Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 105-122)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المشحون : المملوء بما ينبغي له من قدر ما يحمل ، يقال : شحنها عليهم خيلاً ورجالاً ، الريع : بكسر الراء وفتحها : جمع ريعة ، وهو المكان المرتفع . قال ذو الرمة : @ طراق الخوافي مشرق فوق ريعه بذي ليلة في ريشه يترقرق @@ وقال أبو عبيدة : الريع : الطريق . قال ابن المسيب بن علس يصف ظعناً : @ في الآل يخفضها ويرفعها ريع يلوح كأنه سحل @@ الطلع : الكفري ، وهو عنقود التمر قبل أن يخرج من الكم في أول نباته . وقال الزمخشري : الطلعة : هي التي تطلع من النخلة ، كنصل السيف في جوفه . شماريخ القنو ، والقنو : اسم للخارج من الجذع ، كما هو بعرجونه . الفراهة : جودة منظر الشيء وقوته وكماله في نوعه . وقيل : الكيس والنشاط . القالي : المبغض ، قلى يقلى ويقلي ، ومجيئه على يفعل بفتح العين شاذ . الجبلة : الخلق المتجسد الغليظ ، مأخوذ من الجبل . قال الشاعر : @ والموت أعظم حادث مما يمر على الجبله @@ ويقال : بسكون الباء مثلث الجيم . وقال الهروي : الجبل والجبل والجبل ، لغات ، وهو الجمع الكثير العدد من الناس . انتهى . هام : ذهب على وجهه ، قاله الكسائي . وقال أبو عبيدة : حاد عن القصد . { كذبت قوم نوح المرسلين ، إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون ، إني لكم رسول أمين ، فاتقوا الله وأطيعون ، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ، فاتقوا الله وأطيعون ، قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ، قال وما علمي بما كانوا يعملون ، إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون ، وما أنا بطارد المؤمنين ، إن أنا إلا نذير مبين ، قالوا لئن لم تنته ينوح لتكونن من المرجومين ، قال رب إن قومي كذبون ، فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين ، فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ، ثم أغرقنا بعد الباقين ، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ، وإن ربك لهو العزيز الرحيم } . القوم : مؤنث مجازي التأنيث ، ويصغر قويمة ، فلذلك جاء : { كذبت قوم نوح } . ولما كان مدلوله أفراداً ذكوراً عقلاء ، عاد الضمير عليه ، كما يعود على جمع المذكر العاقل . وقيل : قوم مذكر ، وأنث لأنه في معنى الأمة والجماعة ، وتقدم معنى تكذيب قوم نوح المرسلين ، وإن كان المرسل إليهم واحداً في الفرقان في قوله : { وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم } [ الفرقان : 37 ] وإخوة نوح قيل : في النسب . وقيل : في المجانسة ، كقوله : @ يا أخا تميم تريد يا واحد أمته @@ وقال الشاعر : @ لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا @@ ومتعلق التقوى محذوف ، فقيل : ألا تتقون عذاب الله وعقابه على شرككم ؟ وقيل : ألا تتقون مخالفة أمر الله فتتركوا عبادتكم للأصنام وأمانته ، كونه مشهوراً في قومه بذلك ، أو مؤتمناً على أداء رسالة الله ؟ ولما عرض عليهم برفق تقوى الله فقال : { ألا تتقون } ، انتقل من العرض إلى الأمر فقال : { فاتقوا الله وأطيعون } في نصحي لكم ، وفيما دعوتكم إليه من توحيد الله وإفراده بالعبادة . { وما أسئلكم عليه } : أي على دعائي إلى الله والأمر بتقواه . وقيل : الضمير في عليه يعود على النصح ، أو على التبليغ ، والمعنى : لا أسئلكم عليه شيئاً من أموالكم . وقدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته ، لأن تقوى الله سبب لطاعة نوح عليه السلام . ثم كرر الأمر بالتقوى والطاعة ، ليؤكد عليهم ويقرر ذلك في نفوسهم ، وإن اختلف التعليل ، جعل الأول معلولاً لأمانته ، والثاني لانتفاء أخذ الأجر . ثم لم ينظروا في أمر رسالته ، ولا تفكروا فيما أمرهم به ، لما جبلوا عليه ونشؤوا من حب الرئاسة ، وهي التي تطبع على قلوبهم . فشرع أشرافهم في تنقيص متبعيه ، وأن الحامل على انتفاء إيمانهم له ، كونه اتبعه الأرذلون . وقوله : { واتبعك الأرذلون } ، جملة حالية ، أي كيف نؤمن وقد اتبعك أراذلنا ، فنتساوى معهم في اتباعك ؟ وكذا فعلت قريش في شأن عمار وصهيب . والضعفاء أكثر استجابة من الرؤساء ، لأن أذهانهم ليست مملوءة بزخارف الدنيا ، فهم أدرك للحق وأقبل له من الرؤساء . وقرأ الجمهور : واتبعك فعلاً ماضياً . وقرأ عبد الله ، وابن عباس ، والأعمش ، وأبو حيوة ، والضحاك ، وابن السميفع ، وسعيد بن أبي سعد الأنصاري ، وطلحة ، ويعقوب : واتباعك جمع تابع ، كصاحب وأصحاب . وقيل : جمع تبيع ، كشريف وأشراف . وقيل : جمع تبع ، كبرم وإبرام ، والواو في هذه القراءة للحال . وقيل : للعطف على الضمير الذي في قوله : { أنؤمن لك } ، وحسن ذلك للفصل بلك ، قاله أبو الفضل الرازي وابن عطية وأبو البقاء . وعن اليماني : واتباعك بالجر عطفاً على الضمير في لك ، وهو قليل ، وقاسه الكوفيون . والأرذلون : رفع بإضمارهم . قيل : والذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكنانة وبنو بنيه ، فعلى هذا لا تكون الرذالة دناءة المكاسب ؛ وتقدم الكلام في الرذالة في هود في قوله : { إلا الذين هم أراذلنا } [ هود : 27 ] وأرادوا بذلك تنقيص نوح عليه السلام ، إذ لم يعلموا أن ضعفاء الناس هم أتباع الرسل ، كما ورد في حديث هرقل . وهذا الذي أجابوا به في غاية السخافة ، إذ هو مبعوث إلى الخلق كافة ، فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى ، ولا شرف المكاسب ودناءتها . وقال ابن عطية : ويظهر من الآية أن مراد قوم نوح نسبة الرذيلة إلى المؤمنين ، بتهجين أفعالهم لا النظر إلى صنائعهم ، يدل على ذلك قول نوح : { وما علمي } الآية ، لأن معنى كلامه ليس في نظري ، وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة ، فإنما أقنع بظاهرهم وأجتزىء به ، ثم حسابهم على الله تعالى ، وهذا نحو ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " ، الحديث بجملته انتهى . وقال الكرماني : لا أطلب العلم بما عملوه ، إنما على أن أدعوهم . وقال الزمخشري : وما علمي ، وأي شيء علمي ، والمراد انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم واطلاعه على سرائرهم ؛ وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا في استرذالهم في إيمانهم ، وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة ، وإنما آمنوا هوى وبديهة ، كما حكى الله عنهم في قوله : { الذين هم أراذلنا بادي الرأي } [ هود : 27 ] . ويجوز أن يتعالى لهم نوح عليه السلام ، فيفسر قولهم : الأرذلون ، بما هو الرذالة عنده من سوء الأعمال وفساد العقائد ، ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم . ثم بنى جوابه على ذلك فيقول : ما عليّ إلا اعتبار الظواهر ، دون التفتيش على أسرارهم والشق عن قلوبهم ، وإن كان لهم شيء ، فالله محاسبهم ومجازيهم ، وما أنا إلا منذر لا محاسب ، ولا مجاز ، لو تشعرون ذلك ، ولكنكم تجهلون ، فتنساقون مع الجهل حيث سيركم . وقصد بذلك رد اعتقادكم ، وإنكار أن يسمى المؤمن رذلاً ، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسباً . فإن الغنى غنى الدين ، والنسب نسب التقوى . انتهى . وهو تكثير . وقال الحوفي : وما علمي ما نافيه ، والباء متعلقة بعلمي . انتهى . وهذا التخريج يحتاج فيه إلى إضمار خبر حتى تصير جملة ولما كانوا لا يصدقون بالحساب ولا بالبعث ، أردفه بقوله : { لو تشعرون } ، أي بأن المعاد حق ، والحساب حق . وقرأ الجمهور : تشعرون بتاء الخطاب . وقرأ الأعرج ، وأبو زرعة ، وعيسى بن عمر الهمداني : بياء الغيبة . { وما أنا بطارد المؤمنين } : هذا مشعر بأنهم طلبوا منه ذلك فأجابهم بذلك ، كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد من آمن من الضعفاء ، فنزلت : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم } [ الأنعام : 52 ] الآية ، أي لا أطردهم عني لاتباع شهواتكم والطمع في إيمانكم . { إن أنا إلا نذير مبين } ، ما جئت به بالبرهان الصحيح الذي يميز به الحق من الباطل . ولما اعتلوا في ترك إيمانهم بإيمان من هو دونهم ، دل ذلك على أنهم لم تثلج صدورهم للإيمان ، إذ اتباع الحق لا يأنف منه أحد لوجود الشركة فيه ، أخذوا في التهديد والوعيد . { قالوا لئن لم تنته يا نوح } عن تقبيح ما نحن عليه ، وادعائك الرسالة من الله ، { لتكونن من المرجومين } ، أي بالحجارة ، وقيل : بالشتم . وأيس إذ ذاك من فلاحهم ، فنادى ربه وهو أعلم بحاله : { إن قومي كذبون } ، فدعائي ليس لأجل أنهم آذوني ، ولكن لأجل دينك . { فافتح } ، أي فاحكم . ودعا لنفسه ولمن آمن به بالنجاة ، وفي ذلك إشعار بحلول العذاب بقومه ، أي : { ونجني } مما يحل بهم . وقيل : ونجني من عملهم لأنه سبب العقوبة . والفلك واحد وجمع ، وغالب استعماله جمعاً لقوله : { وترى الفلك مواخر فيه } [ النحل : 14 ] { والفلك التي تجري في البحر } [ البقرة : 164 ] فحيث أتى في غير فاصلة ، استعمل جمعاً ، وحيث كان فاصلة ، استعمل مفرداً لمراعاة الفواصل ، كهذا الموضع . والذي في سورة يس ، وتقدّم الخلاف إذا كان مدلوله جمعاً ، أهو جمع تكسير ، أم اسم جمع ؟ والمشحون ، قال ابن عباس : الموقر ، وقال عطاء : المثقل . { ثم أغرقنا بعد } : أي بعد نجاة نوح والمؤمنين .