Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 21-26)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تقدم الكلام على { خطوات الشيطان } تفسيراً وقراءة في البقرة . والضمير في { فإنه } عائد على { من } الشرطية ، أي فإن متبع خطوات الشيطان { يأمر بالفحشاء } وهو ما أفرط قبحه { والمنكر } وهو ما تنكره العقول السليمة أي يصير رأساً في الضلال بحيث يكون آمراً يطيعه أصحابه . { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } بالتوبة الممحصة ما طهر أحد منكم . وقرأ الجمهور { ما زكى } بتخفيف الكاف ، وأمال حمزة والكسائي وأبو حيوة والحسن والأعمش وأبو جعفر في رواية وروح بتشديدها ، وأماله الأعمش وكتب { زكي } المخفف بالياء وهو من ذوات الواو على سبيل الشذوذ لأنه قد يمال ، أو على قراءة من شد الكاف . { ولكن الله يزكي من يشاء } ممن سبقت له السعادة ، وكان عمله الصالح أمارة على سبقها أو من يشاء بقبول التوبة النصوح { والله سميع } لأقوالهم { عليم } بضمائرهم . { ولا يأتل } هو مضارع ائتلى افتعل من الألية وهي الحلف . وقيل : معناه يقصر من افتعل ألوت قصرت ومنه { لا يألونكم } [ آل عمران : 118 ] . وقول الشاعر : @ وما المرء ما دامت حشاشة نفسه بمدرك أطراف الخطوب ولا آل @@ وهذا قول أبي عبيدة ، واختاره أبو مسلم . وسبب نزولها المشهور أنه حلف أبي بكر على مسطح أن لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة . وقال ابن عياش والضحاك : قطع جماعة من المؤمنين منافعهم عمن قال في الإفك ، وقالوا : لا نصل من تكلم فيه فنزلت في جميعهم . والآية تتناول من هو بهذا الوصف . وقرأ الجمهور { يأتل } . وقرأ عبد الله بن عياش بن ربيعة وأبو جعفر مولاه وزيد بن أسلم والحسن يتأل مضارع تألى بمعنى حلف . قال الشاعر : @ تألّى ابن أوس حلفة ليردّني إلى نسوة كأنهن معائد @@ والفضل والسعة يعني المال ، وكان مسطح ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكان من المهاجرين وممن شهد بدراً ، وكان ما نسب إليه داعياً أبا بكر أن لا يحسن إليه ، فأمر هو ومن جرى مجراه بالعفو والصفح ، وحين سمع أبو بكر { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } ؟ قال : بلى ، أحب أن يغفر الله لي ورد إلى مسطح نفقته وقال : والله لا أنزعها أبداً . وقرأ أبو حيوة وابن قطيب وأبو البرهثيم أن تؤتوا بالتاء على الالتفات ، ويناسبه { ألا تحبون } و { أن يؤتوا } نصب الفعل المنهي فإن كان بمعنى الحلف فيكون التقدير كراهة { أن يؤتوا } وأن لا يؤتوا فحذف لا ، وإن كان بمعنى يقصر فيكون التقدير في أن يؤتوا أو عن أن يؤتوا . وقرأ عبد الله والحسن وسفيان بن الحسين وأسماء بنت يزيد ولتعفوا ولتصفحوا بالتاء أمر خطاب للحاضرين . { إن الذين يرمون } عام في الرامين واندرج فيه الراميان تغليباً للمذكر على المؤنث . و { المحصنات } ظاهره أنه عام في النساء العفائف . وقال النحاس : من أحسن ما قيل فيه أنه عام لجميع الناس من ذكر وأنثى ، وأن التقدير يرمون الأنفس { المحصنات } فيدخل فيه المذكر والمؤنث . وقيل : هو خاص بمن تكلم فيها في حديث الإفك . وقيل : خاص بأمهات المؤمنين وكبراهن منزلة وجلالة تلك فعلى أنه خاص بها جمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بتلك الصفات من الإحصان والعقل والإيمان كما قال : @ قدني من نصر الخبيبين قدي @@ يعني عبد الله بن الزبير وأشياعه . و { الغافلات } السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ولا يفطنّ لما يفطن له المجربات ، كما قال الشاعر : @ ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها @@ وكذلك البله من الرجال في قوله « أكثر أهل الجنة البله » . { لعنوا في الدنيا والآخرة } في قذف