Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 128-132)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ليس لك من الأمر شيء } اختلف في سبب النزول وملخصه : أنه لعن ناساً أو شخصاً عين أنه عتبة بن أبي وقاص ، أو أشخاصاً دعا عليهم وعينوا : أبا سفيان ، والحارث بن هشام ، وصفوان بن أمية . أو قبائل عين منها : لحيان ، ورعل ، وذكوان ، وعصية . أو هم بسبب الذين انهزموا يوم أحد ، أو استأذن ربه أن يدعو . ودعا يوم أحد حين شجَّ في وجهه ، وكسرت رباعيته ، ورمي بالحجارة ، حتى صرع لجنبه ، فلحقه ناس من فلاحهم ، ومال إلى أن يستأصلهم الله ويريح منهم ، فنزلت . فعلى هذه الأسباب يكون معنى الآية : التوقيف على أن جميع الأمور إنما هي لله ، فيدخل فيها هداية هؤلاء وإقرارهم على حالة . وفي خطابه : دليل على صدور أمر منه أو هم به ، أو استئذان في الدعاء كما تقدّم ذكره ، وأن عواقب الأمور بيد الله . قال الكوفيون : نسخت هذه الآية القنوت على رعل وذكوان وعصية وغيرهم من المشركين . وقال السخاوي : ليس هذا شرط الناسخ ، لأنه لم ينسخ قرآناً . { أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } قيل : هو عطف على ما قبله من الأفعال المنصوبة . ويكون قوله : ليس لك من الأمر شيء جملة اعتراضية ، والمعنى : أن الله مالك أمرهم ، فإما أنْ يهلكهم ، أو يهزمهم ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر . وقيل : أن مضمرة بعد أو ، بمعنى : إلا أن ، وهي التي في قولهم : لألزمنك أو تقضيني حقي ، والمعنى : أنه ليس له من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم بالإسلام فيسر بهداهم ، أو يعذبهم بقتل وأسر في الدنيا ، أو بنار في الآخرة ، فيستشفى بذلك ويستريح . وعلى هذا التأويل تكون الجملة المنفية للتأسيس ، لا للتأكيد . وقيل : أو يتوب معطوف على الأمر . وقيل : على شيء . أي : ليس لك من الأمر ، أو من توبتهم ، أو تعذيبهم شيء . أو ليس لك من الأمر شيء أو توبتهم . والظاهر من هذه التخاريج الأربعة هو الأول . وأبعد من ذهب إلى أن قوله : ليس لك من الأمر ، أي أمر الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا . وقال ابن بحر : من الأمر أي ، من هذا النصر ، وإنما هو من الله كما قال : { وما رميت إذ رميت } [ الأَنفال : 17 ] وقيل : المراد بالأمر أمر القتال . والظاهر الحمل على العموم ، والأمور كلها لله تعالى . وقرأ أبي : أو يتوب عليهم أو يعذبهم برفعهما على معنى : أو هو يتوب عليهم ، ثم نبه على العلة المقتضية للتعذيب بقوله : فإنهم ظالمون ، وأتى بأنْ الدالة على التأكيد في نسبة الظلم إليهم . { ولله ما في السموات وما في الأرض } لمّا قدم ليس لك من الأمر شيء ، بيَّن أن الأمور إنما هي لمن له الملك ، والملك فجاء بهذه الجملة مؤكدة للجملة السابقة . وتقدم شرح هذه الجملة . وما : إشارة إلى جملة العالم وما هيأته ، فلذلك حسنت ما هنا . { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } لما تقدّم قوله : أو يتوب عليهم أو يعذبهم ، أتى بهذه الجملة موضحةً أن تصرفاته تعالى على وفق مشيئته ، وناسب البداءة بالغفران ، والإرداف بالعذاب ما تقدم من قوله : { أو يتوب عليهم أو يعذبهم } ، ولم يشرط في الغفران هنا التوبة . إذ يغفر تعالى لمن يشاء من تائب وغير تائب ، ما عدا ما استثناه تعالى من الشرك . وقال الزمخشري ما نصه عن الحسن رحمه الله : يغفر لمن يشاء بالتوبة ، ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين . ويعذب من يشاء ، ولا يشاء أن يعذب إلا المستوجبين للعذاب . وعن عطاء : يغفر لمن يتوب إليه ، ويعذب من لقيه ظالماً وأتباعه قوله : أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، تفسير بين لمن يشاء ، فإنهم المتوب عليهم أو الظالمون . ولكن