Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 27-35)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما قرر تعالى وحدانيته بأدلة قربها وأمثال ضربها ، أتبعها بأدلة سماوية وأرضية فقال : { ألم تر } ، وهذا الاستفهام تقريري ، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جداً . والخطاب للسامع ، وتر من رؤية القلب ، لأن إسناد إنزاله تعالى لا يستدل عليه إلا بالعقل الموافق للنقل ، وإن كان إنزال المطر مشاهداً بالعين ، لكن رؤية القلب قد تكون مسندة لرؤية البصر ولغيرها . وخرج من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم في قوله : { فأخرجنا } ، لما في ذلك من الفخامة ، إذ هو مسند للمعظم المتكلم . ولأن نعمة الإخراج أتم من نعمة الإنزال لفائدة الإخراج ، فأسند الأتم إلى ذاته بضمير المتكلم ، وما دونه بضمير الغائب . والظاهر أن الألوان ، إن أريد بها ما يتبادر إليه الذهن من الحمرة والصفرة والخضرة والسواد وغير ذلك ، والألوان بهذا المعنى أوسع وأكثر من الألوان بمعنى الأصباغ . وقرأ الجمهور : { مختلفاً ألوانها } ، على حد اختلف ألوانها . وقرأ زيد بن علي : مختلفة ألوانها ، على حد اختلفت ألوانها ، وجمع التكسير يجوز فيه أن تلحق التاء ، وأن لا تلحق . وقرأ الجمهور : { جُدَد } ، بضم الجيم وفتح الدال ، جمع جدة . قال ابن بحر : قطع من قولك : جددت الشيء : قطعته . وقرأ الزهري : كقراءة الجمهور . قال صاحب اللوامح : جمع جدة ، وهي ما تخالف من الطريق في الجبال لون ما يليها . وعنه أيضاً ، بضم الجيم والدال : جمع جديدة وجدد وجدائد ، كما يقال في الاسم : سفينة وسفن وسفائن . قال أبو ذؤيب : @ جون السراة أم جدائد أربع @@ وعنه أيضاً : بفتح الجيم والدال ، ولم يجزه أبو حاتم في المعنى ، ولا صححه أثراً . وقال غيره : هو الطريق الواضح المبين ، وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض . وقال أبو عبيدة : يقال جدد في جمع جديد ، ولا مدخل لمعنى الجديد في هذه الآية . وقال صاحب اللوامح : جدد جمع جديد بمعنى : آثار جديدة واضحة الألوان . انتهى . وقال : مختلف ألوانها ، لأن البياض والحمرة تتفاوت بالشدة والضعف ، فأبيض لا يشبه أبيض ، وأحمر لا يشبه أحمر ، وإن اشتركا في القدر المشترك ، لكنه مشكل . والظاهر عطف { وغرابيب } على { حمر } ، عطف ذي لون على ذي لون . وقال الزمخشري : معطوف على { بيض } أو على { جدد } ، كأنه قيل : ومن الجبال مخطط ذو جدد ، ومنها ما هو على لون واحد . وقال بعد ذلك : ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله : { ومن الجبال جدد } ، بمعنى : ذو جدد بيض وحمر وسود ، حتى تؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانه ، كما قال : { ثمرات مختلفاً ألوانها } . { ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانها } يعني : ومنهم بعض مختلف ألوانه . وقرأ ابن السميفع : ألوانها . انتهى . والظاهر أنه لما ذكر الغرابيب ، وهو الشديد السواد ، لم يذكر فيه مختلف ألوانه ، لأنه من حيث جعله شديد السواد ، وهو المبالغ في غاية السواد ، لم يكن له ألوان ، بل هذا لون واحد ، بخلاف البيض والحمر ، فإنها مختلفة . والظاهر أن قوله : { بيض حمر } ليسا مجموعين بجدة واحدة ، بل المعنى : جدد بيض ، وجدد حمر ، وجدد غرابيب . ويقال : أسود حلكوك ، وأسود غربيب ، ومن حق الواضح الغاية في ذلك اللون أن يكون تابعاً . فقال ابن عطية : قدم الوصف الأبلغ ، وكان حقه أن يتأخر ، وكذلك