Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 10-14)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وأصبح } : أي صار فارغاً من العقل ، وذلك حين بلغها أنه وقع في يد فرعون ، فدهمها أمر مثله لا يثبت معه العقل ، لا سيما عقل امرأة خافت على ولدها حتى طرحته في اليم ، رجاء نجاته من الذبح ؛ هذا مع الوحي إليها أن الله يرده إليها ويجعله رسولاً ، ومع ذلك فطاش لبها وغلب عليها ما يغلب على البشر عند مفاجأة الخطب العظيم ، ثم استكانت بعد ذلك لموعود الله . وقرأ أحمد بن موسى ، عن أبي عمر وفؤاد : بالواو . وقال ابن عباس : فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى . وقال مالك : هو ذهاب العقل . وقالت فرقة : فارغاً من الصبر . وقال ابن زيد : فارغاً من وعد الله ووحيه إليها ، تناسته من الهم . وقال أبو عبيدة : فارغاً من الحزن ، إذ لم يغرق ، وهذا فيه بعد ، وتبعده القراءات الشواذ التي في اللفظة . وقرأ فضالة بن عبيد ، والحسن ، ويزيد بن قطيب ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير : فزعاً ، بالزاي والعين المهملة ، من الفزع ، وهو الخوف والقلق ؛ وابن عباس : قرعاً ، بالقاف وكسر الراء وإسكانها ، من قرع رأسه ، إذا انحسر شعره ، كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى . وقيل : قرعاً ، بالسكون ، مصدر ، أي يقرع قرعاً من القارعة ، وهي الهم العظيم . وقرأ بعض الصحابة : فزغاً ، بالفاء مكسورة وسكون الزاي والغين المنقوطة ، ومعناه : ذاهباً هدراً تالفاً من الهم والحزن . ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال : @ فإن يك قتلي قد أصيْبت نفوسهم فلن تذهبوا فزغاً بقتل حبال @@ أي : بقتل حبال فزغاً ، أي هدراً لا يطلب له بثأر ولا يؤخذ . وقرأ الخليل بن أحمد : فرغاً ، بضم الفاء والراء . { إن كادت لتبدي به } : هي إن المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة . وقيل : إن نافية ، واللام بمعنى إلاّ ، وهذا قول كوفي ، والإبداء : إظهار الشيء . والظاهر أن الضمير في به عائد على موسى عليه السلام ، فقيل : الباء زائدة ، أي : لتظهره . وقيل : مفعول تبدي محذوف ، أي لتبدي القول به ، أي بسببه وأنه ولدها . وقيل : الضمير في به للوحي ، أي لتبدي بالوحي . وقال ابن عباس : كادت تصيح عند إلقائه في البحر وا ابناه . وقيل : عند رؤيتها تلاطم الأمواج به { لولا أن ربطنا على قلبها } . قال قتادة : بالإيمان . وقال السدي : بالعصمة . وقال الصادق : باليقين . وقال ابن عطاء : بالوحي ، و { لتكون من المؤمنين } . فعلنا ذلك ، أي المصدقين بوعد الله ، وأنه كائن لا محالة . والربط على القلب كناية عن قراره وإطمئنانه ، شبه بما يربط مخافة الانفلات . وقال الزمخشري : ويجوز : وأصبح فؤادها فارغاً من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه . { إن كادت لتبدي } بأنه ولدها ، لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت ، لولا أنا طمأنا قلبها وسكّنّا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج . { لتكون من المؤمنين } الواثقين بوعد الله ، لا بتبني فرعون وتعطفه . انتهى . وما ذهب إليه الزمخشري من تجويز كونه فارغاً من الهم إلى آخره ، خلاف ما فهمه المفسرون من الآية ، وجواب لولا محذوف تقديره : لكادت تبدي به ، ودل عليه قوله : { إن كادت لتبدي به } ، وهذا تشبيه بقوله : { وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } [ يوسف : 24 ] . { وقالت لأخته } ، طمعاً منها في التعرف بحاله . { قصيه } : أي اتبعي أثره وتتبعي خبره . فروي أنها خرجت في سكك