Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 33-45)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بين تعالى أن منافع الدنيا وطيباتها حقيرة خسيسة عند الله ، أي ولولا أن يرغب الناس في الكفر ، إذا رأوا الكافر في سعة ، ويصيروا أمة واحدة في الكفر . قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي : لأعطيناهم من زينة الدنيا كذا وكذا ، ولكن تعالى اقتضت حكمته أن يغني ويفقر الكافر والمؤمن . قال ابن عطية : واللام في : لمن يكفر ، لام الملك ، وفي : لبيوتهم ، لام تخصيص . كما تقول : هذا الكساء لزيد لدابته ، أي هو لدابته حلس ولزيد ملك ، انتهى . ولا يصح ما قاله ، لأن لبيوتهم بدل اشتمال أعيد معه العامل ، فلا يمكن من حيث هو بدل أن تكون اللام الثانية إلا بمعنى اللام الأولى . أما أن يختلف المدلول ، فلا واللام في كليهما للتخصيص . وقال الزمخشري : لبيوتهم بدل اشتمال من قوله : { لمن يكفر } ، ويجوز أن تكونا بمنزلة اللامين في قولك : وهبت له ثوباً لقميصه . انتهى ، ولا أدري ما أراد بقوله : ويجوز إلى آخره . وقرأ الجمهور : سقفاً ، بضمتين ؛ وأبو رجاء : بضم وسكون ، وهما جمع سقف ، لغة تميم ، كرهن ورهن ؛ وابن كثير وأبو عمرو : بفتح السين والسكون على الإفراد . وقال الفراء : جمع سقيفة ، وقرىء بفتحتين ، كأنه لغة في سقف ؛ وقرىء : سقوفاً ، جمعاً على فعول نحو : كعب وكعوب . وقرأ الجمهور : ومعارج جمع معرج ، وطلحة : ومعاريج جمع معراج ، وهي المصاعد إلى العلالي عليها ، أي يعلون السطوح ، كما قال : { فما اسطاعوا أن يظهروه } [ الكهف : 97 ] . وقرأ الجمهور : وسرراً ، بضم السين ؛ وقرىء بفتحها ، وهي لغة لبعض تميم وبعض كلب ، وذلك في جمع فعيل المضعف إذا كان اسماً باتفاق وصفة نحو : ثوب جديد ، وثياب جدد ، باختلاف بين النحاة . وهذه الأسماء معاطيف على قوله : { سقفاً من فضة } ، فلا يتعين أن توصف المعاطيف بكونها من فضة . وقال الزمخشري : سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً ، كلها من فضة . انتهى ، كأنه يرى اشتراك المعاطيف في وصف ما عطفت عليه وزخرفاً . قال الزمخشري : وجعلنا لهم زخرفاً ، ويجوز أن يكون الأصل : سقفاً من فضة وزخرف ، يعني : بعضها من فضة وبعضها من ذهب ، فنصب عطفاً على محل من فضة . انتهى . والزخرف : الذهب هنا ، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي . وفي الحديث : " إياكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان " قال ابن عطية : الحسن أحمر ، والشهوات تتبعه . انتهى . قال بعض شعرائنا : @ وصبغت درعك من دماء كماتهم لما رأيت الحسن يلبس أحمرا @@ وقال ابن زيد : الزخرف : أثاث البيت ، وما يتخذ له من السرور والنمارق . وقال الحسن : النقوش ، وقيل : التزاويق ، كالنقش . وقرأ الجمهور : لما ، بفتح اللام وتخفيف الميم : هي مخففة من الثقيلة ، واللام الفارقة بين الإيجاب والنفي ، وما : زائدة ، ومتاع : خبر كل . وقرأ الحسن ، وطلحة ، والأعمش ، وعيسى ، وعاصم ، وحمزة : لما ، بتشديد الميم ، وإن : نافية ، ولما : بمعنى إلا . وقرأ أبو رجاء ، وأبو حيوة : لما ، بكسر اللام ، وخرّجوه على أن ما موصولة ، والعائد محذوف تقديره : للذي هو متاع كقوله : { تماماً على الذي أحسن } [ الأَنعام : 154 ] . وإن في هذا التخريج هي المخففة من الثقيلة ، وكل : مبتدأ وخبره في المجرور ، أي : وإن كل ذلك لكائن ، أو لمستقر الذي هو متاع ، ومن حيث هي المخففة