Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-29)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه السورة مكية ، قيل : إلا قوله : { إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون } . ومناسبة هذه السورة أنه ذكر في أواخر ما قبلها : { فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون } [ الزخرف : 83 ] ، فذكر يوماً غير معين ، ولا موصوفاً . فبين في أوائل هذه السورة ذلك اليوم ، بوصف وصفه فقال : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } ، وأن العذاب يأتيهم من قبلك ، ويحل بهم من الجدب والقحط ، ويكون العذاب في الدنيا ، وإن كان العذاب في الآخرة ، فيكون يومهم الذي يوعدون يوم القيامة . والظاهر أن الكتاب المبين هو القرآن ، أقسم به تعالى . ويكون الضمير في أنزلناه عائداً عليه . قيل : ويجوز أن يراد به الكتب الإلهية المنزلة ، وأن يراد به اللوح المحفوظ ، وجواب القسم . وقال الزمخشري وغيره : قوله : { إنا أنزلناه } ، على أن الكتاب هو القرآن ، ويكون قد عظمه تعالى بالإقسام به . وقال ابن عطية : لا يحسن وقوع القسم عليه ، أي على { إنا أنزلناه } ، وهو اعتراض يتضمن تفخيم الكتاب ، ويكون الذي وقع عليه القسم { إنا كنا منذرين } . انتهى . قال قتادة ، وابن زيد ، والحسن : الليلة المباركة : ليلة القدر . وقالوا : كتب الله كلها إنما نزلت في رمضان ؛ التوراة في أوله ، والإنجيل في وسطه ، والزبور في نحو ذلك ، والقرآن في آخره ، في ليلة القدر ؛ ويعني ابتداء نزوله كان في ليلة القدر . وقيل : أنزل جملة ليلة القدر إلى البيت المعمور ، ومن هناك كان جبريل يتلقاه . وقال عكرمة وغيره : هي ليلة النصف من شعبان ، وقد أوردوا فيها أحاديث . وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لا يصح فيها شيء ، ولا في نسخ الآجال فيها . إنا كنا منذرين : أي مخوفين . قال الزمخشري : فإن قلت : { إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم } ، ما موقع هاتين الجملتين ؟ قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان ، فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ، كأنه قيل : أنزلناه ، لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب . وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً ، لأن إنزال القرآن من الأمور المحكمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم ، والمباركة : الكثيرة الخير ، لما ينتج الله فيها من الأمور التي تتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم ، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده ، لكفى به بركة . انتهى . وقرأ الحسن ، والأعرج ، والأعمش : يفرق ، بفتح الياء وضم الراء ، كل : بالنصب ، أي يفرق الله . وقرأ زيد بن علي ، فيما ذكر الزمخشري : نفرق بالنون ، كل بالنصب ؛ وفيما ذكر أبو على الأهوازي : عينه بفتح الياء وكسر الراء ، ونصب كل ، ورفع حكيم ، على أنه الفاعل بيفرق . وقرأ الحسن : وزائدة عن الأعمش بالتشديد مبنياً للمفعول ، أو معنى يفرق : يفصل من غيره ويلخص . ووصف أمر بحكيم ، أي أمر ذي حكمة ؛ وقد أبهم تعالى هذا الأمر . وقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد : في ليلة القدر يفصل كل ما في العام المقبل من الأقدار والأرزاق والآجال وغير ذلك ، ويكتب ذلك إلى مثلها من العام المقبل . وقال هلال بن أساف : كان يقال : انتظر والقضاء في رمضان . وقال عكرمة : لفضل الملائكة في ليلة النصف من شعبان . وجوزوا في أمراً أن يكون مفعولاً به بمنذرين لقوله : { لينذر بأساً شديداً } [ الكهف : 2 ] . أو على الاختصاص ، جعل كل أمر حكيم جزلاً فخماً ، بأن وصفه بالحكيم ، ثم زاده جزالة وفخامة نفسه بأن قال : أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا ، كائناً من لدنا ، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا ، كذا قال الزمخشري . وقال : وفي قراءة زيد بن علي : { أمراً من عندنا } ، على هو أمراً ، وهي نصب على الاختصاص