Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 40-44)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما نبه تعالى على فساد من أثبت لله شريكاً ونظيراً أتبعه بفساد طريقة من أثبت لله ولداً ، والاستفهام معناه الإنكار والتوبيخ والخطاب لمن اعتقد أن الملائكة بنات الله ومعنى { أفأصفاكم } آثركم وخصكم وهذا كما قال : أله البنات ولكم البنون { ألكم الذكر وله الأنثى } [ النجم : 21 ] وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم ، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب ويكون أردؤها وأدونها للسادات . ومعنى { عظيماً } مبالغاً في المنكر والقبح حيث أضفتم إليه الأولاد ثم حيث فضلتم عليه تعالى أنفسكم فجعلتم له ما تكرهون ، ثم نسبة الملائكة الذين هم من شريف ما خلق إلى الأنوثة . ومعنى { صرّفنا } نوَّعنا من جهة إلى جهة ومن مثال إلى مثال ، والتصريف لغة صرف الشيء من جهة إلى جهة ثم صار كناية عن التبيين . وقرأ الجمهور { وصرّفنا } بتشديد الراء . فقال : لم نجعله نوعاً واحداً بل وعداً ووعيداً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وأمراً ونهياً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وأخباراً وأمثالاً مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال ، ومفعول { صرّفنا } على هذا المعنى محذوف وهي هذه الأشياء أي : صرّفنا الأمثال والعبر والحكم والأحكام والأعلام . وقيل : المعنى لم ننزله مرة واحدة بل نجوماً ومعناه أكثرنا صرف جبريل إليك والمفعول محذوف أي { صرّفنا } جبريل . وقيل : { في } زائدة أي { صرّفنا } { هذا القرآن } كما قال { وأصلح لي في ذريتي } [ الأحقاف : 15 ] وهذا ضعيف لأن في لا تزاد . وقال الزمخشري : يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات لأنه مما صرفه وكرر ذكره ، والمعنى ولقد { صرّفنا } القول في هذا المعنى ، وأوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكاناً للتكرير ، ويجوز أن يشير بهذا { القرآن } إلى التنزيل ، ويريد ولقد صرفناه يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل ، فترك الضمير لأنه معلوم انتهى . فجعل التصريف خاصاً بما دلت عليه الآية قبله وجعل مفعول { صرفنا } أما القول في هذا المعنى أو المعنى وهو الضمير الذي قدره في صرفناه وغيره جعل التصريف عامّاً في أشياء فقدر ما يشمل ما سيق له ما قبله وغيره . وقرأ الحسن بتخفيف الراء . فقال صاحب اللوامح : هو بمعنى العامة يعني بالعامة قراءة الجمهور ، قال : لأن فعل وفعل ربما تعاقبا على معنى واحد . وقال ابن عطية : على معنى صرفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله . وقرأ الجمهور { ليذّكروا } أي ليتذكروا من التذكير ، أدغمت التاء في الذال . وقرأ الأخوان وطلحة وابن وثاب والأعمش ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف من الذكر أو الذكر ، أي ليتعظوا ويعتبروا وينظروا فيما يحتج به عليهم ويطمئنوا إليه { وما يزيدهم } أي التصريف { إلاّ نفوراً } أي بعداً وفراراً عن الحق كما قال : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] وقال : { فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمُر مستنفرة } [ المدثر : 49 - 50 ] والنفور من أوصاف الدواب الشديدة الشماس ، ولما ذكر تعالى نسبة الولد إليهم ورد عليهم في ذلك ذكر قولهم إنه تعالى معه آلهة وردَّ عليهم . وقرأ ابن كثير وحفص { كما يقولون } بالياء من تحت ، والجمهور بالتاء . ومعنى { لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً } إلى مغالبته وإفساد ملكه لأنهم شركاؤه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض . وقال هذا المعنى أو مثله ابن