Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 52-68)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم الخلاف في { أسر } ، وأنه قرىء بوصل الهمزة وبقطعها في سورة هود . وقرأ اليماني : أن سر ، أمر من سار يسير . أمر الله موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر إلى تجاه البحر ، وأخبره أنهم سيتبعون . فخرج سحراً ، جاعلاً طريق الشام على يساره ، وتوجه نحو البحر ، فيقال له في ترك الطريق ، فيقول : هكذا أمرت . فلما أصبح ، علم فرعون بسري موسى ببني إسرائيل ، فخرج في أثرهم ، وبعث إلى مدائن مصر ليحلقه العساكر . وذكروا أعداداً في أتباع فرعون وفي بني إسرائيل ، الله أعلم بصحة ذلك . { إن هؤلاء لشرذمة } : أي قال إن هؤلاء وصفهم بالقلة ، ثم جمع القليل فجعل كل حزب قليلاً ، جمع السلامة الذي هو للقلة ، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل ، والظاهر تقليل العدد . قال الزمخشري : ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة والقماءة ، ولا يريد قلة العدد ، والمعنى : أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غفلتهم ، ولكنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم يساره ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن ، لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه . انتهى . قال أبو حاتم : وقرأ من لا يؤخذ عنه : { لشرذمة قليلون } ، وليست هذه موقوفة . انتهى . يعني أن هذه القراءة ليست موقوفة على أحد رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : { لغائظون } : أي بخلافهم وأخذهم الأموال حين استعاروها ولم يردوها ، وخرجوا هاربين . وقرأ الكوفيون ، وابن ذكوان ، وزيد بن علي : { حاذرون } ، بالألف ، وهو الذي قد أخذ يحذر ويجدد حذره ، وحذر متعد . قال تعالى : { يحذر الآخرة } [ الزمر : 9 ] . وقال العباس بن مرداس : @ وإني حاذر أنمي سلاحي إلى أوصال ذيال صنيع @@ وقرأ باقي السبعة : بغير ألف وهو المتيقظ . وقال الزجاج : مؤدون ، أي ذوو أدوات وسلاح ، أي متسلحين . وقيل : حذرون في الحال ، وحاذرون في المآل . وقال الفراء : الحاذر : الخائف ما يرى ، والحذر : المخلوق حذراً . وقال أبو عبيدة : رجل حذر وحذر وحاذر بمعنى واحد . وذهب سيبويه إلى أن حذراً يكون للمبالغة ، وأنه يعمل كما يعمل حاذر ، فينصب المفعول به ، وأنشد : @ حذر أموراً لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار @@ وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو . وعن الفراء أيضاً ، والكسائي : رجل حذر ، إذا كان الحذر في خلقته ، فهو متيقظ منتبه . وقرأ سميط بن عجلان ، وابن أبي عمار ، وابن السميفع : حاذرون ، بالدال المهملة من قولهم : عين حدرة ، أي عظيمة ، والحادر : المتورم . قال ابن عطية : فالمعنى ممتلئون غيظاً وأنفة . وقال ابن خالوية : الحادر : السمين القوي الشديد ، يقال غلام حدر بدر . وقال صاحب اللوامح : حدر الرجل : قوي بأسه ، يقال : منه رجل حدر بدر ، إذا كان شديد البأس في الحرب ، ويقال : رجل حدر ، بضم الدال للمبالغة ، مثل يقظ . وقال الشاعر : @ أحب الصبي السوء من أجل أمّة وأبغضه من بغضها وهو حادر @@ أي سمين قوي . وقيل : مدجّجون في السلاح . { فأخرجناهم } : الضمير عائد على القبط . { من جنات وعيون } : بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد ، قاله ابن عمر وغيره ، والجمهور : على أنها عيون الماء . وقال ابن جبير : المراد عيون الذهب . { وكنوز } : هي الأموال التي خربوها . قال مجاهد : سماها كنوزاً لأنه لم ينفق في طاعة الله قط . وقال الضحاك : الكنوز : الأنهار . قال صاحب التحبير : وهذا فيه نظر ، لأن العيون تشملهما . وقيل : هي كنوز المقطم ومطالبه . قال ابن عطية : هي باقية إلى اليوم . انتهى . وأهل مصر في زماننا في غاية الطلب لهذه الكنوز التي زعموا أنها مدفونة في المقطم ، فينفقون على حفر هذه المواضع في المقطم الأموال الجزيلة ، ويبلغون في العمق إلى أقصى غاية ، ولا يظهر لهم إلا التراب أو حجر الكذان الذي المقطم مخلوق منه ، وأي مغربي يرد عليهم سألوه عن علم المطالب . فكثير منهم يضع في ذلك أوراقاً ليأكلوا أموال المصريين بالباطل ، ولا يزال الرجل منهم يذهب ماله في ذلك حتى يفتقر ، وهو لا يزداد إلا طلباً لذلك حتى يموت . وقد أقمت بين ظهرانيهم إلى حين كتابة هذه الأسطر ، نحواً من خمسة وأربعين عاماً ، فلم أعلم أن أحداً منهم حصل على شيء غير الفقر ؛ وكذلك رأيهم في تغوير الماء . يزعمون أن ثم آباراً ، وأنه يكتب أسماء في شقفة ، فتلقى في البئر ، فيغور الماء وينزل إلى باب في البئر ، يدخل منه إلى قاعة مملوءة ذهباً وفضة وجوهراً وياقوتاً . فهم دائماً يسألون من يرد من المغاربة عمن يحفظ تلك الأسماء التي تكتب في الشقفة ، فيأخذ شياطين المغاربة منهم مالاً جزيلاً ، ويستأكلونهم ، ولا يحصلون على شيء غير ذهاب أموالهم ، ولهم أشياء من نحو هذه الخرافات ، يركنون إليها ويقولون بها ، وإنما أطلت في هذا على سبيل التحذير لمن يعقل . وقوله تعالى : { ومقام كريم } . قال ابن لهيعة : هو الفيوم . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : هو المنابر للخطباء . وقيل : الأسرة في الكلل . وقيل : مجالس الأمراء والأشراف والحكام . وقال النقاش : المساكن الحسان . وقيل : مرابط الخيل ، حكاه الماوردي . وقرأ قتادة ، والأعرج : ومقام ، بضم الميم من أقام كذلك . قال الزمخشري : يحتمل ثلاثة أوجه : النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه ، والجر على أنه وصف لمقام ، أي ومقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي الأمر كذلك . انتهى . فالوجه الأول لا يسوغ ، لأنه يؤول إلى تشبيه الشيء بنفسه ، وكذلك الوجه الثاني ، لأن المقام الذي كان لهم هو المقام الكريم ، ولا يشبه الشيء بنفسه . والظاهر أن قوله : { وأورثناها بني إسرائيل } ، أنهم ملكوا ديار مصر بعد غرق فرعون وقومه ، لأنه اعتقب قوله : { وأورثناها } : قوله : { وأخرجناهم } ، وقاله الحسن ؛ قال : كما عبروا النهر ، رجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم . وقيل : ذهبوا إلى الشام وملكوا مصر زمن سليمان . وقرأ الجمهور : { فاتبعوهم } : أي فلحقوهم . وقرأ الحسن ، والذماري : فاتبعوهم ، بوصل الألف وشد التاء . { مشرقين } : داخلين في وقت الشروق ، من شرقت الشمس شروقاً ، إذا طلعت ، كأصبح : دخل في وقت الصباح ، وأمسى : دخل في وقت المساء . وقال أبو عبيدة : فاتبعوهم نحو الشرق ، كأنجد : إذا قصد نحو نجد . والظاهر أن مشرقين حال من الفاعل . وقيل : مشرقين : أي في ضياء ، وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة ، تحيروا فيها حتى جاوز بنو إسرائيل البحر ، فعلى هذا يكون مشرقين حالاً من المفعول . { فلما تراءى الجمعان } : أي رأى أحدهما الآخر ، { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } : أي ملحقون ، قالوا ذلك حين رأوا العدوّ القوي وراءهم والبحر أمامهم ، وساءت ظنونهم . وقرأ الأعمش : وابن وثاب : تراي الجمعان ، بغير همز ، على مذهب التخفيف بين بين ، ولا يصح القلب لوقوع الهمزة بين ألفين ، إحداهما ألف تفاعل الزائدة بعد الفاء ، والثانية اللام المعتلة من الفعل . فلو خففت بالقلب لاجتمع ثلاث ألفات متسقة ، وذلك مما لا يكون أبداً ، قاله أبو الفضل الرازي . وقال ابن عطية : وقرأ حمزة : تريء ، بكسر الراء ويمد ثم يهمز ؛ وروى مثله عن عاصم ، وروي عنه أيضاً مفتوحاً ممدود ، و الجمهور يقرؤونه مثل تراعى ، وهذا هو الصواب ، لأنه تفاعل . وقال أبو حاتم : وقراءة حمزة هذا الحرف محال ، وحمل عليه ، قال : وما روي عن ابن وثاب والأعمش خطأ . انتهى . وقال الأستاذ أبو جعفر أحمد ابن الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري ، هو ابن الباذش ، في كتاب الإقناع من تأليفه : تراءى الجمعان في الشعراء . إذا وقف عليها حمزة والكسائي ، أما لا الألف المنقلبة عن لام الفعل ، وحمزة يميل ألف تفاعل وصلاً ووقفاً لإمالة الألف المنقلبة ؛ ففي قراءته إمالة الإمالة . وفي هذا الفعل ، وفي راءى ، إذا استقبله ألف وصل لمن أمال للإمالة ، حذف السبب وإبقاء المسبب ، كما قالوا : صعقي