Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-27)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم الكلام على { اضرب } مع المثل في قوله : { أن يضرب مثلاً ما بعوضة } [ البقرة : 26 ] ، والقرية : أنطاكية ، فلا خلاف في قصة أصحاب القرية . { إذ جاءها المرسلون } : هم ثلاثة ، جمعهم في المجيء ، وإن اختلفوا في زمن المجيء . { إذا أرسلنا إليهم اثنين } . الظاهر من أرسلنا أنهم أنبياء أرسلهم الله ، ويدل عليه قوله المرسل إليهم : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } . وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله الله ، وهذا قول ابن عباس وكعب . وقال قتادة وغيرهم من الحواريين : بعثهم عيسى عليه السلام حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه ، فافترق الحواريون في الآفاق ، فقص الله قصة الذين ذهبوا إلى أنطاكية ، وكان أهلها عباد أصنام ، صادق وصدوق ، قاله وهب وكعب الأحبار . وحكى النقاش بن سمعان : ويحنا . وقال مقاتل : تومان ويونس . { فكذبوهما } ، أي دعواهم إلى الله ، وأخبرا بأنهما رسولا الله ، { فكذبوهما فعززنا بثالث } : أي قوينا وشددنا ، قاله مجاهد وابن قتيبة ، وقال ؛ يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب ، وقال غيره : يقال المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها ، ويقال للأرض الصلبة القرآن ، هذا على قراءة تشديد الزاي ، وهي قراءة الجمهور . وقرأ الحسن ، وأبو حيوة ، وأبو بكر ، والمفضل ، وأبان : بالتخفيف . قال أبو علي : فغلبنا . انتهى ، وذلك من قولهم من عزني ، وقوله تعالى : { وعزني في الخطاب } [ ص : 23 ] . وقرأ عبد الله : بالثالث ، بألف ولام ، والثالث شمعون الصفا ، قاله ابن عباس . وقال كعب ، ووهب : شلوم ؛ وقيل : يونس . وحذف مفعول فعززنا مشدداً ، أي قويناهما بثالث مخففاً ، فغلبناهم : أي بحجة ثالث وما يلطف به من التوصل إلى الدعاء إلى الله حتى من الملك على ما ذكر في قصتهم ، وستأتي هي أو بعض منها إن شاء الله . وجاء أولاً مرسلون بغير لام لأنه ابتداء إخبار ، فلا يحتاج إلى توكيد بعد المحاورة . { لمرسلون } بلام التوكيد لأنه جواب عن إنكار ، وهؤلاء أمة أنكرت النبوات بقولها : { وما أنزل الرحمن من شيء } ، وراجعتهم الرسل بأن ردوا العلم إلى الله وقنعوا بعلمه ، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط ، وما عليهم من هداهم وضلالهم ، وفي هذا وعيد لهم . ووصف البلاغ بالمبين ، وهو الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال ، كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت . { قالوا إنا تطيرنا بكم } : أي تشاءمنا . قال مقاتل : احتبس عليهم المطر . وقال آخر : أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل . قال ابن عطية : والظاهر أن تطير هؤلاء كان سبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس ، وهذا على نحو تطير قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى نحو ما خوطب به موسى عليه السلام . وقال الزمخشري : وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم ، وعادة الجهال أن يتمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وقبلته طباعهم ، وتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه ، فإن أصابتهم نعمة أو بلاء قالوا : ببركة هذا وبشؤم هذا ، كما حكى الله عن القبط : { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : 131 ] ؛ وعن مشركى مكة : { وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك } [ النساء : 78 ] . انتهى . وعن قتادة : إن أصابنا شيء كان من أجلكم . { لنرجمنكم } بالحجارة ، قاله قتادة . { عذاب أليم } : هو الحريق . { قالوا طائركم معكم } : أي حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم ، أي من أفعالكم ، ليس هو من أجلنا بل بكفركم . وقرأ الحسن ، وابن هرمز ، وعمرو بن عبيد ، وزر بن حبيش : طيركم بياء ساكنة بعد الطاء . وقرأ الحسن فيما نقل : اطيركم مصدر اطير الذي أصله تطير ، فأدغمت التاء في الطاء ، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر . وقرأ الجمهور : طائركم على وزن فاعل . وقرأ الجمهور : { أئن ذكرتم } بهمزتين ، الأولى همزة الاستفهام ، والثانية همزة إن الشرطية ، فخففها الكوفيون وابن عامر ، وسهلها باقي السبعة . وقرأ زر : بهمزتين مفتوحتين ، وهي قراءة أبي جعفر وطلحة ، إلا أنها البناء الثانية بين بين . وقال الشاعر في تحقيقها : @ أإن كنت داود بن أحوى مرحلاً فلست بداع لابن عمك محرماً @@ والماجشوني ، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبدالله بن أبي سلمة المدني : بهمزة واحدة مفتوحة ؛ والحسن : بهاء مكسورة ؛ وأبو عمرو في رواية ، وزر أيضاً : بمدة قبل الهمزة المفتوحة ، استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف . وقرأ أبو جعفر أيضاً ، والحسن أيضاً ، وقتادة ، وعيس الهمداني ، والأعمش : أين بهمزة مفتوحة وياء ساكنة ، وفتح النون ظرف مكان . وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضاً . فالقراءة الأولى على معنى : إن ذكرتم تتطيرون ، بجعل المحذوف مصب الاستفهام ، على مذهب سيبويه ، بجعله للشرط ، على مذهب يونس ؛ فإن قدرته مضارعاً كان مجزوماً . والقراءة الثانية على معنى : ألان ذكرتم تطيرتم ، فإن مفعول من أجله ، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة ؛ وقراءة الهمزة المكسورة وحدها ، فحرف شرط بمعنى الإخبار ، أي إن ذكرتم تطيرتم . والقراءة الثانية الأخيرة أين فيها ظرف أداة الشرط ، حذف جزاؤه للدلالة عليه وتقديره : أين ذكرتم صحبكم طائركم ، ويدل عليه قوله : { طائركم معكم } . ومن جوز تقديم الجزاء على الشرط ، وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد ، يجوز أن يكون الجواب { طائركم معكم } ، وكان أصله : أين ذكرتم فطائركم معكم ، فاما قدم حذفت الفاء . وقرأ الجمهور : ذكرتم ، بتشديد الكاف ؛ وأبو جعفر ، وخالد بن الياس ، وطلحة ، والحسن ، وقتادة . وأبو حيوة ، والأعمش من طريق زائدة ، والأصمعي عن نافع : بتخفيفها . { بل أنتم قوم مسرفون } : مجاوزون الحد في ضلالكم ، فمن ثم أتاكم الشؤم . { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } اسمه حبيب ، قاله ابن عباس وأبو مجلز وكعب الأحبار ومجاهد ومقاتل . قيل : وهو ابن إسرائيل ، وكان قصاراً ، وقيل : إسكافاً ، وقيل : كان ينحت الأصنام ، ويمكن أن يكون جامعاً لهذه الصنائع . و { من أقصى المدينة } : أي من أبعد مواضعها . فقيل : كان في خارج المدينة يعاني زرعاً له . وقيل : كان في غار يعبد ربه . وقيل : كان مجذوماً ، فميزله أقصى باب من أبوابها ، عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره . فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله قال : هل من آية ؟ قالوا : نعم ، ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك ، فقال : إن هذا لعجيب ! لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع ، يفرجه ربكم في غداة واحدة ؟ قالوا : نعم ، ربنا على ما يشاء قدير ، وهذه لا تنفع شيئاً ولا تضر ، فآمن . ودعوا ربهم ، فكشف الله ما به ، كأن لم يكن به بأس . فأقبل على التكسب ، فإذا مشى ، تصدق بكسبه ، نصف لعياله ، ونصف يطعمه . فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال : { يا قوم اتبعوا المرسلين } . وحبيب هذا ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبينهما ستمائة سنة ، كما آمن به تبع الأكبر ، وورقة بن نوفل وغيرهما ، ولم يؤمن بني غيره أحد إلا بعد ظهوره . وقال ابن أبي ليلى : سباق الأمم ثلاثة ، لم يكفروا قط طرفة عين : على بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون . وأورد الزمخشري قول ابن أبي ليلى حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقدم قبل من حاله أنه كان مجذوماً ، عبد الأصنام سبعين سنة ، فالله أعلم . وهنا تقدم : { من أقصى المدينة } ، وفي القصص تأخر ، وهو من التفنن في البلاغة . { رجل يسعى } : يمشي على قدميه . { قال يا قوم اتبعوا المرسلين } . الظاهر أنه لا يقول ذلك إلا بعد تقدم إيمانه ، كما سبق في قصة . وقيل : جاء عيسى وسمع قولهم وفهمه فيما فهمه . روي أنه تعقب أمرهم وسبره بأن قال لهم : أتطلبون أجراً على دعوتكم هذه ؟ قالوا : لا ، فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم ، واحتج عليهم بقوله : { اتبعوا من لايسألكم أجراً وهم مهتدون } : أي وهم على هدى من الله . أمرهم أولاً باتباع المرسلين ، أي هم رسل الله إليكم فاتبعوهم ، ثم أمرهم ثانياً بجمله جامعة في الترغيب ، في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنيانهم شيء ، وفي كونهم يهتدون بهداهم ، فيشتملون على خيري الدنيا والآخرة . وقد أجاز بعض النحويين في { من } أن تكون بدلاً من { المرسلين } ، ظهر فيه العامل كما ظهر إذا كان حرف جر ، كقوله تعالى : { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم } [ الزخرف : 33 ] . والجمهور : لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب ، بدلاً ، بل يجعلون ذلك مخصوصاً بحرف الجر . وإذا كان الرافع والناصب ، سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل . وفي قوله : { اتبعوا من لا يسألكم أجراً } ، دليل على نقص من يأخذ أجراً على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له ، كالصلاة . ولما أمرهم باتباع المرسلين ، أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة الله ، فأبرزه في صورة نصحه لنفسه ، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم ؛ ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه ، فوضع قوله : { ومالي لا أعبد الذي فطرني } ، موضع : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ؟ ولذلك قال : { وإليه ترجعون } ، ولولا أنه قصد ذلك لقال : وإليه أرجع . ثم أتبع الكلام كذلك مخاطباً لنفسه فقال : { أأتخذ من دونه آلهة } قاصرة عن كل شيء ، لا تنفع ولا تضر ؟ فإن أرادكم الله بضر ، وشفعت لكم ، لم تنفع شفاعتهم ، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه ، أولاً بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع ، ثم ثانياً بانتفاء القدر . فعبر بانتفاء الإنقاذ عنه ، إذ هو نتيجته . وفتح ياء المتكلم في يردني مع طلحة السمان ، كذا في كتاب ابن عطية ، وفي كتاب ابن خالويه طلحة بن مطرف ، وعيسى الهمذاني ، وأبو جعفر ، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو . وقال الزمخشري : وقرىء إن يردني الرحمن بضر بمعنى : إن يجعلني مورداً للضر . انتهى . وهذا والله أعلم رأي في كتب القراءات ، يردني بفتح الياء ، فتوهم أنها ياء المضارعة ، فجعل الفعل متعدياً بالياء المعدية كالهمزة ، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ، ونصب به اثنين . والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقاً لالتقاء الساكنين . قال في كتاب ابن خالويه : بفتح ياء الإضافة . وقال في اللوامح : إن يردني الرحمن بالفتح ، وهو أصل الياء عند البصرية ، لكن هذه محذوفة ، يعني البصرية ، أي المثبتة بالخط البربري بالبصر ، لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطأً ولفظاً ، فلا ترى بالبصر . { إني إذا } ، إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه ، في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح . ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق ، فقال مخاطباً لقومه : { إني آمنت بربكم } : أي الذي كفرتم به ، { فاسمعون } : أي اسمعوا قولي وأطيعون ، فقد نبهتكم على الحق ، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم . والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو ، وهو لقومه ، والأمر على جهة المبالغة والتنبيه ، قال ابن عباس وكعب ووهب . وقيل : خاطب بقوله { فاسمعون } الرسل ، على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم . وقيل : الخطاب في { بربكم } ، وفي { فاسمعون } للرسل . لما نصح قومه أخذوا يرجمونه ، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك ، أي اسمعوا إيماني واشهدوا لي به . { قيل أدخل الجنة } : ظاهره أنه أمر حقيقي . وقيل : معناه وجبت لك الجنة ، فهو خبر بأنه قد استحق دخولها ، ولا يكون إلا