Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 22-39)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ احشروا } : خطاب من الله للملائكة ، أو خطاب الملائكة بعضهم لبعض ، أي اجمعوا الظالمين ونساءهم الكافرات ، قاله ابن عباس ، ورجحه الرماني . وأنواعهم وضرباؤهم ، قاله عمرو ابن عباس أيضاً ، أو أشباههم من العصاة ، وأهل الزنا مع أهل الزنا ، وأهل السرقة ، أو قرناؤهم الشياطين . وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي : { وأزواجهم } ، مرفوعاً عطفاً على ضمير ظلموا ، أي وظلم أزواجهم . { فاهدوهم } : أي عرفوهم وقودوهم إلى طريق النار حتى يصطلوها ، والجحيم طبقة من طبقات جهنم . { وقفوهم } ، كما قال : { ولو ترى إذ وقفوا على النار } [ الأَنعام : 27 ] ، وهو توبيخ لهم ، { إنهم مسؤولون } . وقرأ عيسى : أنهم ، بفتح الهمزة . قال عبد الله : يسألون عن شرب الماء البارد على طريق الهزء بهم ، وعنه أيضاً : يسألون عن لا إله إلا الله . وقال الجمهور : وعن أعمالهم ، ويوقفون على قبحها . وفي الحديث : " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن خمس شبابه فيما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله كيف اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن ما عمل فيما علم " وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى على نحو ما فسره بقوله : { ما لكم لا تناصرون } ، أي إنهم مسئولون عن امتناعهم عن التناصر ، وهذا على سبيل التوبيخ في الامتناع . وقال الزمخشري : هذا تهكم بهم وتوبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا على خلاف ذلك في الدنيا متعاضدين متناصرين . وقال الثعلبي : { ما لكم لا تناصرون } ، جواب أبي جهل حين قال في بدر : { نحن جميع منتصر } [ القمر : 44 ] . وقرىء : لا تناصرون ، بتاء واحدة وبتاءين ، وبإدغام إحداهما في الأخرى . { بل هم اليوم مستسلمون } : أي قد أسلم بعضهم بعضاً ، وخذله عن عجز ، وكل واحد منهم مستسلم غير منتصر . { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } ، قال قتادة : هم جن وإنس ، وتساؤلهم على معنى التقريع والندم والسخط . قالوا : أي قالت الإنس للجن . قال مجاهد ، وابن زيد : أو ضعفة الإنس الكفرة لكبرائهم وقادتهم . و { اليمين } : الجارحة ، وليست مرادة هنا . فقيل : استعيرت لجهة الخير ، أو للقوة والشدة ، أو لجهة الشهوات ، أو لجهة التمويه والإغواء وإظهار أنها رشد ، أو الحلف . ولكل من هذه الاستعارات وجه . فأما استعارتها لجهة الخير ، فلأن الجارحة أشرف العضوين وأيمنها ، وكانوا يتمنون بها حتى في السانح ، ويصافحون ويماسخون ويناولون ويزاولون بها أكثر الأمور ، ويباشرون بها أفاضل الأشياء ، وجعلت لكاتب الحسنات ، ولأخذ المؤمن كتابه بها ، والشمال بخلاف ذلك . وأما استعارتها للقوة والشدة ، فإنها يقع بها البطش ، فالمعنى : أنكم تعروننا بقوتكم وتحملوننا على طريق الضلال . وأما استعارتها لجهة الشهوات ، فلأن جهة اليمين هي الجهة الثقيلة من الإنسان وفيها كبده ، وجهة شماله فيها قلبه ومكره ، وهي أخف ، والمنهزم يرجع على شقه الأيسر ، إذ هو أخف شقيه . وأما استعارتها لجهة التمويه والإغواء ، فكأنهم شبهوا أقوال المغوين بالسوانح التي هي عندهم محمودة ، كأن التمويه في إغوائهم أظهر ما يحمدونه . وأما الحلف ، فإنهم يحلفون