Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 1-11)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه السورة مكية ، قال ابن عباس : إلا ثلاث آيات ، أولهنّ : { ولو أن ما في الأرض } . وقال قتادة : إلا آيتين ، أوّلهما : { ولو أن } إلى آخر الآيتين ، وسبب نزولها أن قريشاً سألت عن قصة لقمان مع ابنه ، وعن بر والديه ، فنزلت . وقيل : نزلت بالمدينة إلا الآيات الثلاثة : { ولو أن ما في الأرض } إلى آخرهنّ ، لما نزل { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } [ الإسراء : 85 ] . وقول اليهود : إن الله أنزل التوراة على موسى وخلفها فينا ومعنا ، فقال الرسول : " التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله " ، فنزل : { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } [ لقمان : 27 ] . ومناسبتها لما قبلها أنه قال تعالى : { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } [ الروم : 58 ] ، فأشار إلى ذلك بقوله : { الم ، تلك آيات الكتاب الحكيم } ؛ وكان في آخر تلك : { ولئن جئتهم بآية } [ الروم : 58 ] ، وهنا : { وإذا تتلى عليه آياتنا ولىّ مستكبراً } ، وتلك إشارة إلى البعيد ، فاحتمل أن يكون ذلك لبعد غايته وعلو شأنه . و { آيات الكتاب } : القرآن واللوح المحفوط . ووصف الكتاب بالحكيم ، إما لتضمنه للحكمة ، قيل : أو فعيل بمعنى المحكم ، وهذا يقل أن يكون فعيل بمعنى مفعل ، ومنه عقدت العسل فهو عقيد ، أي معقد ، ويجوز أن يكون حكيم بمعنى حاكم . وقال الزمخشري : الحكيم : ذو الحكمة ؛ أو وصف لصفة الله عز وجل على الإسناد المجازي ، ويجوز أن يكون الأصل الحكيم قابله ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فبانقلابه مرفوعاً بعد الجر استكن في الصفة المشبهة . وقرأ الجمهور : { هدى ورحمة } ، بالنصب على الحال من الآيات ، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، قاله الزمخشري وغيره ، ويحتاج إلى نظر . وقرأ حمزة ، والأعمش ، والزعفراني ، وطلحة ، وقنبل ، من طريق أبي الفضل الواسطي : بالرفع ، خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر ، على مذهب من يجيز ذلك . { للمحسنين } : الذين يعملون الحسنات ، وهي التي ذكرها ، كإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإيقان بالآخرة ، ونظيره قول أوس : @ الألمعي الذي يظن بك الـ ظن كأن قد رأى وقد سمعا @@ حكي عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي فأنشده ولم يزد ، وخص المحسنون ، لأنهم هم الذين انتفعوا به ونظروه بعين الحقيقة . وقيل : الذين يعملون بالحسن من الأعمال ، وخص منهم القائمون بهذه الثلاثة ، لفضل الاعتداد بها . ومن صفة الإحسان ما جاء في الحديث من أن " الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه " وقيل : المحسنون : المؤمنون . وقال ابن سلام : هم السعداء . وقال ابن شجرة : هم المنجحون . وقيل : الناجون ، وكرر الإشارة إليهم تنبيهاً على عظم قدرهم . ولما ذكر من صفات القرآن الحكمه ، وأنه هدى ورحمة ، وأن متبعه فائز ، ذكر حال من يطلب من بدل الحكمة باللهو ، وذكر مبالغته في ارتكابه حتى جعله مشترياً له وباذلاً فيه رأس عقله ، وذكر علته وأنها الإضلال عن طريق الله . ونزلت هذه الآية في النضر بن الحارث ، كان يتجر إلى فارس ، ويشتري كتب الأعاجم ، فيحدث قريشاً بحديث رستم واسفندار ويقول : أنا أحسن حديثاً . وقيل : في ابن خطل ، اشترى جارية تغني بالسب ، وبهذا فسر { لهو الحديث } : المعازف والغناء . وفي الحديث من رواية أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " شراء المغنيات وبيعهم حرام " ، وقرأ هذه الآية . وقال الضحاك : { لهو الحديث } : الشرك . وقال مجاهد ، وابن جريج : الطبل ، وهذا ضرب من آلة الغناء . وقال عطاء : الترهات . وقيل : السحر . وقيل : ما كان يشتغل به أهل الجاهلية من السباب . وقال أيضاً : ما شغلك عن عبادة الله ، وذكره من السحر والأضاحيك والخرافات والغناء . وقال سهل : الجدال في الدين والخوض في الباطل ، والظاهر أن الشراء هنا مجاز عن اختيار الشيء ، وصرف عقله بكليته إليه . فإن أريد به ما يقع عليه الشراء ، كالجواري المغنيات عند من لا يرى ذلك ، وككتب الأعاجم التي اشتراها النضر ؛ فالشراء حقيقة ويكون على حذف ، أي من يشتري ذات لهو الحديث . وإضافة لهو إلى الحديث هي لمعنى من ، لأن اللهو قد يكون من حديث ، فهو كباب ساج ، والمراد بالحديث : الحديث المنكر . وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، كأنه قال : ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه . انتهى . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : { ليضل } بفتح الياء ، وباقي السبعة : بضمها . قال الزمخشري : فإن قلت : القراءة بالرفع بينة ، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح ؟ قلت : معنيان ، أحدهما : ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ، ولا يصدف عنه ، ويزيد فيه ويمده بأن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصد الناس عنه . والثاني : أن يوضع ليضل موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالاً لا محالة ، فدل بالرديف على المردوف . فإن قلت : قوله بغير علم ما معناه ؟ قلت : لما جعله مشترياً لهو الحديث بالقرآن قال : يشتري بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها ، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق ، ونحوه قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين } [ البقرة : 16 ] ، أي وما كانوا مهتدين للتجارة وبصراء بها . انتهى . و { سبيل الله } : الإسلام أو القرآن ، قولان . قال ابن عطية : والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث مضافاً إلى الكفر ، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله : { ليضل } إلى آخره . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص : { ويتخذها } ، بالنصب عطفاً على { ليضل } ، تشريكاً في الصلة ؛ وباقي السبعة : بالرفع ، عطفاً على { يشتري } ، تشريكاً في الصلة . والظاهر عود ضمير { ويتخذها } على السبيل ، كقوله : { ويبغونها عوجاً } [ الأعراف : 45 ، هود : 19 ] . قيل : ويحتمل أن يعود على { آيات الكتاب } . وقال تعالى : { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } [ البقرة : 231 ] . قيل : ويحتمل أن يعود على الأحاديث ، لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث . وقال صاحب التحرير : ويظهر لي أنه أراد بلهو الحديث : ما كانوا يظهرونه من الأحاديث في تقوية دينهم ، والأمر بالدوام عليه ، وتفسير صفة الرسول ، وأن التوراة تدل على أنه من ولد إسحاق ، يقصدون صد أتباعهم عن الإيمان ، وأطلق اسم الشراء لكونهم يأخذون على ذلك الرشا والجعائل من ملوكهم ، ويؤيده { ليضل عن سبيل الله } : أي دينه . انتهى ، وفيه بعض حذف وتلخيص . { وإذا تتلى عليه } : بدأ أولاً بالحمل على اللفظ ، فأفرد في قوله : { من يشتري } ، { وليضل } ، { ويتخذها } ، ثم جمع على الضمير في قوله : { أولئك لهم } ، ثم حمل على اللفظ فأفرد في قوله : { وإذا تتلى } إلى آخره . ومن في : { من يشتري } موصولة ، ونظيره في من الشرطية قوله : { ومن يؤمن بالله } [ التغابن : 11 ] ، فما بعده أفرد ثم قال : { خالدين } ، فجمع ثم قال : { قد أحسن الله له رزقاً } [ الطلاق : 11 ] ، فأفرد ، ولا نعلم جاء في القرآن ما حمل على اللفظ ، ثم على المعنى ، ثم على اللفظ ، غير هاتين الآيتين . والنحويون يذكرون { ومن يؤمن بالله } الآية فقط ، ثم على المعنى ، ثم على اللفظ ، ويستدلون بها على أن هذا الحكم جار في من الموصولة ونظيرها مما لم يثن ولم يجمع من الموصولات . وتضمنت هذه الآية ذم المشتري من وجوه التولية عن الحكمة ، ثم الاستكبار ، ثم عدم الالتفات إلى سماعها ، كأنه غافل عنها ، ثم الإيغال في الإعراض بكون أذنيه كأن فيهما صمماً يصده عن السماع . و { كأن لم يسمعها } : حال من الضمير في { مستكبراً } ، أي مشبهاً حال من لم يسمعها ، لكونه لا يجعل لها بالاً ولا يلتفت إليها ؛ وكأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن واجب الحذف . و { كأن في أذنيه وقراً } : حال من لم يسمعها . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونا استئنافين . انتهى ، يعني الجملتين التشبيهيتين . ولما ذكر ما وعد به الكفار من العذاب الأليم ، ذكر ما وعد به المؤمنين . وقرأ زيد بن علي : خالدون ، بالواو ؛ والجمهور : بالياء . وانتصب { وعد الله } على أنه مصدر مؤكد لنفسه ، و { حقاً } على المصدر المؤكد لغيره ، لأن قوله : { لهم جنات النعيم } ، والعامل فيها متغاير ، فوعد الله منصوب ، أي يوعد الله وعده ، وحقاً منصوب بأحق ذلك حقاً . { خلق السموات } إلى { فأنبتنا } ، تقدم الكلام على ذلك . ومعنى { كريم } : مدحته بكرم جوهره ونفاسته وحسن منظره ، وما تقضي له النفوس بأنه أفضل من غيره حتى استحق الكرم ، فيخص لفظ الأزواج ما كان نفيساً مستحسناً من جهة ، أو مدحته بإتقان صفته وظهور حسن الرتبة والتحكم للصنع فيه ، فيعم جميع الأزواج ، وهو الأنواع . { هذا خلق الله } : إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته ، وبخ بذلك الكفار وأظهر حجته . والخلق بمعنى المخلوق ، كقولهم : درهم ضرب الأمير ، أي مضروبه . ثم سألهم على جهة التهكم بهم أن يورده . وأما خلقته آلهتم لما ذكر مخلوقاته ، فكيف عبدوها من دونه ؟ ويجوز في ماذا أن تكون كلها موصولة بمعنى الذي ، وتكون مفعولاً ثانياً لأروني . واستعمال ماذا كلها موصولاً قليل ، وقد ذكره سيبويه . ويجوز أن تكون ما استفهامية في موضع رفع على الابتداء ، وذا موصولة بمعنى الذي ، وهو خبر عن ما ، والجملة في موضع نصب بأروني ، وأروني معلقة عن العمل لفظاً لأجل الاستفهام . ثم أضرب عن توبيخهم وتبكيتهم إلى التسجيل عليهم بأنهم في حيرة واضحة لمن يتدبر ، لأن من عبد صنماً وترك خالقه جدير بأن يكون في حيرة وتيه لا يقلع عنه .