هو في المعنى ، لكن كلام العرب الفصيح يأتي كثيراً على هذا . وقال الزمخشري : الغربيب تأكيد للاسود ، ومن حق التوكيد أن يتبع المؤكد ، كقولك : أصفر فاقع ، وأبيض يقق ، وما أشبه ذلك ؛ ووجهه أن يظهر المؤكد قبله ، فيكون الذي بعده تفسيراً لما أضمر ، كقول النابغة : @ والمؤمن العائذات الطير @@ وإنما يفعل لزيادة التوكيد ، حيث يدل على المعنى الواحد من طريق الإظهار والإضمار جميعاً . انتهى . وهذا لا يصح إلا على مذهب من يجيز حذف المؤكد . ومن النحاة من منع ذلك ، وهو اختيار ابن مالك . وقيل : هو على التقديم والتأخير ، أي سود غرابيب . وقيل : سود بدل من غرابيب ، وهذا أحسن ، ويحسنه كون غرابيب لم يلزم فيه أن يستعمل تأكيداً ، ومنه ما جاء في الحديث : " أن الله يبغض الشيخ الغربيب " ، يعني الذي يخضب بالسواد ، وقال الشاعر : @ العين طامحة واليد سابحة والرجل لائحة والوجه غربيب @@ وقال آخر : @ ومن تعاجيب خلق الله غالية البعض منها ملاحيّ وغربيب @@ وقرأ الجمهور : { الدواب } ، مشدد الباء ؛ والزهري : بتخفيفها ، كراهية التضعيف ، إذ فيه التقاء الساكنين . كما همز بعضهم { ولا الضالين } [ الفاتحة : 7 ] ، فراراً من التقاء الساكنين ، فحذف هنا آخر المضعفين وحرك أول الساكنين . ومختلفة ، صفة لمحذوف ، أي خلق مختلف ألوانه كذلك ، أي كاختلاف الثمرات والجبال ؛ فهذا التشبيه من تمام الكلام قبله ، والوقف عليه حسن . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون من الكلام الثاني يخرج مخرج السبب ، كأنه قال : كما جاءت القدرة في هذا كله . { إنما يخشى الله من عباده العلماء } : أي المخلصون لهذه العبر ، الناظرون فيها . انتهى . وهذا الاحتمال لا يصح ، لأن ما بعد إنما لا يمكن أن يتعلق بهذا المجرور قبلها ، ولو خرج مخرج السبب ، لكان التركيب : كذلك يخشى الله من عباده ، أي لذلك الاعتبار ، والنظر في مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله . ولكن التركيب جاء بإنما ، وهي تقطع هذا المجرور عما بعدها ، والعلماء هم الذين علموه بصفاته وتوحيده وما يجوز عليه وما يجب له وما يستحيل عليه ، فعظموه وقدروه حق قدره ، وخشوه حق خشيته ، ومن ازداد به علماً ازداد منه خوفاً ، ومن كان علمه به أقل كان آمن ، وقد وردت أحاديث وآثار في الخشية . وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق ، وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه . ومن ادعى أن إنما للحصر قال : المعنى ما يخشى الله إلا العلماء ، فغيرهم لا يخشاه ، وهو قول الزمخشري . وقال ابن عطية : وإنما في هذه الآية تخصيص العلماء لا الحصر ، وهي لفظة تصلح للحصر وتأتي أيضاً دونه ، وإنما ذلك بحسب المعنى الذي جاءت فيه . انتهى . وجاءت هذه الجملة بعد قوله : { الم تر } ، إذ ظاهره خطاب للرسول ، حيث عدد آياته وأعلام قدرته وآثار صنعته ، وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس ، وما يستدل به عليه وعلى صفاته ، فكأنه قال : إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته . وقرأ الجمهور : بنصب الجلالة ورفع العلماء . وروي عن عمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة عكس ذلك ، وتؤولت هذه القراءة على أن الخشية استعارة للتعظيم ، لأن من خشي وهابه أجل وعظم من خشيه وهاب ، ولعل ذلك لا يصح عنهما . وقد رأينا كتباً في الشواذ ، ولم يذكروا هذه القراءة ، وإنما ذكرها الزمخشري ، وذكرها عن أبي حيوة أبو القاسم يوسف بن جبارة في كتابه