Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 41-48)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أشمأز ، قال أبو زيد : زعر . قال غيره : نقبض كراهة ونفوراً . قال الشاعر : @ إذا عض الثقاف بها اشمأزت وولته عشوزيته زبونا @@ لما كان عليه السلام يعظم عليه عدم إيمانهم ورجوعهم إلى ما أنزل الله تعالى عليه ، سلاه تعالى عن ذلك ، وأخبره أنه أنزل عليه الكتاب ، وهو القرآن ، مصحوباً بالحق ، وهو دين الإسلام ، للناس : أي لأجلهم ، إذ فيه تكاليفهم . { فمن اهتدى } : فثواب هدايته إنما هو له ، { ومن ضل } : فعقاب ضلاله إنما هو عليه ، { وما أنت عليهم بوكيل } : أي فتجبرهم على الإيمان . قال قتادة : بوكيل : بحفيظ . وقال الزمخشري : للناس : لأجل حاجتهم إليه ، ليبشروا وينذروا . فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية ، فلا حاجة لي إلى ذلك ، فأنا الغني . فمن اختار الهدى ، فقد نفع نفسه ؛ ومن اختار الضلالة ، فقد ضرها ، وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى . فإن التكليف مبني على الاختيار دون الإجبار . انتهى ، وهو على مذهب المعتزلة . ولما ذكر تعالى أنه أنزل الكتاب على رسوله بالحق للناس ، نبه على أنه من آياته الكبرى يدل على الوحدانية ، لا يشركه في ذلك صنم ولا غيره ، فقال : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } ، والأنفس هي الأرواح . وقيل : النفس غير الروح ، قاله ابن عباس . فالروح لها تدبير عالم الحياة ، والنفس لها تدبيه عالم الإحساس . وفرقت فرقة بين نفس التمييز ونفس التخييل . والذي يدل عليه الحديث واللغة أن النفس والروح مترادفان ، وأن فراق ذلك من الجسد هو الموت . ومعنى يتوفى النفس : يميتها ، والتي : أي والأنفس التي لم تمت في منامها ، أي يتوفاها حين تنام ، تشبيهاً للنوام بالأموات . ومنه : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } [ الأَنعام : 60 ] . فبين الميت والنائم قدر مشترك ، وهو كونهما لا يميزان ولا يتصرفان . فيمسك من قضى عليها الموت الحقيقي ، ولا يردها في وقتها حية ؛ ويرسل النائمة لجسدها إلى أجل ضربه لموتها . وقيل : { يتوفى الأنفس } : يستوفيها ويقبضها ، وهي الأنفس التي يكون معها الحياة والحركة . ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ، وهي أنفس التمييز ، قالوا : فالتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة ، لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس . والنائم يتنفس ، وكون النفس تقبض ، والروح في الجسد حالة النوم ، بدليل أنه يتقلب ويتنفس ، هو قول الأكثرين . ودل على التغاير وكونها شيئاً واحداً هو قول ابن جبير وأحد قولي ابن عباس ؛ والخوض في هذا ، وطلب إدراك ذلك على جليته عناء ولا يوصل إلى ذلك . { إن في ذلك } : أي في توفي الأنفس مائتة ونائمة ، وإمساكها وإرسالها إلى أجل ، { لآيات } : لعلامات دالة على قدرة الله وعلمه ، { لقوم } يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون . وقرأ الجمهور : { قضى } مبنياً للفاعل ، { الموت } : نصباً ؛ وابن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي : مبنياً للمفعول ؛ الموت : رفعاً . فأم منقطعة تقدر ببل والهمزة ، وهو تقرير وتوبيخ . وكانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤنا عندنا ، والشفاعة إنما هي لمن ارتضاه الله وبإذنه تعالى ، وهذا مفقود في آلهتهم . وأولو معناه : أيتخذونهم شفعاءهم بهذه المثابة من كونهم لا يعقلون ولا يملكون شيئاً ، وذلك عام النقص ، فكيف يشفع هؤلاء ؟ وتقدم لنا الكلام في أولو في سورة البقرة . وقال ابن عطية : متى دخلت ألف الاستفهام على واو العطف أو فائه أحدثت معنى التقرير . انتهى . وإذا كانوا لا يملكون شيئاً ، فكيف يملكون الشفاعة ؟ وقال الزمخشري : أي ولو كانوا على هذه الصفة لا يملكون شيئاً قط حتى يملكوا الشفاعة ، ولا عقل لهم . انتهى . فأتى بقوله : قط ، بعد قوله : لا يملكون ، وليس بفعل ماض ، وقط ظرف يستعمل مع الماضي لا مع غيره ، وقد تكرر للزمخشري هذا الاستعمال ، وليس باستعمال عربي . { قل لله الشفاعة جميعاً } : فهو مالكها ، يأذن فيها لمن يشاء ثم أتى بعام وهو : { له ملك السموات والأرض } ، فاندرج فيه ملك الشفاعة . ولما كانت الشفاعة من غيره موقوفة على إذنه ، كانت الشفاعة كلها له . ولما أخبر أنه له ملك السموات والأرض ، هددهم بقوله : { ثم إليه ترجعون } ، فيعلمون أنهم لا يشفعون ، ويخيب سعيكم في عبادتهم . وقال الزمخشري : معناه له ملك السموات والأرض اليوم ، ثم إليه ترجعون يوم القيامة ، فلا يكون الملك في ذلك إلا له ، فله ملك الدنيا والآخرة . { وإذا ذكر الله وحده } : أي مفرداً بالذكر ، ولم يذكر مع آلهتهم . وقيل : إذا قيل لا إله إلا الله ، { وإذا ذكر الذين من دونه } ، وهي الأصنام . والاشمئزاز والاستبشار متقابلان غاية ، لأن الاشمئزاز : امتلاء القلب غماً وغيظاً ، فيظهر أثره ، وهو الانقباض في الوجه ، والاستبشار : امتلاؤه سروراً ، فيظهر أثره ، وهو الانبساط ، والتهلل في الوجه . وقال الزمخشري : فإن قلت : ما العامل في وإذا ذكر ؟ قلت : العامل في إذا الفجائية تقديره : وقت ذكر الذين من دونه فاجأوا الاستبشار . وقال الحوفي : { إذا هم يستبشرون } ، إذا مضافة إلى الابتلاء والخبر ، وإذا مكررة للتوكيد وحذف ما تضاف إليه ، والتقدير : إذا كان ذلك هم يستبشرون ، فيكون هم يستبشرون العامل في إذا ، المعنى : إذا كان ذلك استبشروا . انتهى . أما قول الزمخشري : فلا أعلمه من قول من ينتمي للنحو ، وهو أن الظرفين معمولان لعامل واحد ، ثم إذا الأولى ينتصب على الظرف ، والثانية على المفعول به . وأما قول الحوفي فبعيد جدًّا عن الصواب ، إذ جعل إذا مضافة إلى الابتداء والخبر ، ثم قال : وإذا مكررة للتوكيد وحذف ما تضاف إليه ، فكيف تكون مضافة إلى الابتداء والخبر الذي هم يستبشرون ؟ وهذا كله يوجبه عدم الإتقان لعلم النحو والتحدث فيه ، وقد تقدم لنا في مواضع إذا التي للمفاجأة جواباً لإذا الشرطية ، وقد قررنا في علم النحو الذي كتبناه أن إذا الشرطية ليست مضافة إلى الجملة التي تليها ، وإن كان مذهب الأكثرين ، وأنها ليست بمعمولة للجواب ، وأقمنا الدليل على ذلك ، بل هي معمولة للفعل الذي يليها ، كسائر أسماء الشرطية الظرفية ، وإذا الفجائية رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط ، كالفاء ؛ وهي معمولة لما بعدها . إن قلنا إنها ظرف ، سواء كان زماناً أو مكاناً . ومن قال إنها حرف ، فلا يعمل فيها شيء ، فإذا الأولى معمولة لذكرهم ، والثانية معمولة ليستبشرون . ولما أخبر عن سخافة عقولهم باشمئزازهم من ذكر الله ، واستبشارهم بذكر الأصنام ، أمره أن يدعو بأسماء الله العظمى من القدرة والعلم ونسبة الحكم إليه ، إذ غيره لا قدرة له ولا علم تام ولا حكم ، وفي ذلك وصف لحالهم السيىء ووعيد لهم وتسلية للرسول عليه السلام . وتقدم الكلام في { اللهم } في سورة آل عمران . { ولو أن للذين ظلموا } : تقدم الكلام على تشبيهه في العقود . { وبدا لهم من الله } : أي كانت ظنونهم في الدنيا متفرقة ، حسب ضلالاتهم وتخيلاتهم فيما يعتقدونه . فإذا عاينوا العذاب يوم القيامة ، ظهر لهم خلاف ما كانوا يظنون ، وما كان في حسابهم . وقال سفيان الثوري : ويل لأهل الرياء من هذه الآية . { وحاق بهم ما كانوا } : أي جزاء ما كانوا وما فيما كسبوا ، يحتمل أن تكون بمعنى الذي ، أي سيئات أعمالهم ، وأن تكون مصدرية ، أي سيئات كسبهم . والسيئات : أنواع ، العذاب سميت سيئات ، كما قال : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى : 40 ] .