Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 32-45)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى من دلائل وحدانيته أنواعاً ، ذكر بعدها العالم الأكبر ، وهو السموات والأرض ؛ ثم العالم الأصغر ، وهو الحيوان . ثم اتبعه بذكر المعاد ، أتبعه بذكر السفن الجارية في البحر ، لما فيها من عظيم دلائل القدرة ، من جهة أن الماء جسم لطيف شفاف يغوص فيه الثقيل ، والسفن تشخص بالأجسام الثقيلة الكثيفة ، ومع ذلك جعل تعالى للماء قوة يحملها بها ويمنع من الغوص . ثم جعل الرياح سبباً لسيرها . فإذا أراد أن ترسو ، أسكن الريح ، فلا تبرح عن مكانها . والجواري : جمع جارية ، وأصله السفن الجواري ، حذف الموصوف وقامت صفته مقامه ، وحسن ذلك قوله : { في البحر } ، فدل ذلك على أنها صفة للسفن ، وإلا فهي صفة غير مختصة ، فكان القياس أن لا يحذف الموصوف ويقوم مقامه . ويمكن أن يقال : إنها صفة غالبة ، كالأبطح ، فجاز أن تلي العوامل بغير ذكر الموصوف . وقرىء : الجواري بالياء ودونها ، وسمع من العرب الإعراب في الراء ، وفي البحر متعلق بالجواري ، وكالأعلام في موضع الحال ، والأعلام : الجبال ، ومنه قول الخنساء أخت صخر ومعاوية : @ وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار @@ ومنه : @ إذا قطعن علماً بدا علم @@ وقرأ جمهور السبعة : { الريح } إفراداً ، ونافع : جمعاً ، وقرأ الجمهور : { فيظللن } بفتح اللام ، وقرأ قتادة : بكسرها ، والقياس الفتح ، لأن الماضي بكسر العين ، فالكسر في المضارع شاذ . وقال الزمخشري : من ظل يظل ويظل ، نحو ضل يضل ويضل . انتهى . وليس كما ذكر ، لأن يضل بفتح العين من ضللت بكسرها في الماضي ، ويضل بكسرها من ضللت بفتحها في الماضي ، وكلاهما مقيس . { لكل صبار } على بلائه ، { شكور } لنعمائه . { أو يوبقهن } : يهلكهن ، أي الجواري ، وهو عطف على يسكن ، والضمير في { كسبوا } عائد على ركاب السفن ، أي بذنوبهم . وقرأ الأعمش : ويعفو بالواو ، وعن أهل المدينة : بنصب الواو ، والجمهور : ويعف مجزوماً عطفاً على يوبقهن . فأما قراءة الأعمش ، فإنه أخبر تعالى أنه يعفو عن كثير ، أي لا يؤاخذ بجميع ما اكتسب الإنسان . وأما النصب ، فبإضمار أن بعد الواو ، وكالنصب بعد الفاء في قراءة من قرأ : يحاسبكم به الله فيغفر ، وبعد الواو في قول الشاعر : @ فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام @@ روي بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه . وفي هذه القراءة يكون العطف على مصدر متوهم ، أي يقع إيباق وعفو عن كثير . وأما الجزم فإنه داخل في حكم جواب الشرط ، إذ هو معطوف عليه ، وهو راجع في المعنى إلى قراءة النصب ، لكن هذا عطف فعل على فعل ، وفي النصب عطف مصدر مقدر على مصدر متوهم . وقال القشيري : وقرىء : { ويعف } بالجزم ، وفيها إشكال ، لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح ، فتبقى تلك السفن رواكد ، أو يهلكها بذنوب أهلها ، فلا يحسن عطف ويعف على هذه ، لأن المعنى : يصيران شيئاً يعف ، وليس المعنى ذلك ، بل المعنى : الإخبار عن الغيوب عن شرط المشيئة ، فهو إذن عطف على المجزوم من حيث اللفظ ، لا من حيث المعنى . وقد قرأ قوم : ويعفو بالرفع ، وهي جيدة في المعنى . انتهى ، وما قاله ليس بجيد ، إذ لم يفهم مدلول التركيب . والمعنى : أنه تعالى إن يشأ أهلك ناساً وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم . وقال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف يوبقهن ؟ قلت : على يسكن ، لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح فيركدن ، أو يعصفها فيغرقن بعصفها . انتهى . ولا يتعين أن يكون التقدير : أو يعصفها فيغرقن ، لأن إهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح ، بل قد يهلكها تعالى بسبب غير الريح ، كنزول سطحها بكثرة الثقل ، أو انكسار اللوح يكون سبباً لإهلاكها ، أو يعرض عدو يهلك أهلها . وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وابن عامر ، وزيد بن علي : { ويعلم } بالرفع على القطع . وقرأ الجمهور : ويعلم بالنصب ؛ قال أبو علي وحسن : النصب إذا كان قبله شرط وجزاء ، وكل واحد منهما غير واجب . وقال الزجاج : على إضمار أن ، لأن قبلها جزاء . تقول : ما تصنع أصنع مثله ، وأكرمك ، وإن أشئت ، وأكرمك علي ، وأنا أكرمك ، وإن شئت ، وأكرمك جزماً . قال الزمخشري : فيه نظر ، لما أورده سيبويه في كتابه قال : واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله : إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف ، وهو نحو من قوله : @ وألحق بالحجاز فاستريحا @@ فهذا لا يجوز ، وليس بحد الكلام ولا وجهه ، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً ، لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل . فلما ضارع الذي لا يوجبه ، كالاستفهام ونحوه ، أجازوا فيه هذا على ضعفه . قال الزمخشري : ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ، ولو كانت من هذا الباب ، لما أخلى سيبويه منها كتابه ، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة . انتهى . وخرج الزمخشري النصب على أنه معطوف على تعليل محذوف ، قال تقديره : لينتقم منهم { ويعلم الذين يجادلون } ، يكره في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن ، ومنه قوله تعالى : { ولنجعلك آية للناس } [ البقرة : 259 ] ، وقوله : { خلق الله السماوات والأرض بالحق } [ العنكبوت : 44 ] ، { ولتجزى كل نفس بما كسبت } [ الجاثية : 22 ] . انتهى . ويبعد تقديره لينتقم منهم ، لأنه ترتب على الشرط إهلاك قوم ، فلا يحسن لينتقم منها . وأما الآيتان فيمكن أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف ، أي { ولنجعله آية للناس } [ مريم : 21 ] ، { ولتجزى كل نفس بما كسبت } . فعلنا ذلك ، وكثيراً ما يقدر هذا الفعل محذوفاً قبل لام العلة ، إذا لم يكن فعل ظاهر يتعلق به . وذكر الزمخشري أن قوله تعالى : { ويعلم } قرىء بالجزم ، فإن قلت : فكيف يصح المعنى على جزم ويعلم ؟ قلت : كأنه قال : أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور : هلاك قوم ، ونجاة قوم ، وتحذير آخرين ، لأن قوله : { ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص } يتضمن تحذيرهم من عقاب الله ، و { ما لهم من محيص } في موضع نصب ، لأن يعلم معلقة ، كقولك : علمت ما زيد قائم . وقال ابن عطية في قراءة النصب ، وهذه الواو ونحوها التي يسميها الكوفيون واو الصرف ، لأن حقيقة واو الصرف التي يريدونها عطف فعل على اسم مقدر ، فيقدر أن ليكون مع الفعل بتأويل المصدر ، فيحسن عطفه على الاسم . انتهى . وليس قوله تعليلاً لقولهم واو الصرف ، إنما هو تقرير لمذهب البصريين . وأما الكوفيون فإن واو الصرف ناصبة بنفسها ، لا بإضمار أن بعدها . وقال أبو عبيد على الصرف كالذي في آل عمران : { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } [ آل عمران : 142 ] ، ومعنى الصرف أنه كان على جهة ، فصرف إلى غيرها ، فتغير الإعراب لأجل الصرف . والعطف لا يعين