Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 45-49)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نزلت { وإذا قرأت القرآن } في أبي سفيان والنضر وأبي جهل وأم جميل امرأة أبي لهب ، كانوا يؤذون الرسول إذا قرأ القرآن ، فحجب الله أبصارهم إذا قرأ فكانوا يمرون به ولا يرونه قاله الكلبي : " وعن ابن عباس نزلت في امرأة أبي لهب ، دخلت منزل أبي بكر وبيدها فهر والرسول صلى الله عليه وسلم عنده ، فقالت : هجاني صاحبك ، قال : ما هو بشاعر ، قالت : قال { في جيدها حبل من مسد } [ المسد : 5 ] وما يدريه ما في جيدي ؟ فقال لأبي بكر : « سلها هل ترى غيرك فإن ملكاً لم يزل يسترني عنها » فسألها فقالت : أتهزأ بي ما أرى غيرك ؟ فانصرفت ولم تر الرسول صلى الله عليه وسلم " وقيل : نزلت في قوم من بني عبد الدار كانوا يؤذونه في الليل إذا صلى وجهر بالقراءة ، فحال الله بينهم وبين أذاه . ولما تقدّم الكلام في تقرير الإلهية جاء بعده تقرير النبوة وذكر شيء من أحوال الكفرة في إنكارها وإنكار المعاد ، والمعنى وإذا شرعت في القراءة وليس المعنى على الفراغ من القراءة بل المعنى على أنك إذا التبست بقراءة القرآن ولا يراد بالقرآن جميعه بل ما ينطلق عليه الاسم ، فإنك تقول لمن يقرأ شيئاً من القرآن هذا يقرأ القرآن ، والظاهر أن القرآن هنا هو ما قرىء من القرآن أي شيء كان منه . وقيل : ثلاث آيات منه معينة وهي في النحل { أولئك الذين طبع } [ النحل : 108 ] إِلى { الغافلون } [ النحل : 108 ] وفي الكهف { ومن أظلم } [ الكهف : 57 ] إِلى { إذا أبدا } [ الكهف : 57 ] وفي الجاثية { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الجاثية : 23 ] إِلى { أفلا تتذكرون } [ الجاثية : 23 ] وعن كعب أن الرسول كان يستتر بهذه الآيات ، وعن ابن سيرين أنه عينها له هاتف من جانب البيت ، وعن بعضهم أنه أسر زماناً ثم اهتدى إلى قراءتها فخرج لا يبصره الكفار وهم يتطلبونه تمس ثيابهم ثيابه . قال القرطبي : ويزاد إلى هذه الآي أول يس إلى { فهم لا يبصرون } [ يس : 9 ] ففي السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم " حين نام على فراشه خرج ينثر التراب على رؤوس الكفار فلا يرونه وهو يتلو هذه الآيات من يس ، ولم يبق أحد منهم إلاّ وضع على رأسه تراباً " والظاهر أن المعنى جعلنا بين رؤيتك وبين أبصار الذين لا يؤمنون بالآخرة كما ورد في سبب النزول . وقال قتادة والزجّاج وجماعة ما معناه : { جعلنا } بين فهم ما تقرأ وبينهم { حجاباً } فلا يقرون بنبوتك ولا بالبعث ، فالمعنى قريب من الآية بعدها ، والظاهر إقرار { مستوراً } على موضوعه من كونه اسم مفعول أي { مستوراً } عن أعين الكفار فلا يرونه ، أو { مستوراً } به الرسول عن رؤيتهم . ونسب الستر إليه لما كان مستوراً به قاله المبرد ، ويؤول معناه إلى أنه ذو ستر كما جاء في صيغة لابن وتامر أي ذو لبن وذو تمر . وقالوا : رجل مرطوب أي ذو رطبة ولا يقال رطبته ، ومكان مهول أي ذو هول ، وجارية مغنوجة ولا يقال هلت المكان ولا غنجت الجارية . وقال الأخفش وجماعة { مستوراً } ساتراً واسم الفاعل قد يجيء بلفظ المفعول كما قالوا مشؤوم وميمون يريدون شائم ويامن . وقيل : مستور وصف على جهة المبالغة كما قالوا شعر شاعر ، وردّ بأن المبالغة إنما تكون باسم الفاعل ومن لفظ الأول { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً } تقدم تفسيره في أوائل الأنعام { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده } . قيل : " " دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ ومر بالتوحيد ، ثم قال : « يا معشر قريش قولوا لا إله إلاّ الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم » فولوا وأنفروا " فنزلت هذه الآية " والظاهر أن الآية في حال الفارّين عند وقت قراءته ومروره بتوحيد الله ، والمعنى إذا جاءت مواضع التوحيد فرّ الكفار إنكاراً له واستبشاعاً لرفض آلهتهم واطّراحها . وقال الزمخشري : وحد يحد وحداً وحدة نحو وعد يعد وعداً وعدة و { وحده } من باب رجع عوده على بدئه وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسدّ الحال ، أصله يحد وحده بمعنى واحداً انتهى . وما ذهب إليه من أن { وحده } مصدر ساد مسد الحال خلاف مذهب سيبويه و { وحده } عند سيبويه ليس مصدراً بل هو اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال ، فوحده عنده موضوع موضع إيحاد ، وإيحاد موضوع موضع موحد . وذهب يونس إلى أن { وحده } منصوب على الظرف ، وذهب قوم إلى أنه مصدر لا فعل له ، وقوم إلى أنه مصدر لأوحد على حذف الزيادة ، وقوم إلى أنه مصدر لوحد كما ذهب إليه الزمخشري وحجج هذه الأقوال مذكورة في كتب النحو . وإذا ذكرت { وحده } بعد فاعل ومفعول نحو ضربت زيداً فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل ، أي موحداً له بالضرب ، ومذهب المبرد أنه يجوز أن يكون حالاً من المفعول فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير { وإذا ذكرت ربك } موحداً له بالذكر وعلى مذهب أبي العباس يجوز أن يكون التقدير موحداً بالذكر . و { نفوراً } حال جمع نافر كقاعد وقعود ، أو مصدر على غير المصدر لأن معنى { ولوا } نفروا ، والظاهر عود الضمير في { ولوا } على الكفار المتقدم ذكرهم . وقالت فرقة : هو ضمير الشياطين لأنهم يفرون من القرآن دل على ذلك المعنى وإن لم يجر لهم ذكر . وقال أبو الحوراء أوس بن عبد الله : ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من لا إله إلاّ الله ثم تلا { وإذا ذكرت } الآية . وقال علي بن الحسين : هو البسملة { نحن أعلم بما يستمعون به } أي بالاستخفاف الذي يستمعون به والهزء بك واللغو ، كان إذا قرأ صلى الله عليه وسلم قام رجلان من بني عبد الله عن يمينه ورجلان منهم عن يساره ، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار . وبما متعلق بأعلم ، وما كان في معنى العلم والجهل وإن كان متعدياً لمفعول بنفسه فإنه إذا كان في باب أفعل في التعجب ، وفي أفعل التفضيل تعدى بالباء تقول : ما أعلم زيداً بكذا وما أجهله بكذا ، وهو أعلم بكذا وأجهل بكذا بخلاف سائر الأفعال المتعدية لمفعول بنفسه ، فإنه يتعدى في أفعل في التعجب وأفعل التفضيل باللام ، تقول : ما أضرب زيداً لعمرو وزيد أضرب لعمرو من بكر . وبه قال الزمخشري في موضع الحال كما تقول : يستمعون بالهزء أي هازئين { وإذ يستمعون } نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون وبما به يتناجون ، إذ هم ذوو نجوى { إذ يقول } بدل من { إذ هم } انتهى . وقال الحوفي : لم يقل يستمعونه ولا يستمعونك لما كان الغرض ليس الإخبار عن الاستماع فقط ، وكان مضمناً أن الاستماع كان على طريق الهزء بأن يقولوا : مجنون أو مسحور ، جاء الاستماع بالباء وإلى ليعلم أن الاستماع ليس المراد به تفهم المسموع دون هذا المقصد { إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى } فإذا الأولى تتعلق بيستمعون به وكذا { وإذ هم نجوى } لأن المعنى نحن أعلم بالذي يستمعون به