لهم ويأتونهم إتيان المقسمين على حسن ما يتبعونهم فيه . { قالوا } ، أي المخاطبون ، إما الجن وإما قادة الكفر : { بل لم تكونوا مؤمنين } : أي لم نقركم على الكفر ، بل أنتم من ذواتكم أبيتم الإيمان . وقال الزمخشري : وأعرضتم مع تمكنكم واختباركم ، بل كنتم قوماً على الكفر غير ملجئين ، وما كان لنا عليكم من تسلط نسلبكم به تمكنكم واختباركم ، بل كنتم قوماً مختارين الطغيان . انتهى . ولفظة التمكن والاختيار ألفاظ المعتزلة جرياً على مذهبهم . { فحق علينا قول ربنا } : أي لزمنا قول ربنا ، أي وعيده لنا بالعذاب . والظاهر أن قوله : { إنا لذائقون } ، إخبار منهم أنهم ذائقون العذاب جميعهم ، الرؤساء ، والأتباع . وقال الزمخشري : فلزمنا قول ربنا : { إنا لذائقون } ، يعني وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة ، لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة . ولو حكى الوعيد كما هو لقال : إنكم لذائقون ، ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم ، لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ، ونحوه قول القائل : @ لقد زعمت هوازن قل مالي @@ ولو حكى قولها لقال : قل مالك ، ومنه قول المحلف للحالف : لأخرجن ، ولنخرجن الهمزة لحكاية لفظ الحالف ، والتاء لإقبال المحلف على الحلف . انتهى . { فأغويناكم } : دعوناكم إلى الغي ، فكانت فيكم قابلية له فغويتم . { إنا كنا غاوين } : فأردنا أن تشاركونا في الغي . { فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون } : أي يوم إذ تساؤلوا وتراجعوا في القول ، وهذا إخبار منه تعالى ، كما اشتركوا في الغي ، اشتركوا فيما ترتب عليه من العذاب . { إنا كذلك } : أي مثل هذا الفعل بهؤلاء نفعل بكل مجرم ، فيترتب على إجرامه عذابه . ثم أخبر عنهم بأكبر إجرامهم ، وهو الشرك بالله ، واستكبارهم عن توحيده ، وإفراده بالآلهية . ثم ذكر عنهم ما قدحوا به في الرسول ، وهو نسبته إلى الشعر والجنون ، وأنهم ليسوا بتاركي آلهتهم له ولما جاء به ، فجمعوا بين إنكار الوحدانية وإنكار الرسالة . وقولهم : { لشاعر مجنون } : تخليط في كلامهم ، وارتباك في غيهم . فإن الشاعر هو عنده من الفهم والحذق وجودة الإدراك ما ينظم به المعاني الغريبة ويصوغها في قالب الألفاظ البديعة ، ومن كان مجنوناً لا يصل إلى شيء من ذلك . ثم أضرب تعالى عن كلامهم ، وأخبر بأن جاء الحق ، وهو إثبات الذي لا يلحقه إضمحلال ، فليس ما جاء به شعراً ، بل هو الحق الذي لا شك فيه . ثم أخبر أنه صدق من تقدمه من المرسلين ، إذ هو وهم على طريقة واحدة في دعوى الأمم إلى التوحيد وترك عبادة غيره . وقرأ عبد الله : وصدق بتخفيف الدال ، المرسلون بالواو رفعاً ، أي وصدق المرسلون في التبشير به وفي أنه يأتي آخرهم . وقرأ الجمهور : { لذائقو العذاب } ، بحذف النون للإضافة ؛ وأبو السمال ، وأبان ، عن ثعلبة ، عن عاصم : بحذفها لالتقاء لام التعريف ونصب العذاب . كما خذف بعضهم التنوين لذلك في قراءة من قرأ أحد الله ، ونقل ابن عطية عن أبي السمال أنه قرأ : لذائق منوناً ، العذاب بالنصب ، ويخرج على أن التقدير جمع ، وإلأ لم يتطابق المفرد وضمير الجمع في { إنكم } ، وقول الشاعر : @ فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلاً @@ وقرىء : لذائقون بالنون ، العذاب بالنصب ، وما ترون إلا جزاء مثل عملكم ، إذ هو ثمرة عملكم .