Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-17)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه السورة كلها مكية في قول الجمهور إلا أربع آيات من : { والشعراء يتبعهم الغاوون } إلى آخر السورة ، وقاله ابن عباس وعطاء وقتادة . وقال مقاتل : { أولم يكن لهم آية } ، الآية مدنية . ومناسبة أولها لآخر ما قبلها أنه قال تعالى : { فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً } [ الفرقان : 77 ] ذكر تلهف رسول الله صلى الله عليه وسلم على كونهم لم يؤمنوا ، وكونهم كذبوا بالحق ، لما جاءهم . ولما أوعدهم في آخر السورة بقوله : { فسوف يكون لزاماً } [ الفرقان : 77 ] أوعدهم في أول هذه فقال في إثر إخباره بتكذيبهم فسوف يأتيهم { أنباء ما كانوا به يستهزءون } . وتلك إشارة إلى آيات السورة ، أو آيات القرآن . وأمال فتحة الطاء حمزة والكسائي ، وأبو بكر وباقي السبعة : بالفتح ؛ وحمزة بإظهار نون سين ، وباقي السبعة بإدغامها ؛ وعيسى بكسر الميم من طسم هنا وفي القصص ، وجاء كذلك عن نافع . وفي مصحف عبد الله ط س م مقطوع ، وهي قراءة أبي جعفر . وتكلموا على هذه الحروف بما يشبه اللغز والأحاجي ، فتركت نقله ، إذ لا دليل على شيء مما قالوه . { والكتاب المبين } : هو القرآن ، هو بين في نفسه ومبين غيره من الأحكام والشرائع وسائر ما اشتمل عليه ، أو مبين إعجازه وصحة أنه من عند الله . وتقدم تفسير { باخع نفسك } في أول الكهف . { ألا يكونوا } : أي لئلا يؤمنوا ، أو خيفة أن لا يؤمنوا . وقرأ قتادة وزيد بن علي : باخع نفسك على الإضافة . { إن نشأ ننزل } ، دخلت إن على نشأ وإن للممكن ، أو المحقق المنبهم زمانه . قال ابن عطية : ما في الشرط من الإبهام هو في هذه الآية في حيزنا ، وأما الله تعالى فقد علم أنه لا ينزل عليهم آية اضطرار ، وإنما جعل الله آيات الأنبياء والآيات الدالة عليه معرضة للنظر والفكر ، ليهتدي من سبق في علمه هداه ، ويضل من سبق ضلاله ، وليكون للنظرة كسب به يتعلق الثواب والعقاب ، وآية الاضطرار تدفع جميع هذا إن لو كانت . انتهى . ومعنى آية : أي ملجئة إلى الإيمان يقهر عليه . وقرأ أبو عمرو في رواية هرون عنه : إن يشأ ينزل على الغيبة ، أي إن يشأ الله ينزل ، وفي بعض المصاحف : لو شئنا لأنزلنا . وقرأ الجمهور : فظلت ، ماضياً بمعنى المستقبل ، لأنه معطوف على ينزل . وقرأ طلحة : فتظلل ، وأعناقهم . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صح مجيء خاضعين خبراً عن الأعناق ؟ قلت : أصل الكلام : فظلوا لها خاضعين ، فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخشوع ، وترك الكلام على أصله كقولهم : ذهبت أهل اليمامة ، كان الأهل غير مذكور . انتهى . وقال مجاهد ، وابن زيد ، والأخفش : جماعاتهم ، يقال : جاءني عنق من الناس ، أي جماعة ، ومنه قول الشاعر : @ إن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا @@ وقيل : أعناق الناس : رؤساؤهم ، ومقدموهم شبهوا بالأعناق ، كما قيل : @ لهـم الـرؤوس والنـواصي والصـدور @@ قال الشاعر : @ في محفل من نواصي الخيل مشهود @@ وقيل : أريد الجارحة . فقال ابن عيسى : هو على حذف مضاف ، أي أصحاب الأعناق . وروعي هذا المحذوف في قوله : { خاضعين } ، حيث جاء جمعاً للمذكر العاقل ، أولاً حذف ، ولكنه اكتسى من إضافته للمذكر العاقل وصفه ، فأخبر عنه إخباره ، كما يكتسي المذكر التأنيث من إضافته إلى المؤنث في نحو : @ كما شرقت صدر القناة من الدم @@ أولاً حذف ، ولكنه لما وضعت لفعل لا يكون إلا مقصوداً للعاقل وهو الخضوع ، جمعت جمعه كما جاء : { أتينا طائعين } [ فصلت : 11 ] . وقرأ عيسى ، وابن أبي عبلة : خاضعة . وعن ابن عباس : نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ، ستكون لنا عليهم الدولة ، فتذل أعناقهم بعد معاوية ، ويلحقهم هوان بعد عز . { وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث } . تقدم تفسيره في الأنبياء . { إلا كانوا } : جملة حالية ، أي إلا يكونوا عنها . وكان يدل ذلك أن ديدنهم وعادتهم الإعراض عن ذكر الله . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف خولف بين الألفاظ والغرض واحد ، وهو الإعراض ؟ قلت : كان قبل حين أعرضوا عن الذكر ، فقد كذبوا به ، وحين كذبوا به ، فقد خف عليهم قدره وصار عرضه الاستهزاء بالسخرية ، لأن من كان قابلاً للحق مقبلاً عليه ، كان مصدقاً به لا محالة ، ولم يظن به التكذيب . ومن كان مصدقاً به ، كان موقراً له . انتهى . { فسيأتيهم } : وعيد بعذاب الدنيا ، كيوم بدر ، وعذاب الآخرة . ولما كان إعراضهم عن النظر في صانع الوجود ، وتكذيب ما جاءتهم به رسله من أعظم الكفر ، وكانوا يجعلون الأصنام آلهة ، نبه تعالى على قدرته ، وأنه الخالق المنشيء الذي يستحق العبادة بقوله : { أو لم يروا إلى الأرض } ؟ والزوج : النوع . وقيل : الشيء وشكله . وقيل : أبيض وأسود وأحمر وأصفر وحلو وحامض . وقال الفراء : الزوج : اللون . والكريم : الحسن ، قاله مجاهد وقتادة . وقيل : ما يأكله الناس والبهائم . وقيل : الكثير المنفعة . وقيل : الكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد . وجه كريم : مرضي في حسنه وجماله ؛ وكتاب كريم : مرضي في معانيه وفوائده . وقال : حتى يشق الصفوف من كرمه ، أي من كونه مرضياً في شجاعته وبأسه ، ويراد الأشياء التي بها قوام الأمور ، والأغذية والنباتات ، ويدخل في ذلك الحيوان لأنه عن اثنين . قال تعالى : { والله أنبتكم من الأرض نباتاً } [ نوح : 17 ] . قال الشعبي : الناس من نبات الأرض ، فمن صار إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار إلى النار فبضد ذلك . قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل ؟ ولو قيل : { أنبتنا فيها من كل زوج كريم } قلت : دل كل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، وكم على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة ؟ فهذا معنى الجمع ، وبه نبه على كمال قدرته . انتهى . وأفرد { لآية } ، وإن كان قد سبق ما دل على الكثرة في الأزواج ، وهو كم ، وعلى الإحاطة بالعموم في الأزواج ، لأن المشار إليه واحد ، وهو الإنبات ، وإن اختلفت متعلقاته ، أو أريد أن في كل واحد من تلك الأزواج لآية . { وما كان أكثرهم مؤمنين } : تسجيل على أكثرهم بالكفر . { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } : أي الغالب القاهر . ولما كان الموضع موضع بيان القدرة ، قدم صفة العزة على صفة الرحمة . فالرحمة إذا كانت عن قدرة ، كانت أعظم وقعاً ، والمعنى : أنه عز في نقمته من الكفار ورحم مؤمني كل أمة . ولما ذكر تكذيب قريش بما جاءهم من الحق وإعراضهم عنه ، ذكر قصة موسى عليه السلام ، وما قاسى مع فرعون وقومه ، ليكون ذلك مسلاة لما كان يلقاه عليه الصلاة والسلام من كفار قريش . إذ ، كانت قريش قد اتخذت آلهة من دون الله ، وكان قوم فرعون قد اتخذوه إلهاً ، وكان أتباع ملة موسى عليه السلام هم المجاورون من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ، بدأ بقصة موسى ، ثم ذكر بعد ذلك ما يأتي ذكره من القصص . والعامل في إذ ، قال الزجاج ، اتل مضمرة ، أي اتل هذه القصة فيما يتلوا إذ نادى ، ودليل ذلك { واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ } [ الشعراء : 69 - 70 ] . وقيل : العامل اذكر ، وهو مثل واتل ، ومعنى نادى : دعا . وقيل : أمر . وأن : يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون تفسيرية ، وسجل عليهم بالظلم ، لظلم أنفسهم بالكفر ، وظلم بني إسرائيل بالاستعباد ، وذبح الأولاد ، و { قوم فرعون } ، وقيل : بدل من { القوم الظالمين } ، والأجود أن يكون عطف بيان لأنهما عبارتان يعتقبان على مدلول واحد ، إذ كل واحد عطف البيان ، وسوغه مستقل بالإسناد . ولما كان القوم الظالمين يوهم الاشتراك ، أتى عطف البيان بإزالته ، إذ هو أشهر . وقرأ الجمهور : ألا يتقون ، بالياء على الغيبة . وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار ، وشقيق بن سلمة ، وحماد بن سلمة ، وأبو قلابة : بتاء الخطاب ، على طريقة الالتفات إليهم إنكاراً وغضباً عليهم ، وإن لم يكونوا حاضرين ، لأنه مبلغهم ذلك ومكافحهم . قال ابن عطية : معناه قل لهم ، فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم وأمرهم بالتقوى . وقال الزمخشري : فإن قلت : بم تعلق قوله : { ألا يتقون } ؟ قلت : هو كلام مستأنف اتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم تعجيباً لموسى عليه السلام من حالهم التي سعت في الظلم والعسف ، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله . ويحتمل أن يكون ألا يتقون حالاً من الضمير في الظالمين ، أي يظلمون غير متقين الله وعقابه ، فأدخلت همزة الإنكار على الحال . انتهى . وهذا الاحتمال الذي أورده خطأ فاحش لأنه جعله حالاً من الضمير في الظالمين ، وقد أعرب هو { قوم فرعون } عطف بيان ، فصار فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي بينهما ، لأن قوم فرعون معمول لقوله : { ائت } والذي زعم أنه حال معمول لقوله الظالمين ، وذلك لا يجوز أيضاً لو لم يفصل بينهما بقوله : قوم فرعون . لم يجز أن تكون الجملة حالاً ، لأن ما بعد الهمزة يمتنع أن يكون معمولاً لما قبلها . وقولك : جئت أمسرعاً ؟ على أن يكون أمسرعاً حالاً من الضمير في جئت لا يجوز ، فلو أضمرت عاملاً بعد الهمزة جاز . وقرىء : بفتح النون وكسرها ، التقدير : أفلا يتقونني ؟ فحذفت نون الرفع لالتقاء الساكنين ، وياء المتكلم اكتفاء بالكسرة . وقال الزمخشري : في ألا يتقون بالياء وكسر النون وجه آخر ، وهو أن يكون المعنى : ألا يا ناس اتقون ، كقوله : { ألاَّ يسجدوا } [ النمل : 25 ] . انتهى . يعني : وحذف ألف ياخطاً ونطقاً لالتقاء الساكنين ، وهذا تخريج بعيد . والظاهر أن ألا للعرض المضمن الحض على التقوى ، وقول من قال إنها للتنبيه لا يصح ، وكذلك قول الزمخشري : إنها للنفي دخلت عليها همزة الإنكار . ولما كان فرعون عظيم النخوة حتى ادعى الإلهية ، كثير المهابة ، قد أشربت القلوب الخوف منه خصوصاً من كان من بني إسرائيل ، قال موسى عليه السلام : { إني أخاف أن يكذبون } . وقرأ الجمهور : { ويضيق } { ولا ينطلق } ، بالرفع فيهما عطفاً على أخاف . فالمعنى : إنه يفيد ثلاث علل : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان . وقرأ الأعرج ، وطلحة ، وعيسى ، وزيد بن عليّ ، وأبو حيوة ، وزائدة ، عن الأعمش ، ويعقوب : بالنصب فيهما عطفاً على يكذبون ، فيكون التكذيب وما بعده يتعلق بالخوف . وحكى أبو عمرو الداني ، عن الأعرج : أنه قرأ بنصب : ويضيق ، ورفع : ولا ينطلق ، وعدم انطلاق اللسان هو بما يحصل من الخوف وضيق الصدر ، لأن اللسان إذ ذاك يتلجلج ولا يكاد يبين عن مقصود الإنسان . وقال ابن عطية : وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة ، فإذا كان هذا في وقت ضيق الصدر ، لم ينطلق اللسان . { فأرسل إلى هارون } : معناه يعينني ويؤازرني ، وكان هارون عليه السلام فصيحاً واسع الصدر ، فحذف بعض المراد من القول ، إذ باقية دال عليه . انتهى . وقال الزمخشري : ومعنى { فأرسل إلى هارون } : أرسل إليه جبريل عليه السلام ، واجعله نبياً ، وأزرني به ، واشدد به عضدي ؛ وهذا كلام مختصر ، وقد أحسن في الاختصار حيث قال : { فأرسل إلى هارون } ، فجاء بما يتضمن معنى الاستثناء . وقوله : { إني أخاف } إلى آخره ، بعد أن أمره الله بأن يأتي القوم الظالمين ، ليس توقفاً فيما أمره الله تعالى به ، ولكنه طلب من الله أن يعضده بأخيه ، حتى يتعاونا على إنفاذ أمره تعالى ، وتبليغ رسالته ، مهد قبل طلب ذلك عذره ثم طلب . وطلب العون دليل على القبول لا على التوقف والتعلل ، ومفعول أرسل محذوف . فقيل جبريل ، كما تقدم