الاقتران في الوجود ، كالعطف في الأسم ، نحو : جاء زيد وعمرو . ولو نصب وعمرو اقتضى الاقتران ؛ وكذلك واو الصرف ، ليفيد معنى الاقتران ويعين معنى الاجتماع ، ولذلك أجمع على النصب في قوله : { ويعلم الصابرين } ، أي ويعلم المجاهدين والصابرين معاً . عن عليّ ، رضي الله عنه ، اجتمع لأبي بكر رضي الله عنه مال ، فتصدق به كله في سبيل الله والخير ، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون ، فنزلت : { فما أوتيتم من شيء } ، والظاهر أنه خطاب للناس . وقيل : للمشركين ، وما شرطية مفعول ثان لأوتيتم ، ومن شيء بيان لما ، والمعنى : من شيء من رياش الدنيا ومالها والسعة فيها ، والفاء جواب الشرط ، أي فهو متاع ، أي يستمتع في الحياة . { وما عند الله } : أي من ثوابه وما أعد لأوليائه ، { خير وأبقى } مما أوتيتم ، لأنه لا انقطاع له . وتقدم الكلام في الكبائر في قوله : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } [ النساء : 31 ] ، في النساء . وقرأ الجمهور : { كبائر } جمعاً هنا ، وفي النجم ، وحمزة ، والكسائي : بالإفراد . { والذين يجتنبون } : عطف على { الذين آمنوا } ، وكذلك ما بعده . ووقع لأبي البقاء وهم في التلاوة ، اعتقد أنها الذين يجتنبون بغير واو ، فبنى عليه الإعراب فقال : الذين يجتنبون في موضع جر بدلاً من الذين آمنوا ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار ، أعني : وفي موضع رفع على تقديرهم . انتهى . والعامل في إذا يغفرون ، وهي جملة من مبتدأ وخبر معطوف على يجتنبون ، ويجوز أن يكون هم توكيداً للفاعل في غضبوا . وقال أبو البقاء : هم مبتدأ ، ويغفرون الخبر ، والجملة جواب إذا . انتهى ، وهذا لا يجوز ، لأن الجملة لو كانت جواب إذا لكانت بالفاء ، تقول : إذا جاء زيد فعمرو منطلق ، ولا يجوز حذف الفاء إلا إن ورد في شعر . وقيل : هم مرفوع بفعل محذوف يفسره يغفرون ، ولما حذف ، انفصل الضمير ، وهذا القول فيه نظر ، وهو أن جواب إذا يفسر كما يفسر فعل الشرط بعدها ، نحو : { إذا السماء انشقت } [ الإنشقاق : 1 ] ، ولا يبعد جواز ذلك على مذهب سيبويه ، إذ جاء ذلك في أداة الشرط الجازمة ، نحو : إن ينطلق زيد ينطلق ، فزيد عنده فاعل بفعل محذوف يفسره الجواب ، أي ينطلق زيد ، منع ذلك الكسائي والفراء . وقال الزمخشري : هم يغفرون ، أي هم الأخصاء بالغفران ، في حال الغضب لا يغول الغضب أحلامهم ، كما يغول حلوم الناس . والمجيء لهم وإيقاعه مبتدأ ، وإسناد يغفرون إليه لهذه الفائدة . انتهى ، وفيه حض على كسر الغضب . وفي الحديث : " أوصني ، قال : لا تغضب ، قال : زدني ، قال : لا تغضب ، قال : زدني ، قال : لا تغضب " { والذين استجابوا لربهم } ، قيل : نزلت في الأنصار ، دعاهم الله للإيمان به وطاعته فاستجابوا له . وكانوا قبل الإسلام ، وقبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، إذا نابهم أمر تشاوروا ، فأثنى الله عليهم ، لا ينفردون بأمر حتى يجتمعوا عليه . وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم . انتهى . وفي الشورى اجتماع الكلمة والتحاب والتعاضد على الخير . وقد شاور الرسول عليه السلام فيما يتعلق بمصالح الحروب والصحابة بعده في ذلك ، كمشاورة عمر للهرمز . وفي الأحكام ، كقتال أهل الردّة ، وميراث الحربي ، وعدد مدمني الخمر ، وغير ذلك . والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور ، على حذف مضاف ، أي وأمرهم ذو شورى بينهم . و { هم ينتصرون } : صلة للذين ، وإذا معمولة لينتصرون ، ولا يجوز أن يكون { هم