Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-14)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } لما أبهم في قوله : { نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } [ النساء : 7 ] في المقدار والأقربين ، بيّن في هذه الآية المقادير ومن يرث من الأقربين ، وبدأ بالأولاد وإرثهم من والديهم ، كما بدأ في قوله : للرّجال نصيب مما ترك الوالدان بهم . وفي قوله : يوصيكم الله في أولادكم إجمال أيضاً بينه بعد . وبدأ بقوله : للذكر ، وتبين ما له دلالة على فضله . وكان تقديم الذكر أدل على فضله من ذكر بيان نقص الأنثى عنه ، ولأنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، فكفاهم إن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يحرمن إذ هن يدلين بما يدلون به من الولدية . وقد اختلف القول في سبب النزول ، ومضمن أكثر تلك الأقاويل : أنهم كانوا لا يورّثون البنات كما تقدم ، فنزلت تبييناً لذلك ولغيره . وقيل : نزلت في جابر إذ مرض ، فعاده الرسول فقال : كيف أصنع في مالي ؟ وقيل : كان الإرث للولد والوصية للوالدين ، فنسخ بهذه الآيات . قيل : معنى يوصيكم يأمركم . كقوله : { ذلكم وصاكم به } [ الأَنعام : 151 ] وعدل إلى لفظ الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام ، وطلب حصوله سرعة ، وقيل : يعهد إليكم كقوله : { ما وصى به نوحاً } [ الشورى : 13 ] وقيل : يبين لكم في أولادكم مقادير ما أثبت لهم من الحق مطلقاً بقوله { للرّجال } [ النساء : 7 ] { وأولوا الأرحام } [ الأَنفال : 75 ] وقيل : يفرض لكم . وهذه أقوال متقاربة . والخطاب في : يوصيكم ، للمؤمنين ، وفي أولادكم : هو على حذف مضاف . أي : في أولاد موتاكم ، لأنه لا يجوز أن يخاطب الحي بقسمة الميراث في أولاده ويفرض عليه ذلك ، وإن كان المعنى بيوصيكم يبين جاز أن يخاطب الحي ، ولا يحتاج إلى حذف مضاف . والأولاد يشمل الذكور والإناث ، إلا أنه خص من هذا العموم من قام به مانع الإرث ، فأما الرّق فمانع بالإجماع ، وأما الكفر فكذلك ، إلا ما ذهب إليه معاذ من : أن المسلم يرث الكافر . وأما القتل فإن قتل أباه لم يرث ، وكذا إذا قتل جده وأخاه أو عمه ، لا يرث من الدية ، هذا مذهب ابن المسيب ، وعطاء ، ومجاهد ، والزهري ، والأوزاعي ، ومالك ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وابن المنذر . وقال أبو حنيفة وسفيان وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد : لا يرث من المال ، ولا من الدية شيئاً . واستثنى النخعي من عموم أولادكم الأسير ، فقال : لا يرث . وقال الجمهور : إذا علمت حياته يرث ، فإن جهلت فحكمه حكم المفقود . واستثنى من العموم الميراث من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الجنين فإن خرج ميتاً لم يرث ، وإن خرج حياً فقال القاسم ، وابن سيرين ، وقتادة ، والشعبي ، والزهري ، ومالك ، والشافعي : يستهل صارخاً ، ولو عطس أو تحرك أو صاح أو رضع أو كان فيه نفس . وقال الأوزاعي وسفيان والشافعي : إذا عرفت حياته بشيء من هذه ، وإن لم يستهل فحكمه حكم الحي في الإرث . وأما الجنين في بطن أمه فلا خلاف في أنه يرث ، وإنما الخلاف في قسمة المال الذي له فيه سهم . وذلك مذكور في كتب الفقه . وأما الخنثى فداخل في عموم أولادكم ، ولا خلاف في توريثه ، والخلاف فيما يرث وفيما يعرف به أنه خنثى ، وذلك مذكور في كتب الفقه . وأما المفقود فقال أبو حنيفة : لا يرث في حال فقده من أحد شيئاً . وقال الشافعي : يوقف نصيبه حتى يتحقق موته ، وهو ظاهر قول مالك : وأما المجنون والمعتوه والسفيه فيرثون إجماعاً ، والولد حقيقة في ولد الصلب ويستعمل في ولد الابن ، والظاهر أنه مجاز . إذ لو كان حقيقة بطريق الاشتراك أو التواطىء لشارك ولد الصلب مطلقاً ، والحكم أنه لا يرث إلا عند عدم ولد الصلب ، أو عند وجود من لا يأخذ جميع الميراث منهم . وهذا البحث جار في الأب والجد والأم والجدة ، والأظهر أنه ليس على سبيل الحقيقة لاتفاق الصحابة على أنَّ الجد ليس له حكم مذكور في القرآن ، ولو كان اسم الأب يتناوله حقيقة لما صح هذا الاتفاق . ولو أوصى لولد فلان فعند الشافعي لا يدخل ولد الولد ، وعند مالك يدخل ، وعند أبي حنيفة يدخل إن لم يكن لفلان ولد صلب . وللذكر : إما أن يقدّر محذوف أي : للذكر منهم ، أو تنوب الألف واللام عن الضمير على رأي من يرى ذلك التقدير لذكرهم . ومثل : صفة لمبتدأ محذوف تقديره حظ مثل . قال الفراء : ولم يعمل يوصيكم في مثل إجراء له مجرى القبول في حكاية الجمل ، فالجملة في موضع نصب بيوصيكم . وقال الكسائي : ارتفع مثل على حذف أن تقديره : أنّ للذكر . وبه قرأ ابن أبي عبلة وأريد بقوله : للذكر مثل حظ الأنثيين حالة اجتماع الذكر والأنثيين فله سهمان ، كما أن لهما سهمين . وأما إذا انفرد الابن فيأخذ المال أو البنتان ، فسيأتي حكم ذلك . ولم تتعر الآية للنص على هاتين المسألتين . وقال أبو مسلم الأصبهاني : نصيب الذكر هنا هو الثلثان ، فوجب أن يكون نصيب الانثيين . وقال أبو بكر الرازي : إذا كان نصيبها مع الذكر الثلث ، فلا أن يكون نصيبها مع أنثى الثلث أولى ، لأن الذكر أقوى من الأنثى . وقيل : حظ الأنثيين أزيد من حظ الأنثى ، وإلا لزم حظ الذكر مثل حظ الأنثى ، وهو خلاف النص ، فوجب أن يكون حظهما الثلثين ، لأنه لا قائل بالفرق . فهذه وجوه ثلاثة مستنبطة من الآية تدل على أن فرض البنتين الثلثان . ووجه رابع من القياس الجلي وهو أنه لم يذكر هنا حكم الثنتين ، وذكر حكم الواحدة وما فوق الثنتين . وفي آخر السورة ذكر حكم الأخت الواحدة ، وحكم الأختين ، ولم يذكر حكم الأخوات ، فصارت الآيتان مجملتين من وجه ، مبينتين من وجه . فنقول : لما كان نصيب الأختين الثلثين ، كانت البنتان أولى بذلك لأنهما أقرب إلى الميت . ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزاد على الثلثين ، وجب أن لا يزاد نصيب الأخوات على ذلك ، لأن البنت لما كانت أشدّ اتصالاً بالميت امتنع جعل الأضعف زائداً على الأقوى . وقال الماتريدي : في الآية دليل على أن المال كله للذكر إذا لم يكن معه أنثى ، لأنه جعل للذكر مثل ما للأنثيين . وقد جعل للأنثى النصف إذا لم يكن معها ذكر بقوله : { وإن كانت واحدة فلها النصف } فدل على أن للذكر حالة الانفراد مثلي ذلك ومثلاً النصف ، هو الكل انتهى . وقرأ الحسن وابن أبي عبلة : يوصيكم بالتشديد . وقرأ الحسن ونعيم بن ميسرة والأعرج : ثلثاً والثلث والربع والسدس والثمن بإسكان الوسط ، والجمهور بالضم ، وهي لغة الحجاز وبني أسد ، قاله : النحاس من الثلث إلى العشر . وقال الزجاج هي لغة واحدة ، والسكون تخفيف ، وتقدير الآية : يوصيكم الله في شأن أولادكم الوارثين للذكر منهم حظ مثل حظ الأنثيين حالة اجتماعهم مما ترك الموروثون أن انفرد بالإرث ، فإن كان معهما ذو فرض كان ما يبقى من المال لهما ، والفروض هي المذكورة في القرآن وهي ستة : النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس . { فإن كنَّ نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } ظاهر هذا التقسيم أنّ ما زاد على الثنتين من الأولاد يرثن الثلثين مما ترك موروثهما ، وظاهر السياق انحصار الوارث فيهن . ولما كان لفظ الأولاد يشمل الذكور والإناث ، وقصد هنا بيان حكم الإناث ، أخلص الضمير للتأنيث . إذ الإناث أحد قسمي ما ينطلق عليه الأولاد ، فعاد الضمير على أحد القسمين ، وكأن قوله تعالى : { في أولادكم } في قوة قوله : { في أولادكم } الذكور والإناث . وإذا كان الضمير قد عاد على جمع التكسير العاقل المذكر بالنون في نحو قوله : ورب الشياطين ومن أضللن كما يعود على الإناث كقوله : { والوالدات يرضعن } [ البقرة : 12 ] فلأن يعود على جمع التكسير العاقل الجامع للمذكر والمؤنث ، باعتبار أحد القسمين الذي هو المؤنث أولى ، واسم كان الضمير العائد على أحد قسمي الأولاد ، والخبر نساء بصفته الذي هو فوق اثنتين ، لأنه لا تستقل فائدة الأخبار بقوله : نساء وحده ، وهي صفة للتأكيد ترفع أن يراد بالجمع قبلهما طريق المجاز ، إذ قد يطلق الجمع ويراد به التثنية . وأجاز الزمخشري أن يكون نساء خبراً ثانياً ، لكان ، وليس بشيء ، لأن الخبر لا بد أن تستقل به فائدة الإسناد . ولو سكت على قوله فإن كن نساء لكان نظير ، أن كان الزيدون رجالاً ، وهذا ليس بكلام . وقال بعض البصريين : التقدير وإن كان المتروكات نساء فوق اثنتين . وقدره الزمخشري : البنات أو المولودات . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : هل يصح أن يكون الضميران في كن وكانت مبهمين ، ويكون نساء وواحدة تفسيراً لهما على أن كان تامّة ؟ ( قلت ) : لا أبعد ذلك انتهى . ونعني بالإبهام أنهما لا يعودان على مفسر متقدّم ، بل يكون مفسرهما هو المنصوب بعدهما ، وهذا الذي لم يبعده الزمخمشري هو بعيد ، أو ممنوع ألبتة . لأن كان ليست من الأفعال التي يكون فاعلها مضمراً يفسره ما بعده ، بل هو مختص من الأفعال بنعم وبئس وما حمل عليهما ، وفي باب التنازع على ما قرر في النحو . ومعنى فوق اثنتين : أكثر من اثنتين بالغات ما بلغن من العدد ، فليس لهن إلا الثلثان . ومن زعم أن معنى قوله : نساء فوق اثنتين ، اثنتان فما فوقهما ، وأنّ قوة الكلام تقتضي ذلك كابن عطية ، أو أنّ فوق زائدة مستدلاً بأن فوق قد زيدت في قوله : { فاضربوا فوق الأعناق } [ الأَنفال : 12 ] فلا يحتاج في ردّ ما زعم إلى حجة لوضوح فساده . وذكروا أنّ حكم الثنتين في الميراث الثلثان كالبنات . قالوا : ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس ، فإنه يرى لهما النصف إذا انفردا كحالهما إذا اجتمعا مع الذكر ، وما احتجوا به تقدّم ذكره . وورد في الحديث في قصة أوس بن ثابت : " أنه صلى الله عليه وسلم أعطى البنتين الثلثين " وبنات الابن أو الأخوات الأشقاء أو لأب كبنات الصلب في الثلثين إذا انفردن عن من يحجبهن . { وإن كانت واحدة فلها النصف } قرأ الجمهور واحدة بالنصب على أنه خبر كان ، أي : وإن كانت هي أي البنت فذة ليس معها أخرى . وقرأ نافع واحدة بالرفع على إن كان تامة وواحدة الفاعل . وقرأ السلمي : النصف بضم النون ، وهي قراءة عليّ وزيد في جميع القرآن . وتقدّم الخلاف في ضم النون وكسرها في { فنصف ما فرضتم } [ البقرة : 237 ] في البقرة . وبنت الابن إذا لم تكن بنت صلب ، والأخت الشقيقة أو لأب ، والزوج إذا لم يكن للزوجة ولد ، ولا ولد ابن كبنت الصلب لكل منهم النصف . { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } لما ذكر الفروع ومقدار ما يرثون أخذ في ذكر الأصول ومقدار ما يرثون ، فذكر أنّ الميت يرث منه أبواه كل واحد السدس إن كان للميت ولد ، وأبواه هما : أبوه وأمه . وغلب لفظ الأب في التثنية كما قيل : القمران ، فغلب القمر لتذكيره على الشمس ، وهي تثنية لا تقاس . وشمل قوله : وله ولد الذكر والأنثى ، والواحد والجماعة . وظاهر الآية أن فرض الأب السدس إذا كان للميت ولد أي ولد كان ، وباقي المال للولد ذكراً كان أو أنثى . والحكم عند الجمهور أنه لو كان الولد أنثى أخذ السدس فرضاً ، والباقي تعصيباً . وتعلقت الروافض بظاهر لفظ ولد فقالوا : السدس لكل واحد من أبويه ، والباقي للبنت أو الابن ، إذ الولد يقع على : الذكر ، والأنثى ، والجد ، وبنات الابن مع البنت ، والأخوات لأب مع أخت لأب وأم ، والواحدة من ولد الأم ، والجدات كالأب مع البنت في السدس . وقال مالك : لا ترث جدة أبي الأب . وقال ابن سيرين : لا ترث أم الأم . والضمير في لأبويه عائد على ما عاد