Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-12)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه السورة مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . وقال ابن عباس : مكية إلا أربع آيات من قوله : { قل لا أسلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } إلى آخر الأربع آيات ، فإنها نزلت بالمدينة . وقال مقاتل : فيها مدني قوله : { ذلك الذي يبشر الله عباده } [ الشورى : 23 ] الى { الصدور } [ الشورى : 24 ] . ومناسبة أول السورة لآخر ما قبلها أنه قال : { قل أرأيتم إن كان من عند الله } [ فصلت : 52 ] الآية ، وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال . لما كفروا به قال هنا : { كذلك } ، أي مثل الإيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء ، { يوحى إليك } : أي إن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع ، يتعهدك وقتاً بعد وقت . وذكر المفسرون في { حم عسق } أقوالاً مضطربة لا يصح منها شيء كعادتهم في هذه الفواتح ، ضربنا عن ذكرها صفحاً . وقرأ الجمهور : يوحي مبنياً للفاعل ؛ وأبو حيوة ، والأعشى عن أبي بكر ، وأبان : نوحي بنون العظمة ؛ ومجاهد ، وابن وكثير ، وعباس ، ومحبوب ، كلاهما عن أبي عمرو : يوحي مبنياً للمفعول ؛ والله مرفوع بمضمر تقديره أوحي ، أو بالابتداء ، التقدير : الله العزيز الحكيم الموحي ؛ وعلى قراءة نوحي بالنون ، يكون { الله العزيز الحكيم } مبتدأ وخبراً . ويوحي ، إما في معنى أوجب حتى ينتظم قوله : { وإلى إلذين من قبلك } ، أو يقرأ على موضوعه ، ويضمر عامل يتعلق به إلى الذين تقديره : وأوحي إلى الذين من قبلك . وتقدم الكلام على { تكاد السموات يتفطرن } في سورة مريم قراءة وتفسيراً . وقال الزمخشري : وروى يونس عن أبي عمرو قراءة عربية : تتفطرن بتاءين مع النون ، ونظيرها حرف نادر روي في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن . انتهى . والظاهر أن هذا وهم من الزمخشري في النقل ، لأن ابن خالويه ذكر في شواذ القراآت له ما نصب : تفطرن بالتاء والنون ، يونس عن أبي عمرو . وقال ابن خالويه : هذا حرف نادر ، لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث . لا يقال : النساء تقمن ، ولكن يقمن ، { والوالدات يرضعن } [ البقرة : 233 ] . قد كان أبو عمر الزاهد روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن ، فأنكرناه ، فقد قواه ، لأن هذا كلام ابن خالويه . فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله بتاءين مع النون فهو وهم ، وإن كان في بعضها بتاء مع النون ، كان موافقاً لقول ابن خالويه ، وكان بتاءين تحريفاً من النساخ . وكذلك كتبهم تتفطرن وتتشممن بتاءين . والظاهر عود الضمير في { فوقهن } على { السموات } . قال ابن عطية : من أعلاهن . وقال الزمخشري : ينفطرن من علو شأن الله تعالى وعظمته ، ويدل عليه مجيئه بعد { العلي العظيم } . وقيل : من دعائهم له ولداً ، كقوله : { تكاد السماوات يتفطرن منه } [ مريم : 90 ] . فإن قلت : لم قال { من فوقهن } ؟ قلت : لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السماوات ، وهي العرش والكرسي وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش ، وما لا يعلم كنهه إلا الله من آثار ملكوته العظمى ، فلذلك قال : { يتفطرن من فوقهن } : أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية . وقال جماعة ، منهم الحوفي ، قال : { من فوقهن } ، والهاء والنون كناية عن الأرضين . انتهى . { من فوقهن } متعلق يتفطرن ، ويدل على هذا القول ذكر الأرض قبل . وقال علي بن سليمان الأخفش : الضمير للكفار ، والمعنى : من فوق الفرق والجماعات الملحدة ، أي من أجل أقوالها . انتهى . فهذه الآية كالذي في سورة مريم ، واستبعد مكي هذا القول ، قال : لا يجوز في الذكور من بني آدم ، يعني ضمير المؤنث والاستشعار ما ذكره مكي . قال علي بن سليمان : من فوق الفرق والجماعات ، وظاهر الملائكة العموم . وقال مقاتل : حملة العرش والتسبيح ، قيل : قولهم سبحان الله ، وقيل : يهللون ؛ والظاهر في يستغفرون طلب الغفران ، ولأهل الأرض عام مخصوص بقوله : { ويستغفرون للذين آمنوا } [ غافر : 7 ] ، قاله السدي . وقيل : عام . ومعنى الاستغفار : طلب الهداية المؤدية إلى المغفرة ، كأنهم يقولون : اللهم اهد أهل الأرض ، فاغفر لهم . ويدل عليه وصفه بالغفران والرحمة والاستفتاح . وقال الزمخشري : ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار لهم : طلب الحلم والغفران في قوله : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } [ فاطر : 41 ] ، إلى أن قال : { إنه كان حليماً غفوراً } [ فاطر : 41 ] ، وقوله : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } [ الرعد : 6 ] ، والمراد : الحلم عنهم ، وأن لا يعاجلهم بالانتقام فيكون عاماً . انتهى . وتكلم أبو عبد الله الرازي في قوله : { تكاد السماوات } كلاماً خارجاً عن مناحي مفهومات العرب ، منتزعاً من كلام الفلاسفة ومن جرى مجراهم ، يوقف على ذلك فى كتابه . { والذين اتخذوا من دونه أولياء } : أي أصناماً وأوثاناً ، { الله حفيظ عليهم } : أي على أعمالهم ومجازيهم عليها ، { وما أنت عليهم بوكيل } : أي بمفوض إليك أمرهم ولا قائم . وما في هذا من الموادعة منسوخ بآية السيف . { وكذلك } : أي ومثل هذا الإيحاء والقضاء ، إنك لست بوكيل عليهم ، { أوحينا إليك قرآناً عربياً } . والظاهر أن { قرآناً } مفعول { أوحينا } . وقال الزمخشري : الكاف مفعول به ، أي أوحيناه إليك ، وهو قرآن عربي لا لبس فيه عليك ، إذ نزل بلسانك . انتهى . فاستعمل الكاف اسماً في الكلام ، وهو مذهب الأخفش . { لتنذر أم القرى } : مكة ، أي أهل أم القرى ، وكذلك المفعول الأول محذوف ، والثاني هو : { يوم الجمع } : أي اجتماع الخلائق ، والمنذر به هو ما يقع في يوم الجمع من الجزاء وانقسام الجمع إلى الفريقين ، أو اجتماع الأرواح بالأجساد ، أو أهل الأرض بأهل السماء ، أو الناس بأعمالهم ، أقوال أربعة . لينذر بياء الغيبة ، أي لينذر القرآن . { لا ريب فيه } : أي لا شك في وقوعه . وقال الزمخشري : { لا ريب فيه } : اعتراض لا محالة . انتهى . ولا يظهر أنه اعتراض ، أعني صناعياً ، لأنه لم يقع بين طالب ومطلوب . وقرأ الجمهور : { فريق } بالرفع فيهما ، أي هم فريق أو منهم فريق . وقرأ زيد بن عليّ بنصبهما ، أي افترقوا ، فريقاً في كذا ، وفريقاً في كذا ؛ ويدل على الافتراق : الاجتماع المفهوم من يوم الجمع . { ولو شاء الله لجعلهم أمّة واحدة } : يعني من إيمان أو كفر ، قال معناه الضحاك ، وهو قول أهل السنة ، وذلك تسلية للرسول . كما كان يقاسيه من كفر قومه ، وتوقيف على أن ذلك راجع إلى مشيئته ، ولكن من سبقت له السعادة أدخله في رحمته . وقال الزمخشري : { لجعلهم أمة واحدة } : أي مؤمنين كلهم على القسر والإكراه ، كقوله : { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } [ السجدة : 13 ] ، وقوله : { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً } [ يونس : 99 ] . والدليل على أن المعنى هو الإيحاء إلى الإيمان قوله : { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } [ يونس : 99 ] ، وذكر ما ظنه استدلالاً على ذلك ، وهو على طريق الاعتزال . وقال أنس بن مالك : { في رحمته } : في دين الإسلام . { أم اتخذوا من دونه أولياء } ، أم بمعنى بل ، للانتقال من كلام إلى كلام ، والهمزة للإنكار عليهم اتخاذ أولياء من دون الله . وقيل : أم بمعنى الهمزة فقط ، وتقدّم الكلام على مثل هذا ، حيث جاءت أم المنقطعة ، والمعنى : اتخذوا أولياء دون الله ، وليسوا بأولياء حقيقة ، فالله هو الولي ، والذي يجب أن يتولى وحده ، لا ما لا يضر ولا ينفع من أوليائهم . ولما أخبر أنه هو الولي ، عطف عليه هذا الفعل الغريب الذي لا يقدر عليه غيره ، وهو إحياء الموتى . ولما ذكر هذا الوصف ، ذكر قدرته على كل شيء تتعلق إرادته به . وقال الزمخشري : في قوله : { فالله هو الولي } ، والفاء في قوله : { فالله هو الولي } جواب شرط مقدر ، كأنه قيل : بعد إنكار كل ولي سواه ، وإن أرادوا ولياً بحق ، فالله هو الولي بالحق ، لا ولي سواه . انتهى . ولا حاجة إلى تقدير شرط محذوف ، والكلام يتم بدونه . { وما اختلفتم فيه من شيء } : هذا حكاية لقول الرسول ، أي ما اختلفتم فيه أيها الناس من تكذيب أو تصديق وإيمان وكفر وغير ذلك ، فالحكم فيه والمجازاة عليه ليس ذلك إلا إلى الله ، لا إليّ ، ولفظة من شيء تدل على العموم . وقيل : من شيء من الخصومات ، فتحاكموا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تؤثروا على حكومته حكومة غيره ، كقوله : { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول } [ النساء : 59 ] . وقيل : { من شيء } : من تأويل آية واشتبه عليكم ، فارجعوا في بيانه إلى آي المحكم من كتاب الله ، والظاهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : ما وقع منكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ، ولا طريق لكم إلى علمه ، فقولوا : الله أعلم ، كمعرفة الروح . وقال الزمخشري : أي ما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمور الدين ، فحكم ذلك المختلف فيه مفوض إلى الله ، وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاتبة المبطلين . { ذلكم } : الحكم بينكم هو { ربي عليه توكلت } في رد كيد أعداء الدين ، وإليه أرجع في كفاية شرهم . انتهى . وقرأ الجمهور : { فاطر } بالرفع ، أي هو فاطر ، أو خبر بعد خبر كقوله : { ذلكم } . وقرأ زيد بن عليّ : فاطر بالجر ، صفة لقوله : { إلى الله } ، والجملة بعدها اعتراض بين الصفة والموصوف . { جعل لكم من أنفسكم } : أي من جنس أنفسكم ، أي آدميات ، { أزواجاً } : إناثاً ، أو جعل الخلق لأبينا آدم من ضلعه حواء زوجاً له خلقاً لنا ، { ومن الأنعام أزواجاً } : أي أنواعاً كثيرة ، ذكوراً وإناثاً ، أو أزواجاً إناثاً . { يذرؤكم فيه } ، قال ابن عباس : أي يجعل لكم فيه معيشية تعيشون بها . وقال ابن زيد : يرزقكم فيه ، وهو قريب من القول قبله . وقال مجاهد : يخلقكم في بطون الإناث . وقال ابن زيد أيضاً : يذرأكم فيما خلق من السموات والأرض . وقال الزجاج : يكثركم به ، أي فيه ، أي يكثركم في خلقكم أزواجاً . وقال عليّ بن سليمان : ينقلكم من حال إلى حال . وقال ابن عطية : الضمير في فيه للجعل ، أي يخلقكم ويكثركم في الجعل ، كما تقول : كلمت زيداً كلاماً أكرمته فيه ، قال : ولفظة ذرأ تزيد على لفظة خلق معنى آخر ليس في خلق ، وهو توالي الطبقات على مر الزمان . وقال الزمخشري : { يذرؤكم } : يكثركم ، يقال ذرأ الله الخلق : بثهم وكثرهم ، والذرء والذروء والذرواء أخوات في هذا التدبير ، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل . والضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطبين والأنعام ، مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على الغير مما لا يعقل ، وهي من الأحكام ذات العلتين . انتهى . وقوله : وهي من الأحكام ذات العلتين ، اصطلاح غريب ، ويعني أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا فتقول : أنت وزيد تقومان ؛ والعاقل يغلب على غير العاقل إذا اجتمعا ، فتقول : الحيوان وغيرهم يسبحون خالقهم . قال الزمخشري ؛ فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير ؟ وهلا قيل : يذرؤكم به ؟ قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير . ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير ؟ كما قال تعالى : { ولكم في القصاص حياة } [ البقرة : 179 [ انتهى . { ليس كمثله شيء } ، تقول العرب : مثلك لا يفعل كذا ، يريدون به المخاطب ، كأنهم إذا نفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفياً عن الشخص ، وهو من باب المبالغة ، ومثل الآية قول أوس بن حجر : @ ليس كمثل الفتى زهير خلق يوازيه في الفضائل @@ وقال آخر : @ وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر @@ وقال آخر : @ سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ما إن كمثلهم في الناس من أحد @@ فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء . وما ذهب إليه الطبري وغيره من أن مثلاً زائدة للتوكيد كالكاف في قوله : @ فأصبحت مثل كعصف مأكول @@ وقوله : @ وصاليات ككما يؤثفين @@ ليس بجيد ، لأن مثلاً اسم ، والأسماء لا تزاد ، بخلاف الكاف ، فإنها حرف ، فتصلح للزيادة . ونظير نسبة المثل إلى من لا مثل له قولك : فلان يده مبسوطة ، يريد أنه جواد ، ولا نظير له في الحقيقة إلى اليد حتى تقول ذلك لمن لا يد له ، كقوله : { بل يداه مبسوطتان } [ المائدة : 64 ] . فكما جعلت ذلك كناية عن الجود فيمن لا يد له ، فكذلك جعلت المثل كناية عن الذات في من لا مثل له . ويحتمل أيضاً أن يراد بالمثل الصفة ، وذلك سائغ ، يطلق المثل بمعنى المثل وهو الصفة ، فيكون المعنى : ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره ، وهذا محمل سهل ، والوجه الأول أغوص . قال ابن قتيبة : العرب تقيم المثال مقام النفس ، فيقول : مثلي لا يقال له هذا ، أي أنا لا يقال لي هذا . انتهى . فقد صار ذلك كناية عن الذات ، فلا فرق بين قولك : ليس كالله شيء ، أو ليس كمثل الله شيء . وقد أجمع المفسرون على أن الكاف والمثل يراد بهما موضوعهما الحقيقي من أن كلاً منهما يراد به التشبيه ، وذلك محال ، لأن فيه إثبات مثل لله تعالى ، وهو محال . { وهو السميع } لأقوال الخلق ، { البصير } لأعمالهم . وتقدم تفسير : { له مقاليد السموات والأرض } في سورة الزمر ؛ وقرىء : { ويقدر } : أي يضيق . { إنه بكل شيء عليم } : أي يوسع لمن يشاء ، ويضيق على من يشاء . وقال الزمخشري : فإذا علم أن الغنى خير للعبد أغناه لا أفقره . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال .