Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 1-12)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه السورة مكية ، إلا أن فرقة زعمت أن قوله : { ونكتب ما قدموا } ، و { وآثارهم } ، نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول ، وليس زعماً صحيحاً . وقيل : إلا قوله : { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله } الآية . وتقدم الكلام في الحروف المقطعة في أول البقرة ، قال ابن جبير هنا : إنه اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم ، ودليله { إنك لمن المرسلين } . قال السيد الحميري : @ يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة على المودة إلا آل ياسيناً @@ وقال ابن عباس : معناه يا إنسان بالحبشية ، وعنه هو في لغة طيء ، وذلك أنهم يقولون إيسان بمعنى إنسان ، ويجمعونه على أياسين ، فهذا منه . وقالت فرقة : يا حرف نداء ، والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه . وقال الزمخشري : إن صح أن معناه يا إنسان في لغة طيء ، فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين ، فكثر النداء على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره ، كما قالوا في القسم : م الله في أيمن الله . انتهى . والذي نقل عن العرب في تصغيرهم إنسان أنيسيان بياء بعدها ألف ، فدل على أن أصله أنيسان ، لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ، ولا نعلمهم قالوا في تصغيره أنيسين ، وعلى تقدير أنه بقية أنيسين ، فلا يجوز ذلك ، لا أن يبنى على الضم ، ولا يبقى موقوفاً ، لأنه منادي مقبل عليه ، مع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير ، ويمتنع ذلك في حق النبوة . وقوله : كما قالوا في القسم م الله في أيمن الله ، هذا قول . ومن النحويين من يقول : إن م حرف قسم وليس مبقى من أيمن . وقرىء : بفتح الياء وإمالتها محضاً ، وبين اللفظين . وقرأ الجمهور : بسكون النون مدغمة في الواو ؛ ومن السبعة : الكسائي ، وأبو بكر ، وورش ، وابن عامر : مظهرة عند باقي السبعة . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى : بفتح النون . وقال قتادة : يس قسم . قال أبو حاتم : فقياس هذا القول فتح النون ، كما تقول : الله لأفعلن كذا . وقال الزجاج : النصب ، كأنه قال : اتل يس ، وهذا على مذهب سيبويه أنه اسم للسورة . وقرأ الكلبي : بضم النون ، وقال هي بلغة طيء : يا إنسان . وقرأ السماك ، وابن أبي إسحاق أيضاً : بكسرها ؛ قيل : والحركة لالتقاء الساكنين ، فالفتح كائن طلباً للتخفيف والضم كحيث ، والكسر على أصل التقائهما . وإذا قيل أنه قسم ، فيجوز أن يكون معرباً بالنصب على ما قال أبو حاتم ، والرفع على الابتداء نحو : أمانة الله لأقومن ، والجر على إضمار حرف الجر ، وهو جائز عند الكوفيين . والحكيم : إما فعيل بمعنى مفعل ، كما تقول : عقدت العسل فهو عقيد : أي معقد ، وإما للمبالغة من حاكم ، وإما على معنى السبب ، أي ذي حكمة . { على صراط } : خبر ثان ، أو في موضع الحال منه عليه السلام ، أو من المرسلين ، أو متعلق بالمرسلين . والصراط المستقيم : شريعة الإسلام . وقرأ طلحة ، والأشهب ، وعيسى : بخلاف عنهما ؛ وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : تنزيل ، بالنصب على المصدر ؛ وباقي السبعة ، وأبو بكر ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والحسن ، والأعرج ، والأعمش : بالرفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو تنزيل ؛ وأبو حيوة ، واليزيدي ، والقورصي عن أبي جعفر ، وشيبة ؛ بالخفض إما على البدل من القرآن ، وإما على الوصف بالمصدر . { لتنذر } : متعلق بتنزيل أو بأرسلنا مضمرة . { ما أنذر } ، قال عكرمة : بمعنى الذي ، أي الشيء الذي أنذره آباؤهم من العذاب ، فما مفعول ثان ، كقوله : { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } [ النبأ : 40 ] . قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون ما مصدرية ، أي { ما أنذر آباؤهم } ، والآباء على هذا هم الأقدمون من ولد إسماعيل ، وكانت النذارة فيهم . و { فهم } على هذا التأويل بمعنى فإنهم ، دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة الواقعة صلة ، فتتعلق بقوله : { إنك لمن المرسلين } . { لتنذر } ، كما تقول : أرسلتك إلى فلان لتنذره ، فإنه غافل ، أو فهو غافل . وقال قتادة : ما نافية ، أي أن آباءهم لم ينذروا ، فآباؤهم على هذا هم القربيون منهم ، وما أنذر في موضع الصفة ، أي غير منذر آباؤهم ، وفهم غافلون متعلق بالنفي ، أي لم ينذروا فهم غافلون ، على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم . وباعتبار الآباء في القدم والقرب يزول التعارض بين الإنذار ونفيه . { لقد حق على أكثرهم } : المشهور أن القول { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } [ السجدة : 13 ] . وقيل : لقد سبق في علمه وجوب العذاب . وقيل : حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه ؛ فأكثرهم لا يؤمنون بعذ ذلك . والظاهر أن قوله : { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً } الآية هو حقيقة لا استعارة . لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون ، أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار . قال ابن عطية : وقوله { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } يضعف هذا ، لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله . انتهى ، ولا يضعف هذا . ألا ترى إلى قوله : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً } [ الإِسراء : 97 ] ، وقوله : { قال رب لم حشرتني أعمى } [ طه : 125 ] وإما أن يكون قوله : { فبصرك اليوم حديد } [ ق : 22 ] ، كناية عن إدراكه ما يؤول إليه ، حتى كأنه يبصره . وقال الجمهور : ذلك استعارة . قال ابن عباس ، وابن إسحاق : استعارة لحالة الكفرة الذين أرادوا الرسول بسوء ، جعل الله هذا لهم مثلاً في كفه إياهم عنه ، ومنعهم من أذاه حين بيتوه . وقال الضحاك ، والفراء : استعارة لمنعهم من النفقة في سبيل الله ، كما قال : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } الإِسراء : 29 ] وقال عكرمة : نزلت حين أراد أبو جهل ضربه بالحجر العظيم ، وفي غير ذلك من المواطن ، فمنعه الله ؛ وهذا قريب من قول ابن عباس ، فروى أن أبا جهل حمل حجراً ليدفع به النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي ، فانثنت يداه إلى عنقه حتى عاد إلى أصحابه والحجر في يده قد لزق ، فما فكوه إلا بجهد ، فأخذ آخر ، فلما دنا من الرسول ، طمس الله بصره فلم يره ، فعاد إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ، فجعل الغل يكون استعارة عن منع أبي جهل وغيره في هذه القصة . ولما كان أصحاب أبي جهل راضين بما أراد أن يفعل ، فنسب ذلك إلى الجمع . وقالت فرقة : استعارة لمنع الله إياهم من الإيمان وحوله بينهم وبينه . قال ابن عطية : وهذا أرجح الأقوال ، لأنه تعلى لما ذكر أنهم لا يؤمنون ، لما سبق لهم في الأزل عقب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشقاوة ما حالهم معه حال المغلوين . انتهى . وقال الزمخشري : مثل تصمميهم على الكفر ، وأنه لا سبيل إلى دعواهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ، ولا يطأطئون رؤوسهم له ، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم في أن لا تأمل لهم ولا يبصرون ، إنهم متعامون عن النظر في آيات الله تعالى . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال . ألا ترى إلى قول أهل السنة استعارة لمنع الله إياهم من الإيمان ؟ وقول الزمخشري مثل تصمميهم ونسبته الأفعال التي يعدها إليهم لا إلى الله . والغل ما أحاط بالعنق على معنى التعنيف والتضييق والتعذيب والأسر ، ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة على معنى التعليل . والظاهر عود الضمير في فهي إلى الأغلال ، لأنها هي المذكورة والمحدث عنها . قال ابن عطية : هي عريضة تبلغ بحرفها الأذقان ، والذقن مجتمع اللحيين ، فيضطر المغلول إلى رفع وجهه نحو السماء ، وذلك هو الإقماح ، وهو نحو الأقناع في الهيئة . وقال الزمخشري : الأغلال وأصله إلى الأذقان مكزوزة إليها ، وذلك أن طوق الغل الذي هو عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود نادراً من الحلقة إلى الذقن ، فلا تخليه يطاطىء رأسه ويوطىء قذاله ، فلا يزال مقمحاً . انتهى . وقال الفراء : القمح الذي يغض بصره بعد رفع رأسه . وقال الزجاج نحوه قال : يقال قمح البعير رأسه عن ري وقمح هو . وقال أبو