Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 34-40)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإشارة بذلك إلى المولود الذي ولدته مريم المتصف بتلك الأوصاف الجميلة ، و { ذلك } مبتدأ و { عيسى } خبره و { ابن مريم } صفة لعيسى أو خبر بعد خبر أو بدل ، والمقصود ثبوت بنوّته من مريم خاصة من غير أب فليس بابن له كما يزعم النصارى ولا لغير رشدة كما يزعم اليهود . وقرأ زيد بن عليّ وابن عامر وعاصم وحمزة وابن أبي إسحاق والحسن ويعقوب { قول الحق } بنصب اللام ، وانتصابه على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي هذه الأخبار عن { عيسى } أنه { ابن مريم } ثابت صدق ليس منسوباً لغيرها ، أي إنها ولدته من غير مس بشر كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل ، أي أقول { الحق } وأقول قول { الحق } فيكون { الحق } هنا الصدق وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أي القول { الحق } كما قال { وعد الصدق } [ الأحقاف : 16 ] أي الوعد الصدق وإن عنى به الله تعالى كان القول مراداً به الكلمة كما قالوا كلمة الله كان انتصابه على المدح وعلى هذا تكون الذي صفة للقول ، وعلى الوجه الأول تكون { الذي } صفة للحق . وقرأ الجمهور { قول } برفع اللام . وقرأ ابن مسعود والأعمش قال بألف ورفع اللام . وقرأ الحسن { قول } بضم القاف ورفع اللام وهي مصادر كالرهب والرهب والرهب وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أي نسبته إلى أمه فقط { قول الحق } فتتفق إذ ذاك قراءة النصب وقراءة الرفع في المعنى . وقال الزمخشري : وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو بدل انتهى . وهذا الذي ذكر لا يكون إلاّ على المجاز في قول وهو أن يراد به كلمة الله لأن اللفظ لا يكون الذات . وقرأ طلحة والأعمش في رواية زائدة قال : بألف جعله فعلاً ماضياً { الحق } برفع القاف على الفاعلية ، والمعنى قال الحق وهو الله { ذلك } الناطق الموصوف بتلك الأوصاف هو { عيسى ابن مريم } و { الذي } على هذا خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي . وقرأ عليّ كرم الله وجهه والسلمي وداود بن أبي هند ونافع في رواية والكسائي في رواية { تمترون } بتاء الخطاب والجمهور بياء الغيبة ، وامترى افتعل إما من المرية وهي الشك ، وإما من المراء وهو المجادلة والملاحاة ، وكلاهما مقول هنا قالت اليهود ساحر كذاب ، وقالت النصارى ابن الله وثالثها ثلاثة وهو الله { ما كان لله أن يتخذ من ولد } هذا تكذيب للنصارى في دعواهم أنه ابن الله ، وإذا استحالت البنوة فاستحالة الإلهية مستقلة أو بالتثليث أبلغ في الاستحالة ، وهذا التركيب معناه الانتفاء فتارة يدل من جهة المعنى على الزجر { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } [ التوبة : 120 ] وتارة على التعجيز { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } [ النمل : 6 ] وتارة على التنزيه كهذه الآية ، ولذلك أعقب هذا النفي بقوله { سبحانه } أي تنزه عن الولد إذ هو مما لا يتأتى ولا يتصور في المعقول ولا تتعلق به القدرة لاستحالته ، إذ هو تعالى متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أوجده فهو منزه عن التوالد . وتقدم الكلام على الجملة من قوله { إذا قضى أمراً } . وقرأ الجمهور { وإن الله } بكسر الهمزة على الاستئناف . وقرأ أُبي بالكسر دون واو ، وقرأ الحرميان وأبو عمرو { وإن } بالواو وفتح الهمزة ، وخرجه ابن عطية على أن يكون معطوفاً على قوله هذا { قول الحق } { وإن الله ربي } كذلك . وخرجه الزمخشري على أن معناه