عليه الضمير في ترك ، وهو ضمير الميت الدال عليه معنى الكلام وسياقه . ولكل واحد منهما بدل من أبويه ، ويفيد معنى التفصيل . وتبيين أن السدس لكل واحد ، إذ لولا هذا البدل لكان الظاهر اشتراكهما في السدس ، وهو أبلغ وآكد من قولك : لكل واحد من أبويه السدس ، إذ تكرر ذكرهما مرتين : مرة بالإظهار ، ومرة بالضمير العائد عليهما . قال الزمخشري : والسدس مبتدأ ، وخبره لأبويه ، والبدل متوسط بينهما انتهى . وقال أبو البقاء : السدس رفع بالابتداء ، ولكل واحد منهما الخبر ، ولكل بدل من الأبوين ، ومنهما نعت لواحد . وهذا البدل هو بدل بعض من كل ، ولذلك أتى بالضمير ، ولا يتوهم أنه بدل شيء من شيء ، وهما لعين واحدة ، لجواز أبواك يصنعان كذا ، وامتناع أبواك كل واحد منهما يصنعان كذا . بل تقول : يصنع كذا . وفي قول الزمخشري : والسدس مبتدأ وخبره لأبويه نظر ، لأنّ البدل هو الذي يكون الخبر له دون المبدل منه ، كما مثلناه في قولك : أبواك كل واحد منهما يصنع كذا ، إذا أعربنا كلا بدلاً . وكما تقول : إنّ زيداً عينه حسنه ، فلذلك ينبغي أن يكون إذا وقع البدل خبراً فلا يكون المبدل منه هو الخبر ، واستغنى عن جعل المبدل منه خبراً بالبدل كما استغنى عن الاخبار عن اسم إن وهو المبدل منه بالاخبار عن البدل . ولو كان التركيب : ولأبويه السدسان لا وهم التنصيف أو الترجيح في المقدار بين الأبوين ، فكان هذا التركيب القرآني في غاية النصية والفصاحة ، وظاهر قوله : ولأبويه ، أنهما اللذان ولدا الميت قريباً لا جداه ، ولا مَن علا من الأجداد . وزعموا أن قوله : أولادكم ، يتناول من سفل من الأبناء . قالوا : لأنّ الأبوين لفظ مثنى لا يحتمل العموم ولا الجمع ، بخلاف قوله : في أولادكم . وفيما قالوه : نظروهما عندي سواء في الدلالة ، إن نظر إلى حمل اللفظ على حقيقته فلا يتناول إلا الأبناء الذين ولدهم الأبوان قريباً ، لا من سفل كالأبوين لا يتناول إلا من ولداه قريباً ، لا من علا . أو إلى حمل اللفظ على مجازه ، فيشترك اللفظان في ذلك ، فينطلق الأبوان على من ولداه قريباً . ومن علا كما ينطلق الأولاد على من ولداهم قريباً . ومن سفل يبين حمله على الحقيقة في الموضعين أنَّ ابن الابن لا يرث مع الابن ، وأن الجدة لا يفرض لها الثلث بإجماع ، فلم ينزل ابن الابن منزلة الابن مع وجوده ، ولا الحدة منزلة الأم . { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } قوله : فإن لم يكن له ولد قسيم لقوله : { إن كان له ولد } وورثه أبواه دليل عل أنهما انفردا بميراثه ليس معهما أحد من أهل السهام ، لا ولد ولا غيره ، فيكون قوله : وورثه أبواه حكما لهما بجميع المال . فإذا خلص للأم الثلث كان الثاني وهو الثلثان للأب ، فذكر القسم الواحد يدل على الآخر كما تقول : هذا المال لزيد وعمرو ، لزيد منه الثلث ، فيعلم قطعاً أن باقيه وهو الثلثان لعمرو . فلو كان معهما زوج كان للأم السدس وهو : الثلث بالإضافة إلى الأب . وقال ابن عباس وشريح : للأم الثلث من جميع المال مع الزوج ، والنصف للزوج ، وما بقي للأب ، فيكون معنى : وورثه أبواه منفردين أو مع غير ولد ، وهذا مخالف لظاهر قوله : وورثه أبواه . إذ يدل على أنهما انفردا بالإرث ، فيتقاسمان للذكر مثل حظ الأنثيين . ولا شك أن الأب أقوى في الإرث من الأم ، إذ يضعف نصيبه على نصيبها إذ انفردا بالإرث ، ويرث بالفرض وبالتعصيب وبهما . وفي قول ابن عباس وشريح : يكون لها مع الزوج والأب مثل حظ الذكرين ، فتصير أقوى من الأب ، وتصير الأنثى لها مثلاً حظ الذكر ، ولا دليل على ذلك من نص ولا قياس . وفي إقامة الجد مقام الأب خلاف . فمن قال : أنه أب وحجب به الإخوة جماعة منهم : أبو بكر رضي الله عنه ، ولم يخالفه أحد من الصحابة في أيام حياته . وقال بمقالته بعد وفاته : أبي ومعاذ ، وأبو الدرداء ، وابن عباس ، وابن الزبير عبد الله ، وعائشة ، وعطاء ، وطاووس ، والحسن ، وقتادة ، وأبو حنيفة ، وإسحاق ، وأبو ثور . وذهب علي ، وزيد ، وابن مسعود : إلى توريث الجد مع الإخوة ، ولا ينقص من الثلث مع الإخوة للأب والأم أو للأم أو للأب ، إلا مع ذوي الفروض ، فإنه لا ينقص معهم من السدس شيئاً في قول : زيد ، وهو قول : مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، ومحمد ، وأبي يوسف . كان عليّ يشرك بين الجد والإخوة في السدس ، ولا ينقصه من السدس شيئاً مع ذوي الفروض وغيرهم ، وهو قول ابن أبي ليلى . وذهب الجمهور : إلى أنَّ الجد يسقط بني الإخوة من الميراث ، إلا ما روي عن الشعبي عن علي : أنه أجرى بين الإخوة في المقاسمة مجرى الإخوة . وأما أم الأم فتسمى أماً مجازاً ، لكن لا يفرض لها الثلث إجماعاً ، وأجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم ، وعلى أن الأم تحجب أمها وأم الأب ، وعلى أن الأب لا يحجب أم الأم . واختلفوا في توريث الجدة وابنتها . فروي عن عثمان وعلي وزيد : أنها لا ترث وابنتها حية ، وبه قال : الأوزاعي ، والثوري ، ومالك ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . وروي عن عثمان وعلي أيضاً ، وعمر وابن مسعود وأبي موسى وجابر : أنها ترث معها . وقال به : شريك ، وعبيد الله بن الحسن ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر . وقال : كما أن الجد لا يحجبه إلا الأب ، كذلك الجدة لا يحجبها إلا الأم . وقرأ الإخوان : فلأمه هنا موضعين ، وفي القصص { في أمها } [ القصص : 59 ] وفي الزخرف : في { أم الكتاب } [ الزخرف : 4 ] بكسر الهمزة ، لمناسبة الكسرة والياء . وكذا قرأ من { بطون أمهاتكم } [ النحل : 78 ] في النحل والزمر والنجم ، أو { بيوت أمهاتكم } [ النور : 61 ] في النور . وزاد حمزة : في هذه كسر الميم اتباعاً لكسرة الهمزة وهذا في الدرج . فإذا ابتدأ بضم