إليك وإلى قراءتك وكلامك إنما يستمعون لسقطك وتتبع عيبك والتماس ما يطعنون به عليك ، يعني في زعمهم ولهذا ذكر تعديته بالباء وإلى انتهى . وقال أبو البقاء : يستمعون به . قيل : الباء بمعنى اللام ، لا وإذ ظرف ليستمعون الأولى ، والنجوى مصدر ، ويجوز أن يكون جمع نجى كقتيل وقتلى ، وإذ بدل من { إذ } الأولى . وقيل : التقدير اذكر إذ تقول . وقال ابن عطية : الضمير في به عائد على ما هو بمعنى الذي ، والمراد الاستخفاف والإعراض فكأنه قال : نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به أي هو ملازمهم ، ففضح الله بهذه الآية سرهم والعامل في { إذ } الأولى وفي المعطوف { يستمعون } الأولى انتهى . تناجوا فقال النضر : ما أفهم ما تقول ، وقال أبو سفيان : أرى بعضه حقاً ، وقال أبو جهل : مجنون ، وقال أبو لهب : كاهن ، وقال حويطب : شاعر ، وقال بعضهم : أساطير الأولين ، وبعضهم إنما يعلمه بشر ، وروي أن تناجيهم كان عند عتبة دعا أشراف قريش إلى طعام فدخل عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله . فتناجوا يقولون ساحر مجنون ، والظاهر أن { مسحوراً } من السحر أي خبل عقله السحر . وقال مجاهد : مخدوعاً نحو { فأنى تسحرون } [ المؤمنون : 89 ] أي تخدعون . وقال أبو عبيدة : { مسحوراً } معناه أن له سحراً أي رئة فهو لا يستغني عن الطعام والشراب فهو مثلكم وليس بملك ، وتقول العرب للجبان : قد انتفخ سحره ولكل من أكل أو شرب من آدمي وغيره مسحور . قال : @ أرانا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام والشراب @@ أي نغذى ونعلل ونسحر . قال لبيد : @ فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر @@ قال ابن قتيبة : لا أدري ما الذي حمل أبا عبيدة على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة . وقال ابن عطية : الآية التي بعد هذا تقوي أن اللفظة من السحر بكسر السين لأن في قولهم ضرب مثل ، وأما على أنها من السحر الذي هو الرئة ومن التغذي وأن تكون الإشارة إلى أنه بشر فلم يضرب له في ذلك مثل بل هي صفة حقيقة له ، و { الأمثال } تقدم ما قالوه في تناجيهم وكان ذلك منهم على جهة التسلية والتلبيس ، ثم رأى الوليد بن المغيرة أن أقربها لتخييل الطارئين عليهم هو أنه ساحر فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب فيه طريقاً يسلكه فلا يقدر عليه ، فهو متحير في أمره عليهم فلا يستطيعون سبيلاً إلى الهدى والنظر المؤدي إلى الإيمان ، أو سبيلاً إلى إفساد أمرك وإطفاء نور الله بضربهم الأمثال واتّباعهم كل حيلة في جهتك . وحكى الطبري أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه { وقالوا : أئذا كنا } هذا استفهام تعجب وإنكار واستبعاد لما ضربوا له الأمثال وقالوا عنه إنه مسحور ذكروا ما استدلوا به على زعمهم على اتصافه بما نسبوا إليه ، واستبعدوا أنه بعدما يصير الإنسان رفاتاً يحييه الله ويعيده ، وقد رد عليهم ذلك بأنه تعالى هو الذي فطرهم بعد العدم الصرف على ما يأتي شرحه في الآية بعد هذا ، ومن قرأ من القراء إذاً وإنّا معاً أو إحداهما على صورة الخبر فلا يريد الخبر حقيقة لأن ذلك كان يكون تصديقاً بالبعث والنشأة الآخرة ، ولكنه حذف همزة الاستفهام لدلالة المعنى . وفي الكلام حذف تقديره إذا كنا تراباً وعظاماً نبعث أو نعاد ، وحذف لدلالة ما بعده عليه وهذا المحذوف هو جواب الشرط عند سيبويه ، والذي تعلق به الاستفهام وانصب عليه عند يونس وخلقاً حال وهو في الأصل مصدر أطلق على المفعول أي مخلوقاً .