ولأنه ربي وربكم فاعبدوه كقوله { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } [ الجن : 18 ] انتهى . وهذا قول الخليل وسيبويه وفي حرف أبي أيضاً ، وبأن { الله } بالواو وباء الجر أي بسبب ذلك فاعبدوه . وأجاز الفراء في { وإن } يكون في موضع خفض معطوفاً على والزكاة ، أي { وأوصاني بالصلاة والزكاة } [ مريم : 31 ] وبأن الله ربي وربكم انتهى . وهذا في غاية البعد للفصل الكثير ، وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بمعنى الأمر { إن الله ربي وربكم } . وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء أن يكون المعنى ، وقضى { إن الله ربي وربكم } فهي معطوفة على قوله { أمراً } من قوله { إذا قضى أمراً } والمعنى { إذا قضى أمراً } وقضى { إن الله } انتهى . وهذا تخبيط في الإعراب لأنه إذا كان معطوفاً على { أمراً } كان في حيز الشرط ، وكونه تعالى ربنا لا يتقيد بالشرط وهذا يبعد أن يكون قاله أبو عمرو بن العلاء فإنه من الجلالة في علم النحو بالمكان الذي قل أن يوازنه أحد مع كونه عربياً ، ولعل ذلك من فهم أبي عبيدة فإنه يضعف في النحو والخطاب في قول { وربكم } قيل لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى أمر الله تعالى أن يقول لهم { ذلك عيسى ابن مريم } أي قل لهم يا محمد هذا الكلام . وقيل : الخطاب للذين خاطبهم عيسى بقوله { إني عبد الله } الآية وإن الله معطوف على الكتاب ، وقد قال وهب عهد عيسى إليهم { إن الله ربي وربكم } ومن كسر الهمزة عطف على قوله { إني عبد الله } [ مريم : 30 ] فيكون محكياً . يقال : وعلى هذا القول يكون قوله { ذلك عيسى ابن مريم } - إلى - { وإن الله } جمل اعتراض أخبر الله تعالى بها رسوله عليه السلام . والإشارة بقوله { هذا } أي القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة ، هو الطريق المستقيم الذي يفضي بقائله ومعتقده إلى النجاة { فاختلف الأحزاب من بينهم } هذا إخبار من الله للرسول بتفرق بني إسرائيل فرقاً ، ومعنى { من بينهم } أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين لم يقع الاختلاف سببه غيرهم . و { الأحزاب } قال الكلبي : اليهود والنصارى . وقال الحسن : الذين تحزبوا على الانبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس انتهى . فالضمير في { بينهم } على هذا ليس عائداً على { الأحزاب } . وقيل : { الأحزاب } هنا المسلمون واليهود والنصارى . وقيل : هم النصارى فقط . وعن قتادة إن بني إسرائيل جمعوا أربعة من أحبارهم . فقال أحدهم : عيسى هو الله نزل إلى الأرض وأحيا من أحيا وأمات من أمات ، فكذبه الثلاثة واتبعته اليعقوبية . ثم قال أحد الثلاثة : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعته النسطورية ، وقال أحد الاثنين : عيسى أحد ثلاثة الله إله ، ومريم إله ، وعيسى إله فكذبه الرابع وأتبعته الإسرائيلية . وقال الرابع : عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فاتبعته فرقة من بني إسرائيل ثم اقتتل الأربعة ، فغلب المؤمنون وظهرت اليعقوبية على الجميع فروي أن في ذلك نزلت { إن الذين يكفرون بآيات الله } [ آل عمران : 21 ] آية آل عمران ، والأربعة يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل . وبين هنا أصله ظرف استعمل اسماً بدخول { من } عليه . وقيل : { من } زائدة . وقيل البين هنا البعد أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحق . و { مشهد } مفعل من الشهود وهو الحضور أو من الشهادة ويكون مصدراً ومكاناً وزماناً ، فمن الشهود يجوز أن يكون المعنى من شهود هول الحساب