Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 66-76)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمر الله تعالى نبيه ، عليه السلام ، أن يخبرهم بأنه نهى أن يعبد أصنامهم ، لما جاءته البينات من ربه ، فهذا نهي بالسمع ، وإن كان منهياً بدلائل العقل ، فتظافرت أدلة السمع وأدلة العقل على النهي عن عبادة الأوثان . فمن أدلة السمع قوله تعالى : { أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون } [ الصافات : 95 96 ] إلى غير ذلك ، وذكره أنه نهي بالسمع لا يدل على أنه كان منهياً بأدلة العقل . ولما نهى عن عبادة الأوثان ، أخبر أنه أمر بالاستسلام لله تعالى ، ثم بين أمر الوحدانية والألوهية التي أصنامهم عارية عن شيء منهما ، بالاعتبار في تدريج ابن آدم بأن ذكر مبدأه الأول ، وهو من تراب . ثم أشار إلى التناسل بخلقه من نطفة ، والطفل اسم جنس ، أو يكون المعنى : { ثم يخرجكم } ، أي كل واحد منكم طفلاً ، وتقدم الكلام على بلوغ الأشد . و { من قبل } ، قال مجاهد : من قبل أن يكون شيخاً ، قيل : ويجوز أن يكون من قبل هذه الأحوال ، إذا خرج سقطاً ، وقيل : عبارة بتردده في التدريج المذكور ، ولا يختص بما قبل الشيخ ، بل منهم من يموت قبل أن يخرج طفلاً ، وآخر قبل الأشد ، وآخر قبل الشيخ . { ولتبغلوا } : متعلق بمحذوف ، أي يبقيكم لتبلغوا ، أي ليبلغ كل واحد منكم أجلاً مسمى لا يتعداه . قال مجاهد : يعني موت الجميع ، وقيل : هو يوم القيامة . و { لعلكم تعقلون } ما في ذلك من العبرة والحجج ، إذا نظرتم في ذلك وتدبرتم . ولما ذكر ، رتب الإيجاد ، ذكر أنه المتصف بالإحياء والإمانة ، وأنه متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أوجده من غير تأخر ، وتقدم الكلام على مثل هذه الجمل . ثم قال بعد ظهور هذه الآيات : ألا تعجب إلى المجادل في آيات اله كيف يصرف عن الجدال فيها ويصير إلى الإيمان بها ؟ والظاهر أنها في الكفار المجادلين في رسالة الرسول عليه السلام والكتاب الذي جاء به بدليل قوله : { الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا } ، ثم هددهم بقوله : { فسوف تعلمون } ، وهذا قول الجمهور . وقال محمد بن سيرين وغيره : هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة ، ورووا في نحو هذا حديثاً وقالوا : هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم ، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعل قوله : { الذين كذبوا } كلاماً مستأنفاً في الكفار ، ويكون { الذين كذبوا } مبتدأ ، وخبره : { فسوف يعلمون } . وأما على الظاهر ، فالذين بدل من الذين ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوباً على الذم ، وإذ ظرف لما مضى ، فلا يعمل فيه المستقبل ، كما لا يقول : سأقوم أمس ، فقيل : إذا يقع موقع إذ ، وأن موقعها على سبيل المجاز ، فيكون إذ هنا بمعنى إذا ، وحسن ذلك تيقن وقوع الأمر ، وأخرج في صيغة الماضي ، وإن كان المعنى على الاستقبال . قال النخعي : لو أن غلاًّ من أغلال جهنم وضع على جبل ، لأ رحضة حتى يبلغ إلى الماء الأسود . وقرأ : والسلاسل عطفاً على الأغلال ، يسحبون مبنياً للمفعول . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وزيد بن علي ، وابن وثاب ، والمسيء في اختياره : والسلاسل بالنصب على المفعول ، يسحبون مبنياً للفاعل ، وهو عطف جملة فعلية على جملة اسمية . وقرأت فرقة منهم ابن عباس : والسلاسل ، بجر اللام . قال ابن عطية : على تقدير ، إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ ، إذ ترتيبه فيه قلب ، وهو على حد قول العرب : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وفي مصحف أبيّ : وفي السلاسل يسحبون . وقال الزمخشري : ووجهه أنه لو قيل : إذ أعناقهم في الأغلال ، مكان قوله : { إذ الأغلال في أعناقهم } ، لكان صحيحاً مستقيماً . فلما كانتا عبارتين معتقبتين ، حمل قوله : { والسلاسل } على العبارة الأخرى ، ونظيره قول الشاعر : @ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها @@ كأنه قيل : بمصلحين . وقرىء : وبالسلاسل ، انتهى ، وهذا يسمى العطف على التوهم ، ولكن توهم إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها ، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها ، ونظير ذلك قول الشاعر : @ أحدك لن ترى بثعيلبات ولا بيداء ناجية زمولا ولا متدارك والليل طفل ببعض نواشع الوادي حمولا @@ التقدير : لست براء ولا متدارك . وهذا الذي قاله ابن عطية والزمخشري سبقهما إليه الفراء ، قال : من جر السلاسل حمله على المعنى ، لأن المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل . وقال الزجاج : من قرأ بحفص والسلاسل ، فالمعنى عنده : وفي السلاسل يسحبون . وقال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ، لو قلت : زيد في الدار ، لم يحسن أن تضمر في فتقول : زيد الدار ، ثم ذكر تأويل الفراء ، وخرج القراءة ثم قال : كما تقول : خاصم عبد الله زيداً العاقلين ، بنصب العاقلين ورفعه ، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر . انتهى ، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي ، قال : لأن كل واحد منهما فاعل مفعول ، وقرىء : وبالسلاسل يسحبون ، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأول الخفض على إضمار حرف الجر ، وهو تأويل شذوذ . وقال ابن عباس : في قراءة من نصب والسلاسل ، وفتح ياء يسحبون إذا كانوا يجرونها ، فهو أشد عليهم ، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون . وقال مجاهد : { يسجرون } : يطرحون فيها ، فيكونون وقوداً لها . وقال السدي : يسجرون : يحرقون . ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع ، فيقال لهم : أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا ؟ فيقولون : { ضلوا عنا } : أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا ، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون : بل لم نكن نعبد شيئاً ، وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر . ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئاً ، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئاً ، كما تقول : حسبت أن فلاناً شيء ، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته ، فلم تر عنده جزاء ، وقولهم : { ضلوا عنا } ، مع قوله : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [ الأَنبياء : 98 ] ، يحتمل أن يكون ذلك عند تقريعهم ، فلم يكونوا معهم إذ ذاك ، أو لما لم ينفعوهم قالوا : { ضلوا عنا } ، وإن كانوا معهم . { كذلك } : أي مثل هذه الصفة وبهذا الترتيب ، { يضل الله الكافرين } ، وقال الزمخشري : أي مثل ضلال آلهتهم عنهم ، يضلهم عن آلهتهم ، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا . ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح ، { بغيرالحق } : وهو الشهادة عبادة الأوثان . وقال ابن عطية : ذلك العذاب الذي أنتم فيه مما كنتم تفرحون في الأرض بالمعاصي والكفر . انتهى . و { تمرحون } ، قال ابن عباس : الفخر والخيلاء ؛ وقال مجاهد : الاشر والبطر . انتهى ، فقال لهم ذلك توبيخاً أي إيماناً لكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعاصي وكثرة المال والأتباع والصحة . وقال الضحاك : الفرح والسرور ، والمرح : العدوان ، وفي الحديث : " إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين " وتفرحون وتمرحون من باب تجنيس التحريف المذكور في علم البديع ، وهو أن يكون الحرف فرقاً بين الكلمتين . { ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها } : الظاهر أنه قيل لهم : ادخلوا بعد المحاورة السابقة ، وهم قد كانوا في النار ، ولكن هذا أمر يقيد بالخلود ، وهو الثواء الذي لا ينقطع ، فليس أمراً بمطلق الدخول ، أو بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا سبعة أبواب التي لكل باب منها جزء مقسوم من الكفار ، فكان ذلك أمراً بالدخول يفيد التجزئة لكل باب . وقال ابن عطية : وقوله تعالى : { ادخلوا } معناه : يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا ، لأن هذه المخاطبة إنما هي بعد دخولهم ، وفي الوقت الذي فيه الأغلال في أعناقهم . وأبواب جهنم : هي السبعة المؤدّية إلى طبقاتها وأدراكها السبعة . انتهى . وخالدين : حال مقدرة ، ودلت على الثواء الدائم ، فجاء التركيب : { فبئس مثوى المتكبرين } : فبئس مدخل المتكبرين ، لأن نفس الدخول لا يدوم ، فلم يبالغ في ذمّه ، بخلاف الثواء الدائم .