Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 27-31)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد ، فلا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا } الآية . فقال أبو بكر بعد نزولها : يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن فنزل { ليس عليكم جناح } الآية . ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أن أهل الإفك إنما وجدوا السبيل إلى بهتانهم من حيث اتفقت الخلوة ، فصارت كأنها طريق للتهمة ، فأوجب الله تعالى أن لا يدخل المرء بيت غيره إلاّ بعد الاستئذان والسلام ، لأن في الدخول لا على هذا الوجه وقوع التهمة وفي ذلك من المضرة ما لا خفاء به . والظاهر أنه يجوز للإنسان أن يدخل بيت نفسه من غير استئذان ولا سلام لقوله { غير بيوتكم } " ويروى أن رجلاً قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : أأستأذن على أمي ؟ قال : « نعم » قال : ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت ؟ قال : « أتحب أن تراها عريانة » قال الرجل : لا ، قال : وغيّا النهي عن الدخول بالاستئناس والسلام على أهل تلك البيوت " ، والظاهر أن الاستئناس هو خلاف الاستيحاش ، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ، فهو كالمستوحش من جفاء الحال إذا أذن له استأنس ، فالمعنى حتى يؤذن لكم كقوله : { لا تدخلوا بيوت النبيّ إلا أن يؤذن لكم } [ الأحزاب : 53 ] وهذا من باب الكنايات والإرداف ، لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن فوضع موضع الإذن . وقد روي عن ابن عباس أنه قال { تستأنسوا } معناه تستأذنوا ، ومن روى عن ابن عباس أن قوله { تستأنسوا } خطأ أو وهم من الكاتب وأنه قرأ حتى تستأذنوا فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من هذا القول . و { تستأنسوا } متمكنة في المعنى بنية الوجه في كلام العرب . وقد قال عمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم : أستأنس يا رسول الله وعمر وأقف على باب الغرفة الحديث المشهور . وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم . وقيل : هو من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف ، استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً ، والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا ، ومنه استأنس هل ترى أحداً واستأنست فلم أر أحداً ، أي تعرفت واستعلمت ومنه بيت النابعة : @ كان رحلى وقد زال النهار بنا يوم الجليل على مستأنس وحد @@ ويجوز أن يكون من الإنس وهو أن يتعرف هل ثم إنسان . " وعن أبي أيوب قال : قلنا : يا رسول الله ، ما الاستئناس ؟ قال : يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة يتنحنح يؤذن أهل البيت والتسليم أن يقول السلام عليكم " وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته : حييتم صباحاً وحييتم مساء ثم يدخل ، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف . واحد فصدّ الله عن ذلك وعلم الأحسن الأكمل . وذهب الطبري في { تستأنسوا } إلى أنه بمعنى حتى تؤنسوا أهل البيت من أنفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه وتؤنسوا أنفسكم بأن تعلموا أن قد شُعر بكم . قال ابن عطية : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من آنس انتهى . وقال عطاء : الاستئذان واجب على كل محتلم ، والظاهر مطلق الاستئذان فيكفي فيه المرة الواحدة . وفي الحديث : " الاستئذان ثلاث " يعني كماله . " فإن أذن له وإلاّ فليرجع ولا يزيد على ثلاث إلاّ أن يحقق أن من في البيت لم يسمع " والظاهر تقديم الاستئذان على السلام . " وفي حديث أبي داود : قل السلام عليكم أأدخل " ؟ والواو في { وتسلموا } لا تقتضي ترتيباً فشرع النداء بالسلام على الإذن لما في السلام من التفاؤل بالسلامة . { ذلكم } إشارة إلى المصدر المفهوم من { تستأنسوا } و { تسلموا } أي { ذلكم } الاستئناس والتسليم { خير لكم } من تحية الجاهلية . { لعلكم تذكرون } أي شرَّعنا ذلك ونبهناكم على ما فيه مصلحتكم من الستر وعدم الاطلاع على ما تكرهون الإطلاع عليه { لعلكم تذكرون } اعتناء بمصالحكم . { فإن لم تجدوا فيها أحداً } أي يأذن لكم فلا تقدموا على الدخول في ملك غيركم { حتى يؤذن لكم } إذ قد يكون لرب البيت فيه ما لا يحب أن يطلع عليه . { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } وهذا عائد إلى من استأذن في دخول