الكامل . { إن الله عزيز غفور } : تعليل للخشية ، إذ العزة تدل على عقوبة العصاة وقهرهم ، والمغفرة على إنابة الطائعين والعفو عنهم . { إن الذين يتلون } : ظاهره يقرأون ، { كتاب الله } : أي يداومون تلاوته . وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير : هذه آية القراء ، ويتبعون كتاب الله ، فيعملون بما فيه ؛ وعن الكلبي : يأخذون بما فيه . وقال السدي : هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهم وقال : " عطاءهم المؤمنون " . ولما ذكر تعالى وصفهم بالخشية ، وهي عمل القلب ، ذكر أنهم يتلون كتاب الله ، وهو عمل اللسان . { وأقاموا الصلاة } : وهو عمل الجوارح ، وينفقون : وهو العمل المالي . وإقامة الصلاة والإنفاق : يقصدون بذلك وجه الله ، لا للرياء والسمعة . { تجارة لن تبور } : لن تكسد ، ولا يتعذر الربح فيها ، بل ينفق عند الله . { ليوفهم } : متعلق بيرجون ، أو بلن تبور ، أو بمضمر تقديره : فعلوا ذلك ، أقوال . وقال الزمخشري : وإن شئت فقلت : يرجون في موضع الحال على وأنفقوا راجين ليوفيهم ، أي فعلو جميع ذلك لهذا الغرض . وخبر إن قوله : { إنه غفور شكور } لأعمالهم ، والشكر مجاز عن الإثابة . انتهى . وأجورهم هي التي رتبها تعالى على أعمالهم ، وزيادته من فضله . قال أبو وائل : بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم . وقال الضحاك : بتفسيح القلوب ، وفي الحديث : " بتضعيف حسناتهم " وقيل : بالنظر إلى وجهه . والكتاب : هو القرآن ، ومن : للتبين أو الجنس أو التبعيض ، تخريجات للزمخشري . { ومصدقاً } : حال مؤكدة لما { بين يديه } من الكتب الإلهية : التوراة والانجيل والزبور وغيره ، وفيه إشارة إلى كونه وحياً ، لأنه عليه السلام لم يكن قارئاً كاتباً ، وأتى ببيان ما في كتب الله ، ولا يكون ذلك إلا من الله تعالى . { إن الله بعباده لخبير بصير } : عالم بدقائق الأشياء وبواطنها ، بصير بما ظهر منها ، وحيث أهلك لوحيه ، واختارك برسالته وكتابه ، { الله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأَنعام : 124 ] . { ثم أورثنا الكتاب } ، وثم قيل : بمعنى الواو ، وقيل : للمهلة ، إما في الزمان ، وإما في الإخبار على ما يأتي بيانه . والكتاب فيه قولان ، أحدهما : أن المعنى : أنزلنا الكتب الإلهية ، والكتاب على هذا اسم جنس . والمصطفون ، على ما يأتي بيانه أن المعنى : الأنبياء وأتباعهم ، قاله الحسن . وقال ابن عباس : هم هذه الأمة ، أورثت أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كل كتاب أنزله الله . وقال ابن جرير : أورثهم الإيمان ، فالكتب تأمر باتباع القرآن ، فهم مؤمنون بها عاملون بمقتضاها ، يدل عليه : { والذين أوحينا إليك من الكتاب هو الحق } ، ثم أتبعه بقوله : { ثم أورثنا الكتاب } ، فعلمنا أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ كان معنى الميراث : انتقال شيء من قوم إلى قوم ، ولم تكن أمة انتقل إليها كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته . فإذا قلنا : هم الأنبياء وأتباعهم ، كان المعنى : أورثنا كل كتاب أنزل على نبي ، ذلك النبي وأتباعه . والقول الثاني : أن الكتاب هو القرآن ، والمصطفون أمة الرسول ، ومعنى أورثنا ، قال مجاهد : أعطينا ، لأن الميراث عطاء . ثم قسم الوارثين إلى هذه الأقسام الثلاثة ، قال مكي : فقيل هم المذكرون في الواقعة . فالسابق بالخيرات هو المقرب ، والمقتصد أصحاب الميمنة ، والظالم لنفسه أصحاب المشأمة ، وهو قول يروى