أهل الأهواء والبدع يتصامون ويتعامون عن آيات الله تعالى ، فيخبطون خبط عشواء ، ويطيبون أنفسهم بما يفترون . عن ابن عباس من قولهم : يهب الذنب الكبير لمن يشاء ، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير . انتهى كلامه . وهو مذهب المعتزلة . وذلك أن من مات مصراً على كبيرة لا يغفر الله له . وما ذكره عن الحسن لا يصح ألبتّة . ومذهب أهل السنة ؛ أنّ الله تعالى يغفر لمن يشاء وإنْ مات مصرًّا على كبيرة غير تائب منها . { والله غفور رحيم } في هذه الجملة ترجيح لجهة الإحسان والإنعام { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } قال ابن عطية : هذا النهي عن أكل الربا اعترض أثناء قصة أحد ، ولا أحفظ شيئاً في ذلك مروياً انتهى . ومناسبة هذه الآية لما قبلها ومجيئها بين أثناء القصة : أنّه لما نهى المؤمنين عن اتخاذ بطانة من غيرهم ، واستطرد لذكر قصة أحد . وكان الكفار أكثر معاملاتهم بالربا مع أمثالهم ومع المؤمنين ، وهذه المعاملة مؤدية إلى مخالطة الكفار ، نهوا عن هذه المعاملة التي هي الربا قطعاً لمخالطة الكفار ومودّتهم ، واتخاذ إخلاء منهم ، لا سيما والمؤمنون في أول حال الإسلام ذوو إعسار ، والكفار من اليهود وغيرهم ذوو يسار . وكان أيضاً أكل الحرام له مدخل عظيم في عدم قبول الأعمال الصالحة والأدعية ، كما جاء في الحديث : " إن الله تعالى لا يستجيب لمن مطعمه حرام ومشربه حرام إذا دعا " " وأن آكل الحرام يقول إذا حج : لبيك وسعديك . فيقول الله له : لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك " فناسب ذكر هذه الآية هنا . وقيل : ناسب اعتراض هذه الجملة هنا أنه تعالى وعد المؤمنين بالنصر والإمداد مقروناً بالصبر والتقوى ، فبدأ بالأهم منها وهو : ما كانوا يتعاطونه من أكل الأموال بالباطل ، وأمر بالتقوى ، ثم بالطاعة . وقيل : لما قال تعالى : { ولله ما في السموات وما في الأرض } وبيّن أنّ ما فيهما من الموجودات ملك له ، ولا يجوز أنْ يتصرّف في شيء منها إلا بإذنه على الوجه الذي شرعه . وآكلُ الربا متصرّف في ماله بغير الوجه الذي أمر ، نبَّه تعالى على ذلك ، ونهى عما كانوا في الإسلام مستمرّين عليه من حكم الجاهلية ، وقد تقدم الربا في سورة البقرة . وانتصب أضعافاً ، فانهوا عن الحالة الشنعاء التي يوقعون الربا عليها ، كان الطالب يقول : أتقضي أم تربي ، وربما استغرق بالنزر اليسير مال المدين ، لأنه إذا لم يجد وفاء زاد في الدين ، وزاد في الأصل . وأشار بقوله : مضاعفة ، إلى أنهم كانوا يكررون التضعيف عاماً بعد عام . والربا محرم جميع أنواعه ، فهذه الحال لا مفهوم لها ، وليست قيداً في النهي ، إذ ما لا يقع أضعافاً مضاعفة مساوٍ في التحريم لما كان أضعافاً مضاعفة . وقد تقدم الكلام في نسبة الآكل إلى الربا في البقرة . وقيل : المضاعفة منصرفة إلى الأموال . فإن كان الربا في السن يرفعونها ابنة مخاض بابنة لبون ، ثم حقة ، ثم جذعة ، ثم رباع ، هكذا إلى فوق . وإن كان في النقود فمائة إلى قابل بمائتين ، فإن لم يوفهما فأربعمائة . والأضعاف : جمع ضعف ، وهو من جموع القلة . فلذلك أردفه بالمضاعفة . { واتقوا الله لعلكم تفلحون } لما نهاهم عن أمر صعب عليهم فراقه وهو الربا ، أمر بتقوى الله إذ هي الحاملة على مخالفة ما تعوده المرء مما نهى الشرع عنه . ثم ذكر أنّ التقوى سبب لرجاء الفلاح وهو الفوز ، وأمر بها مطلقاً لا مقيداً بفعل الربا ، لأنه لما نهى عن الربا كان المؤمنون أسرع شيء لطواعية الله تعالى ، فلم يأت واتقوا الله في أكل الربا بل أمروا بالتقوى ، لا بالنسبة إلى شيء خاص منعوه من جهة الشريعة . { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } لما تقدم " واتقوا الله " والذوات لا تتقى ، فإنما المتقي محذوف أوضحه في هذه الآية . فقال : واتقوا النار . والألف واللام في النار للجنس ، فيجوز أن تكون النار التي وعد بها آكل الربا أخف من نار الكافر ، أي أعدّ جنسها للكافرين . ويجوز أنّ تكون للعهد ، فيكون آكل الربا قد توعد بالنار التي يعذب بها الكافر . وقيل : توعد أكلة الربا بنارالكفرة ، إذ النار سبع طبقات : العليا منها وهي جهنم للعصاة ، والخمس للكفار ، والدرك الأسفل للمنافقين . فأكلة الربا يعذبون بنار الكفار ، لا بنار العصاة . وقال ابن عباس : هذا تهديد للمؤمنين لئلا يستحلوا الربا . وقال الزجاج : والمعنى واتقوا أن تحلوا ما حرم الله فتكفروا . وقيل : اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان وتستوجبون به النار . وكان أبو حنيفة يقول : هي أخوف آية في القرآن ، حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه باجتناب محارمه . قال الزمخشري : وقد أمد ذلك أتبعه من تعليق رجاء المؤمن لرحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله ، ومن تأمل هذه الآيات وأمثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة ، والتمني على الله تعالى . وفي ذكره تعالى لعل وعسى في نحو هذه المواضع ، وإن قال الناس ما قالوا ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى ، وصعوبة إصابة رضا الله عز وجل ، وعزّة التوصل إلى رحمته وثوابه انتهى . كلامه وهو جار على مذهبه من تقنيط العاصي غير التائب من رحمة ربه ، وولوعه بمذهبه يجعله يحمل ألفاظ القرآن ما لا يحتمله ، أو ما هو بعيد عنها . وتقدم شرح أعدت للكافرين في أوائل البقرة . { وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } قيل : أطيعوا الله في الفرائض ، والرسول في السنن . وقيل : في تحريم الربا ، والرسول فيما بلغكم من التحريم . وقيل : وأطيعوا الله والرسول فيما يأمركم به وينهاكم عنه . فإن طاعة الرسول طاعة الله قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء : 80 ] وقال المهدوي : ذكر الرسول زيادة في التبيين والتأكيد والتعريف بأن طاعته طاعة الله . وقال ابن إسحاق : هذه الآية هي ابتداء المعاتبة في أمر أحد ، وانهزام من فرَّ ، وزوال الرماة من مركزهم . وقيل : صيغتها الأمر ومعناها العتب على المؤمنين فيما جرى منهم من أكل الربا ، والمخالفة يوم أحد . والرحمة من الله إرادة الخير لعبيده ، أو ثوابهم على أعمالهم . وقد تضمنت هذه الآيات ضروباً من الفصاحة والبديع . من ذلك العام المراد به الخاص : في من أهلك ، قال الجمهور : أراد به بيت عائشة . فالاختصاص في : والله سميع عليم ، وفي : فليتوكل المؤمنون ، وفي : ما في السموات وما في الأرض ، وفي : يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء خص نفسه بذلك كقوله : { ومن يغفر الذنوب إلا الله } [ آل عمران : 135 ] { نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم } [ الحجر : 49 ] وفي { العزيز الحكيم } لأن العز من ثمرات النصر ، والتدبير الحسن من ثمرات الحكمة . والتشبيه : في ليقطع طرفاً ، شبه من قتل منهم وتفرّق بالشيء المقتطع الذي تفرقت أجزاؤه وانخرم نظامه ، وفي : ولتطمئن قلوبكم شبه زوال الخوف عن القلب وسكونه عن غليانه باطمئنان الرّجل الساكن الحركة . وفي : فينقلبوا خائبين شبه رجوعهم بلا ظفر ولا غنيمة بمن أمل خيراً من رجل فأمّه ، فأخفق أمله وقصده . والطباق : في نصركم وأنتم أذلة ، النصر إعزاز وهو ضد الذل . وفي : يغفر ويعذب ، الغفران ترك المؤاخذة والتعذيب المؤاخذة بالذنب . والتجوز بإطلاق التثنية على الجمع في : أن يفشلا . وبإقامة اللام مقام إلى في : ليس لك أي إليك ، أو مقام على : أي ليس عليك . والحذف والاعتراض في مواضع اقتضت ذلك والتجنيس المماثل في : أضعافاً مضاعفة . وتسمية الشيء بما يؤول إليه في : لا تأكلوا سمَّى الأخذ أكلاً ، لأنه يؤول إليه .