Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 26-32)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ من في السماوات والأرض } : عام في كونهم تحت ملكه وقهره . وقال الحسن : { قانتون } : قائمون بالشهادة على وحدانيته ، كما قال الشاعر : @ وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد @@ وقال ابن عباس : مطيعون ، أي في تصريفه ، لا يمتنع عنه شيء يريد فعله بهم ، من حياة وموت وصحة ومرض ، فهي طاعة الإرادة لا طاعة العبادة . وقيل : قائمون يوم القيامة ، { يوم يقوم الناس لرب العالمين } [ المطففين : 6 ] . وإذا حمل القنوت على الإخلاص ، كما قال ابن جبير ، أو على الإقرار بالعبودية ، أو قانتون من ملك ومؤمن ، لأن كل عام مخصوص . { وهو أهون عليه } : أي والعود أهون عليه ، وليست أهون أفعل تفضيل ، لأنه تفاوت عند الله في النشأتين : الإبداء والإعادة ، فلذلك تأوله ابن عباس والربيع بن خيثم على أنه بمعنى هين ، وكذا هو في مصحف عبد الله . والضمير في عليه عائد على الله . وقيل : أهون للتفضيل ، وذلك بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في المشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون من البداءة ، للاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة ؛ وهذا ، وإن كان الاثنان عنده تعالى من اليسر في حيز واحد . وقيل : الضمير في عليه عائد على الخلق ، أي والعود أهون على الخلق : بمعنى أسرع ، لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن يصير إنساناً ، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات في الأطوار ، إنما يدعوه الله فيخرج ، فكأنه قال : وهو أيسر عليه ، أي أقصر مدة وأقل انتقالاً . وقيل : المعنى وهو أهون على المخلوق ، أي يعيد شيئاً بعد إنشائه ، فهذا عرف المخلوقين ، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق ؟ قال ابن عطية : والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى ، ويؤيده قوله تعالى : { وله المثل الأعلى } ، كما جاء بلفظ فيه استعاذة واستشهاد بالمخلوق على الخالق ، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم ، خلص جانب العظمة ، بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به ، فكيف ولا تمثال مع شيء ؟ انتهى . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أخرت الصلة في قوله : { وهو أهون عليه } ، وقدمت في قوله : { هو علي هين } [ مريم : 9 ] قلت : هنالك قصد الاختصاص ، وهو تجبره ، فقيل : وهو على هين ، وإن كان مستصعباً عندك ، وإن تولد بين هرم وعاقر . وأما هنا لا معنى للاختصاص ، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء ؟ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى . انتهى . ومبنى كلامه على أن تقديم المعمول يؤذن بالاختصاص ، وقد تكلمنا معه في ذلك ، ولم نسلمه في قوله : { إياك نعبد } [ الفاتحة : 5 ] . { وله المثل الأعلى } ، قيل : هو متعلق بما قبله ، قاله الزجاج ، وهو قوله : { وهو أهون عليه } ؛ قد ضربه لكم مثلاً فيما يسهل أو يصعب . وقيل : بما بعده من قوله : { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم } . وقيل : المثل : الوصف الأرفع الأعلى الذي ليس لغيره مثله ، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما . { وهو العزيز } : أي القاهر لكل شيء ، الحكيم الذي أفعاله على