Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 27-33)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فأتت به } قيل إتيانها كان من ذاتها . قيل : طهرت من النفاس بعد أربعين يوماً وكان الله تعالى قد أراها آيات واضحات ، وكلمها عيسى ابنها وحنت إلى الوطن وعلمت أن عيسى سيكفيها من يكلمها فعادت إلى قومها . وقيل : أرسلوا إليها لتحضري إلينا بولدك ، وكان الشيطان قد أخبر قومها بولادتها وفي الكلام حذف أي فلما رأوها وابنها { قالوا } قال مجاهد والسدّي : الفري العظيم الشنيع . وقرأ أبو حيوة فيما نقل ابن عطية { فرياً } بسكون الراء ، وفيما نقل ابن خالويه فرئاً بالهمز ، و { هارون } شقيقها أو أخوها من أمّها ، وكان من أمثل بني إسرائيل ، أو { هارون } أخو موسى إذ كانت من نسله ، أو رجل صالح من بني إسرائيل شبهت به ، أو رجل من النساء وشبهوها به أقوال . والأولى أنه أخوها الأقرب . وفي حديث المغيرة حين خصمه نصارى نجران في قوله تعالى { يا أخت هارون } والمدة بينهما طويلة جداً فقال له الرسول : " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " وأنكروا عليها ما جاءت به وأن أبويها كانا صالحين ، فكيف صدرت منك هذه الفعلة القبيحة وفي هذا دليل على أن الفروع غالباً تكون زاكية إذا زكت الأصول ، وينكر عليها إذا جاءت بضد ذلك . وقرأ عمر بن لجا التيمي الشاعر الذي كان يهاجي جريراً { ما كان أبوك امرأ سوء } لجعل الخبر المعرفة والاسم النكرة وحسن ذلك قليلاً كونها فيها مسوع جواز الابتداء وهو الإضافة ، ولما اتهموها بما اتهموها نفوا عن أبويها السوء لمناسبة الولادة ، ولم ينصوا على إثبات الصلاح وإن كان نفي السوء يوجب الصلاح ونفي البغاء يوجب العفة لأنهما بالنسبة إليهما نقيضان . روي أنها لما دخلت به على قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا وقالوا ذلك . وقيل : هموا برجمها حتى تكلم عيسى فتركوها . { فأشارت } أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه . وقيل : كان المستنطق لعيسى زكريا . ويروى أنهم لما أشاروا إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها ، ثم قالوا لها على جهة الإنكار والتهكم بها أي إن من كان في المهد يُربيّ لا يكلم ، وإنما أشارت إليه لما تقدم لها من وعده أنه يجيبهم عنها ويغنيها عن الكلام . وقيل : بوحي من الله إليها . و { كان } قال أبو عبيدة : زائدة . وقيل : تامّة وينتصب { صبياً } على الحال في هذين القولين ، والظاهر أنها ناقصة فتكون بمعنى صار أو تبقى على مدلولها من اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي ، ولا يدل ذلك على الانقطاع كما لم يدل في قوله { وكان الله غفوراً رحيماً } [ النساء : 96 ] وفي قوله { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة } [ الإسراء : 32 ] والمعنى { كان } وهو الآن على ما كان ، ولذلك عبر بعض أصحابنا عن { كان } هذه بأنها ترادف لم يزل وما ردّ به ابن الأنباري كونها زائدة من أن الزائدة لا خبر لها ، وهذه نصبت { صبيا } خبراً لها ليس بشيء لأنه إذ ذاك ينتصب على الحال ، والعامل فيها الاستقرار . وقال الزمخشري : كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبه خاصة والدال عليه معنى الكلام وأنه مسوق للتعجب ، ووجه آخر أن يكون { نكلم } حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس { صبياً } . { في المهد صبيا } فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا انتهى . والظاهر أن { من } مفعول بنكلم . ونقل عن الفراء والزجّاج أن { من } شرطية و { كان } في معنى يكن وجواب الشرط محذوف تقديره فكيف { نكلم } وهو قول بعيد جداً . وعن قتادة أن { المهد } حجر