Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 19-32)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لم يكفهم أن جعلوا لله ولداً ، وجعلوه إناثاً ، وجعلوهم من الملائكة ، وهذا من جهلهم بالله وصفاته ، واستخفافهم بالملائكة ، حيث نسبوا إليهم الأنوثة . وقرأ عمر بن الخطاب ، والحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، والابنان ، ونافع : عند الرحمن ، ظرفاً ، وهو أدل على رفع المنزلة وقرب المكانة لقوله : { إن الذين عند ربك } [ الأعراف : 206 ] . وقرأ عبد الله ، وابن عباس ، وابن جبير ، وعلقمة ، وباقي السبعة : عباد الرحمن ، جمع عبد لقوله : { بل عباد مكرمون } [ الأَنبياء : 26 ] . وقرأ الأعمش : عباد الرحمن ، جمعاً . وبالنصب ، حكاها ابن خالويه ، قال : وهي في مصحف ابن مسعود كذلك ، والنصب على إضمار فعل ، أي الذين هم خلقوا عباد الرحمن ، وأنشأوا عباد الرحمن إناثاً . وقرأ أبيّ عبد الرحمن : مفرداً ، ومعناه الجمع ، لأنه اسم جنس . وقرأ الجمهور : وأشهدوا ، بهمزة الاستفهام داخلة على شهدوا ، ماضياً مبنياً للفاعل ، أي أحضروا خلقهم ، وليس ذلك من شهادة تحمل المعاني التي تطلب أن تؤدي . وقيل : سألهم الرسول عليه السلام : " ما يدريكم أنهم إناث " ؟ فقالوا : سمعنا ذلك من آبائنا ، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا ، فقال الله تعالى : { ستكتب شهادتهم ويسألون } عنها ، أي في الآخرة . وقرأ نافع : بهمزة داخلة على أشهدوا ، رباعياً مبنياً للمفعول بلا مد بين الهمزتين . والمسبى عنه : بمدة بينهما ؛ وعليّ بن أبي طالب ، وابن عباس ، ومجاهد ، وفي رواية أبي عمرو ، ونافع : بتسهيل الثانية بلا مد ؛ وجماعة : كذلك بمد بينهما . وعن عليّ والمفضل ، عن عاصم : تحقيقهما بلا مد ؛ والزهري وناس : أشهدوا بغير استفهام ، مبنياً للمفعول رباعياً ، فقيل : المعنى على الاستفهام ، حذفت الهمزة لدلالة المعنى عليها . وقيل : الجملة صفة للإناث ، أي إناثاً مشهداً منهم خلقهم ، وهم لم يدعوا أنهم شهدوا خلقهم ، لكن لما ادّعوا لجراءتهم أنهم إناث ، صاروا كأنهم ادعوا ذلك وإشهادهم خلقهم . وقرأ الجمهور : إناثاً ، وزيد بن عليّ : أنثاً ، جمع الجمع . قيل : ومعنى وجعلوا : سموا ، وقالوا : والأحسن أن يكون المعنى : وصيروا اعتقادهم الملائكة إناثاً ، وهذا الاستفهام فيه تهكم بهم ، والمعنى : إظهار فساد عقولهم ، وأن دعاويهم مجردة من الحجة ، وهذا نظير الآية الطاعنة على أهل التنجيم والطبائع : { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم } [ الكهف : 51 ] . وقرأ الجمهور : ستكتب ، بالتاء من فوق مبنياً للمفعول . شهادتهم : بالرفع مفرداً ؛ والزبيري كذلك ، إلا أنه بالياء ؛ والحسن كذلك ، إلا أنه بالتاء ، وجمع شهادتهم ؛ وابن عباس ، وزيد بن عليّ ، وأبو جفعر ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة ، والجحدري ، والأعرج : بالنون مبنياً للفاعل ، شهادتهم على الإفراد . وقرأت فرقة : سيكتب بالياء مبنياً للفاعل ، أي الله ؛ شهادتهم : بفتح التاء . والمعنى : أنه ستكتب شهادتهم على الملائكة بأنوثتهم . ويسألون : وهذا وعيد . { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } : الضمير للملائكة . قال قتادة ومقاتل : في آخرين . وقال مجاهد : الأوثان علقوا انتفاء العبادة على المشيئة ، لكن العبادة وجدت لما انتفت المشيئة ، فالمعنى : أنه شاء العبادة ، ووقع ما شاء ، وقد جعلوا إمهال الله لهم وإحسانه إليهم ، وهم يعبدون غيره ، دليلاً على أنه يرضى ذلك ديناً . وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة في أواخر الأنعام ، وفي الكلام حذف ، أي فنحن لا نؤاخذ بذلك ، إذ هو وفق مشيئة الله ، ولهذا قال : { ما لهم بذلك من علم } ، أي بما ترتب على عبادتهم من العقاب ، { إن هم إلا يخرصون } : أي يكذبون . وقيل : الإشارة بذلك إلى ادعائهم أن الملائكة إناث . وقال الزمخشري : هما كفرتان مضمومتان إلى الكفرات الثلاث ، وهم : عبادتهم الملائكة من دون الله ، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئه ، كما يقول إخوانهم المجبرة . انتهى . جعل أهل السنة أخوات للكفرة عباد الملائكة ، ثم أورد سؤالاً وجواباً جارياً على ما اختاره من مذهب الاعتزال ، يوقف على ذلك في كتابه ، ولما نفى عنهم ، علم ترك عقابهم على عبادة غير الله ، أي ليس يدل على ذلك عقل . نفى أيضاً أن يدل على ذلك سمع ، فقال : { أم آتيناهم كتاباً } من قبل نزول القرآن ، أو من قبل إنذار الرسل ، يدل على تجويز عبادتهم غير الله ، وأنه لا يترتب على ذلك . ثم أخبر تعالى أنهم في ذلك مقلدون لآبائهم ، ولا دليل لهم من عقل ولا نقل . ومعنى : { على أمّة } : أي طريقة ودين وعادة ، فقد سلكنا مسلكهم ، ونحن مهتدون في اتباع آثارهم ؛ ومنه قول قيس بن الحطيم : @ كنا على أمّة آبائنا ويقتدى بالأول الآخر @@ وقرأ الجمهور : أمّة ، بضم الهمزة . وقال مجاهد ، وقطرب : على ملة . وقال الجوهري : والأمّة : الطريقة ، والذي يقال : فلان لا أمّة له : أي لا دين ولا نحلة . قال الشاعر : @ وهـل يستـوي ذو أمّـة وكـفـور @@ وتقدّم الكلام في أمّة في قوله : { وادّكر بعد أمّة } [ يوسف : 45 ] . وقرأ عمر بن عبد العزيز ، ومجاهد ، وقتادة ، والجحدري : بكسر الهمزة ، وهي الطريقة الحسنة لغة في الأمّة بالضم ، قاله الجوهري . وقرأ ابن عباس : أمّة ، بفتح الهمزة ، أي على قصد وحال ، والخلاف في الحرف الثاني كهو في الأول . وحكى مقاتل : إن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، وأبي سفيان ، وأبي جهل ، وعتبة ، وشيبة بن أبي ربيعة من قريش ، أي كما قال من قبلهم أيضاً ، يسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . والمترف : المنعم ، أبطرتهم النعمة ، فآثروا الشهوات ، وكرهوا مشاق التكاليف . وقرأ الجمهور : قل على الأمر ؛ وابن عامر وحفص : قال على الخبر . وقرأ الجمهور : جئتكم ، بتاء المتكلم ؛ وأبي جعفر ، وشيبة ، وابن مقسم ، والزعفراني ، وأبو شيخ الهنائي ، وخالد : جئناكم ، بنون المتكلمين . والظاهر أن الضمير في قال ، أو في قل ، للرسول ، أي : قل يا محمد لقومك : أتتبعون آباءكم ، ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم ؟ وهذا تجهيل لهم ، حيث يقلدون ولا ينظرون في الدلائل . { قالوا إنا بما أرسلتم } ، أنت والرسل قبلك . غلب الخطاب على الغيبة . { فانتقمنا منهم } بالقحط والقتل والسبي والجلاء . { فانظر كيف كان عاقبة } من كذبك . وقال ابن عطية في قال : ضمير يعود على النذير ، وباقي الآية يدل على أن قل في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي حكاية لما أمر به النذير . ولو : في هذا الموضع ، كأنها شرطية بمعنى : إن ، كان معنى الآية : وإن جئتكم بأبين وأوضح مما كان عليه آباؤكم ، يصحبكم لجاجكم وتقليدكم ، فأجاب الكفار حينئذ من الأمم المكذبة بأنبيائها ، كما كذبت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يتعين ما قاله ، بل الظاهر هو ما قدمناه . { وإذ قال ابراهيم لأبيه لقومه } : وذكر العرب بحال جدّهم الأعلى ، ونهيه عن عبادة غير الله ، وإفراده بالتوحيد والعبادة هزؤاً لهم ، ليكون لهم رجوع إلى دين جدهم ، إذ كان أشرف آبائهم والمجمع على محبته ، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يقلد أباه في عبادة الأصنام ، فينبغي أن تقتدوا به في ترك تقليد آبائكم الأقربين ، وترجعوا إلى النظر واتباع الحق . وقرأ الجمهور : برآء ، مصدر يستوي فيه المفرد والمذكر ومقابلهما ، يقال : نحن البراء منك ، وهي لغة العالية . وقرأ الزعفراني والقورصي ، عن أبي جعفر وابن المناذري ، عن نافع : بضم الباء ؛ والأعمش : بريء ، وهي لغة نجد وشيخيه ، ويجمع ويؤنث ، وهذا نحو : طويل وطوال ، وكريم وكرام . وقرأ الاعمش : إني ، بنون مشددة دون نون الوقاية ؛ والجمهور : إنني ، بنونين ، الأولى مشددة . والظاهر أن قوله : { إلا الذي فطرني } استثناء منقطع ، إذ كانوا لا يعبدون الله مع أصنامهم . وقيل : كانوا يشركون أصنامهم معه تعالى في العبادة ، فيكون استثناء