Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 46-53)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الظاهر أن { وقال } ماض لفظاً ومعنى ، أي { وقال الذين آمنوا } في الحياة الدنيا ، ويكون يوم القيامة معمولاً لخسروا ، ويحتمل أن يكون معنى { وقال } : ويقول ، ويوم القيامة معمول لو يقولوا ، أي ويقولوا في ذلك اليوم لما عاينوا ما حل بالكفار وأهليهم . الظاهر أنهم الذين كانوا أهليهم في الدنيا ، فإن كانوا معهم في النار فقد خسروهم ، أي لا ينتفعون بهم ؛ وإن كانوا في الجنة لكونهم كانوا في الجنة لكونهم كانوا مؤمنين ، كآسية امرأة فرعون ، فهم لا ينتفعون بهم أيضاً . وقيل : أهلوهم ما كان أعد لهم من الحور لو كانوا آمنوا ، والظاهر أن قوله : { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } من كلام المؤمنين ؛ وقيل : استئناف إخبار من الله تعالى . { من قبل أن يأتي يوم } ، قيل : هو يوم ورود الموت ، والظاهر أنه يوم القيامة . و { من الله } متعلق بمحذوف يدل عليه ما مر ، أي لا يرد ذلك اليوم من ما حكم الله به فيه . وقال الزمخشري : { من الله } : من صلة للأمرد . انتهى ، وليس الجيد ، إذ لو كان من صلته لكان معمولاً له ، فكان يكون معرباً منوناً . وقيل : { من الله } يتعلق بقوله : { يأتي } ، من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده . { ما لكم من ملجأ } تلجأون إليه ، فتتخلصون من العذاب ، ومالكم من إنكار شيء من أعمالكم التي توردكم النار ، والنكير مصدر أنكر على غير قياس . قيل : ويحتمل أن يكون اسم فاعل للمبالغة ، وفيه بعد ، لأن نكر معناه لم يميز . { فإن أعرضوا } الآية : تسلية للرسول وتأنيس له ، وإزالة لهمه بهم . والإنسان : يراد به الجنس ، ولذلك جاء : { وإن تصبهم سيئة } . وجاء جواب الشرط { فإن الإنسان } ولم يأت فإنه ، ولا فإنهم ، ليدل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم ، كما قال : { إن الإنسان لظلوم كفار } [ إبراهيم : 34 ] ، { إن الإنسان لربه لكنود } [ العاديات : 6 ] . ولما ذكر أنه يكفر النعم ، أتبع ذلك بأن له ملك العالم العلوي والسفلي ، وأنه يفعل ما يريد ، ونبه على عظيم قدرته ، وأن الكائنات ناشئة عن إرادته ، فذكر أنه يهب لبعض إناثاً ، ولبعض ذكوراً ، ولبعض الصنفين ، ويعقم بعضاً فلا يولد له . وقال إسحق بن بشر : نزلت هذه الآية في الأنبياء ، ثم عمت . فلوط أبو بنات لم يولد له ذكور ، وإبراهيم ضده ، ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهما ولد له الصنفان ، ويحي عقيم . انتهى . وذكر أيضاً مع لوط شعيب ، ومع يحي عيسى ، وقدم تعالى هبة البنات تأنيساً لهن وتشريفاً لهن ، ليهتم بصونهن والإحسان إليهن . وفي الحديث : " من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " وقال واثلة بن الأسقع : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ، لأن الله تعالى بدأ بالإناث . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم قدم الإناث على الذكور مع تقدمهم عليهن ، ثم رجع فقدمهم ؟ ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث ؟ قلت : لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى . وكفران الإنسان : نسيانه الرحمة السابقة عنده . ثم ذكره بذكر ملكه ومشيئته ، وذكر قسمة الأولاد ، فقدم الإناث ، لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه ، لا ما يشاء الإنسان ، فكان ذكر الإناث اللائي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم ، والأهم أوجب التقديم . والبلاء : الجنس الذي كانت العرب تعده بلاء ، ذكر البلاء وآخر الذكور . فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيره ، وهم أحق بالتقديم بتعريفهم ، لأن التعريف تنويه وتشهير ، كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفريقين ، الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم . ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حظه من التقديم والتأخير ، وعرفان تقديمهن لم يكن لتقدمهن ، ولكن لمقتضى آخر فقال : { ذكراناً وإناثاً } ، كما قال : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } [ الحجرات : 13 ] ، { فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } [ القيامة : 39 ] . انتهى . وقيل : بدأ بالأنثى ثم ثنى بالذكر ، لتنقله من الغم إلى الفرح . وقيل : ليعلم أنه لا اعتراض على الله فيرضى . فإذا وهب له الذكر ، علم أنه زيادة وفضل من الله وإحسان إليه . وقيل : قدمها تنبيهاً على أنه إذا كان العجز والحاجة لهم ، كانت عناية الله أكثر . وقال مجاهد : هو أن تلد المرأة غلاماً ، ثم تلد جارية . وقال محمد بن الحنيفة : أن تلد توأماً ، غلاماً وجارية . وقال أبو بكر بن العربي : أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً . قال علماؤنا : يعني آدم ، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ، ذكراً وأنثى ؛ تزوج ذكر هذا البطن أنثى البطن الآخر . انتهى . ولما ذكر الهبة في الإناث ، والهبة في الذكور ، اكتفى عن ذكرها في قوله : { أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } . ولما كان العقم ليس بمحمود قال : { ويجعل من يشاء عقيماً } ، وهو قسيم لمن يولد له . ولما كانت الخنثى مما يحزن بوجوده ، لم يذكره تعالى . قالوا : وكانت الخلقة مستمرة ، ذكراً وأنثى ، إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى ، فسئل فارض العرب ومعمرها عامر بن الظرب عن ميراثه ، فلم يدر ما يقوله وأرجأهم . فلما جن عليه الليل ، جعل يتقلب وتذهب به الأفكار ، وأنكرت خادمه حاله فسألته ، فقال : بهرت لأمر لا أدري ما أقول فيه ، فقالت له : ما هو ؟ فقال : شخص له ذكر وفرج ، كيف يكون حاله في الميراث ؟ قالت له الأمة : ورثه من حيث يبول ، فعقلها وأصبح فعرضها عليهم ، فرضوا بها . وجاء الإسلام على ذلك ، وقضى بذلك علي ، كرم الله وجهه ، إنه عليم بمصالح العباد ، قدير على تكوين ما يشاء . كان من الكفار خوض في معنى تكليم الله موسى ، فذهبت قريش واليهود في ذلك إلى التجسيم ، فنزلت . وقيل : " كانت قريش تقول : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً صادقاً ، كما كلمه موسى ونظر إليه ؟ فقال لهم الرسول عليه السلام : " لم ينظر موسى إلى الله " ، فنزلت : { وما كان لبشر أن يكلمه الله } ، بياناً لصورة تكليم الله عباده أي ما ينبغي ولا يمكن لبشر إلا يوحى إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام . قال مجاهد : أو النفث في القلب . وقال النقاش : أو وحي في المنام . وقال النخعي : كان في الأنبياء من يخط له في الأرض ، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزاً ، كموسى عليه السلام ، وهذا معنى { من وراء حجاب } : أي من خفاء عن المتكلم ، لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه ، وليس كالحجاب في المشاهد ، أو بأن يرسل إليه ملكاً يشافهه بوحى الله تعالى ، قاله ابن عطية . وقال الزمخشري : وما صح لأحد من البشر أن يكلمه الله إلا على ثلاثة أوجه : إما على طريق الوحي ، وهو الإلهام والقذف في القلب والمنام ، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده . وعن مجاهد : أوحى الله الزبور إلى داود عليه السلام في صدره ، قال عبيد بن الأبرص : @ وأوحى إلى الله أن قد تأمروا بابن أبي أوفى فقمت على رجل @@ أي : ألهمنى وقذف في قلبي . وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه ، لأنه في ذاته غير مرئي . وقوله : { من وراء حجاب } مثل ، أي : كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه ، وهو من وراء حجاب ، فيسمع صوته ولا يرى شخصه ، وذلك كما كلم الله موسى ويكلم الملائكة . وإما على أن يرسل إليه رسولاً من الملائكة فيوحي الملك إليه ، كما كلم الأنبياء غير موسى . انتهى ، وهو على طريق المعتزلة في استحالة رؤية الله تعالى ونفي الكلام الحقيقي عن الله . وكل هذه الأقسام الثلاثة يصدق عليها أنها وحي ، وخص الأول باسم الوحي هنا ، لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام يقع دفعة واحدة ، فكان تخصيص لفظ الوحي به أولى . وقيل : { وحياً } كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة ، أو { يرسل رسولاً } : أي نبياً ، كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم ، حكاه الزمخشري ، وترك تفسير { أو من وراء حجاب } ، ومعناه في هذا القول : كما كلم محمداً وموسى صلى الله عليه وسلم . وقرأ الجمهور : { حجاب } ، مفرداً ؛ وابن أبي عبلة : حجب جمعاً . وقرأ الجمهور : بنصب الفعلين عطف ، أو يرسل على المضمر الذي يتعلق به من وراء حجاب تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب ، وهذا المضمر معطوف على وحياً ، والمعنى : إلا بوحي أو سماع من وراء حجاب ، أو إرسال رسول فيوحي ذلك الرسول إلى النبي الذي أرسل عنه بإذن الله ما يشاء ، ولا يجوز أن يعطف { أو يرسل } على { أن يكلمه الله } لفساد المعنى . وقال الزمخشري : ووحياً ، وأن يرسل ، مصدران واقعان موقع الحال ، لأن أن يرسل في معنى إرسالاً ، ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال أيضاً ، كقوله : { وعلى جنوبهم } [ آل عمران : 191 ] ، والتقدير : وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب ، أو مرسلاً . انتهى . أما وقوع المصدر موقع الحال ، فلا ينقاس ، وإنما قالته العرب . وكذلك لا يجوز : جاء زيد بكاء ، تريد باكياً ، وقاس منه المبرد ما كان منه نوعاً للفعل ، نحو : جاء زيد مشياً أو سرعة ، ومنع سيبويه أن يقع أن والفعل المقدر بالمصدر موقع الحال ، فلا يجوز ، نحو : جاء زيد أن يضحك في معنى ضحك الواقع موقع ضاحكاً ، فجعله وحياً مصدراً في موضع الحال مما لا ينقاس ، وأن يرسل في معنى إرسالاً الواقع موقع مرسلاً ممنوع بنص سيبويه . وقرأ نافع وأهل المدينة : أو يرسل رسولاً فيوحي بالرفع فيهما ، فخرج على إضمار هو يرسل ، أو على ما يتعلق به من وراء ، إذ تقديره : أو يسمع من وراء حجاب ، ووحياً مصدر في موضع الحال ، عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه ، أو يرسل والتقدير : إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب ، أو مرسلاً ، وإسناد التكلم إلى الله بكونه أرسل رسولاً مجاز ، كما تقول : نادى الملك في الناس بكذا ، وإنما نادى الريح ، الدائر في الأسواق ، نزل ما كان بواسطة منزلة ما كان بغير واسطة . قال ابن عطية : وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكلم ، وأن الحالف الرسل ، كانت إذا حلف أن لا يكلم إنساناً فأرسل إليه ، وهو لم ينو المشافهة وقت يمينه . انتهى . { إنه عليٌّ } : أي عليٌّ عن صفات المخلوقين ، { حكيم } : تجري أفعاله على ما تقتضيه الحكمة ، يكلم بواسطة وبغير واسطة . { وكذلك أوحينا } : أي