Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 36-43)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال السدّي ومقاتل : " مرّ الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي جهل وأبي سفيان ، فقال أبو جهل : هذا نبي عبد مناف ، فقال أبو سفيان : وما تنكرون أن يكون نبياً في بني عبد مناف ، فسمعهما الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لأبي جهل : « ما تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة ، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلت حمية » " فنزلت . ولما كان الكفار يغمهم ذكر آلهتهم بسوء شرعوا في الاستهزاء وتنقيص من يذكرهم على سبيل المقابلة و { إن } نافية بمعنى ما ، والظاهر أن جواب { إذا } هو { إن يتخذونك } وجواب إذا بإن النافية لم يرد منه في القرآن إلا هذا وقوله في القرآن { وإذا رأوك إن يتخذونك إلاّ هزواً } [ الفرقان : 41 ] ولم يحتج إلى الفاء في الجواب كما لم تحتج إليه ما إذا وقعت جواباً كقوله { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } [ يونس : 15 ] ما كان حجتهم بخلاف أدوات الشرط ، فإنها إذا كان الجواب مصدراً بما النافية فلا بد من الفاء ، نحو إن تزورنا فما نسيء إليك . وفي الجواب لاذا بأن وما النافيتين دليل واضح على أن { إذا } ليست معمولة للجواب ، بل العامل فيها الفعل الذي يليها وليست مضافة للجملة خلافاً لأكثر النحاة . وقد استدللنا على ذلك بغير هذا من الأدلة في شرح التسهيل . وقيل : جواب { إذا } محذوف وهو يقولون المحكي به قولهم { أهذا الذي يذكر آلهتكم } وقوله { إن يتخذونك إلاّ هزواً } كلام معترض بين { إذا } وجوابه و { يتخذونك } يتعدى إلى اثنين ، والثاني { هزواً } أي مهزوأ به ، وهذا استفهام فيه إنكار وتعجيب . والذكر يكون بالخير وبالشر ، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه ، فإن كان من صديق فالذكر ثناء أو من غيره فذم ، ومنه { سمعنا فتى يذكرهم } [ الأنبياء : 60 ] أي بسوء ، وكذلك هنا { أهذا الذي يذكر آلهتكم } . ثم نعى عليه إنكارهم عليه ذكر آلهتهم بهذه الجملة الحالية وهي { وهم بذكر الرحمن هم كافرون } أي ينكرون وهذه حالهم يكفرون بذكر الرحمن ، وهو ما أنزل من القرآن فمن هذه حاله لا ينبغي أن ينكر على من يغيب آلهتهم ، والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير في يقولون المحذوف . وقال الزمخشري : والجملة في موضع الحال أي { يتخذونك هزواً } وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله انتهى . فجعل الجملة الحالية العامل فيها { يتخذونك هزواً } المحذوفة وكررهم على سبيل التوكيد . وروي أنها نزلت حين أنكروا لفظة { الرحمن } وقالوا : ما نعرف الرحمن إلاّ في اليمامة ، والمراد بالرحمن هنا الله ، كأنه قيل { وهم بذكر } الله ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى الإقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولاً ذم { الإنسان } على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ، والظاهر أنه يراد بالإنسان هنا اسم الجنس وكونه { خلق } { من عجل } وهو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منه كثيراً . كما يقول لمكثر اللعب أنت من لعب ، وفي الحديث " لست من دد ولا دد مني " وقال الشاعر : @ وإنّا لمما يضرب الكبش ضربة على رأسه تلقى اللسان من الفم @@ لما كانوا أهل ضرب الهام وملازمة الحرب قال : إنهم من الضرب ، وبهذا التأويل يتم معنى الآية ويترتب عليه قوله { سأريكم آياتي } أي آيات الوعيد { فلا تستعجلون } في