والجزاء في يوم القيامة ، وإن يكون من مكان الشهود فيه وهو الموقف ، وأن يكون من وقت الشهود ومن الشهادة ، يجوز أن يكون المعنى من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر ، وأن يكون من مكان الشهادة ، وأن يكون من وقت الشهادة واليوم العظيم على هذه الاحتمالات يوم القيامة . وعن قتادة : هو يوم قتل المؤمنين حين اختلف الأحزاب وقيل ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه يوم اختلافهم ، وتقدم الكلام على التعجب الوارد من الله في قوله تعالى { فما أصبرهم على النار } [ البقرة : 175 ] وأنه لا يوصف بالتعجب . قال الحسن وقتادة : لئن كانوا صماً وبكماً عن الحق فما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة ، ولكنهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم السمع ولا البصر . وعن ابن عباس أنهم أسمع شيء وأبصره . وقال علي بن عيسى : هو وعيد وتهديد أي سوف يسمعون ما يخلع قلوبهم ، ويبصرون ما يسود وجوههم . وعن أبي العالية : إنه أمر حقيقة للرسول أي { أسمع } الناس اليوم وأبصرهم { بهم } وبحديثهم ماذا يصنع بهم من العذاب إذا أتوا محشورين مغلولين { لكن الظالمون } عموم يندرج فيه هؤلاء الأحزاب الكفارة وغيرهم من الظالمين ، و { اليوم } أي في دار الدنيا . وقال الزمخشري : أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير إشعاراً بأن لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ويسعدهم ، والمراد بالضلال المبين إغفال النظر والاستماع انتهى . { وأنذرهم } خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والضمير لجميع الناس . وقيل : يعود على الظالمين . و { يوم الحسرة } يوم ذبح الموت وفيه حديث . وعن ابن زيد : يوم القيامة . وقيل : حين يصدر الفريقان إلى الجنة والنار وعن ابن مسعود : حين يرى الكفارة مقاعدهم التي فاتتهم من الجنة لو كانوا مؤمنين . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون { يوم الحسرة } اسم جنس لأن هذه حسرات كثيرة في مواطن عدة ، ومنها يوم الموت ، ومنها وقت أخذ الكتاب بالشمال وغير ذلك انتهى . و { إذ } بد من { يوم الحسرة } . قال السدّي وابن جريج : { قُضِي الأمر } ذبح الموت . وقال مقاتل : قضى العذاب . وقال ابن الأنباري المعنى { إذ قضي الأمر } الذي فيه هلاككم . وقال الضحاك : يكون ذلك إذا برزت جهنم ورمت بالشرر . وعن ابن جريج أيضاً : إذا فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار . وقيل إذا { قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنون : 108 ] . وقيل : إذا يقال { امتازوا اليوم أيها المجرمون } [ يس : 59 ] وقيل : إذا قضى سد باب التوبة وذلك حين تطلع الشمس من مغربها . { وهم في غفلة } . قال الزمخشري : متعلق بقوله { في ضلال مبين } عن الحسن { وأنذرهم } إعراض وهو متعلق بأنذرهم أي { وأنذرهم } على هذه الحال غافلين غير مؤمنين . وقال ابن عطية : { وهم في غفلة } يريد في الدنيا الآن { وهم لا يؤمنون } كذلك انتهى . وعلى هذا يكون حالاً والعامل فيه { وأنذرهم } والمعنى أنهم مشتغلون بأمور دنياهم معرضون عما يراد منهم ، والظاهر أن يكون المراد بقوله { وقضي الأمر } أمر يوم القيامة . { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } تجوز وعبارة عن فناء المخلوقات وبقاء الخالق فكأنها وراثة . وقرأ الجمهور { يرجعون } بالياء من تحت مبنياً للمفعول ، والأعرج بالتاء من فوق . وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق وعيسى بالياء من تحت مبنياً للفاعل على وحكى عنهم الداني بالتاء .