مثل ذلك الإيحاء الفصل أوحينا إليك ، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث : النفث في الروع ، والمنام ، وتكليم الله له حقيقة ليلة الإسراء ، وإرسال رسول إليه ، وهو جبريل . وقيل : كما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ، { أوحينا إليك روحاً من أمرنا } . قال ابن عباس : النبوة . وقال السدي : الوحي ؛ وقال قتادة : رحمة ؛ وقال الكلبي : كتاباً ؛ وقال الربيع : جبريل ؛ وقيل : القرآن ؛ وسمى ما أوحى إليه روحاً ، لأن به الحياة من الجهل . وقال مالك بن دينار : يا أهل القرآن ، ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟ فإن القرآن ربيع القلوب ، كما أن العشب ربيع الأرض . { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } : توقيف على عظم المنة ، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بها ، وعطف ولا الإيمان على ما الكتاب ، وإنما معناه : الإيمان الذي يدركه السمع ، لأن لنا أشياء من الإيمان لا تعلم إلا بالوحي . أما توحيد الله وبراءته عن النقائص ، ومعرفة صفاته العلا ، فجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عالمون ذلك ، معصومون أن يقع منهم زلل في شيء من ذلك ، سابق لهم علم ذلك قبل أن يوحي إليهم . وقد أطلق الإيمان على الصلاة في قوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] ، إذ هي بعض ما يتناوله الإيمان . ومن طالع سير الأنبياء من نشأتهم إلى مبعثهم ، تحقق عنده أنهم معصومون من كل نقيصة ، موحدون لله منذ نشأوا . قال الله تعالى في حق يحي عليه السلام : { وآتيناه الحكم صبياً } [ مريم : 12 ] . قال معمر : كان ابن سنتين أو ثلاث . وعن أبي العالية : ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان . وقال القاضي : { ولا الإيمان } : الفرائض والأحكام . قال : وكان قبل مؤمناً بتوحيد الله ، ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل ، فزاد بالتكليف إيماناً . وقال القشيري : يجوز إطلاق الإيمان على تفاصيل الشرع . وقال الحسين بن الفضل : هو على حذف مضاف ، أي ولا أ هل الإيمان من الذي يؤمن أبو طالب أو العباس أو غيرهما . وقال علي بن عيسى : إذ كنت في المهد . وقيل : ما الكتاب لولا إنعامنا عليك ، ولا الإيمان لولا هدايتنا لك . وقيل : أي كنت من قوم أميين لا يعرفون الإيمان ولا الكتاب ، فتكون أخذت ما جئتهم به عمن كان يعلم ذلك منهم . ما الكتاب : جملة استفهامية مبتدأ وخبر ، وهي في موضع نصب بتدري ، وهي معلقة . { ولكن جعلناه نوراً } : يحتمل أن يعود إلى قوله : { روحاً } ، وإلى { كتاب } ، وإلى { الإيمان } ، وهو أقرب مذكور . وقال ابن عطية : عائد على الكتاب . انتهى . وقيل : يعود إلى الكتاب والإيمان معاً لأن مقصدهما واحد ، فهو نظير : { والله ورسوله أحق أن يرضوه } [ التوبة : 62 ] . وقرأ الجمهور : { لتهدي } ، مضارع هدى مبنياً للفاعل ؛ وحوشب : مبنياً للمفعول ، إجابة سؤاله عليه الصلاة والسلام : { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] . وقرأ ابن السميفع : لتهدي بضم التاء وكسر الدال ؛ وعن الجحدري مثلها ومثل قراءة حوشب . { صراط مستقيم } ، قال علي : هو القرآن ؛ وقيل : الإسلام . { ألا إلى الله تصير الأمور } : أخبر بالمضارع ، والمراد به الديمومة ، كقوله : زيد يعطي ويمنع ، أي من شأنه ذلك ، ولا يراد به حقيقة المستقبل ، أي ترد جميع أمور الخلق إليه تعالى يوم القيامة فيقضي بينهم بالعدل ، وخص ذلك بيوم القيامة ، لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي فيه لنفسه شيئاً ، قاله الفراء .