الهمزة ، وهي قراءة الجماعة درجاً وابتداء . وذكر سيبويه أن كسر الهمزة من أم بعد الياء ، والكسر لغة . وذكر الكسائي والفراء : أنها لغة هوازن وهذيل . { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ، المعنى : أنه إذا كان أب وأم وإخوة ، كان نصيب الأم السدس ، وحطها الإخوة من الثلث إلى السدس ، وصار الأب يأخذ خمسة الأسداس . وذهب ابن عباس إلى أن الإخوة يأخذون ما حجبوا الأم عنه وهو السدس ، ولا يأخذه الأب . وروي عنه : أن الأب يأخذه لا الإخوة ، لقول الجماعة من العلماء . قال قتادة : وإنما أخذه الأب دونهم لأنه يمونهم ويلي نكاحهم والنفقة عليهم . وظاهر لفظ إخوة اختصاصه بالجمع المذكر ، لأن إخوة جمع أخ . وقد ذهب إلى ذلك طائفة فقالوا : الإخوة تحجب الأم عن الثلث دون الأخوات ، وعندنا يتناول الجمعين على سبيل التغليب . فإذن يصير المراد بقوله : إخوة ، مطلق الإخوة ، أي : أشقاء ، أو لأب ، أو لأم ، ذكوراً أو إناثاً ، أو الصنفين . وظاهر لفظ إخوة ، الجمع . وأن الذين يحطون الأم إلى السدس ثلاثة فصاعداً ، وهو قول : ابن عباس : الأخوات عنده في حكم الواحد لا يحطان كما لا يحط ، فالجمهور على أن الأخوين حكمهما في الحط حكم الثلاث فصاعداً . ومنشأ الخلاف : هل الجمع أقله اثنان أو ثلاثة ؟ وهي مسألة يبحث فيها في أصول الفقه ، والبحث فيها في علم النحو أليق . وقال الزمخشري : الأخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة بغير كمية ، والتثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية ، وهو موضع الدلالة على الجمع المطلق ، فدل بالأخوة عليه انتهى . ولا نسلم له دعوى أن الإخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة ، بل تفيد معنى الجمعية التي بعد التثنية بغير كمية فيما بعد التثنية ، فيحتاج في إثبات دعواه إلى دليل . وظاهر إخوة الإطلاق ، فيتناول الإخوة من الأم فيحجبون كما قلنا قبل . وذهب الروافض : إلى أنّ الإخوة من الأم لا يحجبون الأم ، لأنهم يدلون بها ، فلا يجوز أن يحجبوها ويجعلوه لغيرها فيصيرون ضارين لها نافعين لغيرها . واستدل بهذه الآية على أن البنت تقلب حق الأم من الثلث إلى السدس بقوله : فإن كان له إخوة ، لأنها إذا حرمت الثلث بالإخوة وانتقلت إلى السدس فلان تحرم بالبنت أولى . { من بعد وصية يوصى بها أو دين } المعنى : أنَّ قسمة المال بين من ذكر إنما تكون بعد خروج ما يجب إخراجه بوصية ، أو بدين . وليس تعلق الدين والوصية بالتركة سواء ، إذ لو هلك من التركة شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعاً ، ويبقى الباقي بينهم بالشركة ، ولا يسقط من الدين شيء بهلاك شيء من التركة . وتفصيل الميراث على ما ذكروا أنه بعد الوصية يدل على أنه لا يراد ظاهر إطلاق وصية من جواز الوصية بقليل المال وكثيره ، بل دل ذلك على جواز الوصية بنقص المال . ويبين أيضاً ذلك قوله : { للرجال نصيب } [ النساء : 7 ] الآية . إذ لو جازت الوصية بجميع المال لكان هذا الجواز ناسخاً لهذه الآية ، وقد دل الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول على أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث . وقد استحبوا النقصان عنه هذا إذا كان له وارث ، فإن لم يكن له وارث ، فقال مالك والأوزاعي والحسن بن صالح : لا تجوز الوصية إلا في الثلث . وقال شريك وأبو حنيفة وأصحابه : يجوز بجميع ماله ، لأنّ الامتناع في الوصية بأكثر من الثلث معلل بوجود الورثة ، فإذا لم يوجد وأجاز لظاهر إطلاق الوصية ، لأنه إذا فقد موجب تخصيص البعض جاز حمل اللفظ على ظاهره . وقد استدل بقوله : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، على أنه إذا لم يكن دين لآدمي ولا وصية ، يكون جميع ماله لورثته وأنه إن كان عليه حج أو زكاة أو كفارة أو نذر لا يجب إخراجه إلا أن يوصي بذلك . وفي هذا الاستدلال نظر . والوصية مندوب إليها ، وقد كانت واجبة قبل نزول الفرائض فنسخت . وادعى قوم وجوبها . وتتعلق من بمحذوف أي : يستحقون ذلك ، كما فصل من بعد وصية ، ويوصي في موضع الصفة ، وبها متعلق بيوصي ، وهو مضارع وقع موقع الماضي . والمعنى : من بعد وصية أوصى بها . ومعنى : أو دين ، لزمه . وقدم الوصية على الدين ، وإن كان أداء الدين هو المقدم على الوصية بإجماع اهتماماً بها وبعثاً على إخراجها ، إذ كانت مأخوذة من غير عوض شاقاً على الورثة إخراجها مظنة للتفريط فيها ، بخلاف الدين . فإنّ نفس الوارث موطنة على أدائه ، ولذلك سوى بينها وبين الدين بلفظ : أو ، في الوجوب . أو لأنّ الوصية مندوب إليها في الشرع محضوض عليها ، فصارت للمؤمن كالأمر اللازم له . والدين لا يلزم أن يوجد ، إذ قد يكون على الميت دين وقد لا يكون ، فبدىء بما كان وقوعه كاللازم ، وأخر ما لا يلزم وجوده . ولهذه الحكمة كان العطف بأو ، إذ لو كان الدين لا يموت أحد إلا وهو راتب لازم له ، لكان العطف بالواو ، أو لأن الوصية حظ مساكين وضعاف ، والدين حظ غريم يطلبه بقوة . وله فيه مقال . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما معنى أو ؟ ( قلت ) : معناها الإباحة ، وأنه إن كان أحدهما أو كلاهما قدم على قسمة الميراث كقولك : جالس الحسن ، أو ابن سيرين انتهى . ودلت الآية على أن الميراث لا يكون إلا بعد إخراج ما وجب بالوصية أو الدين ، فدل على أنّ إخراج ما وجب بها سابق على الميراث ، ولم يدل على أنهما أسبق ما يخرج من مال الميت ، إذ الأسبق هو مؤنة تجهيزه من غسله وتكفينه وحمله ووضعه في قبره ، أو ما يحتاج إليه من ذلك . وقرأ الابنان وأبو بكر : يوصي فيهما مبنياً للمفعول ، وتابعهم حفص على الثاني فقط ، وقرأهما الباقون : مبنياً للفاعل . { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً } قال ابن عباس والحسن : هو في الآخرة لا يدرون أي الوالدين أرفع درجة عند الله ليشفع في ولده ، وكذا الولد في والديه . وقال مجاهد وابن سيرين والسدي : معناه في الدّنيا ، أي : إذا اضطر إلى إنفاقهم للفاقة . ونحا إليه الزجاج ، وقد ينفقون دون اضطرار . وقال ابن زيد : في الدنيا والآخرة ، واللفظ يقتضي ذلك . وروى عن مجاهد : أقرب لكم نفعاً في الميراث والشفاعة . وقال ابن بحر : أسرع موتاً فيرثه الآخر . وقال ابن عيسى : أي فاقسموا الميراث على ما بين لكم من يعلم النفع والمصلحة ، فإنكم لا تدرون أنتم ذلك ، وقريب منه قول الزجاج . قال : معنى الكلام أنه تعالى قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة ، ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم ، فتضعون الأموال على غير حكمة ، ولهذا أتبعه بقوله : { إن الله كان عليماً } حكماً أي عليم بما يصلح لخلقه ، حكيم فيما فرض . قال ابن عطية : وهذا تعريض للحكمة في ذلك ، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورّثون على غير هذه الصفة . وقيل : تضمنت هذه الجملة النهي عن تمني موت الموروث . وقيل : المعنى في أقرب لكم نفعاً الأب بالحفظ والتربية ، أو الأولاد بالطاعة والخدمة والشفقة . وقريب من هذا قول أبي يعلى ، قال : معناه أن الآباء والأبناء يتفاوتون في النفع ، حتى لا يدري أيهم أقرب نفعاً ، لأن الأولاد ينتفعون في صغرهم بالآباء ، والآباء ينتفعون في كبرهم بالابناء . وقال الزمخشري معلقاً هذه الجملة : بالوصية ، وأنها جاءت ترغيباً فيها وتأكيداً . قال : لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون ، أمن أوصى منهم أم من لم يوص يعني : أن من أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته ، فهو أقرب لكم نفعاً ، وأحضر جدوى ممن ترك الوصية فوفر عليكم عرض الدنيا ، وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ذهاباً إلى حقيقة الأمر ، لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلاً قريباً في الصورة إلا أنه فانٍ ، فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى ، وثواب الآخرة وإن كان آجلاً إلا أنه باقٍ فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى انتهى كلامه . وهو خطابه . والوصية في الآية لم يأتِ ذكرها لمشروعيتها وأحكامها في نفسها ، وإنما جاء ذكرها ليبين أنّ القسمة تكون بعد إخراجها وإخراج الدين ، فليست مما يحدث عنها ، وتفسر هذه الجملة بها . ولكنه لما اختلف حكم الابن والأب في الميراث ، فكان حكم الابن إذا مات الأب عنه وعن أنثى ، أن يرث مثل حظ الأنثيين ، وكان حكم الأبوين إذا مات الابن عنهما وعن ولد أن يرث كل منهما السدس ، وكان يتبادر إلى الذهن أن يكون نصيب الوالد أوفر من نصيب الابن ، إذ ذاك لما له على الولد من الإحسان والتربية من نشئه إلى اكتسابه المال إلى موته ، مع ما أمر به الابن في حياته من بر أبيه . أو يكون نصيبه مثل نصيب ابنه في تلك الحالة إجراء للأصل مجرى الفرع في الإرث ، بين تعالى أنّ قسمته هي القسمة التي اختارها وشرعها ، وأن الآباء والأبناء الذين شرع في ميراثهم ما شرع لا ندري نحن أيهم أقرب نفعاً ، بل علم ذلك منوط بعلم الله وحكمته . فالذي شرعه هو الحق لا ما يخطر بعقولنا نحن ، فإذا كان علم ذلك عازباً عنا فلا نخوض فيما لا نعلمه ، إذ هي أوضاع من الشارع لا نعلم نحن عللها ولا ندركها ، بل يجب التسليم فيها لله ولرسوله . وجميع المقدرات الشرعية في كونها لا تعقل عللها هي مثل قسمة المواريث سواء . قالوا : وارتفع أيهم على الابتداء ، وخبره أقرب ، والجملة في موضع نصب لتدرون ، وتدرون من أفعال القلوب . وأيهم استفهام تعلق عن العمل في لفظه ، لأن الاستفهام في غير الاستثبات لا يعمل فيه ما قبله على ما قرر في علم النحو ، ويجوز فيه عندي وجه آخر لم يذكروه وهو على مذهب سيبويه ، وهو : أن تكون أيهم موصولة مبنية على الضم ، وهي مفعول بتدرون ، وأقرب خبر مبتدأ محذوف تقديره هم أقرب ، فيكون نظير قوله تعالى : { ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشدّ } [ مريم : 69 ] وقد اجتمع شرط جواز بنائها وهو أنها مضافة لفظاً محذوف صدر صلتها { فريضة من الله } انتصب فريضة انتصاب المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة لأن معنى يوصيكم الله يفرض الله لكم . وقال مكي وغيره هي حال مؤكدة لأن الفريضة ليست مصدراً . { إن الله كان عليماً حكيماً } أي عليماً بمصالح العباد ، حكيماً فيما فرض ، وقسم من المواريث وغيرها . وتقدّم الكلام في كان إذا جاءت في نسبة الخبر لله تعالى ، ومن زعم أنها التامة وانتصب عليماً على الحال فقوله : ضعيف ، أو أنهار زائدة فقوله : خطأ . { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين } لما ذكر تعالى ميراث الفروع من الأصول ، وميراث الأصول من الفروع ، أخذ في ذكر ميراث المتصلين بالسبب لا بالنسب وهو للزوجية هنا ، ولم يذكر في القرآن التوارث بسبب الولاء . والتوارث المستقر في الشرع هو بالنسب ، والسبب الشامل للزوجية والولاء . وكان في صدر الإسلام يتوارث بالموالاة والخلف والهجرة ، فنسخ ذلك . وقدّم ذكر ميراث سبب الزوجية على ذكر الكلالة وإن كان بالنسب ، لتواشج ما بين الزوجين واتصالهما ، واستغناء كل منهما بعشرة صاحبه دون عشرة الكلاله ، وبدىء بخطاب الرجال لما لهم من الدرجات على النساء . ولما كان الذكر من الأولاد حظه مع الأنثى مثل حظ الأنثيين ، جعل في سبب التزوج الذكر له مثلاً حظ الأنثى . ومعنى : كان لهن ولد أي : منكم أيها الوارثون ، أو من غيركم . والولد : هنا ظاهره أنه من ولدته لبطنها ذكراً كان أو أنثى واحداً كان أو أكثر ، وحكم بين الذكور منها وإن سفلوا حكم