المحصنات . قيل : هذا الاستثناء بالتوبة وفي هذه لم يجيء استثناء . وعن ابن عباس أن من خاض في حديث الإفك وتاب لم تقبل توبته ، والصحيح أن الوعيد في هذه الآية مشروط بعدم التوبة ، ولا فرق بين الكفر والفسق وأن من تاب غفر له . ويناسب أن تكون هذه الآية كما قيل نزلت في مشركي مكة ، كانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفوها وقالوا : خرجت لتفجر قاله أبو حمزة اليماني ، ويؤيده قوله { يوم تشهد عليهم } وعن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن أُبَيّ كان يشك في الدين فإذا كان يوم القيامة علم حيث لا ينفعه . والناصب ليوم تشهد ما تعلق به الجار والمجرور وهو ولهم . وقال الحوفي : العامل فيه عذاب ، ولا يجوز لأنه موصوف إلاّ على رأي الكوفيين . وقرأ الأخوان والزعفراني وابن مقسم وابن سعدان يشهد بياء من تحت لأنه تأنيث مجازي ، ووقع الفصل ، وباقي السبعة بالتاء ، ولما كان قلب الكافر لا يريد ما يشهد به أنطق الله الجوارح والألسنة والأيدي والأرجل بما عملوا في الدنيا وأقدرها على ذلك ، وليست الحياة شرطاً لوجود الكلام . وقالت المعتزلة : يخلق في هذه الجوارح الكلام ، وعندهم المتكلم فاعل الكلام فتكون تلك الشهادة من الله في الحقيقة إلاّ أنه تعالى أضافها إلى الجوارح توسعاً . وقالوا أيضاً : إنه تعالى ينشىء هذه الجوارح على خلاف ما هي عليه ، ويلجئها أن تشهد على الإنسان وتخبر عنه بأعماله . قال القاضي : وهذا أقرب إلى الظاهر لأن ذلك يفيد أنها بفعل الشهادة . وانتصب { يومئذ } بيوفيهم ، والتنوين في إذ عوض من الجملة المحذوفة ، والتقدير يوم إذ تشهد . وقرأ زيد بن عليّ { يوفيهم } مخففاً والدين هنا الجزاء أي جزاء أعمالهم . وقال : @ ولم يبق سوى العد وإن دناهم كما دانوا @@ ومنه : كما تدين تدان . وقرأ الجمهور { الحق } بالنصب صفة لدينهم . وقرأ عبد الله ومجاهد وأبو روق وأبو حيوة بالرفع صفة لله ، ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصول وصفته و { يعلمون } إلى آخره يقوي قول من قال : إن الآية في عبد الله بن أُبيّ لأن كل مؤمن يعلم { أن الله هو الحق المبين } . قال الزمخشري : ولو قلبت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك وما أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد ، والعذاب البليغ ، والزجر العنيف ، واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه ما نزل فيه على طرق مختلفة وأساليب متقنة كل واحد منها كاف في بابه ، ولو لم ينزل إلاّ هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعاً وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة وأن { ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا به ، وأنه { يوفيهم } جزاء الحق الذي هم أهله حتى يعلموا عند الله { أن الله هو الحق المبين } فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر ، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلاّ ما هو دونه في الفظاعة انتهى . وهو كلام حسن . ثم قال بعد كلام فإن قلت : ما معنى قوله { هو الحق المبين } ؟ قلت : معناه ذو الحق المبين العادل الذي لا ظلم في حكمه ، والمحقّ الذي لا يوصف بباطل ، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء ولا إحسان محسن ، فحق مثله أن يتقى وتجتنب محارمه انتهى . وفي قوله لم تسقط عنده إساءة مسيء دسيسة الاعتزال . والظاهر أن { الخبيثات } وصف للنساء ، وكذلك { الطيبات } أي النساء الخبيثات للرجال { الخبيثين } ويرجحه مقابلته بالذكور فالمعنى أن { الخبيثات } من النساء ينزعن للخباث من الرجال ، فيكون قريباً من قوله { الزاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركة } [ النور : 3 ] وكذلك { الطيبات } من النساء { للطيبين } من الرجال ويدل على هذا التأويل قول عائشة حين ذكرت التسع التي ما أعطيتهن امرأة غيرها . وفي آخرها : ولقد خلقت طيبة عند طيب ، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً . وهذا التأويل نحا إليه ابن زيد فهو تفريق بين عبد الله وأشباهه والرسول وأصحابه ، فلم يجعل الله له إلاّ كل طيبة وأولئك خبيثون فهم أهل النساء الخبائث . وقال ابن عباس والضحاك ومجاهد وقتادة : هي الأقوال والأفعال ، ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم : الكلمات والفعلات الخبيثة لا يقولها ولا يرضاها إلاّ الخبيثون من الناس فهي لهم وهم لها بهذا الوجه . وقال بعضهم الكلمات : والفعلات لا تليق وتلصق عند رمي الرامي وقذف القاذف إلاّ بالخبيثين من الناس فهي لهم وهم لها بهذا الوجه . { أولئك } إشارة للطيبين أو إشارة لهم وللطيبات إذا عنى بهن النساء . { مبرؤون مما يقولون } أي يقول الخبيثون من خبيثات الكلم أو القاذفون الرامون المحصنات ووعد الطيبين المغفرة عند الحساب والرزق الكريم في الجنة . غض البصر : أطبق الجفن على الجفن بحيث تمتنع الرؤية . قال الشاعر : @ فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا @@ الخُمر : جمع خمار وهو المقنعة التي تلقي المرأة على رأسها ، وهو جمع كثرة مقيس فيه ، ويجمع في القلة على أخمرة وهو مقيس فيها أيضاً . قال الشاعر : @ وترى الشجراء في ريقه كرؤوس قطعت فيها الخمر @@ الجيب : فتح يكون في طريق القميص يبدو منه بعض الجسد . والعورة : ما احترز من الإطلاع عليه ويغلب في سوأة الرجل . والمرأة الأيم : قال النضر بن شميل : كل ذكر لا أنثى معه ، وكل أنثى لا ذكر معها ووزنه فعيل كلين ويقال : آمت تئيم . وقال الشاعر : @ كل امرىء ستئيم منـ ـه العرس أو منها يئم @@ أي : سينفرد فيصير أيماً ، وقياس جمعه أيائم كسيائد في جمع سيد وجمعه على فعالى محفوظ لا مقيس . البغاء : الزنا ، يقال : بغت المرأة تبغي بغاء فهي بغي وهو مختص بزنا النساء . المشكاة : الكوة غير النافذة . قال الكلبي حبشي معرب . الزجاجة : جوهر مصنوع معروف ، وضم الزاي لغة الحجاز ، وكسرها وفتحها لغة قيس . الزيت : الدهن المعتصر من حب شجرة الزيتون . قال الكرماني : السراب بخار يرتفع من قعور القيعان فيكيف فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه الماء من بعيد ، فإذا دنا منه الإنسان لم يره كما كان يراه بعيداً . وقال الفراء : السراب : ما لصق بالأرض . وقيل : هو الشعاع الذي يرى نصف النهار عند اشتداد الحر في البر ، يخيل للناظر أنه الماء السارب أي الجاري . وقال الشاعر : @ فلما كففنا الحرب كانت عهودكم كلمع سراب في الفلا متألق @@ وقال : @ أمر الطول لماع السراب @@ وقيل : السراب ما يرقرق من الهواء في الهجير في فيافي الأرض المنبسطة . اللجي : الكثير الماء ، ولجة البحر معظمة ، وكان لجياً مسنوب إلى اللجة . الودق : المطر شديده وضعيفه . قال الشاعر : @ فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها @@ وقال أبو الأشهب العقيلي : هو البرق . ومنه قول الشاعر : @ أثرن عجاجة وخرجن منها خروج الودق من خلل السحاب @@ والودق : مصدر ودق السحاب يدق ودقاً ، ومنه استودقت الفرس . البرد : معروف وهو قطع متجمدة يذوب منه ماء بالحرارة . السنا : مقصور من ذوات الواو وهو الضوء . قال الشاعر : @ يضيء سناه أو مصابيح راهب @@ يقال : سنا يسنو سناً ، والسنا أيضاً نبت يُتداوي به ، والسناء بالمد الرفعة والعلو قال : @ وسن كسنق سناء وسنما @@ أذعن للشيء : انقاد له . وقال الزجاج : الإذعان : الإسراع مع الطاعة . الحيف : الميل في الحكم ، يقال : حاف في قضيته أي جار . اللواذ : الروغان من شيء إلى شيء في خفية .