Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 181-185)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب . يقال : زبرت أي كتبت ، فهو بمعنى مفعول أي : مزبور ، كالركوب بمعنى المركوب . وقال امرؤ القيس : @ لمن طلل أبصرته فشجاني كخط زبور في عسيب يمان @@ ويقال : زبرته قرأته ، وزبرته حسنته ، وتزبرته زجرته . وقيل : اشتقاق الزبور من الزبرة ، وهي القطعة من الحديد التي تركت بحالها . الزحزحة : التنحية والإبعاد ، تكرير الزح وهو الجذب بعجلة ويقال : مكان زحزح أي بعيد . الفوز : النجاة مما يحذر والظفر بما يؤمل ، وسميت الأرض القفر البعيدة المخوف من الهلاك فيها مفازة على سبيل التفاؤل ، لا من قطعها فاز . وقيل : لأنها مظنة تفويز ، ومظنة هلاك . تقول العرب : فوّز الرجل مات . { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } نزلت في فنحاص بن عازوراء ، حاوره أبو بكر في الإسلام وأن يقرض الله قرضاً حسناً فقال : هذه المقالة فضربه أبو بكر ومنعه من قبله العهد ، فشكاه إلى الرسول وأنكر ما قال ، فنزلت تكذيباً لفنحاص ، وتصديقاً للصديق قاله : ابن عباس ، وعكرمة ، والسدّي ، ومقاتل ، وابن إسحاق رضي الله عنهم ، وساقوا القصة مطولة . وقال قتادة : نزلت في حيـي بن أخطب ، وقال هو أيضاً والحسن ومعمر وغيرهم : في اليهود . وذكر أبو سليمان الدمشقي في الياس بن عمر . ولما نزل { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [ البقرة : 245 ] قال أو قالوا : إنما يستقرض الفقير الغني ، والظاهر أن قائل ذلك جمع ، فيمكن أن ذلك صدر من فنحاص أو حيـي أولاً ، ثم تقاولها اليهود ، أو صدر ذلك من واحد فقط ، ونسب للجماعة على عادة كلام العرب في نسبتها إلى القبيلة فعل الواحد منها . ومعنى لقد سمع الله : أنه لم يخف عليه تعالى مقالتهم ، ومقالتهم هذه إما على سبيل الاستهزاء بما نزل من طلب الإقراض ، وإما على سبيل الجدل والإلزام ، لأن من طلب الإقراض كان فقيراً . وإما على الاعتقاد ، ولا يستبعد ذلك من عقولهم ، إذ قد حكى الله عنهم { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } [ المائدة : 64 ] وأياماً كان من هذه الأسباب ، فذلك دليل على تمردهم في الكفر والمبالغة فيه ، حيث نسبوا الموجد الأشياء من العدم الصرف إلى الوجود الغني بذاته عما أوجده الوصف الدال على الافتقار لبعض ما أوجده ، ونسبوا العكس إلى أنفسهم ، وجاءت الجملة مؤكدة باللام مؤذنة بعلمه بمقالتهم ومؤكدة له ، وحيث نسبوا إلى الله ما نسبوا ، أكدوا الجملة بأن على سبيل المبالغة . وحيث نسبوا إلى أنفسهم ما نسبوا لم يؤكدوا ، بل أخرجوا الجملة مخرج ما لا يحتاج إلى تأكيد ، كأنَّ الغنى وصف لهم لا يمكن فيه نزاع ، فيحتاج إلى أنْ يؤكد . { سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق } الظاهر إجراء الكتابة على أنها حقيقة ، قال ذلك كثير من العلماء . وأنها تكتب الأعمال في صحف ، وأن تلك الصحف هي التي توزن ، ويحدث الله سبحانه وتعالى فيها الخفة والثقل بحسب ما كتب فيها من الخير والشر . وقيل : سنكتب ما قالوا في القرآن حتى يعلم القوم شدة تعنتهم وحسدهم في الطعن عليه صلى الله عليه وسلم . وذهب قوم : إلى أن الكتابة مجاز ومعناها الإحصاء للشيء وضبطه وعدم إهماله