الولد للبطن ، في أن فرض الزوج منها الربع مع وجوده بإجماع . { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } الولد هنا كالولد في تلك الآية . والربع والثمن يشترك فيه الزوجات إن وجدن ، وتنفرد به الواحدة . وظاهر الآية : أنهما يعطيان فرضهما المذكور في الآيتين من غير عول ، وإلى ذلك ذهب ابن عباس . وذهب الجمهور إلى أنّ العول يلحق فرض الزوج والزوجة ، كما يلحق سائر الفرائض المسماة . { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } الكلالة : خلو الميت عن الوالد والوالدة قاله : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وسليم بن عبيد ، وقتادة ، والحكم ، وابن زيد ، والسبيعي . وقالت طائفة : هي الخلوّ من الولد فقط . وروي عن أبي بكر وعمر ثم رجعا عنه إلى القول الأوّل . وروي أيضاً عن ابن عباس ، وذلك مستقر من قوله في الإخوة مع الوالدين : إنهم يحطون الأم ويأخذون ما يحطونه . ويلزم على قوله : إذ ورثهم بأن الفريضة كلالة أن يعطيهم الثلث بالنص . وقالت طائفة منهم : الحكم بن عيينة ، هي الخلو من الولد . قال ابن عطية : وهذا إن القولان ضعيفان ، لأنّ من بقي والده أو ولده فهو موروث بنسب لا بتكلل . وأجمعت الأمة الآن على أنَّ الإخوة لا يرثون مع ابن ولا أب ، وعلى هذا مضت الأعصار والأمصار انتهى . واختلف في اشتقاقها . فقيل : من الكلال وهو الإعياء ، فكأنه يصير الميراث إلى الوارث من بعد إعياء . قال الأعشى : @ فيا ليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى نلاقي محمدا @@ وقال الزمخشري : والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال ، وهو ذهاب القوة من الإعياء . فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد ، لأنها بالإضافة إلى قرابتها كالة ضعيفة . انتهى . وقيل : هي مشتقة من تكلله النسب أحاط به . وإذا لم يترك والداً ولا ولداً فقد انقطع طرفاه ، وهما عمودا نسبه ، وبقي موروثه لمن يتكلله نسبه أي : يحيط به من نواحيه كالإكليل . ومنه روض مكلل بالزهر . وقال الفرزدق : @ ورثتم قناة المجد لا عن كلالة عن ابني مناف عبد شمس وهاشم @@ وقال الأخفش : الكلالة من لا يرثه أب ولا أم . والذي عليه الجمهور أنَّ الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا مولود ، وهو قول جمهور أهل اللغة صاحب العين ، وأبي منصور اللغوي ، وابن عرفة ، وابن الأنباري ، والعتبي ، وأبي عبيدة . وغلط أبو عبيدة في ذكر الأخ مع الأب والولد . وقطرب في قوله : الكلالة اسم لمن عدا الأبوين والأخ ، وسمى ما عدا الأب والولد كلالة ، لأنه بذهاب طرفيه تكلله الورثة وطافوا به من جوانبه . ويرجح هذا القول نزول الآية في جابر ولم يكن له يوم نزولها ابن ولا أب ، لأنّ أباه قتل يوم أحد فصارت قصة جابر بياناً لمراد الآية . وأما الكلالة في الآية فقال عطاء : هو المال . وقالت طائفة : الكلالة الورثة ، وهو قول الراغب قال : الكلالة اسم لكل وارث . قال الشاعر : @ والمرء يجمع للغنى وللكلالة ما يسيم @@ وقال عمر وابن عباس : الكلالة الميت الموروث . وقالت طائفة : الورثة بجملتها كلهم كلالة . وقرأ الجمهور : يورث بفتح الراء مبنياً للمفعول ، من أورث مبنياً للمفعول . وقرأ الحسن : بكسرها مبنياً للفاعل من أورث أيضاً . وقرأ أبو رجاء والحسن والأعمش : بكسر الراء وتشديدها . من ورّث . فأما على قراءة الجمهور ومعنى الكلالة أنه الميت أو الوارث ، فانتصاب الكلالة على الحال من الضمير المستكن في يورث . وإذا وقع على الوارث احتيج إلى تقدير : ذا كلالة ، لأن الكلالة إذ ذاك ليست نفس الضمير في يورث . وإن كان معنى الكلالة القرابة ، فانتصابها على أنها مفعول من أجله أي : يورث لأجل الكلالة . وأما على قراءة الحسن وأبي رجاء ، فإن كانت الكلالة هي الميت فانتصابها على الحال ، والمفعولان محذوفان ، التقدير : يورث وارثه ماله في حال كونه كلالة . وإن كان المعنى بها الوارث فانتصاب الكلالة على المفعول به بيورث ، ويكون المفعول الثاني محذوفاً تقديره : يورث كلالة ماله أو القرابة ، فعلى المفعول من أجله والمفعولان محذوفان أيضاً ، ويجوز في كان أن تكون ناقصة ، فيكون يورث في موضع نصب على الخبر . وتامة فتكون في موضع رفع على الصفة . ويجوز إذا كانت ناقصة والكلالة بمعنى الميت ، أن يكون يورث صفة ، وينتصب كلالة على خبر كان ، أو بمعنى الوارث . فيجوز ذلك على حذف مضاف أي : وإن كان رجل موروث ذا كلالة . وقال عطاء : الكلالة المال ، فينتصب كلالة على أنه مفعول ثان ، سواء بني الفعل للفاعل أو للمفعول . وقال ابن زيد : الكلالة الوراثة ، وينتصب على الحال أو على النعت لمصدر محذوف تقديره : وراثة كلاله . وقد كثر الاختلاف في الكلالة ، وملخص ما قيل فيها : أنها الوارث ، أو الميت الموروث ، أو المال الموروث ، أو الوراثة ، أو القرابة . وظاهر قوله : يورث أي : يورث منه ، فيكون هو الموروث لا الوارث . ويوضحه قراءة من كسر الراء . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فإن جعلت يورث على البناء للمفعول من أورث فما وجهه ؟ ( قلت ) : الرجل حينئذ هو الوارث لا الموروث . ( فإن قلت ) : فالضمير في قوله : فلكل واحد منهما إلى من يرجع حينئذ ؟ ( قلت ) : إلى الرجل وإلى أخيه وأخته ، وعلى الأول إليهما ( فإن قلت ) : إذا رجع الضمير إليهما أفاد استواءهما في حيازة السدس من غير مفاضلة الذكر والأنثى ، فهل تبقى هذه الفائدة قائمة في هذا الوجه ؟ [ قلت ] : نعم ، لأنك إذا قلت : السدس له ، أو لواحدٍ من الأخ أو الأخت على التخيير ، فقد سويت بين الذكر والأنثى انتهى كلامه . وملخص ما قال : أن يكون المعنى : إن كان أحد اللذين يورثهما غيرهما من رجل أو امرأة له أحد هذين من أخ أو أخت ، فلكل واحد منهما السدس . وعطف وامرأة على رجل ، وحذف منها ما قيد به الرجل لدلالة المعنى ، والتقدير : أو امرأة تورث كلالة . وإن كان مجرد العطف لا يقتضي تقييد المعطوف بقيد المعطوف عليه . والضمير في : وله ، عائد على الرجل نظير : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } [ الجمعة : 11 ] في كونه عاد على المعطوف عليه . وإن كان يجوز أن يعاد الضمير على المعطوف تقول : زيد أو هند قامت ، نقل ذلك الأخفش والفراء . وقد تقدم لنا ذكر هذا الحكم . وزاد الفراء وجهاً ثالثاً وهو : أن يسند الضمير إليهما . قال الفراء : عادة العرب إذا رددت بين اسمين بأو ، وأن تعيد الضمير إليهما جميعاً ، وإلى أحدهما أيهما شئت . تقول : مَن كان له أخ أو أخت فليصله . وإن شئت فليصلها انتهى . وعلى هذا الوجه ظاهر قوله : { إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } [ النساء : 135 ] وقد تأوله من منع الوجه . وأصل أخت إخوة على وزن شررة ، كما أن بنتاً أصله بنية على أحد القولين في ابن ، أهو المحذوف منه واو أو ياء ؟ قيل : فلما حذفت لام الكلمة وتاء التأنيث ، وألحقوا الكلمة بقفل وجذع بزيادة التاء آخرهما قال الفراء : ضم أول أخت ليدل على أن المحذوف واو ، وكسر أول بنت ليدل على أن المحذوف ياء انتهى . ودلت هذه التاء التي للإلحاق على ما دلت عليه تاء التأنيث من التأنيث . وظاهر قوله : وله أخ أو أخت الإطلاق ، إذ الإخوة تكون بين الأحفاد والأعيان وأولاد العلات ، وأجمعوا على أنّ المراد في هذه الآية الإخوة للأم . ويوضح ذلك قراءة أبيّ وله أخ أو أخت من الأم . وقراءة سعد بن أبي وقاص : وله أخ أو أخت من أم ، واختلاف الحكمين هنا ، وفي آخر السورة يدل على اختلاف المحكوم له ، إذ هنا الإبنان أو الإخوة يشتركون في الثلث فقط ذكوراً أو إناثاً بالسوية بينهم . وهناك يحوزون المال للذكر مثل حظ الأنثيين ، والبنتان لهما الثلثان ، والضمير في منهما الظاهر أنه يعود على أخ أو أخت . وعلى ما جوزه الزمخشري يعود على أحد رجل وامرأة واحد أخ وأخت ، ولو ماتت عن زوج وأم وأشقاء فله النصف ولهما السدس ، ولهم الباقي أولاً فلهم الثلث . أو أخوين لأم أشقاء فهذه الحمادية . فهل يشترك الجميع في الثلث ، أم ينفرد به الأخوان لأم ؟ قولان ، قال بالتشريك عمر في آخر قضائه ، وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو حنيفة وأصحابه . وقال بالانفراد : علي وأبو موسى ، وأبي ، وابن عباس . { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } الإشارة بذلك إلى أخ أو أخت ، أي أكثر من واحد . لأنّ المحكوم عليه بأن له السدس هو كل واحد من الأخ والأخت فهو واحد ، ولم يحكم على الاثنين بأن لهما جميعاً السدس ، فتصح الأكثرية فيما أشير إليه وهو ذلك ، بل المعنى هنا بأكثر يعني : فإن كان من يرث زائداً على ذلك أي : على الواحد ، لأنه لا يصح أن يقول هذا أكثر من واحد إلا بهذا المعنى ، لتنافي معنى كثير وواحد ، إذ الواحد لا كثرة فيه . وفي قوله : فإن كانوا ، وفهم شركاء غلب ضمير المذكر ، ولذلك جاء بالواو وبلفظ ، فهم هذا كله على ما قررت فيه الأحكام . وظاهر الآية : أنه إذا ترك أخاً أو أختاً ، أي أحد هذين ، فلكل واحد منهما السدس أو أكثر اشتركوا في الثلث ، أما إذا ترك اثنين من أخ أو أخت ، فلا يدل على ذلك ظاهر الآية . { من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله } الضمير في يوصي عائد على رجل ، كما عاد عليه في : وله أخ . ويقوي عود الضمير عليه أنه هو الموروث لا الوارث ، لأن الذي يوصي أو يكون عليه الدين هو الموروث لا الوارث . ومن فسر قوله : { وإن كان رجل } أنه هو الوارث لا الموروث ، جعل الفاعل في يوصي عائداً على ما دل عليه المعنى من الوارث . كما دل المعنى على الفاعل في قوله : { فلهن ثلثا ما ترك } لأنه علم أن الموصي والتارك لا يكون إلا الموروث ، لا الوارث . والمراد : غير مضار ، ورثته بوصيته أو دينه . ووجوه المضارة كثيرة : كان يوصي بأكثر من الثلث ، أو لوارثه ، أو بالثلث ، أو يحابى به ، أو يهبه ، أو يصرفه إلى وجوه القرب من عتق وشبهه فراراً عن وارث محتاج ، أو يقر بدين ليس عليه . ومشهور مذهب مالك أنه ما دام في الثلث لا بعد مضاراً ، وينبغي اعتبار هذا القيد وهو انتفاء الضرر فيما تقدم من ذكر قوله : { من بعد وصية يوصي بها } وتوصون { ويوصين } ويكون قد حذف مما سبق لدلالة ما بعده عليه ، فلا يختص من حيث المعنى انتفاء الضرر بهذه الآية المتأخرة . قال ابن عباس : الضرار في الوصية من الكبائر ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وعنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة : " من ضار في وصيته ألقاه الله في وادي جهنم " وقال قتادة : نهى الله عن الضرار في الحياة وعند الممات . قالوا : وانتصاب غير مضار على الحال من الضمير المستكن في يوصي ، والعامل فيهما يوصي . ولا يجوز ما قالوه ، لأن فيه فصلاً بين العامل والمعمول بأجنبي منهما وهو قوله : أو دين . لأن قوله : أو دين ، معطوف على وصية الموصوفة بالعامل في الحال . ولو كان على ما قالوه من الإعراب لكان التركيب من بعد وصية يوصي بها غير مضار أو دين . وعلى قراءة من قرأ : يوصَى بفتح الصاد مبنياً للمفعول ، لا يصح أن يكون حالاً لما ذكرناه ، ولأنّ المضار لم يذكر لأنه محذوف قام مقامه المفعول الذي لم يسم فاعله ، ولا يصح وقوع الحال من ذلك المحذوف . لو قلت : تُرسل الرياح مبشراً بها بكسر الشين ، لم يجز وإن كان المعنى يرسل الله الرياح مبشراً بها . والذي يظهر أنه يقدر له ناصب يدل عليه ما قبله من المعنى ، ويكون عاماً لمعنى ما يتسلط على المال بالوصية أو الدين ، وتقديره : يلزم ذلك ماله أو يوجبه فيه غير مضار بورثته بذلك