ذكره ، وفي الخبر أن الله أرسل موسى إلى هارون ، وكان هارون بمصر حين بعث الله موسى نبياً بالشام . قال السدي : سار بأهله إلى مصر ، فالتقى بهارون وهو لا يعرفه فقال : أنا موسى ، فتعارفا ؛ وأمرهما أن ينطلقا إلى فرعون لأداء الرسالة ، فصاحت أمهما لخوفها عليهما ، فذهبا إليه . { ولهم عليّ ذنب } : أي قبلي قود ذنب ، أو عقوبة ، وهو قتله القبطي الكافر خباز فرعون بالوكزة التي وكزها ، أو سمى تبعة الذنب ذنباً ، كما سمى جزاء السيئة سيئة . وليس قول موسى ذلك تلكأ في أداء الرسالة ، بل قال ذلك استدفاعاً لما يتوقعه منهم من القتل ، وخاف أن يقتل قبل أداء الرسالة ، ويدل على ذلك قوله : { كلا } ، وهي كلمة الردع ، ثم وعده تعالى بالكلاءة والدفع . وكلا رد لقوله : { إني أخاف } ، أي لا تخف ذلك ، فإني قضيت بنصرك وظهورك . وقوله : { فاذهبا } ، أمر لهما بخطاب لموسى فقط ، لأن هارون ليس بمكلم بإجماع ، ولكنه قال لموسى : { اذهب أنت وأخوك } [ طه : 42 ] . قال الزمخشري : جمع الله له الاستجابتين معاً في قوله : { كلا فاذهبا } ، لأنه استدفعه بلاءهم ، فوعده الدفع بردعه عن الخوف ، والتمس المؤازرة بأخيه ، فأجابه بقوله : اذهب ، أي اذهب أنت والذي طلبته هارون . فإن قلت : علام عطف قوله اذهبا ؟ قلت : على الفعل الذي يدل عليه كلا ، كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن ، فاذهب أنت وهارون بآياتنا ، يعم جميع ما بعثهما الله به ، وأعظم ذلك العصا ، وبها وقع العجز . قال ابن عطية : ولا خلاف أن موسى هو الذي حمله الله أمر النبوة وكلفها ، وأن هارون كان نبياً رسولاً معيناً له ووزيراً . انتهى . ومعكم ، قيل : من وضع الجمع موضع المثنى ، أي معكما . وقيل : هو على ظاهره من الجمع ، والمراد موسى وهارون ومن أرسلا إليه . وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع المثنى ، والخطاب لموسى وهارون فقط ، قال : لأن لفظة مع تباين من يكون كافراً ، فإنه لا يقال الله معه . وعلى أنه أريد بالجمع التثنية ، حمله سيبويه رحمه الله وكأنهما لشرفهما عند الله ، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع ، إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته . قال ابن عطية : { مستمعون } اهتبالاً ، ليس في صيغة سامعون ، وإلا فليس يوصف الله تعالى بطلب الاستماع ، وإنما القصد إظهار التهمم ليعظم أنس موسى ، أو يكون الملائكة بأمر الله إياها تستمع . وقال الزمخشري : { معكم مستمعون } من مجاز الكلام ، يريد أنا لكما ولعدوكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه ، فأظهركما وغلبكما وكسر شوكته عنكما ونكسه . انتهى . ويجوز أن يكون معه متعلقاً بمستمعون ، وأن يكون خبراً ، ومستمعون خبر ثان . والمعية هنا مجاز ، وكذلك الاستماع ، لأنه بمعنى الإصغاء ، ولا يلزم من الاستماع السماع ، تقول : أسمع إليه ، فما سمع واستمع إليه ، فسمع كما قال : { استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا } [ الجن : 1 ] وأفرد رسول هنا ولم يثن ، كما في قوله : { إنا رسولا ربك } [ طه : 47 ] إما لأنه مصدر بمعنى الرسالة ، فجاز أن يقع مفرداً خبر المفرد فما فوقه ، وإما لكونهما ذوي شريعة واحدة ، فكأنهما رسول واحد . وأريد بقوله : أنا أو كل واحد منا رسول . { ورسول رب العالمين } فيه رد عليه ، وأنه مربوب لله تعالى ، بادهه بنقض ما كان أبرمه من ادعاء الألوهية ، ولذلك أنكر فقال : وما رب العالمين والمعنى إليك ، { وأن أرسل } : يجوز أن تكون تفسيرية لما في رسول من معنى القول ، وأن تكون مصدرية ، وأرسل بمعنى أطلق وسرح ، كما تقول : أرسلت الحجر من يدي ، وأرسلت الصقر . وكان موسى مبعوثاً إلى فرعون في أمرين : إرسال بني إسرائيل ليزول عنهم العبودية ، والإيمان بالله وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل وإرسالهم معهما كان إلى فلسطين ، وكانت مسكن موسى وهارون .