بيت غيره فلم يؤذن له سواء كان فيه من يأذن أم لم يكن ، أي لا تلحوا في طلب الإذن ولا في الوقوف على الباب منتظرين . { هو أزكى } أي الرجوع أطهر لكم وأنمى خيراً لما فيه من سلامة الصدر والبعد عن الريبة . ثم أخبر أنه تعالى { بما تعملون عليم } أي بما تأتون وما تذرون مما خوطبتم به فيجازيكم عليه ، وفي ذلك توعد لأهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على غيره والنظر لما لا يحل . { ليس عليكم جناح } قال الزمخشري : استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها نحو الفنادق وهي الخانات والربط وحوانيت البياعين ، والمتاع المنفعة كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الرحال والسلع والشراء والبيع انتهى . وما ذكره الزمخشري من أنه استثناء من البيوت كما ذكر هو مروي عن ابن عباس وعكرمة والحسن ، ولا يظهر أنه استثناء لأن الآية الأولى في البيوت المسكونة والمملوكة ، ولذلك قال { بيوتاً غير بيوتكم } وهذه الآية الثانية هي في البيوت المباحة ، وقد مثل العلماء لهذه البيوت أمثلة . فقال محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد : هي في الفنادق التي في طرق المسافرين . قال مجاهد : لا يسكنها أحد بل هي موقوفة يأوي إليها كل ابن سبيل . و { فيها متاع } لهم أي استمتاع بمنفعتها ، ومثل عطاء بالخرب التي تدخل للتبرز . وقال ابن زيد والشعبي : هي حوانيت القيسارية والسوق . قال ابن الحنيفة أيضاً : هي دور مكة ، وهذا لا يسوغ إلا على القول بأن دور مكة غير مملوكة ، وأن الناس فيها شركاء وأن مكة فتحت عنوة . { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } وعيد للذين يدخلون البيوت غير المسكونة من أهل الريب . و { من } في { من أبصارهم } عند الأخفش زائدة أي { يغضوا } { أبصارهم } عما يحرم ، وعند غيره للتبعيض وذلك أن أول نظرة لا يملكها الإنسان وإنما يغض فيما بعد ذلك ، ويؤيده قوله لعليّ كرم الله وجهه : " لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية " وقال ابن عطية : يصح أن تكون { من } لبيان الجنس ، ويصح أن تكون لابتداء الغاية انتهى . ولم يتقدم مبهم فتكون { من } لبيان الجنس على أن الصحيح أن من ليس من موضوعاتها أن تكون لبيان الجنس . { ويحفظوا فروجهم } أي من الزنا ومن التكشف . ودخلت { من } في قوله { من أبصارهم } دون الفرج دلالة على أن أمر النظر أوسع ، ألا ترى أن الزوجة ينظر زوجها إلى محاسنها من الشعر والصدور والعضد والساق والقدم ، وكذلك الجارية المستعرضة وينظر من الأجنبية إلى وجهها وكفيها وأما أمر الفرج فمضيق . وعن أبي العالية وابن زيد : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ هذا فهو من الاستتار ، ولا يتعين ما قاله بل حفظ الفرج يشمل النوعين . { ذلك } أي غض البصر وحفظ الفرج أطهر لهم { إن الله خبير بما يصنعون } من إحالة النظر وانكشاف العورات ، فيجازي على ذلك . وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر لا يكاد يقدر على الاحتزاز منه ، وهو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته . وقال بعض الأدباء : @ وما الحب إلا نظرة إثر نظرة تزيد نمواً إن تزده لجاجا @@ ثم ذكر تعالى حكم المؤمنات في تساويهنّ مع الرجال في الغض من الأبصار وفي الحفظ للفروج . ثم قال { ولا يبدين زينتهن } واستثنى ما ظهر من الزينة ، والزينة ما تتزين به المرأة من حلّي أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب ، وما خفى منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لمن استثنى . وذكر الزينة دون مواضعها مبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزينه واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الساق والعضد والعنق والرأس والصدر والآذان ، فنهى عن إبداء الزين نفسها ليعلم أن النظر لا يحل إليها لملابستها تلك المواقع بدليل النظر إليها غير ملابسة لها ، وسومح في الزينة الظاهرة لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بدًّا من مزاولة الأشياء بيدها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خاصة الفقيرات منهنّ وهذا معنى قوله { إلا ما ظهر منها } يعني إلاّ ما جرت العادة والجبلة على ظهوره ، والأصل فيه الظهور وسومح في الزينة الخفيفة . أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم ولما في الطباع من النفر عن مماسة القرائب ، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك . وقال ابن مسعود { ما ظهر منها } هو الثياب ، ونص على ذلك أحمد قال : الزينة الظاهرة الثياب ، وقال تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 31 ] وفسرت الزينة بالثياب . وقال ابن عباس : الكحل والخاتم . وقال الحسن في جماعة : الوجه والكفان . وقال ابن جريج : الوجه والكحل والخاتم والخضاب والسوار . وقال الحسن أيضاً : الخاتم والسور . وقال ابن عباس : الكحل والخاتم فقط . وقال المسور بن مخرمة : هما والسوار . وقال الحسن أيضاً : الخاتم والسوار . وقال ابن بحر : الزينة تقع على محاسن الخلق التي فعلها الله وعلى ما يتزين به من فضل لباس ، فنهاهنّ الله عن إبداء ذلك لمن ليس بمحرم واستثنى ما لا يمكن اخفاؤه في بعض الأوقات كالوجه والأطراف على غير التلذذ . وأنكر بعضهم إطلاق الزينة على الخلقة والأقرب دخوله في الزينة وأي زينة أحسن من خلق العضو في غاية الاعتدال والحسن . وفي قوله { وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ } دليل على أن الزينة ما يعم الخلقة وغيرها ، منعهنّ من إظهار محاسن خلقهنّ فأوجب سترها بالخمار . وقد يقال لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورها عادة وعبادة في الصلاة والحج حسن أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما ، وفي السنن لأبي داود أنه عليه السلام قال : " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا : وأشار إلى وجهه وكفيه " وقال ابن خويز منداد : إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك ، وكان النساء يغطين رؤوسهنّ بالأخمرة ويسدلنها من وراء الظهر فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر عليهنّ وضمَّن { وليضربن } معنى وليلقين وليضعن ، فلذلك عداه بعلى كما تقول ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه . وقرأ عياش عن أبي عمرو { وليضربن } بكسر اللام وطلحة { بخمرهنّ } بسكون الميم وأبو عمرو ونافع وعاصم وهشام { جيوبهن } بضم الجيم وباقي السبعة بكسر الجيم . وبدأ تعالى بالأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من الزينة ، ثم ثنى بالمحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ولكن تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر ، فالأب والأخ ليسا كابن الزوج فقد يُبدي للأب ما لا يبدى لابن الزوج . ولم يذكر تعالى هنا العم ولا الخال . وقال الحسن : هما كسائر المحارم في جواز النظر قال : لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع وهو كالنسب ، وقال في سورة الأحزاب { لا جناح عليهن في آبائهن } [ الأحزاب : 55 ] ولم يذكر فيها البعولة وذكرهم هنا ، والإضافة في { نسائهن } إلى المؤمنات تقتضي تعميم ما أضيف إليهن من النساء من مسلمة وكافرة كتابية ومشركة من اللواتي يكن في صحبة المؤمنات وخدمتهن ، وأكثر السلف على أن قوله { أو نسائهن } مخصوص بمن كان على دينهن . قال ابن عباس : ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلاّ ما تبدي للأجانب إلاّ أن تكون أَمة لقوله { أو ما ملكت أيمانهن } وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن امنع نساء أهل الذمة من دخول الحمام مع المؤمنات . والظاهر العموم في قوله { أو ما ملكت أيمانهن } فيشمل الذكور والإناث ، فيجوز للعبد أن ينظر من سيدته ما ينظر أولئك المستثنون وهو مذهب عائشة وأم سلمة . وعن مجاهد : كان أمهات المؤمنين لا يحتجبن عن مكاتبهن ما بقي عليه درهم ، وروي أن عائشة كانت تمتشط وعبدها ينظر إليها . وعن سعيد بن المسيب مثله ثم رجع عنه . وقال ابن مسعود والحسن وابن المسيب وابن سيرين : لا ينظر العبد إلى شعر مولاته وهو قول أبي حنيفة . وفي الحديث : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً فوق ثلاث إلاّ مع ذي محرم " والعبد ليس بذي محرم . وقال سعيد بن المسيب : لا يغرنكم آية النور فإن المراد بها الإماء . قال الزمخشري : وهذا هو الصحيح لأن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها خصياً كان أو فحلاً . وعن ميسون بنت بحدل الكلابية : إن معاوية دخل عليها ومعه خصي فتقنعت منه ، فقال : هو خصي فقالت : يا معاوية أترى المثلة تحلل ما حرم الله . وعند أبي حنيفة لا يحل إمساك الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم ، ولم ينقل عن أحد من السلف إمساكهم انتهى . والإربة الحاجة