الإلزام أو الإيجاب . وقيل : يضمر يوصي لدلالة يوصي عليه ، كقراءة يسبح بفتح الباء . وقال رجال : أي يسبحه رجال . وانتصاب وصية من الله على أنه مصدر مؤكد أي : يوصيكم الله بذلك وصية ، كما انتصب { فريضة من الله } . وقال ابن عطية : هو مصدر في موضع الحال ، والعامل يوصيكم . وقيل : هو نصب على لخروج من قوله : { فلكل واحد منهما السدس } أو من قوله : { فهم شركاء في الثلث } وجوز هو والزمخشري نصب وصية بمضار على سبيل التجوز ، لأن المضارة في الحقيقة إنما تقع بالورثة لا بالوصية ، لكنه ما كان الورثة قد وصى الله تعالى بهم صار الضرر الواقع بالورثة كأنه وقع بالوصية . ويؤيد هذا التخريج قراءة الحسن غير مضار وصية ، فخفض وصية بإضافة مضار إليه ، وهو نظير يا سارق الليلة المعنى : يا سارقا في الليلة ، لكنه اتسع في الفعل فعداه إلى الظرف تعديته للمفعول به ، وكذلك التقدير في هذا غير مضار في : وصية من الله ، فاتسع وعدي اسم الفاعل إلى ما يصل إليه بوساطة في تعديته للمفعول به . { والله عليم حليم } عليم بمن جار أو عدل ، حليم عن الجائر لا يعاجله بالعقوبة قاله : الزمخشري . وفيه دسيسة الاعتزال أي : أنّ الجائر وإن لم يعاجله الله بالعقوبة فلا بد له منها . والذي يدل عليه لفظ حليم هو أن لا يؤاخذه بالذنب كما يقوله أهل السنة . وعلى قولهم يكون هذا الوصف يدل على الصفح عنه البتة . وحسن ذلك هنا لأنه لما وصف نفسه بقوله : عليم ، ودل على اطلاعه على ما يفعله الموروث في مضارته بورثته في وصيته ودينه ، وأنّ ذكر علمه بذلك دليل على مجازاته على مضارته ، أعقب ذلك بالصفة الدالة على الصفح عمن شاء ، وذلك على عادة أكثر القرآن بأنه لا يذكر ما يدل على العقاب ، إلا ويردف بما دل على العفو . وانظر إلى حسن هذا التقسيم في الميراث ، وسبب الميراث هو الاتصال بالميت ، فإن كان بغير واسطة فهو النسب أو الزوجية ، أو بواسطة فهو الكلالة . فتقدّم الأول على الثاني لأنه ذاتي ، والثاني عرض ، وأخّر الكلالة عنهما لأن الاثنين لا يعرض لهما سقوط بالكلية ، ولكون اتصالهما بغير واسطة ، ولأكثرية المخالطة . انتهى ملخصاً من كلام الرازي في تفسيره . { تلك حدود الله } قيل : الإشارة بتلك إلى القسمة المتقدّمة في المواريث . والأولى أن تكون إشارة إلى الأحكام السابقة في أحوال اليتامى والزوجات والوصايا والمواريث ، وجعل هذه الشرائع حدوداً ، لأنها مؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتعدوها إلى غيرها . وقال ابن عباس : حدود الله طاعته . وقال السدّي : شروطه . وقيل : فرائضه . وقيل : سننه . وهذه أقوال متقاربة . { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } لما أشار تعالى إلى حدوده التي حدَّها قسَّم الناس إلى عامل بها مطيع ، وإلى غير عامل بها عاص . وبدأ بالمطبع لأن الغالب على من كان مؤمناً بالله تعالى الطاعة ، إذ السورة مفتتحة بخطاب الناس عامّة ، ثم أردف بخطاب من يتصف بالإيمان إلى آخر المواريث ، ولأن قسم الخير ينبغي أن يبتدأ به وأن يعتني بتقديمه . وحمل أولاً على لفظ من في قوله : يطع ، ويدخله ، فأفرد ثم حمل على المعنى في قوله : خالدين . وانتصاب خالدين على الحال المقدرة ، والعامل فيه يدخله ، وصاحب الحال هو ضمير المفعول في يدخله . قال ابن عطية : وجمع خالدين على معنى من بعد أن تقدم الإفراد مراعاة للفظ من ، وعكس هذا لا يجوز انتهى . وما ذكر أنه لا يجوز من تقدم الحمل على المعنى ثم على اللفظ جائز عند النحويين ، وفي مراعاة الحملين تفصيل وخلاف مذكور في كتب النحو المطولة . وقال الزمخشري : وانتصب خالدين وخالداً على الحال . ( فإن قلت ) : هل يجوز أن يكونا صفتين لجنات وناراً ؟ ( قلت ) : لا ، لأنهما جريا على غير من هما له ، فلا بد من الضمير وهو قولك : خالدين هم فيها ، وخالداً هو : فيها انتهى . وما ذكره ليس مجمعاً عليه ، بل فرع على مذهب البصريين . وأما عند الكوفيين فيجوز ذلك ، ولا يحتاج إلى إبراز الضمير إذا لم يلبس على تفصيل لهم في ذلك ذكر في النحو . وقد جوز ذلك في الآية الزجاج والتبريزي أخذ بمذهب الكوفيين . وقرأ نافع وابن عامر : ندخله هنا ، وفي : ندخله ناراً بنون العظمة . وقرأ الباقون : بالياء عائداً على الله تعالى . قال الراغب : ووصف الفوز بالعظم اعتبار يفوز الدّنيا الموصوف بقوله : { قل متاع الدنيا قليل } [ النساء : 77 ] والصغير والقليل في وصفهما متقاربان . { ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } لما ذكر ثواب مراعي الحدود ذكر عقاب من يتعداها ، وغلظ في قسم المعاصي ، ولم يكتف بالعصيان بل أكد ذلك بقوله : ويتعدّ حدوده ، وناسب الختم بالعذاب المهين ، لأن العاصي المتعدّي للحدود برز في صورة من اغتر وتجاسر على معصية الله . وقد تقل المبالاة بالشدائد ما لم ينضم إليها الهوان ، ولهذا قالوا : المنية ولا الدنية . قيل : وأفرد خالداً هنا ، وجمع في خالدين فيها ، لأنّ أهل الطاعة أهل الشفاعة ، وإذا شفع في غير دخلها ، والعاصي لا يدخل النار به غيره ، فبقي وحيداً انتهى . وتضمنت هذه الآيات من أصناف البديع : التفصيل في : الوارث والأنصباء بعد الإبهام في قوله : للرجال نصيب الآية . والعدول من صيغة : يأمركم الله إلى يوصيكم ، لما في الوصية من التأكيد والحرص على اتباعها . والطباق في : للذكر مثل حظ الأنثيين ، وفي : من يطع ومن يعص ، وإعادة الضمير إلى غير مذكور لقوة الدلالة على ذلك في قوله : مما ترك أي : ترك الموروث . والتكرار في : لفظ كان ، وفي فريضة من الله ، أن الله ، وفي : ولداً ، وأبواه ، وفي : من يعد وصية يوصي بها أو دين ، وفي : وصية من الله إن الله ، وفي : حدود الله ، وفي : الله ورسوله . وتلوين الخطاب في : من قرأ ندخله بالنون . والحذف في مواضع .