رؤيتكم العذاب الذي تستعجلون به ، ومن يدعي القلب فيه وهو أبو عمرو وإن التقدير خلق العجل من الإنسان وكذا قراءة عبد الله على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزأ من أخلاقه ، فليس قوله بجيد لأن القلب الصحيح فيه أن لا يكون في كلام فصيح وإن بابه الشعر . قيل : فمما جاء في الكلام من ذلك قول العرب : إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحر باء . وقالوا : عرضت الناقة على الحوض وفي الشعر قوله : @ حسرت كفي عن السربال آخذه @@ وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدّي والضحاك ومقاتل والكلبي { الإنسان } هنا آدم . قال مجاهد : لما دخل الروح رأسه وعينيه رأى الشمس قاربت الغروب فقال : يا رب عجل تمام خلقي قبل أن تغيب الشمس . وقال سعيد : لما بلغت الروح ركبتيه كاد يقوم فقال الله { خلق الإنسان من عجل } . وقال ابن زيد : خلقه الله يوم الجمعة على عجلة في خلقه . وقال الأخفش { من عجل } لأن الله قال له كن فكان . وقال الحسن : { من عجل } أي ضعيف يعني النطفة . وقيل : خلق بسرعة وتعجيل على غير تريب الآدميين من النطفة والعلقة والمضغة ، وهذا يرجع لقول الأخفش . وقيل : { من عجل } من طين والعجل بلغة حمير الطين . وأنشد أبو عبيدة لبعض الحميريين : @ النبع في الصخرة الصماء منبته والنخل منبته في الماء والعجل @@ وقيل : { الإنسان } هنا النضر بن الحارث والذي ينبغي أن تحمل الآية عليه هو القول الأول وهو الذي يناسب آخرها . والآيات هنا قيل : الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة ، أي يأتيكم في وقته . وقيل : أدلة التوحيد وصدق الرسول . وقيل : آثار القرون الماضية بالشام واليمن ، والقول الأول أليق أي سيأتي ما يسوؤكم إذا دمتم على كفركم ، كأنه يريد يوم بدر وغيره في الدنيا وفي الآخرة . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله { خلق الإنسان من عجل } وقوله { وكان الإنسان عجولاً } [ الإسراء : 11 ] أليس هذا من تكليف ما لا يطاق ؟ قلت : هذا كما ركب فيه من الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة انتهى . وهو على طريق الاعتزال . وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم { خَلَقَ } مبنياً للفاعل { الإنسان } بالنصب أي { خلق } الله { الإنسان } وقوله { متى هذا الوعد } استفهام على جهة الهزء ، وكان المسلمون يتوعدونهم على لسان الشرع و { متى } في موضع الجر لهذا فموضعه دفع ، ونقل عن بعض الكوفيين أن موضع { متى } نصب على الظرف والعامل فيه فعل مقدر تقديره يكون أو يجيء ، وجواب { لو } محذوف لدلالة الكلام عليه ، وحذفه أبلغ وأهيب من النص عليه فقدره ابن عطية لما استعجلوا ونحوه ، وقدره الزمخشري لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال . وقيل : لعلموا صحة البعث . وقيل : لعلموا صحة الموعود . وقال الحوفي : لسارعوا إلى الإيمان . وقال الكسائي : هو تنبيه على تحقيق وقوع الساعة وحين يراد به وقت الساعة يدل على ذلك ، بل تأتيهم بغتة انتهى . و { حين } قال الزمخشري : مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلون عنه بقولهم { متى هذا الوعد } وهو وقت صعب شديد تحيط بهم النار من وراء وقدام ، ولكن جهلهم به هو الذي هونه عندهم . قال : ويجوز أن يكون { يعلم } متروكاً فلا تعدية بمعنى { لو } كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين ، و { حين } منصوب بمضمر أي { حين لا يكفون عن وجوههم النار } يعلمون أنهم كانوا على الباطل ، وينتفي عنهم هذا الجهل العظيم أي لا يكفونها انتهى . والذي يظهر أن