Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 33-39)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضر : الشدة ، من فقر ، أو مرض ، أو قحط ، أو غير ذلك ؛ والرحمة : الخلاص من ذلك الضر . { دعوا ربهم } : أفردوه بالتضرع والدعاء لينجوا من ذلك الضر ، وتركوا أصنامهم لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا هو تعالى ، فلهم في ذلك الوقت إنابة وخضوع ، وإذا خلصهم من ذلك الضر ، أشرك فريق ممن أخلص ، وهذا الفريق هم عبدة الأصنام . قال ابن عطية : ويلحق من هذه الألفاظ شيء للمؤمنين ، إذ جاءهم فرج بعد شدة ، علقوا ذلك بمخلوقين ، أو بحذق آرائهم ، أو بغير ذلك ، ففيه قلة شكر الله ، ويسمى مجازاً . وقال أبو عبد الله الرازي : يقول : تخلصت بسبب اتصال الكوكب الفلاني وسبب الصنم الفلاني ، بل ينبغي أن لا يعتقد أنه يخلص بسبب فلان إذا كان ظاهراً ، فإنه شرك خفي . انتهى . و { إذا فريق } : جواب { إذا أذاقهم } ، الأولى شرطية ، والثانية للمفاجأة ، وتقدم نظيره ، وجاء هنا فريق ، لأن قوله : { وإذا مس الناس } عام للمؤمن والكافر ، فلا يشرك إلا الكافر . وضر هنا مطلق ، وفي آخر العنكبوت { إذا هم يشركون } [ العنكبوت : 65 ] لأنه في مخصوصين من المشركين عباد الأصنام ، والضر هناك معين ، وهو ما يتخوف من ركوب البحر . { إذا هم } : أي ركاب البحر عبدة الأصنام ، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده . واللام في { ليكفروا } لام كي ، أو لام الأمر للتهديد ، وتقدم نظيره في آخر العنكبوت . وقرأ الجمهور : { فتمتعوا فسوف تعلمون } ، بالتاء فيهما . وقرأ أبو العالية : فيتمتعوا ، بالياء ، مبنياً للمفعول ، وهو معطوف على { ليكفروا } . فسوف يعلمون : بالياء ، على التهديد لهم . وعن أبي العالية : فيتمتعوا ، بياء قبل التاء ، عطف أيضاً على { ليكفروا } ، أي لتطول أعمارهم على الكفر ؛ وعنه وعن عبد الله : فليتمتعوا . وقال هارون في مصحف عبد الله : يمتعوا . { أم أنزلنا } ، أم : بمعنى بل ، والهمزة للإضراب عن الكلام السابق ، والهمزة للاستفهام عن الحجة استفهام إنكار وتوبيخ . والسلطان : البرهان ، من كتاب أو نحوه . { فهو يتكلم } : أي يظهر مذهبهم وينطق بشركهم ، والتكلم مجاز لقوله : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } [ الجاثية : 29 ] . وهو يتكلم : جواب للاستفهام الذي تضمنه أم ، كأنه قال : بل أنزلنا عليهم سلطاناً ، أي برهاناً شاهداً لكم بالشرك ، فهو يشهد بصحة ذلك ، وإن قدر ذا سلطان ، أي ملكاً ذا برهان ، كان التكلم حقيقة . { وإذا أذقنا الناس رحمة } : أي نعمة ، من مطر ، أو سعة ، أو صحة . { وإن تصبهم سيئة } : أي بلاء ، من حدث ، أو ضيق ، أو مرض . { بما قدمت أيديهم } من المعاصي . { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } [ الرعد : 11 ] ، ففي إصابة الرحمة فرحوا وذهلوا عن شكر من أسداها إليهم ، وفي إصابة البلاء قنطوا ويئسوا وذهلوا عن الصبر ، ونسوا ما أنعم به عليهم قبل إصابة البلاء . و { إذا هم } جواب : { وإن تصبهم } ، يقوم مقام الفاء في الجملة الاسمية الواقعة جواباً للشرط . وحين ذكر إذاقة الرحمة ، لم يذكر سببها ، وهو زيادة الإحسان والتفضل . وحين ذكر إصابة السيئة ، ذكر سببها ، وهو العصيان ، ليتحقق بدله . ثم ذكر تعالى الأمر الذي من اعتبره لم ييأس من روح الله ، وهو أنه تعالى هو الباسط القابض ، فينبغي أن لا يقنط ، وأن