Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 30-31)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى حال أهل الكفر وما أعد لهم في النار ذكر حال أهل الإيمان وما أعد لهم في الجنة ، وخبر { إن } يحتمل أن تكون الجملة من قوله أولئك لهم . وقوله { إنّا لا نضيع } الجملة اعتراض . قال ابن عطية : ونحو هذا من الاعتراض قول الشاعر : @ إن الخليفة إن الله ألبسه سربال ملك به ترجى الخواتيم @@ انتهى ، ولا يتعين في قوله إن الله ألبسه أن يكون اعتراضاً هي اسم إن وخبرها الذي هو ترجى الخواتيم ، يجوز أن يكون إن الله ألبسه هو الخبر ، ويحتمل أن يكون الخبر قوله { إنّا لا نضيع أجر } والعائد محذوف تقديره { من أحسن عملاً } منهم . أو هو قوله { من أحسن عملاً } على مذهب الأخفش في ربطه الجملة بالاسم إذا كان هو المبتدأ في المعنى ، لأن { من أحسن عملاً } هم { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فكأنه قال : إنّا لا نضيع أجرهم ، ويحتمل أن تكون الجملتان خبرين لأن على مذهب من يقتضي المبتدأ خبرين فصاعداً من غير شرط أن يكونا ، أو يكن في معنى خبر . واحد . وإذا كان خبر { إن } قوله { إنّا لا نضيع } كان قوله { أولئك } استئناف اخبار موضح لما انبهم في قوله { إنّا لا نضيع } من مبهم الجزاء . وقرأ عيسى الثقفي { لا نضيع } من ضيع عداه بالتضعيف ، والجمهور من أضاع عدوّه بالهمزة ، ولما ذكر مكان أهل الكفر وهو النار . ذكر مكان أهل الإيمان وهي { جنات عدن } ولما ذكر هناك ما يغاثون به وهو الماء كالمهل ذكر هنا ما خص به أهل الجنة من كون الأنهار تجري من تحتهم ، ثم ذكر ما أنعم عليهم من التحلية واللباس اللذين هما زينة ظاهرة . وقال سعيد بن جبير : يحلى كل واحد ثلاثة أساور سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ ويواقيت . وقال الزمخشري : و { من } الأول للابتداء والثانية للتبيين ، وتنكير { أساور } لإبهام أمرها في الحسن انتهى . ويحتمل أن تكون { من } في قوله { من ذهب } للتبعيض لا للتبيين . وقرأ أبان عن عاصم من اسورة من غير ألف وبزيادة هاء وهو جمع سوار . وقرأ أيضاً أبان عن عاصم وابن أبي حماد عن أبي بكر : { ويلبسون } بكسر الباء . وقرأ ابن محيصن { واستبرق } بوصل الألف وفتح القاف حيث وقع جعله فعلاً ماضياً على وزن استفعل من البريق ، ويكون استفعل فيه موافقاً للمجرد الذي هو برق كما تقول : قر واستقر بفتح القاف ذكره الأهوازي في الإقناع عن ابن محيصن . قال ابن محيصن . وحده : { واستبرق } بالوصل وفتح القاف حيث كان لا يصرفه انتهى . فظاهره أنه ليس فعلاً ماضياً بل هو اسم ممنوع الصرف . وقال ابن خالويه : جعله استفعل من البريق ابن محيصن فظاهره أنه فعل ماض وخالفهما صاحب اللوامح . قال ابن محيصن : { واستبرق } بوصل الهمزة في جميع القرآن فيجوز أنه حذف الهمزة تخفيفاً على غير قياس ، ويجوز أنه جعله عربية من برق يبرق بريقاً . وذلك إذا تلالأ الثوب لجدته ونضارته ، فيكون وزنه استفعل من ذلك فلما تسمى به عامله معاملة الفعل في وصل الهمزة ، ومعاملة المتمكنة من الأسماء في الصرف والتنوين ، وأكثر التفاسير على أنه عربية وليس بمستعرب دخل في كلامهم فأعربوه انتهى . ويمكن أن يكون القولان روايتين عنه فتح القاف وصرفه التنوين ، وذكر أبو الفتح بن جنيّ قراءة فتح القاف ، وقال : هذا سهو أو كالسهو انتهى . وإنما قال ذلك لأنه جعله اسماً ومنعه من الصرف لا يجوز لأنه غير علم ، وقد أمكن جعله فعلاً ماضياً فلا تكون هذه القراءة سهواً . قال الزمخشري : وجمع بين السندس وهو ما رقَّ من الديباج ، وبين الاستبرق وهو الغليظ منه جمعاً بين النوعين ، وقدمت التحلية على اللباس لأن الحلي في النفس أعظم وإلى القلب أحب ، وفي القيمة أغلى ، وفي العين أحلى ، وبناء فعله للمفعول الذي لم يسم فاعله إشعاراً بأنهم يكرمون بذلك ولا يتعاطون ذلك بأنفسهم كما قال الشاعر : @ غرائر في كن وصون ونعمة تحلين ياقوتاً وشذراً مفقرا @@ وأسند اللباس إليهم لأن الإنسان يتعاطى ذلك بنفسه خصوصاً لو كان بادي العورة ، ووصف الثياب بالخضرة لأنها أحسن الألوان والنفس تنبسط لها أكثر من غيرها ، وقد روي في ذلك أثر إنها تزيد في ضوء البصر وقال بعض الأدباء : @ أربعة مذهبة لكل هم وحزن الماء والخضرة والبستان والوجه الحسن @@ وخص الاتكاء لأنها هيئة المنعمين والملوك على أسرَّتهم . وقرأ ابن محيصن : { على الأرائك } بنقل الهمزة إلى لام التعريف وإدغام لام على { فيها } فتنحذف ألف { على } لتوهم سكون لام التعريف والنطق به علرائك ومثله قول الشاعر : @ فما أصبحت علرض نفس برية ولا غيرها إلاّ سليمان بالها @@ يريد على الأرض ، والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم الثواب ما وعدوا به ، والضمير في { حسنت } عائد على الجنات .