من الثقيلة ، كان الإتيان باللام هو الوجه ، فكان يكون التركيب لكما متاع ، لكنه قد تحذف هذه اللام إذا دل المعنى على أن إن هي المخففة من الثقيلة ، فلا يجر إلى ذكر اللام الفارقة ، ومن ذلك قول الشاعر : @ ونحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن @@ يريد : لكانت ، ولكنه حذف لأنه لا يتوهم في إن أن تكون نافية ، لأن صدر البيت يدل على المدح ، وتعين إن لكونها المخففة من الثقيلة . { والآخرة عند ربك للمتقين } : أي ونعيم الآخرة ، وفيه تحريض على التقوى . وقرأ : ومن يعش ، بضم الشين ، أي يتعام ويتجاهل عن ذكره ، وهو يعرف الحق . وقيل : يقل نظره في شرع الله ، ويغمض جفونه عن النظر في : { ذكر الرحمن } . والذكر هنا ، يجوز أن يراد به القرآن ، واحتمل أن يكون مصدراً أضيف إلى المفعول ، أي يعش عن أن يذكر الرحمن . وقال ابن عطية : أي فيما ذكر عباده ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل . انتهى ، كأنه يريد بالذكر : التذكير . وقرأ يحيـى بن سلام البصري : ومن يعش ، بفتح الشين ، أي يعم عن ذكر الرحمن ، وهو القرآن ، كقوله : { صم بكم عمي } [ البقرة : 18 ] . وقرأ زيد بن علي : يعشو بالواو . وقال الزمخشري : على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط ، وحق هذا القارىء أن يرفع نقيض . انتهى . ولا يتعين ما قاله ، إذ تتخرج هذه القراءة على وجهين : أحدهما : أن تكون من شرطية ، ويعشو مجزوم بحذف الحركة تقديراً . وقد ذكر الأخفش أن ذلك لغة بعض العرب ، ويحذفون حروف العلة للجازم . والمشهور عند النحاة أن ذلك يكون في الشعر ، لا في الكلام . والوجه الثاني : أن تكون من موصولة والجزم بسببها للموصول باسم الشرط ، وإذا كان ذلك مسموعاً في الذي ، وهو لم يكن اسم شرط قط ، فالأولى أن يكون فيما استعمل موصولاً وشرطاً . قال الشاعر : @ ولا تحفرن بئراً تريد أخاً بها فإنك فيها أنت من دونه تقع كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً تصبه على رغم عواقب ما صنع @@ أنشدهما ابن الأعرابي ، وهو مذهب الكوفيين ، وله وجه من القياس ، وهو : أنه كما شبه الموصول باسم الشرط فدخلت الفاء في خبره ، فكذلك يشبه به فينجزم الخبر ، إلا أن دخول الفاء منقاس إذا كان الخبر مسبباً عن الصلة بشروطه المذكورة في علم النحو ، وهذا لا ينفيه البصريون . وقرأ الجمهور : نقيض ، بالنون ؛ وعلي ، والسلمي ، والأعمش ، ويعقوب ، وأبو عمرو : بخلاف عنه ؛ وحماد عن عاصم ، وعصمة عن الأعمش ، وعن عاصم ، والعليمي عن أبي بكر : بالياء ، أي يقيض الرحمن ؛ وابن عباس : يقيض مبنياً للمفعول . { له شيطاناً } : بالرفع ، أي ييسر له شيطان ويعدله ، وهذا عقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح . كما يقال : إن الله يعاقب على المعصية بالتزايد من السيئات . وقال الزمخشري : يخذله ، ويحل بينه وبين الشياطين ، كقوله : { وقيضنا لهم قرناء } [ فصلت : 25 ] { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين } [ مريم : 83 ] . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . والظاهر أن ضمير النصب في { وإنهم ليصدونهم } عائد على من ، على المعنى أعاد أولاً على اللفظ في إفراد الضمير ، ثم أعاد على المعنى . والضمير في يصدونهم عائد على شيطان وإن كان مفرداً ، لأنه مبهم في جنسه ، ولكل عاش شيطان قرين ، فجاز أن يعود الضمير مجموعاً . وقال ابن عطية : والضمير في قوله : وإنهم ، عائد على الشيطان ، وفي : ليصدونهم ، عائد على الكفار . انتهى . والأولى ما ذكرناه لتناسق الضمائر في وإنهم ، وفي ليصدونهم ، وفي ويحسبون ، لمدلول واحد ، كأن الكلام : وأن العشاة ليصدونهم الشياطين عن السبيل ، أي سبيل الهدى والفوز ، ويحسبون : أي الكفار . وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، وقتادة ، والزهري ، والجحدري ، وأبو بكر ، والحرميان : حتى إذا جاآنا ، على التثنية ، أي العاشي والقرين إعادة على لفظ من والشيطان ، وإن كان من حيث المعنى صالحاً للجمع . وقرأ الأعمش ، والأعرج ، وعيسى ، وابن محيصن ، والإخوان : جاءنا على الإفراد ، والضمير عائد على لفظ من أعاد أولاً على اللفظ ، ثم جمع على المعنى ، ثم أفرد على اللفظ ؛ ونظير ذلك : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً } [ الطلاق : 11 ] : أفرد أولاً ثم جمع في قوله : { خالدين } ، ثم أفرد في قوله : { له رزقاً } . روى أنهما يجعلان يوم البعث في سلسلة ، فلا يفترقان حتى يصيرهما الله إلى النار قال ، أي الكافر للشيطان : { ياليت بيني وبينك بعد المشرقين } . تمنى لو كان ذلك في الدنيا حتى لا يصدّه عن سبيل الله ، أو تمنى ذلك في الآخرة ، وهو الظاهر ، لأنه جواب إذا التي للاستقبال ، أي مشرقي الشمس : مشرقها في أقصر يوم من السنة ، ومشرقها في أطول يوم من السنة ، قاله ابن السائب ، أو بعد المشرق ، أو المغرب غلب المشرق فثناهما ، كما قالوا : العمران في أبي بكر وعمر ، والقمران في الشمس والقمر ، والموصلان في الجزيرة والموصل ، والزهدمان في زهدم وكردم ، والعجاجان في رؤبة والعجاج ، والأبوان في الأب والأم ، وهذا اختيار الفراء والزجاج ، ولم يذكره الزمخشري . قال : فإن قلت : فما بعد المشرقين ؟ قلت : تباعدهما ، والأصل بعد المشرق من المغرب ، والمغرب من المشرق ، فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية ؛ أضاف البعد إليهما . انتهى . وقيل : بعد المشرقين من المغربين ، واكتفى بذكر المشرقين . وكأنه في هذا القول يريد مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما . { فبئس القرين } : مبالغة منه في ذم قرينه ، إذا كان سبب إيراده النار . والمخصوص بالذم محذوف ، أي فبئس القرين أنت . { ولن ينفعكم اليوم } : حكاية حال يقال لهم يوم القيامة ، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي ، لأنه وقفهم بها على أنه لا ينفعهم التأسي لعظم المصيبة وطول العذاب واستمراره مدته ، إذ التأسي راحة كل مصاب في الدنيا في الأغلب . ألا ترى إلى قول الخنساء : @ ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي @@ فهذا التأسي قد كفاها مؤنة قتل النفس ، فنفى الله عنهم الانتفاع بالتأسي ؛ وفي ذلك تعذيب لهم ويأس من كل خير ؛ وهذا لا يكون إلا على تقدير أن يكون الفاعل ينفعكم أنكم ومعمولاها ، أي ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب إن لن يخفف عنكم اشتراككم في العذاب . وإذا كان الفاعل غير أن ، وهو ضمير ، يعود على ما يفهم من الكلام قبله ، أي يتمنى مباعدة القرين والتبرؤ منه ، ويكون أنكم تعليلاً ، أي لاشتراككم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه ، وهو الكفر . وقال مقاتل المعنى : ولن ينفعكم اليوم الاعتذار والندم ، لأنكم وقرناءكم مشتركون في العذاب ، كما اشتركتم في الكفران في الدنيا . وعلى كون الفاعل غير أن ، وهي قراءة الجمهور ، لا يتضمن الكلام نفي التأسي . وقرىء : إنكم بالكسر ، فدل على إضمار الفاعل ، ويقويه حمل أنكم بالفتح على التعليل . واليوم وإذ ظرفان ، فاليوم ظرف حال ، وإذ ظرف ماض . أما ظرف الحال فقد يعمل فيه المستقبل لقربه منه ، أو لتجوز في المستقبل ، كقوله : { فمن يستمع الآن } [ الجن : 9 ] ، وقول الشاعر : @ سأشقـى الآن إذ بـلغت منـاهـا @@ وأما إذ فماض لا يعمل فيه المستقبل ، فقال الزمخشري : وإذ بدل من اليوم . انتهى . وحمل إذ ظلمتم على معنى إذ تبين ووضح ظلمكم ، ولم يبق لأحد ولا لكم شبهة في أنكم كنتم ظالمين ، ونظيره : @ إذا مـا انتسبنـا لـم تـلدنـي لئيمـة @@ أي تبين أني ولد كريمة . انتهى . ولا يجوز فيه البدل على بقاء إذ على موضوعها من كونها ظرفاً لما مضى من الزمان . فإن جعلت لمطلق الوقت جاز ، وتخريجها على البدل ، أخذه الزمخشري من ابن جني . قال في مساءلته أبا علي : راجعته فيها مراراً ، وآخر ما حصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان ، وهما سواء في حكم الله وعلمه ، فيكون إذ بدلاً من اليوم ، حتى كأنها مستقبلة ، أو كأن اليوم ماض . وقيل : التقدير بعد إذ ظلمتم ، فحذف المضاف للعلم به . وقيل : إذ للتعليل حرفاً بمعنى إن . وقال الحوفي : اليوم ظرف متعلق بينفعكم ، ولا يجوز تعلق إذ به ، لأنهما ظرفا زمان ، يعني متغايرين في المعنى تغايراً لا يمكن أن يجتمعا ، قال : فلا يصح أن يكون بدلاً من الأخير ، يعني لذلك التغاير من كون هذا ظرف حال وهذا ظرف مضى . قال : ولكن تكون إذ متعلقة بما دل عليه المعنى ، كأنه قال : ولن ينفعكم اجتماعكم ، ثم قال : وفاعل ينفعكم الاشتراك . وقيل : الفاعل محذوف تقديره ظلمكم ، أو جحدكم ، وهو العامل في إذ ، لا ضمير الفاعل لما ذكر تعالى حال الكفار وما يقال لهم . وكانت قريش تسمع ذلك ، فلا تزداد إلا عتواً واعتراضاً ، وكان هو صلى الله عليه وسلم ، يجتهد في تحصيل الإيمان لهم . خاطبه تعالى تسلية له باستفهام تعجيب ، أي أن هؤلاء صم ، فلا يمكنك إسماعهم ، عميٌ حيارى ، فلا يمكنك أن تهديهم ، وإنما ذلك راجع إليه تعالى . ولما كانت حواسهم لن ينتفعوا بها الانتفاع الذي يجري خلاصهم من عذاب الله ، جعلوا صماً عمياً حيارى ، ويزيد بهم قريشاً ، فهم جامعو الأوصاف الثلاثة ، ولذلك عاد الضمير عليهم في قوله : { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون } ، ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله : { أفأنت تسمع الصم } الآية . والمعنى : أن قبضناك قبل نصرك عليهم ، فإنا منهم منتقمون في الآخرة كقوله : { أو نتوفينك فإلينا يرجعون } [ غافر : 77 ] ، { أَو نرينك الذي وعدناهم } من العذاب النازل بهم كيوم بدر ، { فإنا عليهم مقتدرون } : أي هم في قبضتنا ، لا يفوتوننا ، وهذا قول الجمهور . وقال الحسن وقتادة : المتوعد هم الأمة ، أكرم الله تعالى نبيه عن أن ينتقم منهم في حياته ، كما انتقم من أمم الأنبياء في حياتهم ، فوقعت النقمة منهم بعد موته عليه السلام في العين الحادثة في صدر الإسلام ، مع الخوارج وغيرهم . وقرىء : نرينك بالنون الخفيفة . ولما ردد تعالى بين حياته وموته صلى الله عليه وسلم ، أمره بأن يستمسك بما أوحاه إليه . وقرأ الجمهور : أوحى مبنياً للمفعول ، وبعض قراء الشام : بإسكان الياء ، والضحاك : مبنياً للفاعل ، وأنه ، أي وإن ما أوحينا إليك ، { لذكر لك ولقومك } : أي شرف ، حيث نزل عليهم وبلسانهم ، جعل تبعاً لهم . والقوم على هذا قريش ثم العرب ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد . كان عليه السلام يعرض نفسه على القبائل ، فإذا قالوا له : لمن يكون الأمر بعدك ؟ سكت ، حتى نزلت هذه الآية . فكان إذا سئل عن ذلك قال : « لقريش » ، فكانت العرب لا تقبل حتى قبلته الأنصار . وقال الحسن : القوم هنا أمّته ، والمعنى : وإنه لتذكرة وموعظة . قيل : وهذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن الجميل ، ولو لم يكن ذلك مرغوباً فيه ، ما امتن به تعالى على رسوله فقال : { وإنه لذكر لك ولقومك } . وقال إبراهيم عليه السلام : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] . والذكر الجميل قائم مقام الحياة ، بل هو أفضل من الحياة ، لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في الحي ، وأثر الذكر الجميل يحصل في كل مكان ، وفي كل زمان . انتهى . وقال ابن دريد : @ وإنما المراد حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعا @@ وقال الآخر : @ إنما الدنيا محاسنها طيب ما يبقى من الخبر @@ وذكر أن هلاون ، ملك التتر ، سأل أصحابه : من الملك ؟ فقالوا : أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعت لك الملوك . فقال : لا الملك هذا ، وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن ، هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة ، قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم خمس مرات ؟ يريد محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم . { وسوف تسألون } ، قال الحسن عن شكر هذه النعمة . وقال مقاتل : المراد من كذب به يسأل سؤال توبيخ . { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } ، قيل : هو على ظاهره ، وأن جبريل عليه السلام قال له ليلة الإسراء ، حين أم بالأنبياء : { واسأل من أرسلنا } ، فلم يسألهم ، إذ كان أثبت يقيناً ، ولم يكن في شك . وروي ذلك عن ابن عباس ، وابن جبير ، والزهري ، وابن زيد ، وفي الأثر أن ميكال قال لجبريل : هل سأل محمد عن ذلك ؟ فقال : هو أعظم يقيناً وأوثق إيماناً من أن يسأله ذلك . وقال ابن عباس أيضاً ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وعطاء : أراد واسأل أتباع من أرسلنا وحملة شرائعهم ، إذ يستحيل سؤال الرسل أنفسهم ، وليسوا مجتمعين في الدنيا . قال الفراء : هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل ، فإذا سألهم ، فكأنه سأل الرسل ، والسؤال الواقع مجاز عن النظر ، حيث لا يصلح لحقيقته ، كثير منه مساءلة الشعراء الديار والأطلال ، ومنه : سيد الأرض من شق نهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ، فإنها إن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً . فالسؤال هنا مجاز عن النظر في أديانهم : هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء ؟ والذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات ، فقيل له : اسأل أيها الناظر أتباع الرسل ، أجاءت رسلهم بعبادة غير الله ؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع ، ولا يمكن أن يأتوا به . وأبعد من ذهب إلى أن المعنى : واسألني ، واسألنا عن من أرسلنا ، وعلق واسأل ، فارتفع من ، وهو اسم استفهام على الابتداء ، وأرسلنا خبره في موضع نصب باسأل بعد إسقاط الخافض ، كان سؤاله : من أرسلت يا رب قبلي من رسلك ؟ أجعلت في رسالته آلهة تعبد ؟ ثم ساق السؤال فحكى المعنى ، فرد الخطاب إلى محمد في قوله : { من قبلك } .