في النسب إلى الصعق . وقرأ الجمهور : لمدركون ، بإسكان الدال ؛ والأعرج ، وعبيد بن عمير : بفتح الدال مشددة وكسر الراء ، على وزن مفتعلون ، وهو لازم ، بمعنى الفناء والاضمحلال . يقال : منه ادّرك الشيء بنفسه ، إذا فني تتابعاً ، ولذلك كسرت الراء على هذه القراءة ، نص على كسرها أبو الفضل الرازي في ( كتاب اللوامح ) ، والزمخشري في ( كشافه ) وغيرهما . وقال أبو الفضل الرازي : وقد يكون ادّرك على افتعل بمعنى أفعل متعدياً ، فلو كانت القراءة من ذلك ، لوجب فتح الراء ، ولم يبلغني ذلك عنهما ، يعني عن الأعرج وعبيد بن عمير . قال الزمخشري : المعنى إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد ، ومنه بيت الحماسة : @ أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجى الحياة أم من الموت أجزع @@ { قال كلا إن معي ربي سيهدين } : زجرهم وردعهم بحرف الردع وهو كلا ، والمعنى : لن يدركوكم لأن الله وعدكم بالنصر والخلاص منهم ، إن معي ربي سيهدين عن قريب إلى طريق النجاة ويعرفنيه . وقيل : سيكفيني أمرهم . ولما انتهى موسى إلى البحر ، قال له مؤمن آل فرعون ، وكان بين يدي موسى : أين أمرت ، وهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ؟ قال : أمرت بالبحر ، ولا يدري موسى ما يصنع . ورويت هذه المقالة عن يوشع ، قالها لموسى عليه السلام ، فأوحى الله إليه { أن اضرب بعصاك البحر } ، فخاض يوشع الماء . وضرب موسى بعصاه ، فصار فيه اثنا عشر طريقاً ، لكل سبط طريق . أراد تعالى أن يجعل هذه الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل فعله ، ولكنه بقدرة الله إذ ضرب البحر بالعصا لا يوجب انفلاق البحر بذاته ، ولو شاء تعالى لفلقه دون ضربه بالعصا ، وتقدّم الخلاف في مكان هذا البحر . { فانفلق } : ثم محذوف تقديره : فضرب فانفلق . وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب ، وفاء انفلق . والفاء في انفلق هي فاء ضرب ، فأبقى من كل ما يدل على المحذوف ، أبقيت الفاء من فضرب واتصلت بانفلق ، ليدل على ضرب المحذوفة ، وأبقى انفلق ليدل على الفاء المحذوفة منه . وهذا قول شبيه بقول صاحب البرسام ، ويحتاج إلى وحي يسفر عن هذا القول . وإذا نظرت القرآن وجدت جملاً كثيرة محذوفة ، وفيها الفاء نحو قوله : { فأرسلون * يوسف أيها الصديق } [ يوسف : 45 - 46 ] أي فأرسلوه ، فقال يوسف أيها الصديق ، والفرق الجزء المفصل . والطود : الجبل العظيم المنطاد في السماء . وحكى يعقوب عن بعض القراء ، أنه قرأ كل فلق باللام عوض الراء . { وأزلفنا } : أي قربنا ، { ثم } : أي هناك ، وثم ظرف مكان للبعد . { الآخرين } : أي قوم فرعون ، أي قربناهم ، ولم يذكر من قربوا منه ، فاحتمل أن يكون المعنى : قربناهم حيث انفلق البحر من بني إسرائيل ، أو قربنا بعضهم من بعض حتى لا ينجو أحد ، أو قربناهم من البحر . وقرأ الحسن ، وأبو حيوة : وزلفنا بغير ألف . وقرأ أبي ، وابن عباس ، وعبد الله بن الحارث : وأزلقنا بالقاف عوض الفاء ، أي أزللنا ، قاله صاحب اللوامح . قيل : من قرأ بالقاف صار الآخرين فرعون وقومه ، ومن قرأ بالعامة يعني بالقراءة العامة ، فالآخرون هم موسى وأصحابه ، أي جمعنا شملهم وقربناهم بالنجاة . انتهى ، وفي الكلام حذف تقديره : ودخل موسى وبنو إسرائيل البحر وأنجينا . قيل : دخلوا البحر بالطول ، وخرجوا في الصفة التي دخلوا منها بعد مسافة ، وكان بين موضع الدخول وموضع الخروج أوعار وجبال لا تسلك . { إن في ذلك لآية } : أي لعلامة واضحة عاينها الناس وشاع أمرها . قال الزمخشري : { وما كان أكثرهم مؤمنين } : أي ما تنبه أكثرهم عليها ولا آمنوا . وبنو إسرائيل ، الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء ، قد سألوه بقرة يعبدونها ، واتخذوا العجل ، وطلبوا رؤية الله جهرة . انتهى . والذي يظهر أن قوله : { وما كان أكثرهم مؤمنين } : أي أكثر قوم فرعون ، وهم القبط ، إذ قد آمن السحرة ، وآمنت آسية امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وعجوز اسمها مريم ، دلت موسى على قبر يوسف عليه السلام ، واستخرجوه وحملوه معهم حين خرجوا من مصر .