معناه عن عكرمة والحسن وقتادة ، قالوا : الضمير في منهم عائد على العباد . فالظالم لنفسه الكافر والمنافق ، والمقتصد المؤمن العاصي ، والسابق التقي على الإطلاق ، وقالوا : هو نظير ما في الواقعة . والأكثرون على أن هؤلاء الثلاثة هم في أمة الرسول ، ومن كان من أصحاب المشأمة مكذباً ضالاً لا يورث الكتاب ولا اصطفاه الله ، وإنما الذي في الواقعة أصناف الخلق من الأولين والآخرين . قال عثمان بن عفان : سابقنا أهل جهاد ، ومقتصدنا أهل حضرنا ، وظالمنا أهل بدونا ، لا يشهدون جمعة ولا جماعة . وقال معاذ : الظالم لنفسه : الذي مات على كبيرة لم يتب منها ، والمقتصد : من مات على صغيرة ولم يصب كبيرة لم يتب منها ، والسابق : من مات نائباً عن كبيرة أو صغيرة أو لم يصب ذلك . وقيل : الظالم لنفسه : العاصي المسرف ، والمقتصد : متقي الكبائر ، والسابق : المتقي على الإطلاق . وقال الحسن : الظالم : من خفت حسناته ، والمقتصد : من استوت ، والسابق : من رجحت . وقال الزمخشري : قسمهم إلى ظالم مجرم ، وهو المرجأ لأمر الله ، ومقتصد ، وهو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ؛ وسابق ، من السابقين . انتهى . وذكر في التجريد ثلاثة وأربعين قولاً في هؤلاء الأصناف الثلاثة . وقرأ أبو عمران الحوفي ، وعمر ابن أبي شجاع ، ويعقوب في رواية ، والقرآءة عن أبي عمر و : سباق ؛ والجمهور . سابق ، قيل : وقدم الظالم لأنه لا يتكل إلا على رحمة الله . وقال الزمخشري : للإيذان بكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم ، وأن المقتصد قليل بالإضافة إليهم ، والسابقون أقل من القليل . انتهى . { بإذن الله } : بتيسيره وتمكينه ، أي أن سبقه ليس من جهة ذاته ، بل ذلك منه تعالى . والظاهر أن الإشارة بذلك الى إيراث الكتاب واصطفاء هذه الأمة . { وجنات } على هذا مبتدأ ، و { يدخلونها } الخبر . وجنات ، قراءة الجمهور جمعاً بالرفع ، ويكون ذلك إخباراً بمقدار أولئك المصطفين . وقال الزمخشري ، وابن عطية : { جنات } بدل من { الفضل } . قال الزمخشري : فإن قلت : فكيف جعلت { جنات عدن } بدلاً من { الفضل الكبير } الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك ؟ قلت : لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الثواب ، فأبدلت عنه جنات عدن . انتهى . ويدل على أنه مبتدأ قراءة الجحدري وهارون ، عن عاصم . جنات ، منصوباً على الاشتغال ، أي يدخلون جنات عدن يدخلونها . وقرأ رزين ، وحبيش ، والزهري : جنة على الأفراد . وقرأ أبو عمرو : يدخلونها مبنياً للمفعول ، ورويت عن ابن كثير والجمهور مبنياً للفاعل . والظاهر أن الضمير المرفوع في يدخلونها عائداً على الأصناف الثلاثة ، وهو قول عبد الله بن مسعود ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وأبي الدرداء ، وعقبة بن عامر ، وأبي سعيد ، وعائشة ، ومحمد بن الحنيفة ، وجعفر الصادق ، وأبي إسحاق السبيعي ، وكعب الأحبار . وقرأ عمر هذه الآية ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له " ومن جعل ثلاثة الأصناف هي التي في الواقعة ، لأن الضمير في يدخلونها عائد عنده على المقتصد والسابق . وقال الزمخشري : هو عائد على السابق فقط ، ولذلك جعل ذلك إشارة إلى السبق بعد التقسيم ، فذكر ثوابهم . والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر ، فليحذر المقتصد ، وليهلك الظالم لنفسه حذراً ، وعليهما بالتوبة النصوح المخلصة من عذاب الله ، ولا يغتر بما رواه عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له " ، فإن شرط ذلك صحة التوبة ، { عسى الله أن يتوب عليهم } [ التوبة : 102 ] . وقوله : { إما يعذبهم وإما يتوب عليهم } [ التوبة : 106 ] ، ولقد نطق القرآن بذلك في مواضع من استقرأها اطلع على حقيقة الأمر ولم يعلل نفسه بالخداع . انتهى ، وهو على طريق المعتزلة . وقرأ الجمهور : { يحلون } بضم الياء وفتح الحاء وشد اللام ، مبنياً للمفعول . وقرىء : بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام ، من حليت المرأة فهي حال ، إذا لبست الحلى . ويقال : جيد حال ، إذا كان فيه الحلى ، وتقدم في سورة الحج الكلام على { يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير } . وقرأ الجمهور : { الحزن } بفتحتين ؛ وقرىء : بضم الحاء وسكون الزاي ، ذكره جناح بن حبيش ، والحزن يعم جميع الأحزان ، وقد خص المفسرون هنا وأكثروا ، وينبغي أن يحمل ذلك على التمثيل لا على التعيين ، فقال أبو الدرداء : حزن : أهوال يوم القيامة ، وما يصيب هنالك من ظلم نفسه من الغم والحزن . وقال سمرة بن جندب : معيشة الدنيا الخير ونحوه . وقال قتادة : حزن الدنيا في الحوفة أن لا يتقبل أعمالهم . وقال مقاتل : حزن الانتقال ، يقولونها إذا استقروا فيها . وقال الكلبي : خوف الشيطان . وقال ابن زيد : حزن : تظالم الآخرة ، والوقوف عن قبول الطاعات وردها ، وطول المكث على الصراط . وقال القاسم بن محمد : حزن : زوال الغم وتقلب القلب وخوف العاقبة ، وقد أكثروا حتى قال بعضهم : كراء الدار ، ومعناه أنه يعم كل حزن من أحزان الدين والدنيا حتى هذا . { إن ربنا لغفور شكور } ، لغفور : فيه إشارة إلى دخول الظالم لنفسه الجنة ، وشكور : فيه إشارة إلى السابق وأنه كثير الحسنات . والمقامة : هي الإقامة أي الجنة ، لأنها دار إقامة دائماً لا يرحل عنها . { من فضله } : من عطائه . { لا يمسنا فيها نصب } : أي تعب بدن ، { ولا يمسنا فيها لغوب } : أي تعب نفس ، وهو لازم عن تعب البدن . وقال قتادة : اللغوب : الوضع . وقال الزمخشري : النصب : التعب والمشقة التي تصيب المنتصب المزاول له ، وأما اللغوب : فما يلحقه من الفتور بسبب النصب . فالنصب نفس المشقة والكلفة ، واللغوب نتيجته ، وما يحدث منه من الكلال والفترة . انتهى . فإن قلت : إذا انتفى السبب انتفى مسببه ، فما حكمه إذا نفي السبب وانتفى مسببه ؟ وأنت تقول : ما شبعت ولا أكلت ، ولا يحسن ما أكلت ولا شبعت ، لأنه يلزم من انتفاء الأكل انتفاء الشبع ، ولا ينعكس ، فلو جاء على هذا الأسلوب لكان التركيب لا يمسنا فيها إعياء ولا مشقة ؟ فالجواب : أنه تعالى بين مخالفة الجنة لدار الدنيا ، فإن أماكنها على قسمين : موضع يمس فيه المشاق والمتاعب كالبراري والصحاري ، وموضع يمس فيه الأعياء كالبيوت والمنازل التي فيها الصغار ، فقال : { لا يمسنا في نصب } ، لأنها ليست مظان المتاعب لدار الدنيا ؛ { ولا يمسنا فيها لغوب } : أي ولا نخرج منها إلى موضع نصب ونرجع إليها فيمسنا فيها الإعياء . وقرأ الجمهور : لغوب ، بضم اللام ، وعلي بن أبي طالب والسلمي : بفتحها . قال الفراء : هو ما يلغب به ، كالفطور والسحور ، وجاز أن يكون صفة للمصدر المحذوف ، كأنه لغوب ، كقولهم : موت مائت . وقال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون مصدراً كالقبول ، وإن شئت جعلته صفة لمضمر ، أي أمر لغوب ، واللغوب أيضاً في غير هذا للأحمق . قال أعرابي أن فلاناً لغوب جاءت كتابي فاحتقرها ، أي أحمق ، فقيل له : لم أنثته ؟ فقال : أليس صحيفة ؟ .