Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 20-28)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سخر لكم } : تنبيه على الصنعة الدالة على الصانع من تسخير { ما في السماوات } : من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والسحاب ؛ { وما في الأرض } : من الحيوان ، والنبات ، والمعادن ، والبحار ، وغير ذلك ؛ وذلك لا يكون إلا بمسخر من مالك متصرف كما يشاء . وقرأ ابن عباس ، ويحيـى بن عمارة : وأصبغ بالصاد ، وهي لغة لبني كلب ، يبدلونها من السين ، إذا جامعت الغين أو الخاء أو القاف صاداً ؛ وباقي القراء : بالسين على الأصل . وقرأ الحسن ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص : { نعمه } ، جمعاً مضافاً للضمير ؛ وباقي السبعة ، وزيد بن علي : نعمة ، على الإفراد . والظاهر أنه يراد بالنعمة الظاهرة : الإسلام ، والباطنة : الستر . وعن الضحاك ، الظاهرة : حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء ، والباطنة : المعرفة . وقيل : الظاهرة : البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح ، والباطنة : القلب والعقل والفهم . والذي ينبغي أن يقال : إن الظاهرة مما يدرك بالمشاهدة ، والباطنة ما لا يعلم إلا بدليل ، أو لا يعلم أصلاً . فكم من نعمة في بدن الإنسان لا يعلمها ، ولا يهتدي إلى العلم بها ؟ وانتصب { ظاهرة } على الحال من { نعمه } ، الجمع على الصفة ، ومن نعمة على الإفراد . وتقدم الكلام على : { ومن الناس } إلى : { منير } ، في الحج ، وعلى ما بعده إلى : { آباءنا } ، في نظيره في البقرة . { أوَلو } : كان تقديره : أيتبعونهم في أحوالهم ؟ وفي هذه الحال التي لا ينبغي أن لا يتبع فيها الآباء ؟ لأنها حال تلف وعذاب . وقد تقدم لنا أن مثل هذا التركيب الذي فيه ولو ، إنما يكون في الشيء الذي كان ينبغي أن لا يكون ، نحو : اعطوا السائل ولو جاء على فرس ، ردوا السائل ولو بظلف محرق ، { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين } [ يوسف : 17 ] . وكذلك هذا ، كان ينبغي من دعا إلى عذاب السعير أن لا يتبع . وقرأ الجمهور : { ومن يسلم } ، مضارع أسلم ؛ وعلي ، والسلمي ، وعبد الله بن مسلم بن يسار : بتشديد اللام ، مضارع سلم ، وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في البقرة ، والمراد : التفويض إلى الله . { فقد استمسك بالعروة الوثقى } : تقدم الكلام عليه في البقرة . وقال الزمخشري ، من باب التمثيل : مثلت حال المتوكل بحال من تدلى من شاهق ، فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه . انتهى . ولما ذكر حال الكافر المجادل ، ذكر حال المسلم ، وأخبر بأن منتهى الأمور صائرة إليه . وقال ابن عطية : والعروة : موضع التعليق ، فكأن المؤمن متعلق بأمر الله ، فشبه ذلك بالعروة . وسلى رسوله بقوله : { ومن كفر } ، إلى آخره ، وشبه إلزام العذاب وإرهاقهم إليه باضطرار من يضطر إلى الشيء الذي لا يمكنه دفعه ، ولا الإنفكاك منه . والغلظ يكون في الإجرام ، فاستعير للمعنى ، والمراد : الشدة . { ليقولنّ الله } : أقام الحجة عليهم بأنهم يقرون بأن الله هو خالق العالم بأسره ، ويدعون مع ذلك إلهاً غيره . { قل الحمد لله } على ظهور الحجة عليهم . { بل أكثرهم لا يعلمون } : إضراب عن مقدر ، تقديره : ليس دعواهم ، نحو : لا يعلمون أن ما ارتكبوه من ادعاء إله غير الله لا يصح ، ولا يذهب إليه ذو علم . ثم أخبر أنه مالك للعالم كله ، وأنه هو الغني ، فلا افتقار له لشيء من الموجودات . { الحميد } : المستحق الحمد على ما أنشأ وأنعم . { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } : تقدم في أول السورة سبب نزول هذه الآية . ولما