Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 77-85)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أمر تعالى نبيه بالصبر تأنيساً له ، وإلافهو ، عليه السلام ، في غاية الصبر ، وأخبر بأن ما وعده من النصر والظفر وإعلاء كلمته وإظهار دينه حق . قيل : وجواب { فإما نرينك } محذوف لدلالة المعنى عليه ، أي فيقر عينك ، ولا يصح أن يكون { فإلينا يرجعون } جواباً للمعطوف عليه والمعطوف ، لأن تركيب { فإما نرينك } بعض الموعود في حياتك ، { فإلينا يرجعون } ليس بظاهر ، وهو يصح أن يكون جواب ، { أو نتوفينك } : أي { فإلينا يرجعون } ، فننتقم منهم ونعذبهم لكونهم لم يتبعوك . ونظير هذه الآية قوله : { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون * أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون } [ الزخرف : 41 42 ] ، إلا أنه هنا صرح بجواب الشرطين . وقال الزمخشري : { فإلينا يرجعون } متعلق بقوله : { نتوفينك } ، وجزاء { نرينك } محذوف تقديره : فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب ، وهو القتل يوم بدر فذاك ، أو أن نتوفينك قبل يوم بدر ، فإلينا يرجعون يوم القيامة ، فننتقم منهم أشد الانتقام . وقد تقدم للزمخشري نحو هذا البحث في سورة يونس في قوله : { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم } [ يونس : 46 ] ، ورددنا عليه ، فيطالع هناك . وقال الزمخشري أيضاً : { فإما نرينك } أصله فإن نرك ، وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، ولذلك ألحقت النون بالفعل . ألا تراك لا تقول : إن تكرمني أكرمك ، ولكن أما تكرمني أكرمك ؟ انتهى . وما ذهب إليه من تلازم ما لمزيده ، ونون التوكيد بعد أن الشرطية هو مذهب المبرد والزجاج . وذهب سيبويه إلى أنك إن شئت أتيت بما دون النون ، وإن شئت أتيت بالنون دون ما . قال سيبويه في هذه المسألة : وإن شئت لم تقحم النون ؛ كما أنك إذا جئت لم تجىء بما ، يعني لم تقحم النون مع مجيئك بما ، ولم تجىء بما مع مجيئك بالنون . وقرأ الجمهور : يرجعون بياء الغيبة مبنياً للمفعول ؛ وأبو عبد الرحمن ، ويعقوب : بفتح الياء ؛ وطلحة بن مطرف ، ويعقوب في رواية الوليد بن حسان : بفتح تاء الخطاب . ثم رد تعالى على العرب في إنكارهم بعثة الرسل ، وفي عدد الرسل اختلاف . روي أنه ثمانية آلاف من بني إسرائيل ، وأربعة آلاف من غيرهم . وروي : بعث الله أربعة آلاف نبي ، { منهم من قصصنا عليك } : أي من أخبرناك به ، أما في القرآن فثمانية عشر . { ومنهم من لم نقصص عليك } ، وعن علي ، وابن عباس : أن الله بعث نبياً أسود في الحبش ، فهو ممن لم يقصص عليه . { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } : أي ليس ذلك راجعاً إليهم ، لما اقترحوا على الرسل قال : ليس ذلك إلى لا تأتي آية إلا إن شاء الله ، { فإذا جاء أمر الله } : رد ووعيد بإثر اقتراحهم الآيات ، وأمر الله : القيامة . والمبطلون : المعاندون مقترحون الآيات ، وقد أتتهم الآيات ، فأنكروها وسموها سحراً ، أو { فإذا جاء أمر الله } : أي أراد إرسال رسول وبعثة نبي ، قضي ذلك وأنفذه { بالحق } ، وخسر كل مبطل ، وحصل على فساد آخرته ، أو { فإذا جاء أمر الله } : وهو القتل ببدر . ثم ذكر تعالى آيات اعتبار وتعداد نِعم فقال : { الله الذي جعل لكم الأنعام } ، وهي ثمانية الأزواج ، ويضعف قول من أدرج فيها الخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به من البهائم ، وقول من خصها بالإبل وهو الزجاج . { لتركبوا منها } : وهي الإبل ، إذ لم يعهد ركوب غيرها . { ومنها تأكلون } : عام في ثمانية الأزواج ، ومن الأولى للتبعيض . وقال ابن عطية : ومن الثانية لبيان الجنس ، لأن الجمل منها يؤكل . انتهى ، ولا يظهر كونها لبيان الجنس ، ويجوز أن تكون فيه للتبعيض ولابتداء الغاية . ولما كان الركوب منها هو أعظم منفعة ، إذ فيه منفعة الأكل والركوب . وذكر إيضاً أن في الجميع منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك ، أكد منفعة الركوب بقوله : { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } من بلوغ الأسفار الطويلة ، وحمل الأثقال إلى البلاد الشاسعة ، وقضاء فريضة الحج ، والغزو ، وما أشبه ذلك من المنافع الدينية والدنيوية . ولما كان الركوب وبلوغ الحاجة المترتبة عليه قد يتوصل به إلى الانتقال لأمر واجب ، أو مندوب كالحج وطلب العلم ، دخل حرف التعليل على الركوب وعلى المترتب عليه من بلوغ الحاجات ، فجعل ذلك علة لجعل الأنعام لنا . ولما كان الأكل وإصابة المنافع من جنس المباحات ، لم يجعل ذلك علة في الجعل ، بل ذكر أن منها نأكل ، ولنا فيها منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك ، كما أدخل لام التعليل في لتركبوها ، ولم يدخلها على الزينة في قوله : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } [ النحل : 8 ] . ولما ذكر تعالى ما امتن به من منة الركوب للإبل في البر ، ذكر ما امتن به من نعمة الركوب في البحر فقال : { وعليها وعلى الفلك تحملون } . ولما كان الفلك يصح أن يقال فيه : حمل في الفلك ، كقوله : { قلنا احمل فيها } [ هود : 40 ] ، ويصح أن يقال فيه حمل على الفلك ، اعتبر لفظ على لمناسبة قوله : { وعليها } ، وإن كان معنى في صحيحاً { ويريكم آياته } : أي حججه وأدلته على وحدانيته . { فأي آيات الله تنكرون } : أي إنها كثيرة ، فأيها ينكر ؟ أي لا يمكن إنكار شيء منها في العقول ، { فأي آيات الله } منصوب بتنكرون . قال الزمخشري : { فأي آيات } جاءت على اللغة المستفيضة ، وقولك : فأية آيات الله قليل ، لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو : حمار وحمارة غريب ، وهي في أي أغرب لإبهامه . انتهى ، ومن قلة تأنيث : أي قوله : @ بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عاراً عليّ وتحسب @@ وقوله : وهي في أي أغرب ، إن عنى أياً على الإطلاق فليس بصحيح ، لأن المستفيض في النداء أن يؤنث نداء المؤنث لقوله تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة } [ الفجر : 27 ] ، ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول : يا أيها المرأة ، إلا صاحب كتاب البديع في النحو . وإن عنى غير المناداة ، فكلامه صحيح ، فقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة ، وما في قوله : { فما أغنى } نافية شرطية واستفهامية في معنى النفي ، وما في ما كانوا مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وهي في موضع رفع ، والضمير في { جاءتهم } عائد على { الذين من قبلهم } . وجاء قوله : { من العلم } على جهة التهكم بهم ، أي في الحقيقة لا علم لهم ، وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل ، وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم : { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً } [ الكهف : 36 ] ، أو اعتقدوا أن عندهم علماً يستغنون به عن علم الأنبياء ، كما تزعم الفلاسفة . والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله ، دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم . ولما سمع سقراط ، لعنه الله ، بموسى ، صلوات الله على نبينا وعليه ، قيل له : لو هاجرت إليه ، فقال : نحن قوم مهذبون ، فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا . وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد . وقيل : الضمير في { فرحوا } ، وفي { بما عندهم } عائد على الرسل ، أي فرحت الرسل بما أوتوا من العلم ، وشكروا الله عليه ، لما رأوا جهل من أرسلوا إليهم واستهزاءهم بالحق ، وعلموا سوء عاقبتهم . وقيل : الضمير في { فرحوا } عائد على الأمم ، وفي { بما عندم } عائد على الرسل ، أي فرح الكفار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء . وقال الزمخشري : ومنها ، أي من الوجوه التي في الآية في قوله : { فرحوا بما عندهم من العلم } ، مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والسرور في تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلم . انتهى . ولا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام ، نحو قولهم : شر أهر ذا ناب ، على خلاف فيه ، ولما آل أمره إلى الإيتاء المحصور جاز . وأما في الآية فينبغي أن لا يحمل على القليل ، لأن في ذلك تخليطاً لمعاني الجمل المتباينة ، فلا يوثق بشيء منها . وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد { فرحوا بما عندهم من العلم } : علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها ، كما قال تعالى : { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } [ الروم : 7 ] { ذلك مبلغهم من العلم } [ النجم : 30 ] ، فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات ، وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات ، لم يلتفتوا إليها ، وصغروها واستهزؤوا بها ، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ، ففرحوا به . انتهى ، وهو توجيه حسن ، لكن فيه إكثار وشقشقة . { بأسنا } : أي عذابنا الشديد ، حكى حال من آمن بعد تلبيس العذاب به ، وأن ذلك لم يك نافعاً ، وفي ذلك حض على المبادرة إلى الإيمان ، وتخويف من التأني . فأما قوم يونس ، فإنهم رأوا العذاب لم يلتبس بهم ، وتقدمت قصتهم . وإيمانهم مرفوع بيك اسماً لها ، أو فاعل ينفعهم . وفي يك ضمير الشأن على الخلاف الذي في : كان يقوم زيد ، ودخل حرف النفي على الكون ، لا على النفي ، لأنه يؤدي إلى نفي الصحة ، إي لم يصح ولم يستقم لقوله : { ما كان لله أن يتخذ من ولد } [ مريم : 35 ] . وترادف هذه الفاءات ، أما في { فما أغنى } ، فلأنه كان نتيجة قوله : { كانوا أكثر منهم } ، { فلما جاءتهم رسلهم } ، جار مجرى البيان والتفسير لقوله : { فما أغنى عنهم } . و { ولما رأوا بأسنا } تابع لقوله : { فلما جاءتهم } ، كأنه قال : فكفروا به فلما رأوا بأسنا آمنوا ولم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأس الله ، وانتصب سنة على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ، أي أن ما فعل بهم هي سنة الله التي قد مضت وسبقت في عباده من إرسال الرسل والإعزاز بهم ، وتعذيب من كذبهم واستهانتهم واستئصالهم بالهلاك ، وعدم الانتفاع بالإيمان حالة تلبس العذاب بهم . وهنالك ظرف مكان استعير للزمان ، أي وخسر في ذلك الوقت الكافرون . وقيل : سنة منصوب على التحذير ، أي احذروا سنة الله يا أهل مكة في إعداد الرسل .