جبير وأبو عليّ الفارسي والنقاش والمتكلمون أبو منصور وغيره ، وعلى هذا تكون الآية بياناً للتمانع كما في قوله { لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] ويأتي تفسيرها إن شاء الله تعالى . وقال قتادة ما معناه : لابتغوا إلى التقرب إلى ذي العرش والزلفى لديه ، وكانوا يقولون : إن الأصنام تقربهم إلى الله فإذا علموا أنها تحتاج إلى الله فقد بطل كونها آلهة ، ويكون كقوله { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } [ الإسراء : 57 ] ، والكاف من { كما } في موضع نصب . وقال الحوفي : متعلقة بما تعلقت به مع وهو الاستقرار و { معه } خبر كان . وقال أبو البقاء : كوناً لقولكم . وقال الزمخشري : و { إذاً } دالة على أن ما بعدها وهو { لابتغوا } جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو انتهى . وعطف { وتعالى } على قوله { سبحانه } لأنه اسم قام مقام المصدر الذي هو في معنى الفعل ، أي براءة الله وقد تنزه وتعالى يتعلق به على سبيل الأعمال إذ يصح لسبحانه أن يتعلق به عن كما في قوله { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } [ الصافات : 180 ] والتعالي في حقه تعالى هو بالمكانة لا بالمكان . وقرأ الإخوان : عما تقولون بالتاء من فوق وباقي السبعة بالياء . وانتصب { علوّاً } على أنه مصدر على غير الصدر أي تعالياً ووصف تكبيراً مبالغة في معنى البراءة والبعد عما وصفوه به لأن المنافاة بين الواجب لذاته والممكن لذاته ، وبين القديم والمحدث ، وبين الغني والمحتاج منافاة لا تقبل الزيادة ، ونسبة التسبيح للسماوات والأرض ومن فيهن من ملك وإنس وجن حمله بعضهم على النطق بالتسبيح حقيقة ، وأن ما لا حياة فيه ولا نمو يحدث الله له نطقاً وهذا هو ظاهر اللفظ ، ولذلك جاء { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } . وقال بعضهم : ما كان من نام حيوان وغيره يسبح حقيقة ، وبه قال عكرمة قال : الشجرة تسبّح والأسطوانة لا تسبّح . وسئل الحسن عن الخوان أيسبّح ؟ فقال : قد كان تسبّح مرة يشير إلى أنه حين كان شجرة كان يسبّح ، وحين صار خواناً مدهوناً صار جماداً لا يسبّح . وقيل : التسبيح المنسوب لما لا يعقل مجاز ومعناه أنها تسبّح بلسان الحال حيث يدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته وكماله ، فكأنها تنطق بذلك وكأنها تنزه الله عما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها . ويكون قوله : { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } خطاباً للمشركين ، وهم وإن كانوا معترفين بالخالق أنه الله لكنهم لما جعلوا معه آلهة لم ينظروا ولم يقروا لأن نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه ، فإذا لم يفقهوا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق فيكون التسبيح المسند إلى السماوات والأرض ومن فيهن على سبيل المجاز قدراً مشتركاً بين الجميع ، وإن كان يصدر التسبيح حقيقة ممن فيهن من ملك وإنس وجان ولا يحمل نسبته إلى السماوات والأرض على المجاز ، ونسبته إلى الملائكة والثقلين على الحقيقة لئلا يكون جمعاً بين المجاز والحقيقة بلفظ واحد . وقال ابن عطية ثم أعاد على السماوات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح انتهى . ويعنى بالضمير في قوله { ومن فيهن } وكأنه تخيل أن هن لا يكون إلاّ لمن يعقل من المؤنثات وليس كما تخيل بل هنا يكون ضمير الجمع المؤنث مطلقاً . وقرأ النحويان وحمزة وحفص : تسبّح بالتاء من فوق وباقي السبعة بالياء ، وفي بعض المصاحف سبّحت له السماوات بلفظ الماضي وتاء التأنيث وهي قراءة عبد الله والأعمش وطلحة بن مصرف . { إنه كان حليماً } حيث لا يعاجلكم بالعقوبة على سوء نظركم { غفوراً } إن رجعتم ووحدتم الله تعالى .