المدينة مختفية ، فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يتطلبون له امرأة ترضعه ، حين لم يقبل المراضع ، واسم أخته مريم ، وقيل : كلثمة ، وقيل : كلثوم ، وفي الكلام حذف ، أي فقصت أثره . { فبصرت به } : أي أبصرته ؛ { عن جنب } ، أي عن بعد ؛ { وهم لا يشعرون } بتطلبها له ولا بإبصارها . وقيل : معنى { عن جنب } : عن شوق إليه ، حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال : هي لغة جذام ، يقولون : جنبت إليك : اشتقت . وقال الكرماني : جنب صفة لموصوف محذوف ، أي عن مكان جنب ، يريد بعيد . وقيل : عن جانب ، لأنها كانت تمشي على الشط ، وهم لا يشعرون أنها تقص . وقيل : لا يشعرون أنها أخته . وقيل : لا يشعرون أنه عدو لهم ، قاله مجاهد . وقرأ الجمهور : عن جنب ، بضمتين . وقرأ قتادة : فبصرت ، بفتح الصاد ؛ وعيسى : بكسرها . وقرأ قتادة ، والحسن ، والأعرج ، وزيد بن علي : جنب ، بفتح الجيم وسكون النون . وعن قتادة : بفتحهما أيضاً . وعن الحسن : بضم الجيم وإسكان النون . وقرأ النعمان بن سالم : عن جانب ، والجنب والجانب والجنابة والجناب بمعنى واحد . وقال قتادة : معنى عن جنب : أنها تنظر إليه كأنها لا تريده . والتحريم هنا بمعنى المنع ، أي منعناه أن يرضع ثدي امرأة ؛ والمراضع جمع مرضع ، وهي المرأة التي ترضع ؛ أو جمع مرضع ، وهو موضع الرضاع ، وهو الثدي ، أو الإرضاع . { من قبل } : أي من أول أمره . وقيل : من قبل قصها أثره وإتيانه على من هو عنده . { فقالت هل أدلكم } : أي أرشدكم إلى { أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } ، لكونهم فيهم شفقة ورحمة لمن يكفلونه وحسن تربية . ودل قوله : { وحرمنا عليه المراضع } ، أنه عرض عليه جملة من المرضعات ، والظاهر أن الضمير في له عائد على موسى . قيل : ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمْره من جملته . وقال ابن جريج : تأول القوم أن الضمير للطفل فقالوا لها : إنك قد عرفتيه ، فأخبرينا من هو ؟ فقالت : ما أردت ، إلا أنهم ناصحون للملك ، فتخلصت منهم بهذا التأويل . وفي الكلام حذف تقديره : فمرت بهم إلى أمه ، فكلموها في إرضاعه ؛ أو فجاءت بأمه إليهم ، فكلموها في شأنه ، فأرضعته ، فالتقم ثديها . ويروى أن فرعون قال لها : ما سبب قبول هذا الطفل ثديك ، وقد أبى كل ثدي ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح ، طيبة اللبن ، لا أوتي بصبي إلا قبلني ، فدفعه إليها ، وذهبت به إلى بيتها ، وأجرى لها كل يوم ديناراً . وجاز لها أخذه لأنه مال حربي ، فهو مباح ، وليس ذلك أجرة رضاع . { فرددناه إلى أمّه } ، كما قال تعالى : { إنّا رادّوه إليك } ، ودمع الفرح بارد ، وعين المهموم حرى سخنة ، وقال أبو تمام : @ فأما عيون العاشقين فأسخنت وأما عيون الشامتين فقرت @@ لما أنجز تعالى وعده في الردّ ، ثبت عندها أنه سيكون نبياً رسولاً . { ولتعلم أن وعد الله حق } ، فعلنا ذلك . ولا يعلمون ، أي أن وعد الله حق ، فهم مرتابون فيه ؛ أو لا يعلمون أن الرد إنما كان لعلمها بصدق وعد الله . ولكن أكثر الناس لا يعلمون بأن الرد كان لذلك ، وفي قوله : { ولتعلم أن وعد الله حق } دلالة على ضعف من ذهب إلى أن الإيحاء إليها كان إلهاماً أو مناماً ، لأن ذلك يبعد أن يقال فيه وعد . وقوله : ولتعلم وقوع ذلك فهو علم مشاهدة ، إذ كانت عالمة أن ذلك سيكون ، وأكثرهم هم القبط ، ولا يعلمون سرّ القضاء . وقال الضحاك : لا يعلمون مصالحهم وصلاح عواقبهم . وقال الضحاك أيضاً ، ومقاتل : لا يعلمون أن الله وعدها رده إليها ، وتقدم تفسير { ولما بلغ أشده } إلى { المحسنين } في سورة يوسف عليه السلام .