Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 22-29)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ توجه } : رد وجهه . و { تلقاء } : تقدم الكلام عليه في يونس ، أي ناحية وجهه . استعمل المصدر استعمال الظرف ، وكان هناك ثلاث طرق ، فأخذ موسى أوسطها ، وأخذ طالبوه في الآخرين وقالوا : المريب لا يأخذ في أعظم الطرق ولا يسلك إلاّ بنياتها . فبقي في الطريق ثماني ليال وهو حاف ، لا يطعم إلا ورق الشجر . والظاهر من قوله : { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } ، أنه كان لا يعرف الطريق ، فسأل ربه أن يهديه أقصد الطريق بحيث أنه لا يضل ، إذ لو سلك ما لا يوصله إلى المقصود لتاه . وعن ابن عباس : قصد مدين وأخذ يمشي من غير معرفة ، فأوصله الله إلى مدين . وقيل : هداه جبريل إلى مدين . وقيل : ملك غيره . وقيل : أخذ طريقاً يأمن فيه ، فاتفق ذهابه إلى مدين . والظاهر أن سواء السبيل : وسط الطريق الذي يسلكه إلى مكان مأمنه . وقال مجاهد : سواء السبيل : طريق مدين . وقال الحسن : هو سبيل الهدى ، فمشى موسى عليه السلام إلى أن وصل إلى مدين ، ولم يكن في طاعة فرعون . { ولما ورد ماء مدين } : أي وصل إليه ، والورود بمعنى الوصول إلى الشيء ، وبمعنى الدخول فيه . قيل : وكان هذا الماء بئراً . والأمة : الجمع الكثير ، ومعنى عليه : أي على شفيره وحاشيته . { يسقون } : يعني مواشيهم . { ووجد من دونهم } : أي من الجهة التي وصل إليها قبل أن يصل إلى الأمة ، فهما من دونهم بالإضافة إليه ، قاله ابن عطية . وقال الزمخشري : في مكان أسفل من مكانهم . { تذودان } ، قال ابن عباس وغيره : تذودان غنمهما عن الماء خوفاً من السقاة الأقوياء . وقال قتادة : تذودان الناس عن غنمهما . قال الزجاج : وكأنهما تكرهان المزاحمة على الماء . وقيل : لئلا تختلط غنمهما بأغنامهم . وقيل : تذودان عن وجوههما نظر الناظر لتسترهما . وقال الفراء : تحبسانها عن أن تتفرق ، واسم الصغرى عبرا ، واسم الكبر صبورا . ولما رآهما موسى عليه السلام واقفتين لا تتقدمان للسقي ، سألهما فقال : { ما خطبكما } ؟ قال ابن عطية : والسؤال بالخطب إنما هو في مصاب ، أو مضطهد ، أو من يشفق عليه ، أو يأتي بمنكر من الأمر . قال الزمخشري : وحقيقته : ما مخطوبكما ؟ أي ما مطلوبكما من الذياد ؟ سمى المخطوب خطباً ، كما سمى الشؤون شأناً في قولك : ما شأنك ؟ يقال : شانت شأنه ، أي قصدت قصده . انتهى . وفي سؤاله عليه الصلاة والسلام دليل على جواز مكالمة الأجنبية فيما يعنّ ولم يكن لأبيهما أجير ، فكانتا تسوقان الغنم إلى الماء ، ولم تكن لهما قوة الإستقاء ، وكان الرعاة يستقون من البئر فيسقون مواشيهم ، فإذا صدروا ، فإن بقي في الحوض شيء سقتا . فوافى موسى عليه السلام ذلك اليوم وهما يمنعان غنمهما عن الماء ، فرق عليهما وقال : { ما خطبكما } ؟ وقرأ شمر : بكسر الخاء ، أي من زوجكما ؟ ولم لا يسقي هو ؟ وهذه قراءة شاذة نادرة . { قالتا لا نسقي } . وقرأ ابن مصرف : لا نسقي ، بضم النون . وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، والحسن ، وقتادة ، والعربيان : يصدر ، بفتح الياء وضم الدال ، أي يصدرون بأغنامهم ؛ وباقي السبعة ، والأعرج ، وطلحة ، والأعمش ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى : بضم الياء وكسر الدال ، أي يصدرون أغنامهم . وقرأ الجمهور : الرعاء ، بكسر الراء : جمع تكسير . قال الزمخشري : وأما الرعاء بالكسر فقياس ، كصيام وقيام . انتهى . وليس بقياس ، لأنه جمع راع ؛ وقياس فاعل الصفة التي