Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 73-77)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في { وإن كادوا } قيل لقريش . وقيل لثقيف ، وذكروا أسباب نزول مختلفة وفي بعضها ما لا يصح نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويوقف على ذلك في تفسير ابن عطية والزمخشري والتحرير وغير ذلك ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما عدد نعمه على بني آدم ثم ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة ، ومن عمى أهل الشقاوة أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على سيد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة ، ومعنى { ليفتنونك } ليخدعونك وذلك في ظنهم لا أنهم قاربوا ذلك إذ هو معصوم عليه السلام أن يقاربوا فتنته عما أوحى الله إليه ، وتلك المقاربة في زعمهم سببها رجاؤهم أن يفتري على الله غير ما أوحى الله إليه من تبديل الوعد وعيداً أو الوعيد وعداً ، وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى الله ما لم ينزل عليه و { إن } هذه هي المخففة من الثقيلة ، وليتها الجملة الفعلية وهي { كادوا } لأنها من أفعال المقاربة وإنما تدخل على مذهب البصريين من الأفعال على النواسخ التي للإثبات على ما تقرر في علم النحو ، واللام في { ليفتنونك } هي الفارقة بين أن هذه وأن النافية { وإذاً } حرف جواب وجزاء ، ويقدر قسم هنا تكون { لاتخذوك } جواباً له ، والتقدير والله { إذاً } أي إن افتتنت وافتريت { لاتخذوك } جواباً له ، والتقدير والله { إذاً } أي إن افتتنت وافتريت { لاتخذوك } ولا اتخذوك فى معنى ليتخذونك كقوله { ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا } [ الروم : 51 ] أي ليظلنّ لأن { إذاً } تقتضي الاستقبال لأنها من حيث المعنى جزءاً فيقدر موضعها بأداة الشرط . وقال الزمخشري : { وإذاً لاتخذوك } أي ولو اتبعت مرادهم { لاتخذوك خليلاً } ولكنت لهم ولياً ، ولخرجت من ولايتي انتهى . وهو تفسير معنى لا إن { لاتخذوك } جواب لو محذوفة . قال الزمخشري : { ولولا أن ثبتناك } ولولا تثبيتنا لك وعصمتنا لقد كدت تركن إليهم لقاربت أن تميل إلى خدعهم ومكرهم ، وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت ، وفي ذلك لطف للمؤمنين إذن لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة { لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } أي { لأذقناك } عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين . فإن قلت : كيف حقيقة هذا الكلام ؟ قلت : أصله { لأذقناك } عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان ، عذاب في الممات وهو عذاب القبر ، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار ، والضعف يوصف به نحو قوله تعالى : { فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } [ الأعراف : 38 ] يعني مضاعفاً ، فكان أصل الكلام { لأذقناك } عذاباً ضعفاً في الحياة ، وعذاباً ضعفاً في الممات ، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف ، فقيل { ضعف الحياة وضعف الممات } كما لو قيل { لأذقناك } أليم الحياة وأليم الممات ، ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا ، وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار والمعنى لضاعفنا لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا . وما نؤخره لما بعد الموت انتهى . وجواب { لولا } يقتضي إذا كان مثبتاً امتناعه لوجود ما قبله ، فمقاربة الركون لم تقع منه فضلاً عن الركون والمانع من ذلك هو وجود تثبيت الله . وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق وابن مصرف : { تركن } بضم الكاف مضارع ركن بفتحها وانتصب { شيئاً } على المصدر . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : يريد ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات على معنى أن ما يستحقه من أذنب من عقوبتنا في الدنيا والآخرة كنا نضعفه . وذهب ابن الأنباري إلى أن المعنى لقد كاد أن يخبروا عنك أنك ركنت إلى قولهم بسبب فعلهم إليه مجازاً واتساعاً كما تقول للرّجل : كدت تقتل نفسك أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت . وقال ابن عباس : كان الرسول صلى الله عليه وسلم معصوماً ، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله تعالى وشرائعه انتهى . واللام في { لأذقناك } جواب قسم محذوف قبل { إذاً } أي والله إن حصل ركون ليكونن كذا ، والقول في { لأذقناك } كالقول في { لاتخذوك } من وقوع الماضي موضع المضارع الداخل عليه اللام والنون ، وممن نص على أن اللام في { لاتخذوك } و { لأذقناك } هي لام القسم الحوفي . وقال الزمخشري : وفي ذكر الكيدودة وتعليلها مع اتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل بيِّن على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته انتهى . ومن ذلك { يا نساء النبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة } [ الأحزاب : 30 ] الآية . قال