يتلقى ما يرد من قبل الله بالصبر في البلاء ، والشكر في النعماء ، وأن يقلع عن المعصية التي أصابته السيئة بسببها ، حتى تعود إليه رحمة ربه . ومناسبة { فآت ذا القربى } لما قبله : أنه لما ذكر أنه تعالى هو الباسط القابض ، وجعل في ذلك آية للمؤمن ، ثم نبه بالإحسان لمن به فاقة واحتياج ، لأن من الإيمان الشفقة على خلق الله ، فخاطب من بسط له الرزق بأداء حق الله من المال ، وصرفه إلى من يقرب منه من حج ، وإلى غيره من مسكين وابن سبيل . وقال الحسن : هذا خطاب لكل سامع بصلة الرحم ، { والمسكين وابن السبيل } . وقيل : للرسول ، عليه السلام . وذو القربى : بنو هاشم وبنو المطلب ، يعطون حقوقهم من الغنيمة والفيء . وقال الحسن : حق المسكين وابن السبيل من الصدقة المسماة لهما . واحتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب . أثبت تعالى لذي القربى حقاً ، وللمسكين وابن السبيل حقهما . والسورة مكية ، فالظاهر أن الحق ليس الزكاة ، وإنما يصير حقاً بجهة الإحسان والمواساة . وللاهتمام بذي القربى ، قدم على المسكين وابن السبيل ، لأن بره صدقة وصلة . { ذلك } : أي الإيتاء ، { خير } : أي يضاعف لهم الأجر في الآخرة ، وينمو ما لهم في الدنيا لوجه الله ، أي التقرب إلى رضا الله لا يضره . ثم ذكر تعالى من يتصرف في ماله على غير الجهة المرضية فقال ؛ { وما آتيتم } أكلة الربو ، ليزيد ويزكو في المال ، فلا يزكو عند الله ، ولا يبارك فيه لقوله : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } [ البقرة : 276 ] . قال السدّي : نزلت في ربا ثقيف ، كانوا يعملون بالربا ، ويعمله فيهم قريش . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، وطاووس : هذه الآية نزلت في هبات ، للثواب . وقال ابن عطية : وما جرى مجراهما مما يصنع للمجازاة ، كالسلم وغيره ، فهو وإن كان لا إثم فيه ، فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله . وقال ابن عباس أيضاً ، والنخعي : نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضل عليهم ، وليزيدوا في أموالهم على جهة النفع به ، فذلك النفع لهم . وقال الشعبي قريباً من هذا وهو : أن ما خدم به الإنسان غيره انتفع به ، فذلك النفع لهم . وقال الشعبي أيضاً قريباً من هذا وهو : أن لا يربو عند الله ، والظاهر القول الأول ، وهو النهي عن الربا . وقرأ الجمهور : { وما آتيتم } ، الأول بمد الهمزة ، أي وما أعطيتم ؛ وابن كثير : بقصرها ، أي وما جئتم . وقرأ الجمهور : ليربو ، بالياء وإسناد الفعل إلى الربا ؛ وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وأبو رجاء ، والشعبي ، ونافع ، وأبو حيوة : بالتاء مضمومة ، وإسناد الفعل إليهم . وقرأ أبو مالك : ليربوها ، بضمير المؤنث . والمضعف : ذو أضعاف في الأجر . قال الفراء : هم أصحاب المضاعفة ، كما تقول : هو مسمن ، أي صاحب إبل سمان ، ومعطش : أي صاحب إبل عطشى . وقرأ أبي : { المضعفون } ، بفتح العين ، اسم مفعول . وقال الزمخشري : { فأولئك هم المضعفون } ، التفات حسن ، كأنه قال لملائكته وخواص خلقه : فأولئك الذين يريدون وجه الله بصدقاتهم هم المضعفون ، والمعنى : المضعفون به بدلالة أولئك هم المضعفون ، والحذف لما في الكلام من الدليل عليه ، وهذا أسهل مأخذاً ، والأول أملأ بالفائدة : انتهى . وإنما احتاج إلى تقدير ما قدر ، لأن اسم الشرط ليس بظرف ، لا بد أن يكون في الجواب ضمير يعود عليه يتم به الربط .