وكينونته في علم الله شيئاً محفوظاً لا ينسى ، كما يثبت المكتوب . وذهب إلى أن معنى سنكتب : سنوجب عليهم في الآخرة جزاء ما قالوه في الدنيا كقوله : { كتب عليكم الصيام } [ البقرة : 183 ] وجاء سنكتب بلفظ المستقبل دون لفظ الماضي ، لأنه تضمن المجازاة على ما قالوه . وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى . ونسب إليهم قتلهم الأنبياء ، وإن كان من فعل آبائهم ، لما كانوا راضين به . وقد سموا أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله ، ودل هذا القول وهذا الفعل على جميع الأقوال والأفعال القبيحة التي صدرت منهم . إذ القول في هذه الآية أشنع الأقوال في الله تعالى ، والقتل أشنع الأفعال التي فعلوها مع أنبياء الله تعالى ، وتشريك القتل مع هذا القول يدل على أنهما يسببان في استحقاق العقاب . ولما كان الصادر منهم قولاً وفعلاً ناسب أن يكون الجزاء قولاً وفعلاً ، فتضمن القول والفعل قوله تعالى : { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } . وفي الجمع بين القول والفعل أعظم انتقام ، ويقال للمنتقم منه : أحس وذق . وقال أبو سفيان لحمزة رضي الله عنه لما طعنه وحشي : ذق عقق ، واستعير لمباشرة العذاب الذوق ، لأن الذوق من أبلغ أنواع المباشرة ، وحاستها متميزة جداً . والحريق : المحرق فعيل بمعنى مفعل ، كأليم بمعنى مؤلم . وقيل : الحريق طبقة من طباق جهنم . وقيل : الحريق الملتهب من النار ، والنار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة ، والملتهبة أشدها . والظاهر أنَّ هذا القول يكون عند دخولهم جهنم . وقيل : قد يكون عند الحساب ، أو عند الموت . وأنَّ وما بعدها محكى بقالوا . وأجاز أبو البقاء أن يكون محكياً بالمصدر ، فيكون من باب الأعمال . قال : وإعمالُ الأول أصلٌ ضعيف ، ويزداد ضعفاً لأن الثاني فعل والأول مصدر ، وإعمال الفعل أقوى . والظاهر أنَّ ما فيما قالوا موصولة بمعنى الذي ، وأجيز أن تكون مصدرية . وقرأ الجمهور : سنكتب وقتلهم بالنصب . ونقول : بنون المتكلم المعظم . أو تكون للملائكة . وقرأ الحسن والأعرج سيكتب بالياء على الغيبة . وقرأ حمزة : سيكتب بالياء مبنياً للمفعول ، وقتلهم بالرفع عطفاً على ما ، إذ هي مرفوعة بسيكتب ، ويقول بالياء على الغيبة . وقرأ طلحة بن مصرّف : سنكتب ما يقولون . وحكى الداني عنه : ستكتب ما قالوا بتاء مضمومة على معنى مقالتهم . وقرأ ابن مسعود : ويقال ذوقوا . ونقلوا عن أبي معاذ النحويّ أنّ في حرف ابن مسعود سنكتبُ ما يقولون ونقول لهم ذوقوا . { ذلك بما قدّمت أيديكم } الإشارة إلى ما تقدم من عقابهم ، ونسب ما قدموه من المعاصي القولية والفعلية والاعتقادية إلى الأيدي على سبيل التغليب ، لأن الأيدي تزاول أكثر الأعمال ، فكان كل عمل واقع بها . وهذه الجملة داخلة في المقول ، وبخوا بذلك ، وذكر لهم السبب الذي أوجب لهم العقاب . ويحتمل أن يكون خطاباً لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم يوم نزل الآية ، فلا يندرج تحت معمول قوله ونقول . { وأن الله ليس بظلام للعبيد } هذا معطوف على قوله : بما قدمت أيديكم ، أي ذلك العقاب حاصل بسبب معاصيكم ، وعدل الله تعالى فيكم . وجاء لفظ ظلام الموضوع للتكثير ، وهذا تكثير بسبب المتعلق . وذهب بعضهم إلى