Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 7-9)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إيحاء الله إلى أم موسى : إلهام وقذف في القلب ، قاله ابن عباس وقتادة ؛ أو منام ، قاله قوم ؛ أو إرسال ملك ، قاله قطرب وقوم ، وهذا هو الظاهر لقوله : { إنّا رادُّوه إليك وجاعلوه من المرسلين } . وأجمعوا على أنها لم تكن نبية ، فإن كان الوحي بإرسال ملك ، كما هو الظاهر ، فهو كإرساله للأقرع والأبرص والأعمى ، وكما روي من تكليم الملائكة للناس . والظاهر أن هذا الإيحاء هو بعد الولادة ، فيكون ثم جملة محذوفة ، أي ووضعت موسى أمه في زمن الذبح وخافت عليه . { وأوحينا } ، و { أن } تفسيرية ، أو مصدرية . وقيل : كان الوحي قبل الولادة . وقرأ عمرو بن عبد الواحد ، وعمر بن عبد العزيز : أن ارضعيه ، بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس ، لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة ، وهي الفتحة ، إلى النون ، كقراءة ورش . { فإذا خفت عليه } من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأولاد ، { فألقيه في اليم } . قال الجنيد : إذا خفت حفظه بواسطة ، فسلميه إلينا بإلقائه في البحر ، واقطعي عنك شفقتك وتدبيرك . وزمان إرضاعه ثلاثة أشهر ، أو أربعة ، أو ثمانية ، أقوال . واليم هنا : نيل مصر . { ولا تخافي } : أي من غرقه وضياعه ، ومن التقاطه ، فيقتل ، { ولا تحزني } لمفارقتك إياه ، { إنّا رادّوه إليك } ، وعد صادق يسكن قلبها ويبشرها بحياته وجعله رسولاً ، وقد تقدم في سورة طه طرف من حديث التابوت ورميه في اليم وكيفية التقاطه ، فأغنى عن إعادته . واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعراً فقالت : أبعد قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى } الآية ، فصاحة ؟ وقد جمع بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين . { فالتقطه آل فرعون } : في الكلام حذف تقديره : ففعلت ما أمرت به من إرضاعه ومن إلقائه في اليم . واللام في { ليكون } للتعليل المجازي ، لما كان مآل التقاطه وتربيته إلى كونه عدواً لهم { وحزناً } ، وإن كانوا لم يلتقطوه إلا للتبني ، وكونه يكون حبيباً لهم ، ويعبر عن هذه اللام بلام العاقبة وبلام الصيرورة . وقرأ الجمهور : وحزناً ، بفتح الحاء والزاي ، وهي لغة قريش . وقرأ ابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن سعدان : بضم الحاء وإسكان الزاي . والخاطىء : المتعمد الخطأ ، والمخطىء : الذي لا يتعمده . واحتمل أن يكون في الكلام حذف ، وهو الظاهر ، أي فكان لهم عدواً وحزناً ، أي لأنهم كانوا خاطئين ، لم يرجعوا إلى دينه ، وتعمدوا الجرائم والكفر بالله . وقال المبرد : خاطئين على أنفسهم بالتقاطه . وقيل : بقتل أولاد بني إسرائيل . وقيل : في تربية عدوّهم . وأضيف الجند هنا وفيما قبل إلى فرعون وهامان ، وإن كان هامان لا جنود له ، لأن أمر الجنود لا يستقيم إلا بالملك والوزير ، إذ بالوزير تحصل الأموال ، وبالملك وقهره يتوصل إلى تحصيلها ، ولا يكون قوام الجند إلا بالأموال . وقرىء : خاطيين ، بغير همز ، فاحتمل أن يكون أصله الهمز . وحذفت ، وهو الظاهر . وقيل : من خطا يخطو ، أي خاطين الصواب . ولما التقطوه ، هموا بقتله ، وخافوا أن يكون المولود الذي يحذرون زوال ملكهم على يديه ، فألقى الله محبته في قلب آسية امرأة فرعون ، ونقلوا أنها رأت نوراً في التابوت ، وتسهل عليها فتحه بعد تعسر فتحه على يدي غيرها ، وأن بنت فرعون أحبته أيضاً لبرئها من دائها الذي كان بها ، وهو البرص ، بإخبار من أخبر أنه لا يبرئها إلا ريق إنسان يوجد في تابوت في البحر . وقرة : خبر مبتدأ محذوف ، أي هو قرة ، ويبعد أن يكون مبتدأ والخبر { لا تقتلوه } ؛ وتقدم شرح قرة في آخر الفرقان . وذكر أنها لما قالت لفرعون : { قرة عين لي ولك } ، قال : لك لا لي . وروي أنها قالت له : لعله من قوم آخرين ليس من بني إسرائيل ، وأتبعت النهي عن قتله برجائها أن ينفعهم لظهور مخايل الخير فيه من النور الذي رأته ، ومن برإ البرص ، أو يتخذوه ولداً ، فإنه أهل لذلك . { وهم لا يشعرون } : جملة حالية ، أي لا يشعرون أنه الذي يفسد ملكهم على يديه ، قاله قتادة ؛ أو أنه عدو لهم ، قاله مجاهد ؛ أو أني أفعل ما أريد لا ما يريدون ، قاله محمد بن إسحاق . والظاهر أنه من كلام الله تعالى . وقيل : هو من كلام امرأة فرعون ، أي قالت ذلك لفرعون ، والذين أشاروا بقتله لا يشعرون بمقالتها له واستعطاف قلبه عليه ، لئلا يغروه بقتله . وقال الزمخشري : تقدير الكلام : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } ، و { قالت امرأة فرعون } كذا ، { وهم لا يشعرون } أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه . وقوله : { إن فرعون } الآية ، جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم . انتهى . ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير فصل كان أحسن .