Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 44-50)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هؤلاء } إشارة إلى المخاطبين قبل وهم كفار قريش ، ومن اتخذ آلهة من دون الله أخبر تعالى أنه متع { هؤلاء } الكفار { وآباءهم } من قبلهم بما رزقهم من حطام الدنيا حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة ، وتدعسوا في الضلالة بإمهاله تعالى إياهم وتأخيرهم إلى الوقت الذي يأخذهم فيه { أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون } تقدم تفسير هذه الجملة في آخر الرعد . واقتصر الزمخشري من تلك الأقوال على معنى أنّا ننقص أرض الكفر ودار الحرب ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردها دار إسلام قال : فإن قلت : أي فائدة في قوله { نأتي الأرض } ؟ قلت : الفائدة فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين ، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها انتهى . وفي ذلك تبشير للمؤمنين بما يفتح الله عليهم ، وأكثر المفسرين على أنها نزلت في كفار مكة وفي قولهم : { أفهم الغالبون } دليل على ذلك إذ المعنى أنهم هم الغالبون ، فهو استفهام فيه تقريع وتوبيخ حيث لم يعتبروا بما يجري عليهم . ثم أمره تعالى أن يقول { إنما أنذركم بالوحي } أي أعلمكم بما تخافون منه بوحي من الله لا من تلقاء نفسي ، وما كان من جهة الله فهو الصدق الواقع لا محالة كما رأيتم بالعيان من نقصان الأرض من أطرافها ، ثم أخبر أنهم مع إنذارهم معرضون عما أنذروا به فالإنذار لا يجدي فيهم إذ هم صم عن سماعه . ولما كان الوحي من المسموعات كان ذكر الصمم مناسباً و { الصم } هم المنذرون ، فأل فيه للعهد وناب الظاهر مناب المضمر لأن فيه التصريح بتصامهم وسد أسماعهم إذا أنذروا ، ولم يكن الضمير ليفيد هذا المعنى ونفي السماع هنا نفي جدواه . وقرأ الجمهور { يَسمع } بفتح الياء والميم { الصم } رفع به و { الدعاء } نصب . وقرأ ابن عامر وابن جبير عن أبي عمرو وابن الصلت عن حفص بالتاء من فوق مضمومة وكسر الميم { الصم الدعاء } بنصبهما والفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول صلى الله عليه وسلم . وقرأ كذلك إلا أنه بالياء من نحت أي { ولا يسمع } الرسول وعنه أيضاً { ولا يسمع } مبنياً للمفعول { الصم } رفع به ذكره ابن خالويه . وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي عن اليزيدي عن أبي عمرو { يُسمِع } بضم الياء وكسر الميم { الصم } نصباً { الدعاء } رفعاً بيسمع ، أسند الفعل إلى الدعاء اتساعاً والمفعول الثاني محذوف ، كأنه قيل : ولا يسمع النداء الصم شيئاً . ثم أخبر تعالى أن هؤلاء الذين صموا عن سماع ما أنذروا به إذا نالهم شيء مما أنذروا به ، ولو كان يسيراً نادوا بالهلاك وأقروا بأنهم كانوا ظالمين ، نبهوا على العلة التي أوجبت لهم العذاب وهو ظلم الكفر وذلوا وأذعنوا . قال ابن عباس : { نفحة } طرف وعنه هو الجوع الذي نزل بمكة . وقال ابن جريج : نصيب من قولهم نفح له من العطاء نفحة إذا أعطاه نصيباً وفي قوله { ولئن مستهم نفحة } ثلاث مبالغات لفظ المس ، وما في مدلول النفح من القلة إذ هو الربح اليسير أو ما يرضخ من العطية ، وبناء المرة منه ولم يأت نفح فالمعنى أنه بأدنى إصابة من أقل العذاب أذعنوا وخضعوا وأقروا بأن سبب ذلك ظلمهم السابق . ولما ذكر حالهم في الدنيا إذا أصيبوا بشيء استطرد لما يكون في الآخرة التي هي مقر الثواب والعقاب ، فأخبر تعالى عن عدله وأسند ذلك إلى نفسه بنون العظمة فقال { ونضع الموازين } وتقدم الكلام في الموازين في أول الأعراف ، واختلاف الناس في ذلك هل ثم ميزان حقيقة وهو قول الجمهور أو ذلك على سبيل التمثيل عن المبالغة في العدل التام وهو قول الضحاك وقتادة ؟ قالا : ليس ثم ميزان ولكنه العدل والقسط مصدر وصفت به الموازين مبالغة كأنها جعلت في أنفسها القسط ، أو على حذف مضاف أي ذوات { القسط } ويجوز أن يكون مفعولاً لأجله أي لأجل { القسط } . وقرىء القصط بالصاد . واللام في { ليوم القيامة } قال الزمخشري : مثلها في قولك : جئت لخمس ليال خلون من الشهر . ومنه بيت النابغة : @ ترسمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع @@ انتهى . وذهب الكوفيون إلى أن اللام تكون بمعنى في ووافقهم ابن قتيبة من المتقدمين ، وابن مالك من أصحابنا المتأخرين ، وجعل من ذلك قوله { القسط ليوم القيامة } أي في يوم ، وكذلك لا يجليها لوقتها إلاّ هو أي في وقتها وأنشد شاهداً على ذلك لمسكين الدارمي : @ أولئك قومي قد مضوا لسبيلهم كما قد مضى من قبل عاد وتبع @@ وقول الآخر : @ وكل أب وابن وإن عمرا معاً مقيمين مفقود لوقت وفاقد @@ وقيل اللام هنا للتعليل على حذف مضاف ، أي لحساب يوم القيامة و { شيئاً } مفعول ثان أو مصدر . وقرأ الجمهور : { مثقال } بالنصب خبر { كان } أي وإن كان الشيء أو وإن كان العمل وكذا في لقمان ، وقرأ زيد بن عليّ وأبو جعفر وشيبة ونافع { مثقال } بالرفع على الفاعلية و { كان } تامة . وقرأ الجمهور { أتينا } من الإتيان أي جئنا بها ، وكذا قرأ أُبي أعني جئنا وكأنه تفسير لأتينا . وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن جبير وابن أبي إسحاق والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمد وابن شريح الأصبهاني آتينا بمده على وزن فاعلنا من المواتاة وهي المجازاة والمكافأة ، فمعناه جازينا بها ولذلك تعدى بحرف جر ، ولو كان على أفعلنا من الإيتاء بالمد على ما توهمه بعضهم لتعدى مطلقاً دون جاز قاله أبو الفضل الرّازي . وقال الزمخشري : مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء انتهى . وقال ابن عطية على معنى : و { أتينا } من المواتاة ، ولو كان آتينا أعطينا لما تعدت بحرف جرّ ، ويوهن هذه القراءة أن بدل الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف ، وإنما يعرف ذلك في المضمومة والمكسورة انتهى . وقرأ حميد : أثبنا بها من الثواب وأنث الضمير في { بها } وهو عائد على مذكر وهو { مثقال } لإضافته إلى مؤنث { كفى بنا حاسبين } فيه توعد وهو إشارة إلى ضبط أعمالهم من الحساب وهو العدّ والإحصاء ، والمعنى أنه لا يغيب عنا شيء من أعمالهم . وقيل : هو كناية عن المجازاة ، والظاهر أن { حاسبين } تمييز لقبوله من ، ويجوز أن يكون حالاً . ولما ذكر ما أتى به رسوله صلى الله عليه وسلم من الذكر وحال مشركي العرب معه ، وقال : { قل إنما أنذركم بالوحي } أتبعه بأنه عادة الله في أنبيائه فذكر ما آتى { موسى وهارون } إشارة إلى قصتهما مع قومهما مع ما أوتوا من الفرقان والضياء والذكر ، ثم نبه على ما آتى رسوله من الذكر المبارك ثم استفهم على سبيل الذكر على إنكارهم ثم نبه على ما آتى رسوله صلى الله عليه وسلم . و { الفرقان } التوراة وهو الضياء ، والذكر أي كتاباً هو فرقان وضياء ، وذكر ويدل على هذا المعنى قراءة ابن عباس وعكرمة والضحاك ضياء وذكراً بغير واو في ضياء . وقالت فرقة : القرآن ما رزقه الله من نصره وظهور حجته وغير ذلك ، مما فرق بين أمره وأمر فرعون والضياء التوراة ، والذكر التذكرة والموعظة أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ومصالحهم أو الشرف والعطف بالواو يؤذن بالتغاير . وعن ابن عباس { الفرقان } الفتح لقوله { يوم الفرقان } [ الأنفال : 41 ] وعن الضحاك : فلق البحر . وعن محمد بن كعب : المخرج من الشبهات و { الذين } صفة تابعة أو مقطوعة برفع أو نصب أو بدل . ولما ذكر التقوى ذكر ما أنتجته وهو خشية الله والإشفاق من عذاب يوم القيامة والساعة القيامة وبالغيب . قال الجمهور : يخافونه ولم يروه . وقال مقاتل : يخافون عذابه ولم يروه . وقال الزجاج : يخافونه من حيث لا يراهم أحد ورجحه ابن عطية . وقال أبو سليمان الدمشقي : يخافونه إذا غابوا عن أعين الناس ، والإشفاق شدة الخوف ، واحتمل أن يكون قوله { وهم من الساعة مشفقون } استئناف إخبار عنهم ، وأن يكون معطوفاً على صلة { الذين } ، وتكون الصلة الأولى مشعرة بالتجدّد دائماً كأنها حالتهم فيما يتعلق بالدنيا ، والصلة الثانية من مبتدأ وخبر عنه بالاسم المشعر بثبوت الوصف كأنها حالتهم فيما يتعلق بالآخرة . ولما ذكر ما آتى موسى وهارون عليهما السلام أشار إلى ما آتى محمداً صلى الله عليه وسلم فقال { وهذا } أي القرآن { ذكر مبارك } أي كثير منافعه غزير خبره ، وجاء هنا الوصف بالاسم ثم بالجملة جرياً على الأشهر وتقدم الكلام على قوله في الأنعام { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } [ الأنعام : 92 ] وبينا هناك حكمة تقديم الجملة على الاسم { أفأنتم له منكرون } استفهام إنكار وتوبيخ وهو خطاب للمشركين ، والضمير في { له } عائد على ذكر وهو القرآن ، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم إذا أنكر ذلك المشركون كما أنكر أسلاف اليهود ما أنزل الله على موسى عليه السلام .