للعاقل أن تكسر على فعلة ، كقاض وقضاة ، وما سوى جمعه هذا فليس بقياس . وقرىء : الرعاء ، بضم الراء ، وهو اسم جمع ، كالرخال والثناء . قال أبو الفضل الرازي : وقرأ عياش ، عن أبي عمرو : الرعاء ، بفتح الراء ، وهو مصدر أقيم مقام الصفة ، فاستوى لفظ الواحد والجماعة فيه ، وقد يجوز أنه حذف منه المضاف . { وأبونا شيخ كبير } : اعتذار لموسى عن مباشرتهما السقي بأنفسهما ، وتنبيه على أن أباهما لا يقدر على السقي لشيخه وكبره ، واستعطاف لموسى في إعانتهما . { فسقى لهما } : أي سقى غنمهما لأجلهما . وروي أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجراً لا يقله إلا عدد من الرجال ، واضطرب النقل في العدد ، فأقل ما قالوا سبعة ، وأكثره مائة ، فأقله وحده . وقيل : كانت لهم دلو لا ينزع بها إلا أربعون ، فنزع بها وحده . وروي أنه زاحمهم على الماء حتى سقى لهما ، كل ذلك رغبة في الثواب على ما كان به من نصب السفر وكثرة الجوع ، حتى كانت تظهر الخضرة في بطنه من البقل . وقيل : إنه مشى حتى سقط أصله ، وهو باطن القدم ، ومع ذلك أغاثهما وكفاهما أمر السقي . وقد طابق جوابهما لسؤاله . سألهما عن سبب الذود ، فأجاباه : بأنا امرأتان ضعيفتان مستورتان ، لا نقدر على مزاحمة الرجال ، فتؤخر السقي إلى فراغهم . ومباشرتهما ذلك ليس بمحظور ، وعادة العرب وأهل البدو في ذلك غير عادة أهل الحضر والأعاجم ، لا سيما إذا دعت إلى ذلك ضرورة . { ثم تولى إلى الظل } ، قال ابن مسعود : ظل شجرة . قيل : كانت سمرة . وقيل : إلى ظل جدار لا سقف له . وقيل : جعل ظهره يلي ما كان يلي وجهه من الشمس . { فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير } ، قال المفسرون : تعرض لما يطعمه ، لما ناله من الجوع ، ولم يصرح بالسؤال ؛ وأنزلت هنا بمعنى تنزل . وقال الزمخشري : وعدى باللام فقير ، لأنه ضمن معنى سائل وطالب . ويحتمل أن يريد ، أي فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين ، وهو النجاة من الظالمين ، لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة ، قال ذلك رضا بالبدل السني وفرحاً به وشكراً له . وقال الحسن : سأل الزيادة في العلم والحكمة . { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } : في الكلام حذف ، والتقدير : فذهبتا إلى أبيهما من غير إبطاء في السقي ، وقصتا عليه أمر الذي سقى لهما ، فأمر إحداهما أن تدعوه له . { فجاءته إحداهما } . قرأ ابن محيصن : فجاءته إحداهما ، بحذف الهمزة ، تخفيفاً على غير قياس ، مثل : ويل امه في ويل أمه ، ويابا فلان ، والقياس أن يجعل بين بين ، وإحداهما مبهم . فقيل : الكبرى ، وقيل : كانتا توأمتين ، ولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار . وعلى استحياء : في موضع الحال ، أي مستحيية متحفزة . قال عمر بن الخطاب : قد سترت وجهها بكم درعها ؛ والجمهور : على أن الداعي أباهما هو شعيب عليه السلام ، وهما ابنتاه . وقال الحسن : هو ابن أخي شعيب ، واسمه مروان . وقال أبو عبيدة : هارون . وقيل : هو رجل صالح ليس من شعيب ينسب . وقيل : كان عمهما صاحب الغنم ، وهو المزوج ، عبرت عنه بالأب ، إذ كان بمثابته . { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } ، في ذلك ما كان عليه شعيب من الإحسان والمكافأة لمن عمل له عملاً ، وإن لم يقصد العالم المكافأة . { فلما جاءه } : أي فذهب معهما إلى أبيهما ، وفي هذا دليل على اعتماد أخبار المرأة ، إذ ذهب معها موسى ، كما يعتمد على أخبارها في باب الرواية . { وقص عليه القصص } : أي