Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 28-29)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال كفار قريش لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك ، يعنون عماراً وصهيباً وسلمان وابن مسعود وبلالاً ونحوهم من الفقراء ، وقالوا : إن ريح جبابهم تؤذينا ، فنزلت { واصبر نفسك } الآية ، وعن سلمان أن قائل ذلك عيينة بن حصين والأقرع وذووهم من المؤلفة فنزلت ، فالآية على هذا مدنية والأول أصح لأن السورة مكية ، وفعل المؤلفة فعل قريش فردّ بالآية عليهم { واصبر نفسك } أي احبسها وثبتها . قال أبو ذؤيب : @ فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع @@ وفي الحديث النهي عن صبر الحيوان أي حبسه للرمي ، و { مع } تقتضي الصحبة والموافقة والأمر بالصبر هنا يظهر منه كبير اعتناء بهؤلاء الذين أمر أن يصبر نفسه معهم . وهي أبلغ من التي في الأنعام { ولا تطرد الذين يدعون } [ الأنعام : 52 ] الآية . وقال ابن عمر ومجاهد وإبراهيم : { بالغداة والعشي } إشارة إلى الصلوات الخمس . وقال قتادة : إلى صلاة الفجر وصلاة العصر ، وقد يقال : إن ذلك يراد به العموم أي { يدعون ربهم } دائماً ، ويكون مثل : ضرب زيد الظهر والبطن يريد جميع بدنه لا خصوص المدلول بالوضع . وتقدّم الكلام على قوله { بالغداة والعشي } قراءة وإعراباً في الأنعام . { ولا تعد } أي لا تصرف { عيناك } النظر عنهم إلى أبناء الدنيا ، وعدا متعد تقول : عدا فلان طوره وجاء القوم عدا زيداً ، فلذلك قدرنا المفعول محذوفاً ليبقى الفعل على أصله من التعدية . وقال الزمخشري : وإنما عدَّي بعن لتضمين عدا معنى نبا وعلا في قولك : نبت عنه عينه ، وعلت عنه عينه إذا اقتحمته ولم تعلق به . فإن قلت : أي غرض في هذا التضمين ؟ وهلا قيل ولا تعدهم عيناك أو { ولا تعد عيناك عنهم } . قلت : الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين . وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ، ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك ولا تقتحمهم عيناك مجاوزين إلى غيرهم ونحو قوله { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } [ النساء : 2 ] أي ولا تضموها إليها آكلين لها انتهى . وما ذكره من التضمين لا ينقاس عند البصريين وإنما يذهب إليه عند الضرورة ، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله الوضعي فإنه يكون أولى . وقرأ الحسن : { ولا تعد } من أعدى ، وعنه أيضاً وعن عيسى والأعمش { ولا تعد } . قال الزمخشري : نقلاً بالهمزة وبنقل الحشو ومنه قوله . @ فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له @@ لأن معناه فعد همك عما ترى انتهى . وكذا قال صاحب اللوامح . قال : وهذا مما عديته بالتضعيف كما كان في الأولى بالهمز ، وما ذهبا إليه ليس بجيد بل الهمزة والتكثير في هذه الكلمة ليسا للتعدية وإنما ذلك لموافقة أفعل وفعل للفعل المجرد ، وإنما قلنا ذلك لأنه إذا كان مجرداً متعد وقد أقر بذلك الزمخشري فإنه قال : يقال عداه إذا جاوزه ، ثم قال : وإنما عدّي بعن للتضمين والمستعمل في التضمين هو مجاز ولا يتسعون فيه إذا ضمنوه فيعدونه بالهمزة أو التضعيف ، ولو عدِّي بهما وهو متعد لتعدى إلى اثنين وهو في هذه القراءة ناصب مفعولاً واحداً ، فدل على أنه ليس معدى بهما . وقال الزمخشري : { تريد زينة الحياة الدنيا } في موضع الحال انتهى . وقال صاحب الحال : إن قدر { عيناك } فكان يكون التركيب تريدان ، وإن قدر الكاف فمجيء الحال من المجرور بالإضافة مثل هذا فيها إشكال لاختلاف العامل في الحال وذي الحال ، وقد أجاز ذلك بعضهم إذا كان المضاف جزءاً أو كالجزء ، وحسن ذلك هنا أن المقصود نهيه عليه الصلاة والسلام عن الإعراض عنهم والميل إلى غيرهم ، وإنما جيء بقوله { عيناك } والمقصود هو لأنهما بهما تكون المراعاة للشخص والتلفت له ، والمعنى { ولا تعد } أنت { عنهم } النظر إلى غيرهم . وقال الزمخشري : { من أغفلنا قلبه } من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر بالخذلان أو وجدناه غافلاً عنه كقولك : أجبنته وأفحمته وأبحلته إذا وجدته كذلك ، أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بالذكر ، ولم نجعلهم من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان ، وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله { واتبع هواه } انتهى . وهذا على مذهب المعتزلة ، والتأويل الآخر تأويل الرماني وكان معتزلياً قال : لم نسمه بما نسم به قلوب المؤمنين بما يبين به ، فلاحهم كما قال : كتب في قلوبهم الإيمان من قولهم بعير غفل لم يكن عليه سمة ، وكتاب غفل لم يكن عليه إعجام ، وأما أهل السنة فيقولون : إن الله تعالى أغفله حقيقة وهو خالق الضلال فيه والغفلة . وقال المفضل : أخليناه عن الذكر وهو القرآن . وقال ابن جريج : شغلنا قلبه بالكفر وغلبة الشقاء ، والظاهر أن المراد بمن { أغفلنا } كفار قريش . وقيل : عيينة والأقرع والأول أولى لأن الآية مكية . وقرأ عمر بن فائد وموسى الأسواري وعمرو بن عبيد { أغفلنا } بفتح اللام { قلبه } بضم الباء أسند الأفعال إلى القلب . قال ابن جنيِّ من ظننا غافلين عنه . وقال الزمخشري : حسبنا قلبه غافلين من أغفلته إذا وجدته غافلاً انتهى . { واتبع هواه } في طلب الشهوات { وكان أمره فرطاً } . قال قتادة ومجاهد : ضياعاً . وقال مقاتل بن حيان : سرفاً . وقال الفرّاء : متروكاً . وقال الأخفش : مجاوزاً للحد . قيل : وهو قول عتبة إن أسلمنا أسلم الناس . وقال ابن بحر : الفرط العاجل السريع ، كما قال { وكان الإنسان عجولاً } [ الإسراء : 11 ] . وقيل : ندماً . وقيل : باطلاً . وقال ابن زيد : مخالفاً للحق . وقال ابن عطية : الفرط يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتضييع ، أي أمره الذي يجب أن يلزم ، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف أي { أمره } و { هواه } الذي هو بسبيله انتهى . و { الحق } يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، فقدره ابن عطية هذا { الحق } أي هذا القرآن أو هذا الإعراض عنكم وترك الطاعة لكم وصبر النفس مع المؤمنين . وقال الزمخشري : { الحق } خبر مبتدأ محذوف والمعنى جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلاّ اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك ، وجيء بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين انتهى . وهو على طريق المعتزلة ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره { من ربكم } . قال الضحاك : هو التوحيد . وقال مقاتل : هو القرآن . وقال مكي : أي الهدى والتوفيق والخذلان من عند الله يهدي من يشاء فيوفقه فيؤمن ، ويضل من يشاء فيخذله فيكفر ليس إليّ من ذلك شيء . وقال الكرماني : أي الإسلام والقرآن ، وهذا الذي لفظه لفظ الأمر معناه التهديد والوعيد ولذلك عقبه بقوله : { إنّا أعتدنا للظالمين } قال معناه ابن عباس . وقال السدّي : هو منسوخ بقوله { وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله } [ الإنسان : 30 ] وهذا قول ضعيف ، والظاهر أن الفاعل بشاء عائد على { من } . وعن ابن عباس من شاء الله له بالإيمان آمن ، ومن لا فلا انتهى . وحكى ابن عطية عن فرقة أن الضمير في { شاء } عائد على الله تعالى ، وكأنه لما كان الإيمان والكفر تابعين لمشيئة الله جاء بصيغة الأمر حتى كأنه تحتم وقوعه مأمور به مطلوب منه . وقرأ أبو السمال قعنب وقلَ الحق بفتح اللام حيث وقع . قال أبو حاتم : وذلك رديء في العربية انتهى . وعنه أيضاً ضم اللام حيث وقع كأنه اتباع لحركة القاف . وقرأ أيضاً { الحق } بالنصب . قال صاحب اللوامح : هو على صفة المصدر المقدر لأن الفعل يدل على مصدره وإن لم يذكر فينصبه معرفة كنصبه إياه نكرة ، وتقديره { وقل } القول { الحق } وتعلق { من } بمضمر على ذلك مثل هو إرجاء والله أعلم . وقرأ الحسن وعيسى الثقفي بكسر لامي الأمر . ولما تقدم الإيمان والكفر أعقب بما أعد لهما فذكر ما أعد للكافرين يلي قوله { فليكفر } وأتى بعد ذلك بما أعد للمؤمنين ، ولما كان الكلام مع الكفار وفي سياق ما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم كانت البداءة بما أعد لهم أهم وآكد ، وهما طريقان للعرب هذه الطريق والأخرى أنه يجعل الأول في التقسيم للأول في الذكر ، والثاني للثاني . والسرادق قال ابن عباس : حائط من نار محيط بهم . وحكى أقضى القضاة الماوردي أنه البحر المحيط بالدنيا . وحكى الكلبي : أنه عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار . وقيل : دخان { وإن يستغيثوا } يطلبوا الغوث مما حل بهم من النار وشدة إحراقها واشتداد عطشهم { يغاثوا } على سبيل المقابلة وإلاّ فليست إغاثة . وروي في الحديث أنه عكر الزيت إذا قرب منه سقطت فروة وجهه فيه . وقال ابن عباس : ماء غليظ مثل دردي الزيت . وعن مجاهد أنه القيح والدم الأسود . وعن ابن جبير : كل شيء ذائب قد انتهى حرّه . وذكر ابن الأنباري أنه الصديد . وعن الحسن أنه الرماد الذي ينفط إذا خرج من التنور . وقيل : ضرب من القطران . و { يشوي } في موضع الصفة لماء أو في موضع الحال منه لأنه قد وصف فحسن مجيء الحال منه ، وإنما اختص { الوجوه } لكونها عند شربهم يقرب حرّها من وجوههم . وقيل : عبر بالوجوه عن جميع أبدانهم ، والمعنى أنه ينضج به جميع جلودهم كقوله { كلما نضجت جلودهم } [ النساء : 56 ] والمخصوص بالذم محذوف تقديره { بئس الشراب } هو أي الماء الذي يغاثون به . والضمير في { ساءت } عائد على النار . والمرتفق قال ابن عباس : المنزل . وقال عطاء : المقر . وقال القتبي : المجلس . وقال مجاهد : المجتمع ، وأنكر الطبري أن يعرف لقول مجاهد معنى ، وليس كذلك كان مجاهداً ذهب إلى معنى الرفاقة ومنه الرفقة . وقال أبو عبيدة : المتكأ . وقال الزجاج : المتكأ على المرفق ، وأخذه الزمخشري فقال : متكأ من المرفق وهذا لمشاكلة قوله { وحسنت مرتفقاً } [ الكهف : 31 ] وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء . وقال ابن الأنباري : ساءت مطلباً للرفق ، لأن من طلب رفقاً من جهنم عدمه . وقال ابن عطية : قريباً من قول ابن الأنباري . قال : والأظهر عندي أن يكون المرتفق بمعنى الشيء الذي يطلب رفقه باتكاء وغيره . وقال أبو عبد الله الرازي : والمعنى بئس الرفقاء هؤلاء ، وبئس موضع الترافق النار .