ذكر لأنه موعظة وتبيه للغافلين . وقيل : الذكر العلم ما نزل إليهم من المشكل والمتشابه ، لأن النص والظاهر لا يحتاجان إلى بيان . وقال الزمخشري : مما أمروا به ونهوا عنه ، ووعدوا وأوعدوا . وقال ابن عطية : لتبين بسردك بنص القرآن ما نزل إليهم . ويحتمل أن يريد لتبين بتفسيرك المجمل وشرحك ما أشكل ، فيدخل في هذا ما تبينه السنة من أمر الشريعة ، وهذا قول مجاهد انتهى . ولعلهم يتفكرون أي : وإرادة أن يصغوا إلى تنبيهاته فيتنبهوا ويتأملوا ، والسيئات نعت لمصدر محذوف أي : المكرات السيئات قاله الزمخشري ، أو مفعول يمكروا على تضمين مكروا معنى فعلوا وعملوا ، والسيئات على هذا معاصي الكفر وغيره قاله قتادة ، أو مفعول بأمن ويعني به العقوبات التي تسوءهم ذكرهما ابن عطية . وعلى هذا الأخير يكون أن يخسف بدلاً من السيئات . وعلى القولين ، قبله مفعول بامن ، والذين مكروا في قول الأكثرين هم أهل مكة مكروا بالرسول صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد : هو نمرود ، والخسف بلع الأرض المخسوف به وقعودها به إلى أسفل . وذكر النقاش أنه وقع الخسف في هذه الأمة بهم الأرض كما فعل بقارون ، وذكر لنا أنّ أخلاطاً من بلاد الروم خسف بها ، وحين أحسن أهلها بذلك فرّ أكثرهم ، وأن بعض التجار ممن كان يرد إليها رأى ذلك من بعيد فرجع بتجارته . من حيث لا يشعرون : من الجهة التي لا شعور لهم بمجيء العذاب منها ، كما فعل بقوم لوط في تقلبهم في أسفارهم قاله قتادة ، أو في منامهم روي هذا وما قبله عن ابن عباس . وقال الضحاك ، وابن جريج ، ومقاتل : في ليلهم ونهارهم أي : حالة ذهابهم ومجيئهم فيهما . وقيل : في تقلبهم في مكرهم وحيلهم ، فيأخذهم قبل تمام ذلك . وقال الزجاج : جميع ما يتقلبون فيه ، فما هم بسابقين الله ولا فائتيه . والأخذ هنا الإهلاك كقوله : { فكلاًّ أخذنا بذنبه } [ العنكبوت : 40 ] وعلى تخوف على تنقص قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك . وقال ابن قتيبة : يقال خوفته وتخوفته إذا تنقصته وأخذت من ماله وجسمه . وقال الهيثم بن عدي : هو النقص بلغة أزدشنوءة . وفي حديث لعمر أنه سأل عن التخوف ، فأجابه شيخ : بأنه التنقص في لغة هذيل . وأنشده قول أبي كثير الهذلي : @ تخوف الرجل منها تامكاً قرداً كما تخوف عود النبعة السقر @@ وهذا التخوف بمعنى التنقص ، قيل : من أعماله ، وقيل : يأخذ واحداً بعد واحد ، ورويا عن ابن عباس . وقال الزجاج : ينقص ثمارهم وأموالهم حتى يهلكهم . وقيل : على تخوف ، على خوف أن يعاقبهم أو يتجاوز عنهم قاله قتادة . وقال الزمخشري : على تخوف متخوفين ، وهو أن يهلك قوماً قبلهم فيتخوفوا ، فيأخذهم بالعذاب وهم متخوفون متوقعون ، وهو خلاف قوله : من حيث لا يشعرون انتهى . وقاله الضحاك ، يأخذ قرية فتخاف القرية الأخرى . وقال ابن بحر : على تخوف ضد البغتة أي : على حدوث حالات يخاف منها كالرياح والزلازل والصواعق ، ولهذا ختم بقوله تعالى : إن ربكم لرؤوف رحيم ، لأنّ في ذلك مهلة وامتداد وقت ، فيمكن فيه التلافي . وقال الليث بن سعد : على تخوف على عجل . وقيل : على تقريع بما قدّموه ، وهذا مروي عن ابن عباس . ولما كان تعالى قادراً على هذه الأمور ولم يعاجلهم بها ناسب وصفه بالرأفة والرحمة .