ما جرى له من خروجه من مصر ، وسبب ذلك . { قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين } : أي قبل الله دعاءك في قولك : { رب نجني من القوم الظالمين } ، أو أخبره بنجاته منهم ، فأنسه بقوله : { لا تخف } ، وقرب إليه طعاماً ، فقال له موسى : إنا أهل بيت ، لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهباً ، فقال له شعيب : ليس هذا عوض السقي ، ولكن عادتي وعادة آبائي قري الضيف وإطعام الطعام ؛ فحينئذ أكل موسى عليه السلام . { قالت إحداهما } : أبهم القائلة ، وهي الذاهبة والقائلة والمتزوجة ، { يا أبت استأجره } : أي لرعي الغنم وسقيها . ووصفته بالقوة : لكونه رفع الصخرة عن البئر وحده ، وانتزع بتلك الدلو ، وزاحمهم حتى غلبهم على الماء ؛ وبالأمانة : لأنها حين قام يتبعها هبت الريح فلفت ثيابها فوصفتها ، فقال : ارجعي خلفي ودليني على الطريق . وقولها كلام حكيم جامع ، لأنه إذا اجتمعت الكفاية والأمانة في القائم بأمر ، فقد تم المقصود ، وهو كلام جرى مجرى المثل ، وصار مطروقاً للناس ، وكان ذلك تعليلاً للاستئجار ، وكأنها قالت : استأجره لأمانته وقوته ، وصار الوصفان منبهين عليه . ونظير هذا التركيب قول الشاعر : @ ألا إن خير الناس حياً وهالكاً أسير ثقيف عندهم في السلاسل @@ جعل خير من استأجرت الاسم ، اعتناء به . وحكمت عليه بالقوة والأمانة . ولما وصفته بهذين الوصفين قال لها أبوها : ومن أين عرفت هذا ؟ فذكرت إقلاله الحجر وحده ، وتحرجه من النظر إليها حين وصفتها الريح ؛ وقاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ، وغيرهم . وقيل : قال لها موسى ابتداء : كوني ورائي ، فإني رجل لا أنظر إلى أدبار النساء ، ودليني على الطريق يميناً أو يساراً . وقال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله : { عسى أن ينفعنا } [ يوسف : 21 ] ، وأبو بكر في عمر . وفي قولها : { استأجره } ، دليل على مشروعية الإجارة عندهم ، وكذا كانت في كل ملة ، وهي ضرورة الناس ومصلحة الخلطة ، خلافاً لابن علية والأصم ، حيث كانا لا يجيزانها ؛ وهذا مما انعقد عليه الإجماع ، وخلافهما خرق . { قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } : رغب شعيب في مصاهرته ، لما وصفته به ، ولما رأى فيه من عزوفه عن الدنيا وتعلقه بالله وفراره من الكفرة . وقرأ ورش ، وأحمد بن موسى ، عن أبي عمرو : أنكحك إحدى ، بحذف الهمزة . وظاهر قوله : { أن أنكحَك } ، أن الإنكاح إلى الولي لا حق للمرأ فيه ، خلافاً لأبي حنيفة في بعض صوره ، بأن تكون بالغة عالمة بمصالح نفسها ، فإنها تعقد على نفسها بمحضر من الشهود ، وفيه دليل على عرض الولي وليته على الزوج ، وقد فعل ذلك عمر ، ودليل على تزويج ابنته البكر من غير استئمار ، وبه قال مالك والشافعي . وقال أبو حنيفة : إذا بلغت البكر ، فلا تزوج إلا برضاها . قيل : وفيه دليل على قول من قال : لا ينعقد إلا بلفظ التزويج ، أو الإنكاح ، وبه قال ربيعة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وداود . وإحدى ابنتي : مبهم ، وهذا عرض لا عقد . ألا ترى إلى قوله : { إني أريد } ؟ وحين العقد يعين من شاء منهما ، وكذلك لم يحدّ أول أمد الإجارة . والظاهر من الآية جواز النكاح بالإجارة ، وبه قال الشافعي وأصحابه وابن حبيب . وقال الزمخشري : { هاتين } ، فيه دليل على أنه كانت له غيرهما . انتهى . ولا دليل في ذلك ، لأنهما كانتا هما اللتين رآهما تذودان ، وجاءته إحداهما ، فأشار إليهما ، والإشارة إليهما لا تدل على أن له غيرهما . { على أن تأجرني } في موضع الحال من ضمير أنكحك ، إما الفاعل ، وإما المفعول . وتأجرني ، من أجرته : كنت له أجيراً ، كقولك : أبوته : كنت له أباً ، ومفعول تأجرني الثاني محذوف تقديره نفسك . و { ثماني حجج } : ظرف ، وقاله أبو البقاء . وقال الزمخشري : حجج : مفعول به ، ومعناه : رعيه ثماني حجج . { فإن أتممت عشراً فمن عندك } : أي هو تبرع وتفضل لا اشتراط . { وما أريد أن أشق عليك } بإلزام أيّما الأجلين ، ولا في المعاشرة والمناقشة في مراعاة الأوقات ، وتكليف الرعاة أشياء من الخدم خارجة عن الشرط . { ستجدني إن شاء الله من الصالحين } : وعد صادق مقرون بالمشيئة من الصالحين في حسن المعاملة ووطاءة الخلق ، أو من الصالحين على العموم ، فيدخل تحته حسن المعاملة . ولما فرغ شعيب مما حاور به موسى ، قال موسى : { ذلك بيني وبينك } ، على جهة التقدير والتوثق في أن الشرط إنما وقع في ثماني حجج . وذلك مبتدأ خبره بيني وبينك ، إشارة إلى ما عاهده عليه ، أي ذلك الذي عاهدتني وشارطتني قائم بيننا جميعاً لا نخرج عنه ، ثم قال : { أيما الأجلين } ، أي الثماني أو العشر ؟ { فلا عدوان عليّ } : أي لا يعتدى عليّ في طلب الزيادة ، وأي شرط ، وما زائدة . وقرأ الحسن ، والعباس ، عن أبي عمرو : أيما ، بحذف الياء الثانية ، كما قال الشاعر : @ تنظرت نصراً والسماكين أيما علي من الغيث استهلت مواطره @@ وقرأ عبد الله : أي الأجلين ما قضيت ، بزيادة ما بين الأجلين وقضيت . قال الزمخشري فإن قلت : ما الفرق بين موقع ما المزيدة في القراءتين ؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة الإبهام ، أي زائدة في شياعها وفي الشاذ ، تأكيداً للقضاء ، كأنه قال : أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له ؟ وقرأ أبو حيوة ، وابن قطيب : فلا عدوان ، بكسر العين . قال المبرد : قد علم أنه لا عدوان عليه في أتمهما ، ولكن جمعهما ، ليجعل الأول كالأتم في الوفاء . وقال الزمخشري : تصور العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو أقصر ، وهو المطالبة بتتمة العشر ، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعاً ؟ قلت : معناه : كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر ، كان عدواناً لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت في الزيادة على الثماني . أراد بذلك تقرير الخيار ، وأنه ثابت مستقر ، وأن الأجلين على السواء ، إما هذا ، وإما هذا من غير تفاوت بينهما في القضاء . وأما التتمة فموكولة إلى رأيي ، إن شئت أتيت بها وإلا لم أجبر عليها . وقيل : معناه فلا أكون متعدياً ، وهو في نفي العدوان عن نفسه ، كقولك : لا إثم عليّ ولا تبعة . انتهى ، وجوابه الأول فيه تكثير . { والله على ما نقول } : أي على ما تعاهدنا عليه وتواثقنا ، { وكيل } : أي شاهد . وقال قتادة : حفيظ . وقال ابن شجرة : رقيب ، والوكيل الذي وكل إليه الأمر ، فلما ضمن معنى شاهد ونحوه عدى بعلى . { فلما قضى موسى الأجل } : جاء على النبي صلى الله عليه وسلم أنه وفي أطول الأجلين ، وهو العشر . وعن مجاهد : وفي عشر أو عشراً بعدها ، وهذا ضعيف . { وسار بأهله } : أي نحو مصر بلده وبلد قومه . والخلاف فيمن تزوّج ، الكبرى أم الصغرى ، وكذلك في اسمها . وتقدّم كيفية مسيره ، وإيناسه النار في سورة طه وغيرها . وقرأ الجمهور : جذوة ، بكسر الجيم ؛ والأعمش ، وطلحة ، وأبو حيوة ، وحمزة : بضها ؛ وعاصم ، غير الجعفي : بفتحها . { لعلكم تصطلون } : أي تتسخنون بها ، إذ كانت ليلة باردة ، وقد أضلوا الطريق .