Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 42-45)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في { وأقسموا } لقريش . ولما بين إنكارهم للتوحيد ، بين تكذيبهم للرسل . قيل : وكانوا يلعنون اليهود والنصارى حيث كذبوا رسلهم ، وقالوا : لئن أتانا رسول ليكونن أهدى من إحدى الأمم . فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذبوه . { لئن جاءهم } : حكاية لمعنى كلامهم لا للفظهم ، إذ لو كان اللفظ ، لكان التركيب لئن جاءنا نذير من إحدى الأمم ، أي من واحدة مهتدية من الأمم ، أو من الأمة التي يقال فيها إحدى الأمم تفضيلاً لها على غيرها ، كما قالوا : هو أحد الأحدين ، وهو أحد الأحد ، يريدون التفضيل في الدهاء والعقل بحيث لا نظير له ، وقال الشاعر : @ حتى استشاروا في أحد الأحد شاهد يرادا سلاح معد @@ { فلما جاءهم نذير } ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس ، وهو الظاهر . وقال مقاتل : هو انشقاق القمر . { ما زادهم } : أي ما زادهم هو أو مجيئه . { إلا نفوراً } : بعداً من الحق وهرباً منه . وإسناد الزيادة إليه مجاز ، لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم نفوراً ، كقوله : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] ، وصاروا أضل مما كانوا . وجواب لما : { ما زادهم } ، وفيه دليل واضح على حرفية لما لا ظرفيتها ، إذ لو كانت ظرفاً ، لم يجز أن يتقدّم على عاملها المنفي بما ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم } [ سبأ : 14 ] ، وفي قوله : { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم } [ يوسف : 68 ] . والظاهر أن { استكباراً } مفعول من أجله ، أي سبب النفور وهو الاستكبار ، { ومكر السيء } معطوف على { استكباراً } ، فهو مفعول من أجله أيضاً ، أي الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار ؛ { والمكر السيء } ، وهو الخداع الذي ترومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكيد له . وقال قتادة : المكر السيء هو الشرك . وقيل : { استكباراً } بدل من { نفوراً } ، وقاله الأخفش . وقيل : حال ، يعني مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ومكر السيء من إضافة الموصوف إلى صفته ، ولذلك جاء على الأصل : { ولا يحيق المكر السيء } . وقيل : يجوز أن يكون { ومكر السيء } معطوفاً على { نفوراً } . وقرأ الجمهور : ومكر السيء ، بكسر الهمزة ؛ والأعمش ، وحمزة : بإسكانها ، فإما إجراء للوصل مجرى الوقف ، وإما إسكاناً لتوالي الحركات وإجراء للمنفصل مجرى المتصل ، كقوله : لنا ابلان . وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن . قال أبو جعفر : وإنما صار لحناً لأنه حذف الإعراب منه . وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر ، لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني ، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا ، وقال : إنما كان يقف على من أدّى عنه ، والدليل على هذا أنه تمام الكلام ، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعربه ، والحركة في الثاني أثقل منها في الأوّل لأنها ضمة بين كسرتين . وقال الزجاج أيضاً : قراءة حمزة ومكر السيء موقوفاً عند الحذاق بياءين لحن لا يجوز ، وإنما يجوز في الشعر للاضطرار . وأكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد ، والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والاضطرار ، والوصل بنية الوقف ، قال : فإذا ساغ ما ذكرناه في هذه القراءة من التأويل ، لم يسغ أن يقال لحن . وقال ابن القشيري : ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرىء به فلا بد من جوازه ، ولا يجوز أن يقال لحن . وقال الزمخشري : لعله اختلس فظن سكوناً ، أو وقف وقفة خفيفة ، ثم ابتدأ { ولا يحيق } . وروي عن ابن كثير : ومكر السيء ، بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة ، وهو مقلوب السيء المخفف من السيء ، كما قال الشاعر : @ ولا يجزون من حسن بسيّ ولا يجزون من غلظ بلين @@ وقرأ ابن مسعود : ومكراً سيئاً ، عطف نكرة على نكرة ؛ { ولا يحيق } : أي يحيط ويحل ، ولا يستعمل إلا في المكروه . وقرىء : يحيق بالضم ، أي بضم الياء ؛ المكر السيء : بالنصب ، ولا يحيق الله إلا بأهله ، أما في الدنيا فعاقبة ذلك على أهله . وقال أبو عبد الله الرازي : فإن قلت : كثيراً نرى الماكر يفيده مكره ويغلب خصمه بالمكر ، والآية تدل على عدم ذلك . فالجواب من وجوه : أحدها : أن المكر في الآية هو المكر بالرسول من العزم على القتل والإخراج ، ولا يحيق إلا بهم حيث قتلوا ببدر . وثانيها : أنه عامّ ، وهو الأصح ، فإنه عليه السلام نهى عن المكر وقال : " لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً ، فإنه تعالى يقول : { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } " ، فعلى هذا يكون ذلك الممكور به أهلاً فلا يزد نقصاً . وثالثها : أن الأمور بعواقبها ، ومن مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر ، ففي الحقيقة هو الفائز ، والماكر هو الهالك . انتهى . وقال كعب لابن عباس في التوراة « من حفر حفرة لأخيه وقع فيها » ، فقال له ابن عباس : إنا وجدنا هذا في كتاب الله ، { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } . انتهى . وفي أمثال العرب « من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً » . و { سنة الأولين } : إنزال العذاب على الذين كفروا برسلهم من الأمم ، وجعل استقبالهم لذلك انتظاراً له منهم . وسنة الأولين أضاف فيه المصدر . وفي { لسنة الله } إضافة إلى الفاعل ، فأضيفت أولاً إليهم لأنها سنة بهم ، وثانياً إليه لأنه هو الذي سنها . وبين تعالى الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها بغيرها ولا يحولها إلى غير أهلها ، وإن كان ذلك كائن لا محالة . واستشهد عليهم مما كانوا يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم ، في رحلتهم إلى الشام والعراق واليمن من آثار الماضين ، وعلامات هلاكهم وديارهم ، كديار ثمود ونحوها ، وتقدّم الكلام على نظير هذه الجملة في سورة الروم . وهناك { كانوا أشد منهم قوّة } [ الروم : 9 ] : استئناف إخبار عن ما كانوا عليه ، وهنا : { وكانوا } : أي وقد كانوا ، فالجملة حال ، فهما مقصدان . { وما كانوا الله ليعجزه } : أي ليفوته ويسبقه ، { من شيء } : أي شيء ، و { من } لاستغراق الأشياء { إنه كان عليماً قديراً } : فبعلمه يعلم جميع الأشياء ، فلا يغيب عن علمه شيء ، وبقدرته لا يتعذر عليه شيء . ثم ذكر تعالى حلمه تعالى على عباده في تعجيل العقوبة فقال : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } : أي من الشرك وتكذيب الرسل ، وهو المعنى في الآية التي في النحل ، وهو قوله : { بظلمهم } [ النحل : 61 ] ، وتقدّم الكلام على نظير هذه الآية في النحل ، وهناك { عليها } [ النحل : 61 ] ، وهنا على { ظهرها } ، والضمير عائد على الأرض ، إلا أن هناك يدل عليه سياق الكلام ، وهنا يمكن أن يعود على ملفوظ به ، وهو قوله : { في السموات ولا في الأرض } . ولما كانت حاملة لمن عليها ، استعير لها الظهر ، كالدابة الحاملة للأثقال ، ولأنه أيضاً هو الظاهر بخلاف باطنها . فإنه { بعباده بصيراً } : توعد للمكذبين ، أي فيجازيهم بأعمالهم .