ذكر تعالى أن ما في السماوات والأرض ملك له ، وكان ذلك متناهياً ، بين أن في قدرته وعلمه عجائب لا نهاية لها ، فقال : { ولو أن ما في الأرض } ، وأن بعد لو في موضع رفع على الفاعلية ، أي لو وقع أو ثبت على رأي المبرد ، أو في موضع مبتدأ محذوف الخبر على رأي غيره ، وتقرر ذلك في علم النحو . و { من شجرة } : تبيين لما ، وهو في التقرير في موضع الحال من الضمير الذي في الجار والمجرور المنتقل من العامل فيه ، وتقديره : ولو أن الذي استقر في الأرض كائناً من شجرة وأقلام خبر لأن ، وفيه دليل على بطلان دعوى الزمخشري وبعض العجم ممن ينصر قوله : إن خبر أن الجائية بعد لو لا يكون اسماً جامداً ولا اسماً مشتقاً ، بل يجب أن يكون فعلاً ، وهو قول باطل ، ولسان العرب طافع بالزيادة عليه . قال الشاعر : @ ولو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيداً وأيماً @@ وقال الآخر : @ ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم @@ وقال آخر : @ ولو أن حياً فائت الموت فاته أخو الحرب فوق القارح القدوان @@ وهو كثير في لسانهم . والظاهر أن الواو في قوله : { والبحر } ، في قراءة من رفع ، وهم الجمهور ، واو الحال ؛ والبحر مبتدأ ، و { يمده } الخبر ، أي حال كون البحر ممدوداً . وقال الزمخشري : عطفاً على محل إن ومعمولها على ولو ، ثبت كون الأشجار أقلاماً ، وثبت أن البحر ممدوداً بسبعة أبحر . انتهى . وهذا لا يتم إلا على رأي المبرد ، حيث زعم أن { أن } في موضع رفع على الفاعلية . وقال بعض النحويين : هو عطف على أن ، لأنها في موضع رفع بالإبتداء ، وهو لا يتم إلا على رأي من يقول : إن أن بعد لو في موضع رفع على الابتداء ، ولولا يليها المبتدأ اسماً صريحاً إلا في ضرورة شعر ، نحو قوله : @ لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري @@ فإذا عطفت والبحر على أن ومعموليها ، وهما رفع بالابتداء ، لزم من ذلك أن لو يليها الاسم مبتدأ ، إذ يصير التقدير : ولو البحر ، وذلك لا يجوز إلا في الضرورة ، إلا أنه قد يقال : إنه يجوز في المعطوف عليه نحو : رب رجل وإخيه يقولان ذلك . وقرأ عبد الله : وبحر يمده ، بالتنكير بالرفع ، والواو للحال ، أو للعطف على ما تقدم ؛ وإن كانت الواو واو الحال ، كان بحر ، وهو نكرة ، مبتدأ ، وذكروا في مسوغات الابتداء بالنكرة أن تكون واو الحال تقدمته ، نحو قوله : @ سرينا ونجم قد أضاء فقد بدا محياك أخفى ضوؤه كل شارق @@ وقرأ الجمهور : { يمده } بالياء ، من مد ؛ وابن مسعود ، وابن عباس : بتاء التأنيث ، من مد أيضاً ؛ وعبد الله أيضاً ، والحسن ، وابن مطرف ، وابن هرمز : بالياء من تحت ، من أمد ؛ وجعفر بن محمد : والبحر مداده ، أي يكتب به من السواد . وقال ابن عطية : هو مصدر . انتهى . { من بعده } : أي من بعد نفاد ما فيه ، { سبعة أبحر } : لا يراد به الاقتصار على هذا العدد ، بل جيء به للكثرة ، كقوله : المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر في سبعة أمعاء ، لا يراد به العدد ، بل ذلك إشارة إلى القلة والكثرة . ولما كان لفظ سبعة ليس موضوعاً في الأصل للتكثير ، وإن كان مراداً به التكثير ، جاء مميزه بلفظ القلة ، وهو أبحر ، ولم يقل بحور ، وإن كان لا يراد به أيضاً إلا التكثير ، ليناسب بين اللفظين . فكما يجوز في سبعة ، واستعمل للتكثر ، كذلك يجوز في أبحر ، واستعمل للتكثير . وفي الكلام جملة محذوفة يدل عليها المعنى ، وكتب بها الكتاب كلمات الله . { ما نفدت } ، والمعنى : ولو أن أشجار الأرض أقلام ، والبحر ممدود بسبعة أبحر ، وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله ، { ما نفدت } ، ونفدت الأقلام والمداد الذي في البحر وما يمده ، كما قال : { لو كان البحر مداداً لكلمات ربي } [ الكهف : 109 ] الآية . وقال الزمخشري : فإن قلت : زعمت أن قوله : { والبحر يمده } ، حال في أحد وجهي الرفع ، وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال ، قلت : هو كقوله : @ وقد اغتدي والطير في وكناتها @@ وجئت والجيش مصطف ، وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف . يجوز أن يكون المعنى : وبحرها ، والضمير للأرض . انتهى . وهذا الذي جعله سؤالاً وجواباً من واضح النحو الذي لا يجهله المبتدئون فيه ، وهو أن الجملة الإسمية إذا كانت حالاً بالواو ، لا يحتاج إلى ضمير يربط ، واكتفى بالواو فيها . وأما قوله : وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف ، فليس بجيد ، لأن الظرف إذا وقع حالاً ، ففي العامل فيه ضمير ينتقل إلى الظرف . والجملة الاسمية إذا كانت حالاً بالواو ، فليس فيها ضمير منتقل . وأما قوله : ويجوز ، فلا يجوز إلا على رأي الكوفيين ، حيث يجعلون أل عوضاً من الضمير . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل : { من شجرة } ، على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر ؟ قلت : أريد تفصيل الشجر ونقضها شجرة شجرة ، حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا قد بريت أقلاماً . انتهى . وهذا النوع هو مما أوقع فيه المفرد موقع الجمع ، والنكرة موقع المعرفة ، ونظيره : { ما ننسخ من آية } [ البقرة : 106 ] ، { ما يفتح الله للناس من رحمة } [ فاطر : 2 ] ، { ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة } [ النحل : 49 ] ؛ وكقول العرب : هو أول فارس ، وهذا أفضل عالم ، يريد من الآيات ومن الرحمات ومن الدواب ، وأول الفرسان . أخبروا بالمفرد والنكرة ، وأرادوا به معنى الجمع المعرف بأل ، وهو مهيع في كلام العرب معروف . وكذلك يتقدر هذا من الشجرات ، أو من الأشجار . وفي هذا الكلام من المبالغة في تكثير الأقلام والمداد ما ينبغي أن يتأمل ، وذلك أن الأشجار مشتمل كل واحدة منها على الأغصان الكثيرة ، وتلك الأغصان كل غصن منها يقطع على قدر القلم ، فيبلغ عدد الأقلام في التناهي إلى ما لا يعلم به ، ولا يحيط إلا الله تعالى . وقرأ الجمهور : { ما نفدت كلمات الله } ، بالألف والتاء . وقرأ زيد بن علي : كلمة الله ، على التوحيد . وقرأ الحسن : ما نفد ، بغير تاء ، كلام الله . قال أبو علي : المراد بالكلمات ، والله أعلم : ما في المعدوم دون ما خرج من العدم إلى الوجود . وقالت فرقة : المراد بكلمات الله : معلوماته . وقال الزمخشري : فإن قلت : الكلمات جمع قلة ، والمواضع مواضع التكثير لا التقليل ، فهلا قيل : كلم الله ؟ قلت : معناه أن كلماته لا تفي بكتبها البحار ، فكيف بكلمة ؟ انتهى . وعلى تسليم أن كلمات جمع قلة ، فجموع القلة إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية ، أو أضيفت ، عمت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد . { إن الله عزيز } : كامل القدرة ، فمقدوراته لا نهاية لها . { حكيم } : كامل العلم ، فمعلوماته لا نهاية لها . ولما ذكر تعالى كمال قدرته وعلمه ، ذكر ما يبطل استبعادهم للحشر . { إلا كنفس واحدة } : إلا كخلق نفس واحدة وبعثها ، ومن لا نفاد لكلماته يقول للموتى : كونوا فيكونون ، فالقليل والكثير ، والواحد والجمع ، لا يتفاوت في قدرته . وقال النقاش : هذه الآية في أبيّ بن خلف ، وأبي الأسد ، ونبيه ومنبه ابني الحجاج ، قالوا : يا محمد : إنا نرى الطفل يخلق بتدريج ، وأنت تقول : الله يعيدنا دفعة واحدة ، فنزلت . { إن الله سميع بصير } : سميع كل صوت ، بصير كل مبصر في حالة واحدة ، لا يشغله إدراك بعضها عن بعض ، فكذلك الخلق والبعث .