متصلاً . وعلى الوجهين ، فالذي في موضع نصب ، وإذا كان استثناء متصلاً ، كانت ما شاملة من يعلم ومن لا يعلم . وأجاز الزمخشري أن يكون الذي مجروراً بدلاً من المجرور بمن ، كأنه قال : إنني براء مما تعبدون ، إلا من الذي . وأن تكون إلا صفة بمعنى : غير ، على أن ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره : إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني ، فهو نظير قوله : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] . انتهى . ووجه البدل لا يجوز ، لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفي والنهي والاستفهام . ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له ؟ وإنني بريء ، جملة موجبة ، فلا يصلح أن يفرغ العامل فيها للذي هو بريء لما بعد إلا . وعن الزمخشري : كون بريء ، فيه معنى الانتفاء ، ومع ذلك فهو موجب لا يجوز أن يفرغ لما بعد إلا . وأما تقديره ما نكرة موصوفة ، فلم يبقها موصولة ، لاعتقاده أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة . وهذه المسألة فيها خلاف . من النحويين من قال : توصف بها النكرة والمعرفة ، فعلى هذا تبقى ما موصولة ، ويكون إلا في موضع الصفة للمعرفة ، وجعله فطرني في صلة الذي . تنبيه على أنه لا يعبد ولا يستحق العبادة إلا الخالق للعباد . { فإنه سيهدين } : أي يديم هدايتي ، وفي مكان آخر : { الذي خلقني فهو يهدين } [ الشعراء : 78 ] ، فهو هاديه في المستقبل . والحال والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم ، وقيل على الله . والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها ، وهي قوله : { إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني } . وقال قتادة ومجاهد والسدي : لا إله إلا الله ، وإن لم يجر لها ذكر ، لأن اللفظ يتضمنها . وقال ابن زيد : كلمة الإسلام لقوله : { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } [ البقرة : 128 ] ، { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت } [ البقرة : 131 ] ، { هو سماكم المسلمين } [ الحج : 78 ] . وقرأ حميد بن قيس : كلمة ، بكسر الكاف وسكون اللام . وقرىء : في عقبه ، بسكون القاف ، أي في ذريته . وقرىء : في عاقبه ، أي من عقبه ، أي خلفه . فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده . لعلهم : أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم . وقرأ الجمهور : بل متعت ، بتاء المتكلم ، والإشارة بهؤلاء لقريش ومن كان من عقب إبراهيم عليه السلام من العرب . لما قال : { في عقبه } ، قال تعالى : لكن متعت هؤلاء وأنعمت عليهم في كفرهم ، فليسوا ممن تعقب كلمة التوحيد فيهم . وقرأ قتادة والأعمش : بل متعت ، بتاء الخطاب ، ورواها يعقوب عن نافع . قال صاحب اللوامح : وهي من مناجاة إبراهيم عليه السلام ربه تعالى . والظاهر أنه من مناجاة محمد صلى الله عليه وسلم ، أي : قال يا رب بل متعت . وقرأ الأعمش : متعنا ، بنون العظمة ، وهي تعضد قراءة الجمهور . { حتى جاءهم الحق } ، وهو القرآن ؛ { ورسول مبين } ، هو محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الزمخشري : فإن قلت : فما وجه من قرأ : بل متعت ، بفتح التاء ؟ قلت : كأن الله تعالى اعترض على ذاته في قوله : { وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون } ، فقال : بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسعة في الرزق ، حتى شغلهم ذلك عن كلمة التوحيد . وأراد بذلك الإطناب في تعييرهم ، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم ، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك سبباً في زيادة الشكر والثبات على التوحيد والإيمان ، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أنداداً ، فمثاله : أن يشكو الرجل إساءة من أحسن إليه ، ثم يقبل على نفسه فيقول : أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك ، وغرضه بهذا الكلام توبيخ المسيء لا تقبيح فعله . فإن قلت : قد جعل مجيء الحق والرسول غاية للتمتيع ، ثم أردفه قوله : { ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر } ، فما طريقة هذا النظم ومؤداه ؟ قلت : المراد بالتمتيع : ما هو سبب له ، وهو اشتغالهم بالاستمتاع عن التوحيد ومقتضياته . فقال عز وعلا : بل اشتغلوا عن التوحيد { حتى جاءهم الحق ورسول مبين } ، فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها عن غفلتهم لاقتضائها التنبه . ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق فقال : { ولما جاءهم الحق } ، جاءوا بما هو شر من غفلتهم التي كانوا عليها ، وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق ، ومكابرة الرسول ومعاداته ، والاستخفاف بكتاب الله وشرائعه ، والإصرار على أفعال الكفرة ، والاحتكام على حكمة الله في تخير محمد صلى الله عليه وسلم من أهل زمانه بقولهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ، وهي الغاية في تشويه صورة أمرهم . انتهى ، وهو حسن لكن فيه إسهاب . والضمير في : وقالوا ، لقريش ، كانوا قد استبعدوا أن يرسل الله من البشر رسولاً ، فاستفاض عندهم أمر إبراهيم وموسى وعيسى ، وغيرهم من الرسل صلى الله عليهم . فلما لم يكن لهم في ذلك مدفع ، ناقضوا فيما يخص محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : لم كان محمداً ، ولم يكن القرآن ينزل على رجل من القريتين عظيم ؟ أشاروا إلى من عظم قدره بالسن والقدم والجاه وكثرة المال . وقرىء : على رجل ، بسكون الجيم . من القريتين : أي من إحدى القريتين . وقيل : من رجل القريتين ، وهما مكة والطائف . قال ابن عباس : والذي من مكة : الوليد بن المغيرة المخزومي ، ومن الطائف : حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي . وقال مجاهد : عتبة بن ربيعة ، وكنانة بن عبد ياليل . وقال قتادة : الوليد بن المغيرة ، وعروة بن مسعود الثقفي . قال قتادة : بلغنا أنه لم يبق فخذ من قريش إلا ادعاه ، وكان الوليد بن المغيرة يسمى ريحانة قريش ، وكان يقول : لو كان ما يقول محمد حقاً لنزل عليّ أو على ابن مسعود ، يعني عروة بن مسعود ، وكان يكنى أبا مسعود . { أهم يقسمون رحمة ربك } ؟ فيه توبيخ وتعجيب من جهلهم ، كأنه قيل : على اختيارهم وإرادتهم تقسم الفضائل من النبوة وغيرها . ثم في إضافته في قوله : { رحمة ربك } ، تشريف له صلى الله عليه وسلم ، وأن هذه الرحمة التي حصلت لك ليست إلا من ربك المصلح لحالك والمربيك . ثم أخبر تعالى أنه هو الذي قسم المعيشة بينهم ، فلم يحصل لأحد إلا ما قسمه تعالى . وإذا كان هو الذي تولى ذلك ، وفاوت بينهم ، وذلك في الأمر الفاني ، فكيف لا يتولى الأمر الخطير ، وهو إرسال من يشاء ، فليس لكم أن تتخيروا من يصلح لذلك ، بل أنتم عاجزون عن تدبير أموركم . وقرأ الجمهور : معيشتهم ، على الإفراد ؛ وعبد الله ، والأعمش ، وابن عباس ، وسفيان : معائشهم ، على الجمع . والجمهور : سخرياً ، بضم السين ؛ وعمرو بن ميمون ، وابن محيصن ؛ وابن أبي ليلى ، وأبو رجاء ، والوليد بن مسلم ، وابن عامر : بكسرها ، وهو من التسخير ، بمعنى : الاستعباد والاستخدام ، ليرتفق بعضهم ببعض ويصلوا إلى منافعهم . ولو تولى كل واحد جميع أشغاله بنفسه ، ما أطاق ذلك وضاع وهلك . ويبعد أن يكون سخرياً هنا من الهزء ، وقد قال بعضهم : أي يهزأ الغني بالفقير . وفي قوله : { نحن قسمنا } ، تزهيد في الإكباب على طلب الدنيا ، وهون على التوكل على الله . وقال مقاتل : فاضلنا بينهم ، فمن رئيس ومرؤوس . وقال قتادة : تلقى ضعيف القوة ، قليل الحيلة ، غني اللسان ، وهو مبسوط له ؛ وتلقى شديد الحيلة ، بسيط اللسان ، وهو مقتر عليه . وقال الشافعي ، رحمه الله : @ ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس الفقير وطيب عيش الأحمق @@ ورحمة ربك : قيل النبوة ، وقيل : الهداية والإيمان . وقال قتادة والسدي : الجنة خير مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا ، وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا وما جمع فيها من متاعها .