بعد البعث ، ولم يأت في القرآن أنه قتل . فقال الحسن : لما أراد قومه قتله ، رفعه الله إلى السماء ، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاكه الجنة ، فإذا أعاد الله الجنة دخلها . وقيل : لما قال ذلك ، رفعوه إلى الملك ، فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه ، فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في بئر ، وهي الرس . وقال السدي : رموه بالحجارة وهو يقول : « اللهم اهد قومي » ، حتى مات . وقال الكلبي : رموه في حفرة ، وردوا التراب عليه فمات . وعن الحسن : حرقوه حرقاً ، وعلقوه في باب المدينة ، وقبره في سور أنطاكية . وقيل : نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه . وعن قتادة : أدخله الله الجنة ، وهو فيها حي يرزق . أراد قوله تعالى : { بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين } [ آل عمران : 169 170 ] : وفي النسخة التي طالعنا من تفسير ابن عطية ما نصه . وقرأ الجمهور : فاسمعون بفتح النون . قال أبو حاتم : هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر ، فإما حذف النون ، وإما كسرها على جهة البناء . انتهى ، يعني ياء المتكلم والنون للوقاية . وقوله : وقرأ الجمهور وهم فاحش ، ولا يكون ، والله أعلم ، إلا من الناسخ ؛ بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون ، سبعتهم وشواذهم ، إلا ما روي عن عصمة عن عاصم من فتح النون ، ذكره في الكامل مؤلف أبي القاسم الهذلي ، ولعل ذلك وهم من عصمة . وقال ابن عطية : هنا محذوف تواترت به الأحاديث والروايات ، وهو أنهم قتلوه ، فقيل له عند موته : { ادخل الجنة } ، وذلك ، والله أعلم ، بأن عرض عليه مقعده منها ، وتحقق أنه من ساكنيها ، فرأى ما أقر عينه ، فلما حصل ذلك ، تمنى أن يعلم قومه بذلك . انتهى . وقول : { قيل ادخل الجنة } كأنه جواب لسائل عن حاله عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه فقيل : { ادخل الجنة } ، ولم يأت التركيب : قيل له ، لأنه معلوم أنه المخاطب ، وتمنيه علم قومه بذلك هو مرتب على تقدير سؤال عن ما وجد من قوله عند ذلك استيفاقاً ونصحاً لهم ، أي لو علموا ذلك لآمنوا بالله . وفي الحديث : " نصح قومه حياً وميتاً " وقيل : تمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ في أمره ، وهو على صواب ، فيندموا ويحزنهم ذلك ويبشر بذلك . وموجود في طباع البشر أن من أصاب خيراً في غير موطنه ، ودَّ أن يعلم بذلك جيرانه وأترا به الذين نشأ فيهم . وبلغنا أن الوزير ذنك الدين المسيري ، وكان وزيراً لملك مصر ، راح إلى قريته التي كان منها ، وهي مسير ، وهي من أصغر قرى مصر ، فقيل له في ذلك ، فقال : أردت أن يراني عجائز مسير في هذه الحالة التي أنا فيها ، قال الشاعر : @ والعز مطلوب وملتمس وأحبه ما نيل في الوطن @@ والظاهر أن ما في قوله : { بما غفر لي ربي } مصدرية ، جوزوا أن يكون بمعني الذي ، والعائد محذوف تقديره : بالذي غفره لي ربي من الذنوب ، وليس هذا بجيد ، إذ يؤول إلى تمني علمهم بالذنوب المغفرة ، والذي يحسن تمني علمهم بمغفرة ذنوبه وجعله من المكرمين . وأجاز الفراء أن تكون ما استفهاماً . وقال الكسائي : لو صح هذا ، يعني الاستفهام ، لقال بم من غير ألف . وقال الفراء : يجوز أن يقال بما بالألف ، وأنشد فيه أبياتاً . وقال الزمخشري : ويحتمل أن تكون استفهامية ، يعني بأي شيء غفر لي ربي ، يريد ما كان منه معهم من المصابرة لاعزاز دين الله حتى قيل : إن قولك { بما غفر لي ربي } يريد ما كان منه معهم بطرح الألف أجود ، وإن كان إثباتها جائزاً فقال : قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت . انتهى . والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية ، إذا دخل عليها حرف جر ، مختص بالضرورة ، نحو قوله : @ على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد @@ وحذفها هو المعروف في الكلام ، نحو قوله : @ على م يقول الرمح يثقل كاهلي إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت @@ وقرىء : من المكرمين ، مشدد الراء مفتوح الكاف ؛ والجمهور : بإسكان الكاف وتخفيف الراء .