أمه . وقيل : سريره . وقيل : المكان الذي يستقر عليه . وروي أنه قام متكئاً على يساره وأشار إليهم بسبابته اليمنى ، وأنطقه الله تعالى أولاً بقوله { إني عبد الله آتاني الكتاب } ردّاً للوهم الذي ذهبت إليه النصارى . وفي قوله { عبد الله } والجمل التي بعده تنبيه على براءة أمّه مما اتهمت به لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بالنبوة والخلال الحميدة إلاّ مبرأة مصطفاة و { الكتاب } الإنجيل أو التوراة أو مجموعهما أقوال . وظاهر قوله { وجعلني نبياً } أنه تعالى نبأه حال طفوليته أكمل الله عقله واستنبأه طفلاً . وقيل : إن ذلك سبق في قضائه وسابق حكمه ، ويحتمل أن يجعل الآتي لتحققه كأنه قد وجد { وجعلني مباركاً } قال مجاهد : نفاعاً . وقال سفيان : معلم خير . وقيل : آمراً بمعروف ، ناهياً عن منكر . وعن الضحاك : قضاء للحوائج و { أينما كنت } شرط وجزاؤه محذوف تقديره { جعلني مباركاً } وحذف لدلالة ما تقدم عليه ، ولا يجوز أن يكون معمولاً لجعلني السابق لأن { أين } لا يكون إلاّ استفهاماً أو شرطاً لا جائز أن يكون هنا استفهاماً ، فتعينت الشرطية واسم الشرط لا ينصبه فعل قبله إنما هو معمول للفعل الذي يليه ، والظاهر حمل الصلاة والزكاة على ما شرع في البدن والمال . وقيل : { الزكاة } زكاة الرؤوس في الفطر . وقيل الصلاة الدعاء ، و { الزكاة } التطهر . و { ما } في { ما دمت } مصدرية ظرفية . وقال ابن عطية . وقرأ { دمت } بضم الدال عاصم وجماعة . وقرأ { دمت } بكسر الدال أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو انتهى . والذي في كتب القراءات أن القراء السبعة قرؤوا { دمت حياً } بضم الدال ، وقد طالعنا جملة من الشواذ فلم نجدها لا في شواذ السبعة ولا في شواذ غيرهم على أنها لغة تقول { دمت } تدام كما قالوا مت تمات ، وسبق أنه قرىء { وبراً } بكسر الباء فإما على حذف مضاف أي وذا بر ، وإما على المبالغة جعل ذاته من فرط بره ، ويجوز أن يضمر فعل في معنى أوصاني وهو كلفني لأن أوصاني بالصلاة وكلفنيها واحد ، ومن قرأ { وبراً } بفتح الباء ، فقال الحوفي وأبو البقاء : إنه معطوف على { مباركاً } وفيه بعد للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجملة التي هي { أوصاني } ومتعلقها ، والأولى إضمار فعل أي وجعلني { براً } . وحكى الزهراوي وأبو البقاء أنه قرىء وبر بكسر الباء والراء عطفاً على { بالصلاة والزكاة } . وقوله : { بوالدتي } بيان محل البر وأنه لا والد له ، وبهذا القول برأها قومها . والجبار كما تقدم المتعاظم وكان في غاية التواضع يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على التراب حيث جنه الليل لا مسكن له ، وكان يقول : سلوني فإني لين القلب صغير في نفسي ، والألف واللام في { والسلام } للجنس . قال الزمخشري : هذا التعريف تعريض بلعنة متهمي مريم وأعدائهما من اليهود ، وحقيقته أن اللام للجنس فإذا قال : وجنس السلام على خاصة فقد عرض بأن ضده عليكم ، ونظيره { والسلام على من اتبع الهدى } [ طه : 47 ] يعني إن العذاب على من كذب وتولى ، وكان المقام مقام مناكرة وعناد فهو مئنة لنحو هذا من التعريض . وقيل : أل لتعريف المنكر في قصة يحيى في قوله { وسلام } نحو { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً } [ المزمل : 15 ] فعصى فرعون الرسول أي وذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إليّ . وسبق القول في تخصيص هذه المواطن . وقرأ زيد بن علي { يوم ولدت } أي يوم ولدتني جعله ماضياً لحقته تاء التأنيث ورجح وسلام عليّ والسلام لكونه من الله وهذا من قول عيسى عليه السلام . وقيل : سلام عيسى أرجح لأنه تعالى أقامه في ذلك مقام نفسه فسلم نائباً عن الله .