عبيدة : قمح قموحاً : رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب ، والجمع قماح ، ومنه قول بشر يصف ميتة أحدهم ليدفنها : @ ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح @@ وقال الليث : هو رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود . وقال الزجاج : للكانونين شهرا قماح ، لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رؤوسها لشدة برده ، وأنشد أبو زيد بيت الهذلي : @ فتى ما ابن الأعز إذا شتونا وحب الزاد في شهري قماح @@ رواه بضم القاف ، وابن السكيت بكسرها ، وهما لغتان . وسميا شهري قماح لكراهة كل ذي كبد شرب الماء فيه . وقال الحسن : القامح : الطافح ببصره إلى موضع قدمه . وقال مجاهد : الرافع الرأس ، الواضع يده على فيه . وقال الطبري : الضمير في فهي عائد على الأيدي ، وإن لم يتقدم لها ذكر ، لوضوح مكانها من المعنى ، وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين ، ولذلك سمي الغل جامعة لجمعه اليد والعنق . وأرى علي ، كرم الله وجهه ، الناس الأقماح ، فجعل يديه تحت لحييه وألصقهما ورفع رأسه . وقال الزمخشري : جعل الأقماح نتيجة قوله : { فهي إلى الأذقان } . ولو كان الضمير للأيدي ، لم يكن معنى التسبب في الأقماح ظاهراً . على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطل الذي يجفو عنه ترك للحق الأبلج إلى الباطل اللجلج . انتهى . وقرأ عبد الله ، وعكرمة ، والنخعي ، وابن وثاب ، وطلحة ، وحمزة ، والكسائي ، وابن كثير ، وحفص : { سداً } بفتح السين فيهما ؛ والجمهور : بالضم ، وتقدم شرح السد في الكهف . وقرأ الجمهور : { فأغشيناهم } بالغين منقوطة ؛ وابن عباس ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن يعمر ، وعكرمة ، والنخعي ، وابن سيرين ، والحسن ، وأبو رجاء ، وزيد ابن علي ، ويزيد البربري ، ويزيد بن المهلب ، وأبو حنيفة ، وابن مقسم : بالعين من العشاء ، وهو ضعف البصر ، جعلنا عليها غشاوة . { وسواء عليهم } الآية : تقدّم الكلام على نظيرها تفسيراً وإعراباً في أول البقرة . { إنما تنذر } : تقدم { لتنذر قوماً } ، لكنه لما كان محتوماً عليهم أن لا يؤمنوا حتى قال : { وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } ، لم يجد الإنذار لانتفاء منفعته فقال : { إنما تنذر } : أي إنذاراً ينفع من اتبع الذكر ، وهو القرآن . قال قتادة : أو الوعظ . { وخشي الرحمن } : أي المتصف بالرحمة ، مع أن الرحمة قد تعود إلى الرجاء ، لكنه مع علمه برحمته هو يخشاه خوفاً من أن يسلبه ما أنعم به عليه بالغيب ، أي بالخلوة عند مغيب الإنسان عن غيوب البشر . ولما أحدث فيه النذارة ، بشره بمغفرة لما سلف ؛ { وأجر كريم } على ما أسلف من العمل الصالح ، وهو الجنة . ولما ذكر تعالى الرسالة ، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمناً ، ذكر الحشر ، وهو أحد الأصول الثلاثة . والثالث هو توحيد ، فقال : { إنا نحن نحيي الموتى } : أي بعد مماتهم . وأبعد الحسن والضحاك في قوله : إحياؤهم : إخراجهم من الشرك إلى الإيمان . { ونكتب ما قدموا } ، كناية عن المجازاة : أي ونحصي ، فعبر عن إحاطة علمه بأعمالهم بالكتابة التي تضبط بها الأشياء . وقرأ زر ومسروق : ويكتب ما قدموا وآثارهم بالياء مبنياً للمفعول ، وما قدموا من الأعمال . وآثارهم : خطاهم إلى المساجد . وقال : السير الحسنة والسيئة . وقيل : ما قدّموا من السيئات وآثارهم من الأعمال . وقال الزمخشري : ونكتب ما أسلفوا من الأعمال الصالحات غيرها ، وما هلكوا عنه من أثر حسن ، كعلم علموه ، وكتاب صنفوه ، أو حبيس أحبسوه ، أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك ، أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين ، وسكة أحدثها فيها تحيرهم ، وشيء أحدث فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه ، وكذلك كل سنة حسنة ، أو سيئة يستن بها ، ونحوه قوله عز وجل : { ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخر } [ القيامة : 13 ] ، من آثاره . انتهى . وقرأ الجمهور : { وكل شيء } بالنصب على الاشتغال . وقرأ أبو السمال : بالرفع على الابتداء . والإمام المبين : اللوح المحفوظ ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد ، وقالت فرقة : أراد صحف الأعمال .