مقتضى حكمته . وعن مجاهد : المثل الأعلى قوله : { لا إله إلاّ الله } [ الصافات : 35 ] ، وله الوصف بالوحدانية ، ويؤيده قوله : { ضرب لكم } . وقال ابن عباس وغيره : بين تعالى أمر الأصنام وفساد معتقد من يشركها بالله ، بضربه هذا المثل ، ومعناه : أنكم أيها الناس ، إذا كان لكم عبيد تملكونهم ، فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ومهم أموركم ، ولا في شيء على جهة استواء المنزلة ، وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم ، أو يقاسمونكم إياها في حياتكم ، كما يفعل بعضكم ببعض ؛ فإذا كان هذا فيكم ، فكيف تقولون : إن من عبيده وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته وتثبتون في جانبه ما لا يليق عندكم بجوانبكم ؟ وجاء هذا المعنى في معرض السؤال والتقرير . وقال السدي : كانوا يورثون آلهتهم ، فنزلت . وقيل : " لما نزلت ، قال أهل مكة : لا يكون ذلك أبداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلم يجوز لربكم " ؟ ومن في : { من أنفسكم } لابتداء الغاية ، كأنه قال : أخذ مثلاً ، وافترى من أقرب شيء منكم ، وهو أنفسكم ، ولا يبعد . ومن في : { مما ملكت } للتبعيض ، ومن في : { من شركاء } زائدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي . يقول : ليس يرضى أحد منكم أن يشركه عبده في ماله وزوجته وما يختص به حتى يكون مثله ، فكيف ترضون شريكاً لله ، وهو رب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد ؟ وقال أبو عبد الله الرازي : وبين المثل والممثل به مشابهة ومخالفه . فالمشابهة معلومة ، والمخالفة من وجوه : قوله : { من أنفسكم } : أي من نسلكم ، مع حقارة الأنفس ونقصها وعجزها ، وقاس نفسه عليكم مع عظمتها وجلالتها وقدرتها . وقوله : { مما ملكت أيمانكم } : أي عبيدكم ، والملك ما قبل النقل بالبيع ، والزوال بالعتق ، ومملوكه تعالى لا خروج له عن الملك . فإذا لم يجز أن يشرككم مملوككم ، وهو مثلكم من جميع الوجوه ومثلكم في الآدمية ، حالة الرق ، فكيف يشرك الله مملوكه من جميع الوجوه المباين له بالكلية ؟ وقوله : { فيما رزقناكم } : يعني أن الميسر لكم في الحقيقة إنما هو الله ومن رزقه حقيقة ، فإذا لم يجز أن يشرككم فيما هو لكم من حيث الاسم ، فكيف يكون له تعالى شريك فيما له من جهة الحقيقة ؟ انتهى ، وفيه بعض تلخيص . و { شركاء } في موضع رفع بالابتداء ، و { فيما رزقناكم } متعلق به ، و { لكم } الخبر ، و { مما ملكت } في موضع الحال ، لأنه نعت نكرة تقدم عليها وانتصب على الحال ، والعامل فيها العامل في الجار والمجرور ، والواقع خبراً ، وهو مقدر بعد المبتدأ . وما في فيما { رزقناكم } واقعة على النوع ، والتقدير : هل شركاء فيما رزقناكم كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم كائنون لكم ؟ ويجوز أن يتعلق لكم بشركاء ، ويكون مما رزقناكم في موضع الخبر ، كما تقول : لزيد في المدينة مبغض ، فلزيد متعلق بمبغض الذي هو مبتدأ ، وفي المدينة الخبر ، و { فأنتم فيه سواء } جملة في موضع الجواب للاستفهام المضمن معنى النفي ، وفيه متعلق بسواء ، و { تخافونهم } خبر ثان لأنتم ، والتقدير : فأنتم مستوون معهم فيما رزقناكم ، تخافونهم كما يخاف بعضكم بعضاً أيها السادة . والمقصود نفي الشركة والإستواء والخوف ، وليس النفي منسحباً على الجواب وما بعده فقط ، كأحد وجهي ما تأتينا فتحدثنا ، أي ما تأتينا فتحدثنا ، إنما تأتي ولا تحدث ، بل هو على الوجه الآخر ، أي ما تأتينا فكيف تحدثنا ؟ أي ليس منك إتيان فلا يكون حديث . وكذلك هذا ليس لهم شريك ، فلا استواء ولا خوف . وقرأ الجمهور : ، بالنصب ، أضيف المصدر إلى الفاعل ؛ وابن أبي عبيدة : بالرفع ، أضيف المصدر للمفعول ، وهما وجهان حسنان ، ولا قبح في إضافة المصدر إلى المفعول مع وجود الفاعل . { كذلك } : أي مثل ذلك التفصيل ، { نفصل الآيات } : أي نبينها ، لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها ، لأنه بمنزلة التصوير والتشكيل لها . ألا ترى كيف صور الشرك بالصورة المشوهة ؟ وقرأ الجمهور : نفصل ، بالنون ، حملاً على رزقناكم ؛ وعباس عن ابن عمر : بياء الغيبة ، رعياً لضرب ، إذ هو مسند للغائب . وذكر بعض العلماء في هذه الآية دليلاً على صحة أصل الشركة بين المخلوقين ، لافتقار بعضهم إلى بعض ، كأنه يقول : الممتنع والمستقبح شركة العبيد لساداتهم ؛ أما شركة السادات بعضهم لبعض فلا يمتنع ولا يستقبح . والإضراب ببل في قوله : { بل اتبع } جاء على ما تضمنته الآية ، إذ المعنى : ليس لهم حجة ولا معذرة فيما فعلوا من إشراكهم بالله ، بل ذلك بمجرد هوى بغير علم ، لأنه قد يكون هوى للإنسان ، وهو يعلم . و { الذين ظلموا } : هم المشركون ، اتبعوا أهواءهم جاهلين هائمين على أوجههم ، لا يرغمهم عن هواهم علم ، إذ هم خالون من العلم الذي قد يردع متبع الهوى . { فمن يهدي من أضل الله } : أي لا أحد يهدي من أضله الله ، أي هؤلاء ممن أضلهم الله ، فلا هادي لهم . وقال الزمخشري : من أضل الله : من خذله الله ولم يلطف به ، لعلمه أنه ممن لا لطف له ممن يقدر على هداية مثله . { وما لهم من ناصرين } : دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . { فأقم وجهك للدين } : فقوم وجهك له وعدله غير ملتفت ، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته واهتمامه بأسبابه . فإن من اهتم بالشيء ، عقد عليه طرفه وقوم له وجهه مقبلاً به عليه ، والدين دين الإسلام . وذكر الوجه ، لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه . و { حنيفاً } : حال من الضمير في أقم ، أو من الوجه ، أو من الدين ، ومعناه : مائلاً عن الأديان المحرفة المنسوخة . { فطرة الله } : منصوب على المصدر ، كقوله : { صبغة الله } [ البقرة : 138 ] ، وقيل : منصوب بإضمار فعل تقديره : التزم فطرة الله . وقال الزمخشري : الزموا فطرة الله ، أو عليكم فطرة الله . وإنما أضمرت على خطاب الجماعة لقوله : { منيبين إليه } ، ومنيبين حال من الضمير في الزموا . وقوله : { وأقيموا } ، { ولا تكونوا } ، معطوف على هذا المضمر . انتهى . وقيل : { فأقم وجهك } ، المراد به : فأقيموا وجوهكم ، وليس مخصوصاً بالرسول وحده ، وكأنه خطاب لمفرد أريد به الجمع ، أي : فأقم أيها المخاطب ، ثم جمع على المعنى ، لأنه لا يراد به مخاطب واحد . فإذا كان هذا ، فقوله : { منيبين } ، { وأقيموا } ، { ولا تكونوا } ملحوظ فيه معنى الجمع . وقول الزمخشري : أو عليكم فطرة الله لا يجوز ، لأن فيه حذف كلمة الإغراء ، ولا يجوز حذفها ، لأنه قد حذف الفعل وعوض عليك منه . فلو جاز حذفه لكان إجحافاً ، إذ فيه حذف العوض والمعوض منه . والفطرة ، قيل : دين الإسلام ، والناس مخصوصون بالمؤمنين . وقيل : العهد الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم نسماً من ظهره ورجح الحذاق . إنها القابلية التي في الطفل للنظر