إلى الوطء لأنهم بله لا يعرفون شيئاً من أمر النساء ، ويتبعون لأنهم يصيبون من فضل الطعام . قال ابن عطية : ويدخل في هذه الصفة المجنون والمعتوه والمخنث والشيخ الفاني والزمِن الموقوذ بزمانته . وقرأ ابن عامر وأبو بكر بالنصب على الحال أو الاستثناء وباقي السبعة بالجر على النعت وعطف { أو الطفل } على { من الرجال } قسم التابعين غير أولي الحاجة للوطء إلى قسمين رجال وأطفال ، والمفرد المحكي بأل يكون للجنس فيعم ، ولذلك وصف بالجمع في قوله { الذين لم يظهروا } ومن ذلك قول العرب : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض يريد الدنانير والدراهم فكأنه قال : أو الأطفال . و { الطفل } ما لم يبلغ الحلم وفي مصحف حفصة أو الأطفال جمعاً . وقال الزمخشري : وضع الواحد موضع الجمع لأنه يفيد الجنس ويبين ما بعده أنه يراد به الجمع ونحوه { يخرجكم طفلاً } [ غافر : 67 ] انتهى . ووضع المفرد موضع الجمع لا ينقاس عند سيبويه وإنما قوله { الطفل } من باب المفرد المعرف بلام الجنس فيعم كقوله { إن الإنسان لفي خسر } [ العصر : 2 ] ولذلك صح الاستثناء منه والتلاوة ثم يخرجكم بثم لا بالواو . وقوله ونحوه ليس نحوه لأن هذا معرف بلام الجنس وطفلاً نكره ، ولا يتعين حمل طفلاً هنا على الجمع الذي لا يقيسه سيبويه لأنه يجوز أن يكون المعنى ثم يخرج كل واحد منكم كما قيل في قوله تعالى { واعتدت لهن متكأ } [ يوسف : 31 ] أي لكل واحدة منهن . وكما تقول : بنو فلان يشبعهم رغيف أي يشبع كل واحد منهم رغيف . وقوله { لم يظهروا } إما من قولهم ظهر على الشيء إذا اطّلع عليه أي لا يعرفون ما العورة ولا يميزون بينها وبين غيرها ، وإما من ظهر على فلان إذا قوي عليه وظهر على القرن أخذه . ومنه { فأصبحوا ظاهرين } [ الصف : 14 ] أي غالبين قادرين عليه ، فالمعنى لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء . وقرأ الجمهور { عورات } بسكون الواو وهي لغة أكثر العرب لا يحركون الواو والياء في نحو هذا الجمع . وروي عن ابن عباس تحريك واو { عورات } بالفتح . والمشهور في كتب النحو أن تحريك الواو والياء في مثل هذا الجمع هو لغة هذيل بن مدركة . ونقل ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات أن ابن أبي إسحاق والأعمش قرأ { عورات } بالفتح . قال : وسمعنا ابن مجاهد يقول : هو لحن وإنما جعله لحناً وخطأ من قبل الرواية وإلاّ فله مذهب في العربية بنو تميم يقولون : روضات وجورات وعورات ، وسائر العرب بالإسكان . وقال الفراء : العرب على تخفيف ذلك إلاّ هذيلاً فتثقل ما كان من هذا النوع من ذوات الياء والواو . وأنشدني بعضهم : @ أبو بيضات رائح متأوب رفيق بمسح المنكبين سبوح @@ { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال . وقال ابن عباس : هو قرع الخلخال بالإجراء وتحريك الخلاخل عند الرجال . وزعم حضرمي أن امرأة اتخذت خلخالاً من فضة واتخذت جزعاً فجعلته في ساقها ، فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخلخال على الجزع فصوت فنزلت هذه الآية . وقال الزجاج : وسماع صوت ذي الزينة أشد تحريكاً للشهوة من إبدائها انتهى . وقال أبو محمد بن حزم ما معناه أنه تعالى نهاهن عن ذلك لأن المرأة إذا مرت على الرجال قد لا يلتفت إليها ولا يشعر بها : وهي تكره أن لا ينظر إليها ، فإذا فعلن ذلك نبهن على أنفسهن وذلك بحبهن في تعلق الرجال بهن ، وهذا من خفايا الإعلام بحالهن . وقال مكي : ليس في كتاب الله آية أكثر ضمائر من هذه ، جمعت خمسة وعشرين ضميراً للمؤمنات من مخفوض ومرفوع . وقال الزمخشري : وإنما نهى عن إظهار صوت الحلّي بعد ما نهى عن إظهار الحلّي علم بذلك أن النهي عن إظهار مواقع الحلّي أبلغ . { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون } لما سبقت أوامر منه تعالى ومناه ، وكان الإنسان لا يكاد يقدر على مراعاتها دائماً وإن ضبط نفسه واجتهد فلا بد من تقصير أمر بالتوبة وبترجي الفلاح إذا تابوا . وعن ابن عباس { توبوا } مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة . وقرأ ابن عامر { أيه المؤمنون } ويا أية الساحر يا أيه الثقلان بضم الهاء ، ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف ، فلما سقطت الألف بالتقاء الساكنين اتبعت حركتها حركة ما قبلها وضم ها التي للتنبيه بعد أي لغة لبني مالك رهط شقيق ابن سلمة ، ووقف بعضهم بسكون الهاء لأنها كتبت في المصحف بلا ألف بعدها ووقف بعضهم بالألف .