ينتصرون } جواباً لإذا ، والجملة الشرطية وجوابها صلة لما ذكرناه من لزوم الفاء ، ويجوز هنا أن يكون هم فاعلاً بفعل محذوف على ذلك القول الذي قيل في { هم يغفرون } . وقال الحوفي : وإن شئت جعلت هم توكيداً للهاء والميم ، يعني في أصابهم ، وهو ضمير رفع ، وفي هذا نظر ، وفيه الفصل بين المؤكد والتوكيد بالفاعل ، وهو فعل الظاهر أنه لا يمتنع ، والانتصار : أن يقتصر على ما حده الله له ولا يعتدي . وقال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم ، فتجترىء عليهم الفساق ، ومن انتصر غير متعد فهو مطيع محمود . وقال مقاتل ، وهشام عن عروة : الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص . وقال ابن عباس : تعدى المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ، وأخرجوهم من مكة ، فأذن الله لهم بالخروج في الأرض ، ونصرهم على من بغى عليهم . وقال الكيا الطبري : ظاهره أن الانتصار في هذا الموضع أفضل ، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله ولرسوله وإقامة الصلاة ؟ فهذا على ما ذكره النخعي ، وهذا فيمن تعدى وأصر ، والمأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مقلعاً . وقد قال عقيب هذه الآية { ولمن انتصر بعد ظلمه } الآية ، فيقتضي إباحة الانتصار . وقد عقبه بقوله : { ولمن صبر وغفر } ، وهذا محمول على القرآن عند غير المصر . فأما المصر على البغي ، فالأفضل الانتصار منه بدليل الآية قبلها . وقال ابن بحر : المعنى تناصروا عليه فأزالوه عنهم . وقال أبو بكر بن العربي نحواً من قول الكيا . قال الجمهور : إذا بغى مؤمن على مؤمن ، فلا يجوز له أن ينتصر منه بنفسه ، بل يرفع ذلك إلى الإمام أو نائبه . وقالت فرقة : له ذلك . { وجزاء سيئة سيئة مثلها } : هذا بيان للانتصار ، أي لا يتعدى فيما يجازي به من بغى عليه . قال ابن أبي نجيح ، والسدي : إذا شتم ، فله أن يرد مثل ما شتم به دون أن يتعدى ، وسمى القصاص سيئة على سبيل المقابلة ، أو لأنها تسوء من اقتص منه ، كما ساءت الحيض . وظاهر قوله : مثلها المماثلة مطلقاً في كل الأحوال ، لا فيما خصه الدليل . والفقهاء أدخلوا التخصيص في صور كثيرة بناء على القياس . قال مجاهد ، والسدي : إذا قال له أخزاك الله فليقل أخزاك الله ، وإذا قذفه قذفاً يوجب الحد ، بل الحد الذي أمره الله به . { فمن عفا وأصلح } : أي بينه وبين خصمه بالعفو ، { فأجره على الله } : عدة مبهمة لا يقاس عظمها ، إذ هي على الله . { إنه لا يحب الظالمين } : أي الخائنين ، وإذا كان لا يحبه وقد ندب إلى العفو عنه ، فالعفو الذي يحبه الله أولى أن يعفي عنه ، أو لا يحب الظالمين من تجاوز واعتدى من المجني عليهم ، إذا انتصروا خصوصاً في حالة الحرب والتهاب الحمية ، فربما يظلم وهو لا يشعر . وفي الحديث : " إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له أجر على الله فليقم ، قال : فيقوم خلق ، فيقال لهم : ما أجركم على الله ؟ فيقولون : نحن عفونا عمن ظلمنا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة بإذن الله " واللام في { ولمن انتصر } لام توكيد . قال الحوفي : وفيها معنى القسم . وقال ابن عطية : لام التقاء القسم يعنيان أنها اللام التي يتلقى بها القسم ، فالقسم قبلها محذوف ، ومن شرطية ، وحمل { انتصر بعد ظلمه } على لفظ من ، وفأولئك على معنى من ، والفاء جواب الشرط ، وظلمه مصدر مضاف إلى المفعول . قال الزمخشري : ويفسره قراءة من قرأ : بعد ما ظلم ما عليهم من سبيل ، قيل : أي من طريق إلى الحرج ؛ وقيل : من