في مصنوعات الله ، والاستدلال بها على موجده ، فيؤمن به ويتبع شرائعه ، لكن قد تعرض له عوارض تصرفه عن ذلك ، كتهويد أبويه له ، وتنصيرهما ، إغواء شياطين الإنس والجن . { لا تبديل لخلق الله } : أي لا تبديل لهذه القابلية من جهة الخالق . وقال مجاهد ، وابن جبير ، والضحاك ، والنخعي ، وابن زيد : لا تبديل لدين الله ، والمعنى : لمعتقدات الأديان ، إذ هي متفقة في ذلك . وقال الزمخشري : أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير . وقال ابن عباس : لا تبديل لقضاء الله بسعادتهم وشقاوتهم ، وقيل : هو نفي معناه : النهي ، أي لا تبدلوا ذلك الدين . وقيل : { لا تبديل لخلق الله } بمعنى : الواحدانية مترشحة فيه ، لا تغير لها ، حتى لو سألته : من خلق السموات والأرض ؟ تقول : الله . ويستغرب ما روي عن ابن عباس أن معنى { لا تبديل لخلق الله } : النهي عن خصاء الفحول من الحيوان . وقول من ذهب إلى أن المعنى في هذه الجملة ألجأ على الكفرة ، اعترض به أثناء الكلام ، كأنه يقول : أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا ، فإن هؤلاء الكفرة ومن خلق الله لهم الكفر ، و { لا تبديل لخلق الله } : أي أنهم لا يفلحون ذلك الذي أمرت بإقامة وجهك له ، هو الدين المبالغ في الاستقامة . والقيم : بياء مبالغة ، من القيام ، بمعنى الاستقامة ، ووزنه فعيل ، أصله قيوم كيد ، اجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فيها ، وهو بناء مختص بالمعتل العين ، لم يجىء منه في الصحيح إلا بيئس وصيقل علم لامرأة . { منيبين } : حال من { الناس } ، ولا سيما إذا أريد بالناس : المؤمنون ، أو من الضمير في : الزموا فطرة الله ، وهو تقدير الزمخشري ، أو من الضمير في : { فأقم } ، إذ المقصود : الرسول وأمته ، وكأنه حذف معطوف ، أي فأقم وجهك وأمتك . وكذا زعم الزجاج في : { يا أيها النبي إذا طلقتم } [ الطلاق : 1 ] : أي يا أيها النبي والناس ، ودل على ذلك مجيء الحال في { منيبين } جمعاً ، وفي { إذا طلقتم } جاء الخطاب فيه وفي ما بعده . جمعاً ، أو على خبر كان مضمرة ، أي كونوا منيبين ، ويدل عليه قوله بعد { ولا تكونوا } ، وهذه احتمالات منقولة كلها . { من المشركين } : من اليهود والنصارى ، قاله قتادة . وقال ابن زيد : هم اليهود ؛ وعن أبي هريرة وعائشة : أنهم أهل القبلة ، ولفظة الإشراك على هذا تجوز بأنهم صاروا في دينهم فرقاً . والظاهر أن المشركين : كل من أشرك ، فيدخل فيهم أهل الكتاب وغيرهم . و { من الذين } : بدل من المشركين ، { فرقوا دينهم } : أي دين الإسلام وجعلوه أدياناً مختلفة لاختلاف أهوائهم . { وكانوا شيعاً } : كل فرقة تشايع إمامها الذي كان سبب ضلالها . { كل حزب } : أي منهم فرح بمذهبه مفتون به . والظاهر أن { كل حزب } مبتدأ و { فرحون } الخبر . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون { من الذين } منقطعاً مما قبله ومعناه : من المفارقين دينهم . كل حزب فرحين بما لديهم ، ولكنه رفع فرحون على الوصف لكل ، كقوله : @ وكل خليل غير هاضم نفسه @@ انتهى . قدر أولاً فرحين مجرورة صفة لحزب ، ثم قال : ولكنه رفع على الوصف لكل ، لأنك إذا قلت : من قومك كل رجل صالح ، جاز في صالح الخفض نعتاً لرجل ، وهو الأكثر ، كقوله : @ جادت عليه كل عين ترة فتركن كل حديقة كالدرهم @@ وجاز الرفع نعتاً لكل ، كقوله : @ وعليه هبت كل معصفة هوجاء ليس للبها دبر @@ برفع هو جاء صفة لكل .