أن فعالاً قد يجيء لا يراد به الكثرة ، كقول طرفة : @ ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترقد القوم أرفد @@ لا يريد أنه قد يحل التلاع قليلاً ، لأن عجز البيت يدفعه ، فدلّ على نفي البخل في كل حال ، وتمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة ، وقيل : إذا نفى الظلم الكثير اتبع القليل ضرورة ، لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضرر كان للظلم القليل المنفعة أترك . وقال القاضي : العذاب الذي توعد أن يفعله بهم : لو كان ظالماً لكان عظيماً ، فنفاه على جد عظمه لو كان ثابتاً والعبيد جمع عبد ، كالكليب . وقد جاء اسم الجمع على هذا الوزن نحو الضيفن وغيره من جمع التكسير ، جواز الإخبار عنه إخبار الواحد كأسماء الجموع ، وناسب لفظ هذا الجمع دون لفظ العباد ، لمناسبة الفواصل التي قبله مما جاءت على هذا الوزن ، كما ناسب ذلك في سورة فصلت ، وكما ناسب لفظ العباد في سورة غافر ما قبله وما بعده . قال ابن عطية : وجمع عبداً في هذه الآية على عبيد لأنه مكان تشقيق وتنجية من ظلم انتهى كلامه . ولا تظهر لي هذه العلة التي ذكرها في هذا الجمع . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فلم عطف قوله : وأن الله ليس بظلام للعبيد ، { على ما قدمت أيديكم } وكيف جعل كونه غير ظلام للعبيد شريكاً لاجتراحهم السيئات في استحقاقهم العذاب ؟ ( قلت ) : معنى كونه غير ظلام للعبيد : أنه عادل عليهم ، ومن العدل أن يعاقب المسيء منهم ويثب المحسن انتهى . وفيه رائحة الاعتزال . { الذين قالوا إن الله عهد إلينا أَلاَّ نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } قال الكعبي : نزلت في كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، ووهب بن يهوذا ، وزيد بن مانوه ، وفنحاص بن عازوراء ، وحيـي بن أخطب ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً ، وأنزل عليك كتاباً ، وأن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن جئتنا به صدقناك . وظاهر هذا القول أنه عهد إليهم في التوراة ، فقيل : كان هذا في التوراة ، ولكن كان تمام الكلام حتى يأتيكم المسيح ومحمد ، فإذا أتياكم فآمنوا بهما من غير قربان . وقيل : كان أمر القرابين ثابتاً ، إلى أن نسخت على لسان المسيح . وقيل : ذكرهم هذا العهد هو من كذبهم على الله تعالى ، وافترائهم عليه ، وعلى أنبيائه . ومعنى عهد : وصي ، والعهد أخص من الأمر ، لأنه في كل ما يتطاول أمره ويبقى في غابر الزمان ، وتقدم تفسيره . وتعدى نؤمن باللام كما في قوله : { فما آمن لموسى } [ يونس : 83 ] يؤمن لله . والقربان : ما يتقرّب به من شاة أو بقرة أو غير ذلك ، وهو في الأصل مصدر سمي المفعول به كالرهن ، وكان حكمه قديماً في الأنبياء . ألا ترى إلى قصة ابني آدم ، وكان أكل النار ذلك القربان دليلاً على قبول العمل من صدقة أو عمل ، أو صدق مقالة . وإذا لم تنزل النار فليس بمقبول ، وكانت النار أيضاً تنزل للغنائم فتحرقها . وإسناد الأكل إلى النار مجاز واستعارة عن إذهاب الشيء وإفنائه ، إذ حقيقة الأكل إنما توجد في الحيوان المتغذي ، والقربان وأكل النار معجز للنبي يوجب الإيمان به ، فهو وسائر المعجزات سواء . ولله أن يعين من الآيات ما شاء لأنبيائه ، وهذا نظير ما يقترحونه من الآيات على سبيل التبكيت والتعجيز . وقد أخبر تعالى أنه لو نزل ما اقترحوه لما آمنوا . والذين قالوا صفة للذين قالوا . وقال الزجاج : الذين صفة للعبيد . قال ابن عطية : وهذا مفسد للمعنى والوصف انتهى . وهو كما قال . وجوزوا قطعة للرّفع ، والنصب ، واتباعه بدلاً . وفي أن لا نؤمن تقدير حرف جر ، فحذف وبقي على الخلاف فيه : أهو في موضع نصب أو جر ؟ وأن يكون مفعولاً به على تضمين عهد معنى الزم ، فكأنه ألزمنا أن لا نؤمن . وقرأ عيسى بن عمر بقرُبان بضم الراء . قال ابن عطية : اتباعاً لضمة القاف ، وليس بلغة . لأنه ليس في الكلام فُعُلان بضم الفاء والعين . وحكى سيبويه السلطان بضم اللام ، وقال : إن ذلك على الاتباع انتهى . ولم يقل سيبويه : إنَّ ذلك على الاتباع ، بل قال : ولا نعلم في الكلام فعلان ولا فعلان ، ولا شيئاً من هذا النحو لم يذكره . ولكنه جاء فعلان وهو قليل ، قالوا : السلطان وهو اسم انتهى . وقال الشارح : صاحب في اللغة لا يسكن ولا يتبع ، وكذا ذكر التصريفيون أنه بناء مستقبل . قالوا فيما لحقه زيادتان بعد اللام وعلى فعلان ولم يجيء إلا اسماً : وهو قليل نحو سلطان . { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين } رد الله تعالى عليهم وأكذبهم في اقتراحهم ، وألزمهم أنهم قد جاءتهم الرسل بالذي قالوه من الإتيان بالقربان الذي تأكله النار وبالآيات غيره ، فلم يؤمنوا بهم ، بل قتلوهم . ولم يكتفوا بتكذيبهم حتى أوقعوا بهم شر فعل ، وهو إتلاف النفس بالقتل . فالمعنى أن هذا منكم معشر اليهود تعلل وتعنت ، ولو جاءهم بالقربان لتعللوا بغير ذلك مما يقترحونه . والاقتراح لا غاية له ، ولا يجاب طالبه إلا إذا أراد الله هلاكه ، كقصة قوم صالح وغيره . وكذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتراح قريش فأبى عليه السلام وقال : " بل أدعوهم وأعالجهم " ومعنى : إن كنتم صادقين في دعواكم أنّ الإيمان يلزم بإتيان البينات والقربان ، أو صادقين في أنّ الله عهد إليكم . { فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك على سبيل التسلية لما ظهر كذبهم على الله بذكر العهد الذي افتروه ، وكان في ضمنه تكذيبه إذ علقوا الإيمان به على شيء مقترح منهم على سبيل التعنت ، ولم يجبهم الله لذلك ، فسلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذا دأبهم ، وسبق منهم تكذيبهم لرسل جاءوا بما يوجب الإيمان من ظهور المعجزات الواضحة الدلالة على صدقهم ، وبالكتب السماوية الإلهية النيرة المزيلة لظلم الشبه . والزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب سمي بذلك قيل : لأنه مكتوب ، إذ يقال : زبره كتبه . أو لكونه زاجراً من زبره زجره ، وبه سمي كتاب داود زبوراً لكثرة ما فيه من الزواجر والمواعظ ، أو لأحكامه . والزبر : الأحكام . وقال الزجاج : الزبور كل كتاب فيه حكمة . قيل : والكتاب هو الزبر . وجمع بين اللفظين على سبيل التأكيد ، أو لاختلاف معنييهما ، مع أن المراد واحد ، ولكن اختلف معنياهما من حيث الصفة . وقيل : الكتاب هنا جنس للتوراة والإنجيل وغيرهما ، ويحتمل أن يراد بقوله : والزبر الزواجر من غير أن يراد به الكتب . أي : جاؤوا بالمعجزات الواضحة والتخويفات والكتب النيرة . وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه التقدير : وإن يكذبوك فتسلّ به . ولا يمكن أن يكون فقد كذب رسل الجواب لمضيه ، إذ جواب الشرط مستقبل لا محالة لترتبه على المستقبل ، وما يوجد في كلام المعربين أنَّ مثل هذا من الماضي هو جواب الشرط ، فهو على سبيل التسامح لا الحقيقة . وبنى الفعل للمفعول لأنه لم يقتصر في تكذيب الرسل على تكذيب اليهود وحدهم لأنبيائهم ، بل نبه على أنَّ من عادة اليهود وغيرهم من الأمم تكذيب الأنبياء ، فكان المعنى : فقد كذبت أمم من اليهود وغيرهم الرسل . قيل : ونكر رسل لكثرتهم وشياعهم . ومن قبلك : متعلق بكذب ، والجملة من قوله : جاؤوا في موضع الصفة لرسل انتهى . والباء في بالبينات تحتمل الحال والتعدية ، أي : جاؤوا أممهم مصحوبين بالبينات ، أو جاؤوا البينات . وقرأ الجمهور : والزبر . وقرأ ابن عامر : وبالزبر ، وكذا هي في مصاحف أهل الشأم . وقرأ هشام بخلاف عنه وبالكتاب . وقرأ الجمهور : والكتاب . وإعادة حرف الجر في العطف هو على سبيل التأكيد . وكان ذكر الكتاب مفرداً وإنَّ كان مجموعاً من حيث المعنى لتناسب الفواصل ، ولم يلحظ فيه أن يجمع كالمعطوف عليهما لذلك . { كل نفس ذائقة الموت } تضمنت هذه الجملة وما بعدها الوعظ والتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدنيا وأهلها ، والوعد بالنجاة في الآخرة بذكر الموت ، والفكرة فيه تهون ما يصدر من الكفار من تكذيب وغيره . ولمّا تقدّم ذكر المكذبين الكاذبين على الله من اليهود والمنافقين وذكرهم المؤمنين ، نبهوا كلهم على أنهم ميتون ومآلهم إلى الآخرة ، ففيها يظهر الناجي والهالك ، وأنَّ ما تعلقوا به في الدنيا من مال وأهل وعشيرة إنما هو على سبيل التمتع المغرور به ، كلها تضمحل وتزول ولا يبقى إلا ما عمله الإنسان ، وهو يوفاه في الآخرة ، يوفى على طاعته ومعصيته . وقال محمد بن عمر الرازي : في هذه الآية دلالة على أن النفس لا تموت بموت البدن ، وعلى أن النفس . غير البدن انتهى . وهذه مكابرة في الدلالة ، فإنّ ظاهر الآية يدل على أن النفس تموت . قال أيضاً : لفظ النفس مختص بالأجسام انتهى . وقرأ اليزيدي : ذائقة بالتنوين ، الموت بالنصب ، وذلك فيما نقله عنه الزمخشري . ونقلها ابن عطية عن أبي حيوة ، ونقلها غيرهما عن الأعمش ، ويحيـى ، وابن أبي إسحاق . وقرأ الأعمش فيما نقله الزمخشري ذائقة بغير تنوين الموت بالنصب ومثله : @ فألفيته غر مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا @@ حذف التنوين لالتقاء الساكنين ، كقراءة من قرأ { قل هو الله أحد * الله الصمد } [ الإخلاص : 1 2 ] بحذف التنوين من أحد { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } لفظ التوفية يدل على التكميل يوم القيامة ، فما قبله من كون القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، هو بعض الأجور . وما لم يدخل الجنة أو النار فهو غير موفى . والذي يدل عليه السياق أنّ الأجور هي ما يترتب على الطاعة والمعصية ، وإن كان الغالب في الاستعمال أنّ الأجر هو ما يترتب على عمل الطاعة . ولهذا قال ابن عطية : وخص تعالى ذكر الأجور لشرفها ، وإشارة إلى مغفرته لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمّته . ولا محالة أنّ يوم القيامة يقع فيه توفية الأجور ، وتوفية العقوبات انتهى . { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } علق الفوز وهو نيل الحظ من الخير والنجاة من الشرّ على التنحية من النار ودخول الجنة ، لأن من لم ينج عن النار بل أدخلها ، وإن كان سيدخل الجنة لم يفز كمن يدخلها من أهل الكبائر . ومن نحى عنها ولم يدخل الجنة كأصحاب الأعراف ، لم يفز أيضاً . وروي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إلٰه إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " ، قيل : فاز معناه نجا . وقيل : سبق . وقيل : غنم . { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } المتاع : ما يستمتع به من آلات وأموال وغير ذلك . وفسّره عكرمة : بالفأس ، والقصعة ، والقدر . وفسره الحسن فقال : هو كخضرة النبات ، ولعب البنات لا حاصل له يلمع لمع السراب ، ويمر مرّ السحاب ، وهذا من عكرمة والحسن على سبيل التمثيل . قال الزمخشري : شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، ثم يتبين له فساده ورداءته ، والشيطان هو المدلس . الغرور انتهى . وقال سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة ، فأمّا من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ . وقال عكرمة أيضاً : متاع الغرور القوارير التي لا بد لها من الانكسار والفساد ، فكذلك أمر الدنيا كله . وهذا تشبيه من عكرمة والغرور الخدع والترجئة بالباطل . وقال عبد الرحمن بن سابط : متاع الغرور كزاد الراعي يزود الكف من التمر والشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن ، يعني : أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره . ومن كلام العرب عشْ ولا تغتر . أي : لا تجتزىء بما لا يكفيك . وقال ابن عرفة : الغرور ما رأيت له ظاهراً حسناً وله باطن مكروه أو مجهول ، والشيطان غرور لأنه يحمل على مخبآت الناس ووراء ذلك ما يسوء . قال : ومن هذا بيع الغرور ، وهو ما كان له ظاهر بيع وباطن مجهول . وقال أبو مسلم الأصبهاني : وما الحياة الدنيا بحذف المضاف تقديره : وما نفع الحياة الدنيا إلا نفع الغرور . أي : نفع يغفل عن النفع الحقيقي لدوامه ، وهو النفع في الحياة الأخروية . وإضافة المتاع إلى الغرور أنْ جعل الغرور جمعاً فهو كقولك : نفع الغافلين . وإنْ جعل مصدراً فهو كقولك : نفع إغفال ، أي إهمال فيورث الغفلة عن التأهب للآخرة . وقرأ عبد الله بن عمر : المغرور بفتح الغين ، وفسَّر بالشيطان ويحتمل أن يكون فعولاً بمعنى مفعول ، أي : متاع المغرور ، أي : المخدوع . وتضمنت هذه الآيات التجنيس المغاير في قوله : الذين قالوا : والمماثل في : قالوا ، وسنكتب ما قالوا ، وفي : كذبوك فقد كذب . والطباق في : فقير وأغنياء ، وفي : الموت والحياة ، وفي : زحزح عن النار وأدخل الجنة . والالتفات في : سنكتب ونقول ، وفي : أجوركم ، إذ تقدمه كل نفس . والتكرار في : لفظ الجلالة ، وفي البينات . والاستعارة في : سنكتب على قول من لم يجعل الكتابة حقيقة ، وفي : قدّمت أيديكم ، وفي : تأكله النار ، وفي : ذوقوا وذائقة . والمذهب الكلامي في فلم قتلتموهم . والاختصاص في : أيديكم . والإشارة في : ذلك ، والشرط المتجوز فيه . والزيادة للتوكيد في : وبالزبر وبالكتاب في قراءة من قرأ كذلك . والحذف في مواضع .