الزمخشري : وفيه أدنى مداهنة للغواة مضادة لله وخروج عن ولايته ، وسبب موجب لغضبه ونكاله انتهى . وروي أنه لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " قال حضرمي : الضمير في { وإن كادوا } ليهود المدينة وناحيتها كحيي بن أخطب وغيره ، وذلك أنهم ذهبوا إلى المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ، وإنما أرض الأنبياء الشام ، ولكنك تخاف الروم فإن كنت نبياً فاخرج إليها فإن الله سيحميك كما حمى غيرك من الأنبياء فنزلت ، وأخبر تعالى أنه لو خرج لم يلبثهم بعد { إلاّ قليلاً } . وحكى النقاش أنه خرج بسبب قولهم وعسكر بذي الحليفة وأقام ينتظر أصحابه فنزلت ورجع . قال ابن عطية : وهذا ضعيف لم يقع في سيرة ولا في كتاب يعتمد عليه ، وذو الحليفة ليس في طريق الشام من المدينة انتهى . وقالت فرقة : الضمير لقريش قاله ابن عباس وقتادة ، واستفزازهم هو ما ذهبوا إليه من إخراجه من مكة كما ذهبوا إلى حصره في الشعب ، ووقع استفزازهم هذا بعد نزول الآية وضيقوا عليه حتى خرج واتبعوه إلى الغار ونفذ عليهم الوعيد في أن لم يلبثوا خلفه { إلاّ قليلاً } يوم بدر . وقال الزجّاج حاكياً أن استفزازهم ما أجمعوا عليه في دار الندوة من قتله والأرض على هذا الدنيا . وقال مجاهد : ذهبت قريش إلى هذا ولكنه لم يقع منها لأنه لما أراد تعالى استبقاء قريش وأن لا يستأصلهما أذن لرسوله في الهجرة فخرج بإذنه لا بقهر قريش ، واستبقيت قريش ليسلم منها ومن أعقابها من أسلم قال : ولو أخرجته قريش لعذبوا . ذهب مجاهد إلى أن الضمير في { يلبثون } لجميعهم . وقال الحسن : { ليستفزونك } ليفتنونك عن رأيك . وقال ابن عيسى : ليزعجونك ويستخفونك . وأنشد : @ يطيع سفيه القوم إذ يستفزه ويعصي حليماً شيبته الهزاهز @@ والظاهر أن الآية تدل على مقاربة استفزازه لأن يخرجوه ، فما وقع الاستفزاز ولا إخراجهم إياه المعلل به الاستفزاز ، ثم جاء في القرآن { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك } [ محمد : 13 ] أي أخرجك أهلها . وفي الحديث : " يا ليتني كنت فيها جذعاً إذ يخرجك قومك قال : أو مخرجي هم " الحديث فدل ذلك على أنهم أخرجوه . لكن الإخراج الذي هو علة للاستفزاز لم يقع فلا تعارض بين الآيتين والحديث . وقال أبو عبد الله الرازي : ما خرج بسبب إخراجهم وإنما خرج بأمر الله فزال التناقض انتهى . { ولا يلبثون } جواب قسم محذوف أي والله إن استفزوك فخرجت { لا يلبثون } ولذلك لم تعمل { إذاً } لأنها توسطت بين قسم مقدر ، والفعل فلا يلبثون ليست منصبة عليه من جهة الإعراب ، ويحتمل أن تكون { لا يلبثون } خبراً لمبتدأ محذوف يدل عليه المعنى تقديره ، وهم { إذاً لا يلبثون } فوقعت إذاً بين المبتدأ وخبره فألغيت . وقرأ أُبيّ وإذا لا يلبثوا بحذف النون أعمل إذاً فنصب بها على قول الجمهور ، وبأن مضمرة بعدها على قول بعضهم وكذا هي في مصحف عبد الله محذوفة النون . قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه القراءتين ؟ قلت : أما الشائعة فقد عطف فيها الفعل على الفعل وهو مرفوع لوقوعه خبر كاد ، والفعل في خبر كاد واقع موقع الاسم . وأما قراءة أُبيّ ففيها الجملة برأسها التي هي وإذاً لا يلبثوا عطف على جملة قوله { وإن كادوا ليستفزونك } انتهى . وقرأ عطاء { لا يلبثون } بضم الياء وفتح اللام والباء مشددة . وقرأ يعقوب كذلك إلاّ أنه كسر الباء . وقرأ الأخوان وابن عامر وحفص { خلافك } وباقي السبعة خلفك والمعنى واحد . قال الشاعر : @ عفت الديار خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا @@ وهذا كقوله { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } [ التوبة : 81 ] أي خلف رسول الله في أحد التأويلات . وقرأ عطاء بن أبي رباح : بعدك مكان خلفك ، والأحسن أن يجعل تفسيراً لخلفك لا قراءة لأنها لا تخالف سواد المصحف ، فأراد أن يبين أن خلفك هنا ليست ظرف مكان وإنما تجوز فيها فاستعملت ظرف زمان بمعنى بعدك . وهذه الظروف التي هي قبل وبعد ونحوهما اطّرد إضافتها إلى أسماء الأعيان على حذف مضاف يدل عليه ما قبله ، في نحو خلفك أي خلف إخراجك ، أو جاء زيد قبل عمرو أي قبل مجيء عمرو ، وضحك بكر بعد خالد أي بعد ضحك خالد . وانتصب { سنة } على المصدر المؤكد أي سنّ الله سنة ، والمعنى أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فسنة الله أن يهلكهم بعد إخراجه ويستأصلهم ولا يقيمون بعده إلاّ قليلاً . وقال الفراء : انتصب { سنة } على إسقاط الخافض لأن المعنى كسنة فنصب بعد حذف الكاف ، وعلى هذا لا يقف على قوله : { إلاّ قليلاً } . وقال أبو البقاء : { سنة } منصوب على المصدر أي سننا بك سنة من تقدم من الأنبياء ، ويجوز أن يكون مفعولاً به أي اتبع { سنة من قد أرسلنا } كما قال تعالى : { فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] انتهى . وهذا معنى غير الأول والمفسرون على الأول وهو المناسب لمعنى الآية قبلها { ولن تجد } لما أجرينا به العادة { تحويلاً } منه إلى غيره إذ كل حادث له وقت معين وصفة معينة ونفي الوجدان هنا وفيما أشبهه معناه نفي الوجود .