Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 30-35)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
من ، في : من شاطىء ، لابتداء الغاية ، ومن الشجرة كذلك ، إذ هي بدل من الأولى ، أي من قبل الشجرة . والأيمن : يحتمل أن يكون صفة للشاطىء وللوادي ، على معنى اليمن والبركة ، أو الأيمن : يريد المعادل للعضو الأيسر ، فيكون ذلك بالنسبة إلى موسى ، لا للشاطىء ، ولا للوادي ، أي أيمن موسى في استقباله حتى يهبط الوادي ، أو بعكس ذلك ؛ وكل هذه الأقوال في الأيمن مقول . وقرأ الأشهب العقيلي ، ومسلمة : في البقعة ، بفتح الباء . قال أبو زيد : سمعت من العرب : هذه بقعة طيبة ، بفتح الباء ، ووصفت البقعة بالبركة ، لما خصت به من آيات الله وأنواره وتكليمه لموسى عليه السلام ، أو لما حوت من الأرزاق والثمار الطيبة . ويتعلق في البقعة بنودي ، أو تكون في موضع الحال من شاطىء . والشجرة عناب ، أو عليق ، أو سمرة ، أو عوسج ، أقوال . وأن : يحتمل أن تكون حرف تفسير ، وأن تكون مخففة من الثقيلة . وقرأت فرقة : { إني أنا } ، بفتح الهمزة ، وفي إعرابه إشكال ، لأن إن ، إن كانت تفسيرية ، فينبغي كسر إني ، وإن كانت مصدرية ، تتقدر بالمفرد ، والمفرد لا يكون خبراً لضمير الشأن ، فتخريج هذه القراءة على أن تكون إن تفسيرية ، وإني معمول لمضمر تقديره : إني يا موسى أعلم إني أنا الله . وجاء في طه : { نودي يا موسى إني أنا ربك } [ الآية : 11 - 12 ] ، وفي النمل : { نودي أن بورك من في النار } [ الآية : 8 ] ، وهنا : { نودي من شاطىء } ، ولا منافاة ، إذ حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء . والجمهور : على أنه تعالى كلمه في هذا المقام من غير واسطة . وقال الحسن : ناداه نداء الوحي ، لا نداء الكلام . وتقدم الكلام على نظير قوله : { وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب } ، ثم أمره فقال : { اسلك يدك في جيبك } ، وهو فتح الجبة من حيث تخرج الرأس ، وكان كم الجبة في غاية الضيق . وتقدّم الكلام على : { تخرج بيضاء من غير سوء } وفسر الجناح هنا باليد وبالعضد وبالعطاف ، وبما أسفل من العضد إلى الرسغ ، وبجيب مدرعته . والرهب : الخوف ، وتأتي القراءات فيه . وقيل : بفتح الراء والهاء : الكم ، بلغة بني حنيفة وحمير ، وسمع الأصمعي قائلاً يقول : اعطني ما في رهبك ، أي في كمك ، والظاهر حمل : { واضمم إليك جناحك من الرهب } على الحقيقة . قال الثوري : خاف موسى أن يكون حدث به سوء ، فأمره تعالى أن يعيد يده إلى جيبه لتعود على حالتها الأولى ، فيعلم موسى أنه لم يكن سوءاً بل آية من الله . وقال مجاهد ، وابن زيد : أمره بضم عضده وذراعه ، وهو الجناح ، إلى جنبه ، ليخف بذلك فزعه . ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في وقت فزعه أن يقوي قلبه . وقيل : لما انقلبت العصا حية ، فزع موسى واضطرب ، فاتقاها بيده ، كما يفعل الخائف من الشيء ، فقيل له : أدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ، ثم أخرجها بيضاء لتظهر معجزة أخرى ، وهذا القول بسطه الزمخشري ، لأنه كالتكرار لقوله : { اسلك يدك في جيبك } . وقد قال هو والجناح هنا اليد ، قال : لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر ، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى ، فقد ضم جناحه إليه . وقيل : المعنى فإذا هالك أمر لما يغلب من شعاعها ، فاضممها إليك تسكن . وقالت فرقة : هو مجاز أمره بالعزم على ما أمره به ، كما تقول العرب : أشدد حيازيمك واربط جأشك ، أي شمر في أمرك ودع الرهب ، وذلك لما كثر تخوفه وفزعه في غير موطن ، قاله أبو علي ، وكأنه طيره الفزع ، وآلة الطيران الجناح . فقيل له : اسكن ولا تخف ، وضم منشور جناحك من الخوف إليك ، وذكر هذا القول الزمخشري ، فقال والثاني أن يراد بضم جناحه إليه : تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حية ، حتى لا يضطرب ولا يرهب ، استعارة من فعل الطائر ، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما ، وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران . ومعنى { من الرهب } : من أجل الرهب ، أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية ، فاضمم إليك جناحك . جعل الرهب الذي كان يصيبه سبباً وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه . ومعنى : { واضمم إليك جناحك } ، وقوله : { اسلك يدك في جيبك } على أحد التفسيرين واحد ، ولكن خولف بين العبارتين ، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين ، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء ، وفي الثاني إخفاء الرهب . فإن قلت : قد جعل الجناح ، وهو اليد ، في أحد الموضعين مضموماً وفي الآخر مضموماً إليه ، وذلك قوله : { واضمم إليك جناحك } ، { واضمم يدك إلى جناحك } [ طه : 22 ] ، فما التوفيق بينهما ؟ قلت : المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى ، وبالمضموم إليه اليد اليسرى ، وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح . ومن بدع التفاسير أن الرهب : الكم ، بلغة حمير ، وأنهم يقولون : اعطني ما في رهبك ؛ وليت شعري ؛ كيف صحته في اللغة ؟ وهل سمع من الأثبات الثقات التي ترضي عربيتهم ؟ ثم ليت شعري : كيف موقعه في الآية ؟ وكيف يعطيه الفصل كسائر كلمات التنزيل ؟ على أن موسى ، صلوات الله عليه ، ما كان عليه ليلة المناجاة إلاَّ زرماتقة من صوف ، لا كمين لها . انتهى . أما قوله : وهل سمع من الأثبات ؟ وهذا مروي عن الأصمعي ، وهو ثقة ثبت . وأما قوله : كيف موقعه من الآية ؟ فقالوا : معناه أخرج يدك من كمك ، وكان قد أخذ العصا بالكم . وقرأ الحرميان ، وأبو عمرو : من الرهب ، بفتح الراء والهاء ؛ وحفص : بفتح الراء وسكون الهاء ؛ وباقي السبعة : بضم الراء وإسكان الهاء . وقرأ قتادة ، والحسن ، وعيسى ، والجحدري : بضمهما . { فذانك } : إشارة إلى العصا واليد ، وهما مؤنثتان ، ولكن ذكرا لتذكير الخبر ، كما أنه قد يؤنث المذكر لتأنيث الخبر ، كقراءة من قرأ : ثم لم يكن فتنتهم إلا أن قالوا ، بالياء في تكن . { برهانان } : حجتان نيرتان . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : فذانك ، بتشديد النون ؛ وباقي السبعة : بتخفيفها . وقرأ ابن مسعود ، وعيسى ، وأبو نوفل ، وابن هرمز ، وشبل : فذانيك ، بياء بعد النون المكسورة ، وهي لغة هذيل . وقيل : بل لغة تميم ، ورواها شبل عن ابن كثير ، وعنه أيضاً : فذانيك ، بفتح النون قبل الياء ، على لغة من فتح نون التثنية ، نحو قوله : @ على أحوذيين استقلت عشية @@ وقرأ ابن مسعود : بتشديد النون مكسورة بعدها ياء . قيل : وهي لغة هذيل . وقال المهدوي : بل لغتهم تخفيفها . و { إلى فرعون } : يتعلق بمحذوف دل عليه المعنى تقديره : اذهب إلى فرعون . { قال رب إني قتلت منهم نفساً } : هو القبطي الذي وكزه فمات ، فطلب من ربه ما يزداد به قوة ، وذكر أخاه والعلة التي تكون له زيادة التبليغ . و { أفصح } : يدل على أنه فيه فصاحة ، ولكن أخوه أفصح . { فأرسله معي ردءاً } : أي معيناً يصدقني ، ليس المعنى أنه يقول لي : صدقت ، إذ يستوي في قول هذا اللفظ العيي والفصيح ، وإنما المعنى : أنه لزيادة فصاحته يبالغ في التبيان ، وفي الإجابة عن الشبهات ، وفي جداله الكفار . وقرأ الجمهور : ردأ ، بالهمزة ؛ وأبو جعفر ، ونافع ، والمدنيان : بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الدال ؛ والمشهور عن أبي جعفر بالنقل ، ولا همز ولا تنوين ، ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف . وقرأ عاصم ، وحمزة : يصدقني ، بضم القاف ، فاحتمل الصفة لردءاً ، والحال احتمل الاستئناف . وقرأ باقي السبعة : بالإسكان . وقرأ أبي ، وزيد بن علي : يصدقوني ، والضمير لفرعون وقومه . قال ابن خالويه : هذا شاهد لمن جزم ، لأنه لو كان رفعاً لقال : يصدقونني . انتهى ، والجزم على جواب الأمر . والمعنى في يصدقوني : أرجو تصديقهم إياي ، فأجابه تعالى إلى طلبته وقال : { سنشد عضدك بأخيك } . وقرأ زيد بن علي ، والحسن : عضدك ، بضمتين . وعن الحسن : بضم العين وإسكان الضاد . وعن بعضهم : بفتح العين وكسر الضاد ؛ وفتحهما ، قرأ به عيسى ، ويقال فيه : عضد ، بفتح العين وسكون الضاد ، ولا أعلم أحداً قرأ به . والعضد : العضو المعروف ، وهي قوام اليد ، ويشدتها يشتد . قال الشاعر : @ أبني لبيني لستما بيد إلا يداً ليست لها عضد @@ والمعنى فيه : سنقويك بأخيك . ويقال في الخير : شد الله عضدك ، وفي الشر : فتّ الله في عضدك . والسلطان : الحجة والغلبة والتسليط . { فلا يصلون إليكما } : أي بسوء ، أو إلى إذايتكما . ويحتمل { بآياتنا } أن يتعلق بقوله : ويجعل ، أو بيصلون ، أو بالغالبون ، وإن كان موصولاً على مذهب من يجوز عنده أن يتقدم الظرف والجار والمجرور على صلة أل ، وإن كان عنده موصولاً على سبيل الاتساع ، أو بفعل محذوف ، أي اذهبا بآياتنا . كما علق في تسع آيات باذهب ، أو على البيان ، فالعامل محذوف ، وهذه أعاريب منقولة . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون قسماً جوابه { فلا يصلون } مقدماً عليه ، أو من لغو القسم . انتهى . أما أنه قسم جوابه { فلا يصلون } ، فإنه لا يستقيم على قول الجمهور ، لأن جواب القسم لا تدخله الفاء . وأما قوله : أو من لغو القسم ، فكأنه يريد والله أعلم . إنه لم يذكر له جواب ، بل حذف لدلالة عليه ، أي بآياتنا لتغلبن .