سبيل للمعاقب ، ولا المعاتب والعاتب ، وهذه مبالغة في إباحة الانتصار . { إنما السبيل } : أي سبيل الإثم والحرج ، { على الذين يظلمون } : أي يبتذلون بالظلم ، { ويبغون في الأرض } : أي يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون . وقيل : ويظلمون الناس : أي يضعون الأشياء غير مواضعها من القتل وأخذ المال والأذى باليد واللسان . والبغي بغير الحق ، فهو نوع من أنواع الظلم ، خصه بالذكر تنبيهاً على شدته وسوء حال صاحبه . انتهى . { ولمن صبر } : أي على الظلم والأذى ، { وغفر } ، ولم ينتصر . واللام في ولمن يجوز أن تكون اللام الموطئة القسم المحذوف ، ومن شرطية ، وجواب القسم قوله : { إن ذلك } ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه . ويجوز أن تكون اللام لام الابتداء ، ومن موصولة مبتدأ ، والجملة المؤكدة بأن في موضع الخبر . وقال الحوفي : من رفع بالابتداء وأضمر الخبر ، وجواب الشرط إن وما تعلقت به على حذف الفاء ، كما قال الشاعر : @ من يفعل الحسنات الله يشكرها @@ أي : فالله يشكرها . انتهى ، وهذا ليس بجيد ، لأن حذف الفاء مخصوص بالشعر عند سيبويه . والإشارة بذلك إلى ما يفهم من مصدر صبر وغفر والعائد على الموصول المبتدأ من الخبر محذوف ، أي إن ذلك منه لدلالة المعنى عليه : { لمن عزم الأمور } ، إن كان ذلك إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله : { ولمن صبر وغفر } ، لم يكن في عزم الأمور حذف ، وإن كان ذلك إشارة إلى المبتدأ ، كان هو الرابط ، ولا يحتاج إلى تقدير منه ، وكان في { عزم الأمور } ، أي أنه لمن ذوي عزم الأمور . وسب رجل آخر في مجلس الحسن ، فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق ، ثم قام فتلا الآية ، فقال الحسن : عقلها والله وفهمها ، لم هذه ضيعها الجاهلون . والجملة من قوله : { إنما السبيل } اعتراض بين قوله : { ولمن انتصر } ، وقوله : { ولمن صبر } . { ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده } : أي من ناصر يتولاه من بعده ، أي من بعد إضلاله ، وهذا تحقير لأمر الكفرة . { وترى الظالمين } : الخطاب للرسول ، والمعنى : وترى حالهم وما هم فيه من الحيرة ، { لما رأوا العذاب } ، يقولون : { هل إلى مردّ من سبيل } : هل سبيل إلى الردّ للدنيا ؟ وذلك من فظيع ما اطلعوا عليه ، وسوء ما يحل بهم . { وتراهم يعرضون عليها } : أي على النار ، دل عليها ذكر العذاب ، { خاشعين } متضائلين صاغرين مما يحلقهم ، { من الذل } وقرأ طلحة : من الذل ، بكسر الذال ؛ والجمهور بالضم ، والخشوع : الاستكانة ، وهو محمود . وإنما أخرجه إلى الذم اقترانه بالعذاب وقيل : { من الذل } متعلق { ينظرون من طرف خفي } . قال ابن عباس : ذليل . انتهى . قيل : ووصف بالخفاء لأن نظرهم ضعيف ولحظهم نهاية ، قال الشاعر : @ فغض الطرف إنك من نمير @@ وقيل : يحشرون عمياً . ولما كان نظرهم بعيون قلوبهم ، جعله طرفاً خفياً ، أي لا يبدو نظرهم ، وهذا التأويل فيه تكلف . وقال السدي ، وقتادة : المعنى يسارقون النظر لما كانوا فيه من الهمّ وسوء الحال ، لا يستطيعون النظر بجميع العين ، وإنما ينظرون من بعضها ، فيجوز على هذا التأويل أن يكون الطرف مصدراً ، أي من نظر خفي . وقال الزمخشري : { من طرف خفي } ، أي يبتدىء نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة ، كما ترى المصور ينظر إلى السيف ، وهكذا نظر الناظر إلى المكاره ، ولا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينه منها ، كما يفعل في نظره إلى المتحاب .