Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 45-54)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في { لهم } لقريش ، و { ما بين أيديكم } ، قال قتادة ومقاتل : عذاب الأمم قبلكم ، { وما خلفكم } : عذاب الآخرة . وقال مجاهد : عكسه . وقال الحسن : خوفوا بما مضى من ذنوبهم وما يأتي منها . وقال مجاهد أيضاً ، كقول الحسن : " ما تقدم من " ذنوبكم وما تأخر ، { لعلكم ترحمون } . وجواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده ، أي أعرضوا . { وما تأتيهم من آية } : أي دأبهم الإعراض عند كل آية تأتيهم . { وإذا قيل لهم أنفقوا } : لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين ، قطعوا عنهم ما كانوا يواسونهم به ، وكان ذلك بمكة أولاً قبل نزول آيات القتال ، فندبهم المؤمنون إلى صلة قراباتهم فقالوا : { أنطعم من لو شاء الله أطعمه } . وقيل : سحق قريش بسبب أذية المساكين من مؤمن وغيره ، فندبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة عليهم ، فقالوا هذا القول . وقيل : قال فقراء المؤمنين : أعطونا ما زعمتم من أموالكم ، إنها لله ، فحرموهم وقالوا ذلك على سبيل الاستهزا . وقال ابن عباس : كان بمكة زنادقة ، إذا أمروا بالصدقة قالوا : لا والله ، أيفقره الله ونطمعه نحن ؟ أو كانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة الله : لو شاء الله لأغنى فلاناً ، ولو شاء لأعزه ، ولو شاء لكان كذا ، فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون . وقال القشيري : نزلت في قوم من الزنادقة لا يؤمنون بالصانع ، استهزاء بالمسلمين بهذا القول . وقال الحسن : { وإذا قيل لهم } ، أي اليهود ، أمروا بإطعام الفقراء . وجواب لو نشاء قوله : اطعمهم ، وورود الموجب بغير لام فصيح ، ومنه : { أن لو نشاء أصبناهم } [ الأعراف : 100 ] ، { لو نشاء جعلناه أجاجاً } [ الواقعة : 70 ] ؛ والأكثر مجيئه باللام ، والتصريخ بالموضعين من الكفر والإيمان دليل على أن المقول لهم هم الكافرون ، والقائل لهم هم المؤمنون ، وأن كل وصف حامل صاحبه على ما صدر منه ، إذ كل إناء بالذي فيه يرشح . وأمروا بالانفاق { مما رزقكم الله } ، وهو عام في الإطعام وغيره ، فأجابوا بغاية المخالفة ، لأن نفي إطعامهم يقتضي نفي الإنفاق العام ، فكأنهم قالوا : لا ننفق ، ولا أقل الأشياء التي كانوا يسمحون بها ويؤثرون بها على أنفسهم ، وهو الإطعام الذي به يفتخرون ، وهذا على سبيل المبالغة . كمن يقول لشخص : أعط لزيد ديناراً ، فيقول : لا أعطيه درهماً ، فهذا أبلغ لا أعطيه ديناراً . والظاهر أن قوله : { إن أنتم إلا في ضلال مبين } من تمام كلام الكفار يخاطبون المؤمنين ، أي حيث طلبتم أن تطعموا من لا يريد الله إطعامه ، إذ لو أراد الله إطعامه لأطعمه هو . ويجوز أن يكون من قول الله لهم استأنف زجرهم به ، أو من قول المؤمنين لهم . ثم حكي تعالى عنهم ما يقولون على سبيل الاستهزاء والتعجيل : لما توعدون به ؟ أي متى يوم القيامة الذي أنتم توعدوننا به ؟ أو متى هذا العذاب الذي تهددوننا به ؟ وهو سؤال على سبيل الاستهزاء منهم لما أمروا بالتقوى ، ولا يتقي إلا مما يخاف ، وهم غير مؤمنين . سألوا متى يقع هذا الذي تخوفونا به استهزاء منهم . { ما ينظرون } : أي ما ينتطرون . ولما كانت هذه الصيحة لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها ، وهذه هي النفخة الأولى تأخذهم فيهلكون ، وهم يتخاصمون ، أي في معاملاتهم وأسواقهم ، في أماكنهم من غير إمهال لتوصية ، ولا رجوع إلى أهل . وفي الحديث : " تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه ، فما يطويانه حتى تقوم ، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه ، والرجل يرفع أكلته إلي فيه ، فما تصل إلي فيه حتى تقوم " وقيل : لا يرجعون إلى أهلهم قولاً ؛ وقيل : ولا إلى أهلهم يرجعون أبداً . وقرأ أبي : يختصمون على الأصل ؛ والحرميان ، وأبو عمرو ، والأعرج ، وشبل ، وابن فنطنطين : بإدغام التاء في الصاد ونقل حركتها إلى الخاء ؛ وأبو عمرو أيضاً ، وقالون : يخالف بالاختلاس وتشديد الصاد ، وعنهما إسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصم ؛ وباقي السبعة : بكسر الخاء وشد الصاد ؛ وفرقة : بكسر الياء إتباعاً لكسرة الخاء وشد الصاد . وقرأ ابن محيصن : يرجعون ، بضم الياء وفتح الجيم . وقرأ الأعراج : في الصور ، بفتح الواو ؛ والجمهور : بإسكانها . وقرىء : من الأجداف ، بالفاء بدل الثاء . وقرأ الجمهور : بالثاء ، وينسلون ، بكسر السين ؛ وابن أبي إسحاق ، وأبو عمرو : بخلاف عنه بضمها . وهذه النفخة هي الثانية التي يقوم الناس أحياء عنها . ولا تنافر بين { ينسلون } وبين { فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] ، لأنه لا ينسل إلا قائماً ، ولأن تفاوت الزمانين يجعله كأنه زمان واحد . وقرأ ابن أبي ليلى : يا ويلتنا ، بتاء التأنيث ؛ وعنه أيضاً : يا ويلتى ، بالتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة ، ومعنى هذه القراءة : أن كل واحد منهم يقول يا ويلتى . والجمهور : و { من بعثنا } : من استفهاما ، وبعث فعل ماض ؛ وعلي ، وابن عباس ، والضحاك ، وأبو نهيك : من حرف جر ، وبعثنا مجرور به . والمرقد : استعارة عن مضجع الميت ، واحتمل أن يكون مصدراً ، أي من رقادنا ، وهو أجود . أو يكون مكاناً ، فيكون المفرد فيه يراد به الجمع ، أي من مراقدنا . وما روي عن أبيّ بن كعب ومجاهد ، وقتادة : من أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر ، فقالوا : هو غير صحيح الإسناد . وقيل : قالوا من مرقدناً ، لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم . والظاهر أن هذا ابتداء كلام ، فقيل : من الله ، وعلى سبيل التوبيخ والتوقيف على إنكارهم . وقال الفراء : من قول الملائكة . وقال قتادة ، ومجاهد : من قول المؤمنين للكفار ، على سبيل التقريع . وقال ابن زيد : من قول الكفرة ، أو البعث الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ، قالوا ذلك . والاستفهام بمن سؤال عن الذي بعثهم ، وتضمن قوله : { هذا ما وعد الرحمن } ، ذكر الباعث ، أي الرحمن الذي وعدكموه ، وما يجوز أن تكون مصدرية على سمة الموعود ، والمصدر فيه بالوعد والصدق ، وبمعنى الذي ، أي هذا الذي وعده الرحمن . والذي صدق المرسلون ، أي صدق فيه من قولهم : صدقت زيداً الحديث ، أي صدقه فيه ؛ ومنه قولهم : صدقني سن بكره ، أي في سنّ بكره . وقال الزجاج : ويجوز أن يكون إشارة إلى المرقد ، ثم استأنف ما وعد الرحمن ، ويضمر الخبر حق أو نحوه . وتبعه الزمخشري فقال : ويجوز أن يكون هذا صفة للمرقد ، وما وعد خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا وعد الرحمن ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي ما وعد الرحمن وصدق المرسلون حق عليكم . انتهى . وتقدمت قراءة { إلا صيحة } بالرفع وتوجيهها . { فاليوم } : هو يوم القيامة ، وانتصب على الظرف ، والعامل فيه لا يظلم . والظاهر أن الخطاب لجميع العالم ، ويندرج فيه من تقدم ذكره . قيل : والصيحة قول إسرافيل عليه السلام : أيتها العظام النخرة والأوصال المنقطعة والشعور المتمزقة ، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ، وهذا معنى قوله تعالى : { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج } [ ق : 42 ] .