مفعول { يعلم } محذوف لدلالة ما قبله أي لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعود الذي سألوا عنه واستنبطوه . و { حين } منصوب بالمفعول الذي هو مجيء ويجوز أن يكون من باب الإعمال على حذف مضاف ، وأعمل الثاني والمعنى لو يعلمون مباشرة النار حين لا يكفونها عن وجوههم ، وذكر الوجوه لأنها أشرف ما في الإنسان وعجل حواسه ، والإنسان أحرص على الدفاع عنه من غيره من أعضائه ، ثم عطف عليها الظهور والمراد عموم النار لجميع أبدانهم ولا أحد يمنعهم من العذاب { بل تأتيهم بغتة } أي تفجؤهم . قال ابن عطية { بل تأتيهم } استدراك مقدر قبله نفي تقديره إن الآيات لا تأتي بحسب اقتراحهم انتهى . والظاهر أن الضمير في { تأتيهم } عائد على النار : وقيل : على الساعة التي تصبرهم إلى العذاب . وقيل : على العقوبة . وقال الزمخشري : في عود الضمير إلى النار أو إلى الوعد لأنه في معنى النار وهي التي وعدوها ، أو على تأويل العدة والموعدة أو إلى الحين لأنه في معنى الساعة أو إلى البعثة انتهى . وقرأ الأعمش بل يأتيهم بالياء بغتة بفتح الغين فيبهتهم بالياء والضمير عائد إلى الوعد أو الحين قاله الزمخشري . وقال أبو الفضل الرازي : لعله جعل النار بمعنى العذاب فذكر ثم رد ردّها إلى ظاهر اللفظ { ولا هم ينظرون } أي يؤخرون عما حل بهم ، ولما تقدم قوله { إن يتخذونك إلاّ هزواً } سلاه تعالى بأن من تقدمه من الرسل وقع من أممهم الاستهزاء بهم ، وأن ثمرة استهزائهم جنوها هلاكاً وعقاباً في الدنيا والآخرة ، فكذلك حال هؤلاء المستهزئين . وتقدم تفسير مثل هذه الآية في الأنعام . ثم أمره تعالى أن يسألهم من الذي يحفظكم في أوقاتكم من بأس الله أي لا أحد يحفظكم منه ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ . وفي آخر الكلام تقدير محذوف كأنه ليس لهم مانع ولا كالىء ، وعلى هذا النفي تركيب بل في قوله { بل هم عن ذكر ربهم معرضون } قاله ابن عطية . وقال الزمخشري : بل هم معرضون عن ذكره لا يخطرونه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكالىء وصلحوا للسؤال عنه ، والمراد أنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالىء ثم بيّن أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم انتهى . وقرأ أبو جعفر والزهري وشيبة : يكلُوكم بضمة خفيفة من غير همز . وحكى الكسائي والفراء يكلَوكم بفتح اللام وإسكان الواو . { أم لهم آلهة } بمعنى بل ، والهمزة كأنه قيل بل ألهم آلهة فأضرب ثم استفهم { تمنعهم } من العذاب . وقال الحوفي { من دوننا } متعلق بتمنعهم انتهى . قيل : والمعنى ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز من أن ينالهم مكروه من جهتنا . وقال ابن عباس : في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم تقول : منعت دونه كففت أذاه فمن دوننا هو من صلة { آلهة } أي أم لهم آلهة دوننا أو من صلة { تمنعهم } أي { أم لهم } مانع من سوانا . ثم استأنف الإخبار عن آلهتهم فبيَّن أن ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره ؟ وقال ابن عباس { يصحبون } يمنعون . وقال مجاهد : ينصرون . وقال قتادة : لا يصحبون من الله بخير . وقال الشاعر : @ ينادي بأعلى صوته متعوذاً ليصحب منا والرماح دوان @@ وقال مجاهد : يحفظون . وقال السدّي : لا يصحبهم من الملائكة من يدفع عنهم ، والظاهر عود الضمير في { ولا هم } على الأصنام وهو قول قتادة . وقيل : على الكفار وهو قول ابن عباس ، وفي التحرير مدار هذه الكلمة يعني { يصحبون } على معنيين أحدهما أنه من صحب يصحب ، والثاني من الإصحاب أصحب الرجل منعه من الآفات .