ومقبولاً له ، والعامل أنزلنا ، أو منذرين ، أو يفرق ، ومصدراً من معنى يفرق ، أي فرقاً من عندنا ، أو من أمرنا محذوفاً وحالاً ، قيل : من كل ، والذي تلقيناه من أشياخنا أنه حال من أمر ، لأنه وصف بحكيم ، فحسنت الحال منه ، إلا أن فيه الحال من المضاف إليه ، وهو ليس في موضع رفع ولا نصب ، ولا يجوز . وقيل : من ضمير الفاعل في أنزلناه ، أي أمرني . وقيل : من ضمير المفعول في أنزلناه ، أي في حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل . والظاهر أن من عندنا صفة لأمراً ، وقيل : يتعلق بيفرق . { إنا كنا مرسلين } : لما ذكر إنزال القرآن ، ذكر المرسل ، أي مرسلين الأنبياء بالكتب للعباد . فالجملة المؤكدة مستأنفة . وقيل : يجوز أن يكون بدلاً من { إنا كنا منذرين } . وجوزوا في رحمة أن يكون مصدراً ، أي رحمنا رحمة ، وأن يكون مفعولاً له بأنزلناه ، أو ليفرق ، أو لأمراً من عندنا . وأن يكون مفعولاً بمرسلين ؛ والرحمة توصف بالإرسال ، كما وصفت به في قوله : { وما يمسك فلا مرسل له من بعده } [ فاطر : 2 ] . والمعنى على هذا : أنا نفصل في هذه الليلة كل أمر ، أو تصدر الأوامر من عندنا ، لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا . وقرأ زيد بن علي ، والحسن : رحمة ، بالرفع : أي تلك رحمة من ربك ، التفاتاً من مضمر إلى ظاهر ، إذ لو روعي ما قبله ، لكان رحمة منا ، لكنه وضع الظاهر موضع المضمر ، إيذاناً بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين . وقرأ ابن محيصن ، والأعمش ، وأبو حيوة ، والكوفيون : { رب السموات } ، بالخفض بدلاً من ربك ؛ وباقي السبعة ، والأعرج ، وابن أبي إسحاق ، وأبو جعفر ، وشيبة : بالرفع على القطع ، أي هو رب . وقرأ الجمهور : { ربكم ورب } ، برفعهما ؛ وابن أبي إسحاق ، وابن محيصن ، وأبو حيوة ، والزعفراني ، وابن مقسم ، والحسن ، وأبو موسى عيسى بن سليمان ، وصالح الناقط ، كلاهما عن الكسائي : بالجر ؛ وأحمد بن جبير الأنطاكي : ربكم ورب ، بالنصب على المدح ، وهم يخالفون بين الإعراب ، الرفع والنصب ، إذا طالت النعوت . وقوله : { إن كنتم موقنين } ، تحريك لهم بأنكم تقرون بأنه تعالى خالق العالم ، وأنه أنزل الكتب ، وأرسل الرسل رحمة منه ، وأن ذلك منكم من غير علم وإيقان . ولذلك جاء : { بل هم في شك يلعبون } ، أي في شك لا يزالون فيه يلعبون . فإقرارهم ليس عن حد ولا تيقن . { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } . قال علي بن طالب ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وزيد بن علي ، والحسن : هو دخان يجيء يوم القيامة ، يصيب المؤمن منه مثل الزكام ، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين ، حتى تكون مصقلة حنيذة . وقال ابن مسعود ، وأبو العالية ، والنخعي : هو الدخان الذي رأته قريش . قيل لعبد الله : إن قاصاً عند أبواب كندة يقول إنه دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ أنفاس الناس ، فقال : من علم علماً فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم . ألا وسأحدثكم " أن قريشاً لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دعا عليهم فقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " ، فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف ، والعلهز . والعلهز : الصوف يقع فيه القراد فيشوى الصوف بدم القراد ويؤكل . وفيه أيضاً : حتى أكلوا العظام . وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان ، وكان يحدث الرجل فيسمع الكلام ولا يرى المحدث من الدخان . فمشى إليه أبو سفيان ونفر معه ، وناشده الله والرحم ، وواعدوه ، إن دعا لهم وكشف عنهم ، أن يؤمنوا . فلما كشف عنهم ، رجعوا إلى شركهم . وفيه : فرحمهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعث إليهم بصدقة ومال . وفيه : فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله عز وجل : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } [ الدخان : 16 ] ، قال : يعني يوم بدر . وقال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم . وقال عبد الرحمن الأعرج : { يوم تأتي السماء } ، هو يوم فتح مكة ، لما حجبت السماء الغبرة . وفي حديث حذيفة : أول الآيات خروج الدجال ، والدخان ، ونزول عيسى بن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن ؛ وفيه قلت : يا نبي الله ، وما الدخان على هذه الآية : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } ؟ وذكر بقية الحديث ، واختصرناه بدخان مبين ، أي ظاهر . لا شك أنه دخان { يغشى الناس } : يشملهم . فإن كان هو الذي رأته قريش ، فالناس خاص بالكفار من أهل مكة ، وقد مضى كما قال ابن مسعود ؛ وإن كان من أشراط الساعة ، أو يوم القيامة ، فالناس عام فيمن أدركه وقت الأشراط ، وعام بالناس يوم القيامة . { هذا عذاب } إلى { مؤمنون } في موضع نصب بفعل القول محذوفاً ، وهو في موضع الحال ، أي يقولون . ويجوز أن يكون إخباراً من الله ، كأنه تعجب منه ، كما قال في قصة الذبيح : { إن هذا لهو البلاء المبين } [ الصافات : 106 ] . { إنا مؤمنون } : وعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب ، والإيمان واجب ، كشف العذاب أو لم يكشف . { أنى لهم الذكرى } : أي كيف يذكرون ويتعظون ويقولون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب ، وقد جاءهم ما هو أعظم ؟ وأدخل في باب الادكار من كشف الدخان ؟ وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات والبينات ، من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات ، فلم يذكروا ، وتولوا عنه وبهتوه بأن عدّاسا غلاماً أعجمياً لبعض ثقيف هو الذي علمه ، ونسبوه إلى الجنون . وقرأ زر بن حبيش : معلم ، بكسر اللام . { إنا كاشفوا العذاب قليلاً } : إخبار عن إقامة الحجة عليهم ، ومبالغة في الإملاء لهم . ثم أخبر أنهم عائدون إلى الكفر . وقال قتادة : هو توعد بمعاد الآخرة : وإن كان الخطاب لقريش حين حل بهم الجدب ، كان ظاهراً ؛ وإن كان الدخان قبل يوم القيامة ، فإذا أتت السماء بالعذاب ، تضرع منافقوهم وكافروهم وقالوا : ربنا اكشف عنا العذاب ، إنا مؤمنون . فيكشف عنهم ، قيل : بعد أربعين يوماً ؛ فحين يكشفه عنهم يرتدون . ويوم البطشة الكبرى على هذا : هو يوم القيامة ، كقوله : { فإذا جاءت الطامة الكبرى } [ النازعات : 34 ] . وكونه يوم القيامة ، هو قول ابن عباس والحسن وقتادة . وكونه يوم بدر ، هو قول عبد الله وأبي وابن عباس ومجاهد . وانتصب يوم نبطش ، قيل : بذكراهم ، وقيل : بننتقم الدال عليه منتقمون ، وضعف بأنه لا نصب إلا بالفعل ، وقيل : بمنتقمون . ورد بأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها . وقرأ الجمهور : نبطش ، بفتح النون وكسر الطاء ؛ والحسن ، وأبو جعفر : بضمها ؛ والحسن أيضاً ، وأبو رجاء ، وطلحة : بضم النون وكسر الطاء ، بمعنى : نسلط عليهم من يبطش بهم . والبطشة على هذه القراءة ليس منصوباً بنبطش ، بل بمقدر ، أي نبطش ذلك المسلط البطشة ، أو يكون البطشة في معنى الإبطاشة ، فينتصب بنبطش . { ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون } : هذا كالمثال لقريش ، ذكرت قصة من أرسل إليهم موسى عليه السلام ، فكذبوه ، فأهلكهم الله . وقرىء : فتنا ، بتشديد التاء ، للمبالغة في الفعل ، أو التكثير ، متعلقة { وجاءهم رسول كريم } : أي كريم عند الله وعند المؤمنين ، قاله الفراء ؛ أو كريم في نفسه ، لأن الأنبياء إنما يبعثون من سروات الناس ، قاله أبو سليمان ؛ أو كريم حسن الخلق ، قاله مقاتل . { أن أدوا إليّ عباد الله } يحتمل أن تكون أن تفسيرية ، لأنه تقدم ما يدل على معنى القول ، وهو رسول كريم ، وأن تكون أن مخففة من الثقيلة أو الناصبة للمضارع ، فإنها توصل بالأمر . قال ابن عباس : أن أدوا إليّ الطاعة يا عباد الله : أي اتبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان . وقال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل ، كما قال : فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم . فعلى قول ابن عباس : عباد الله : منادى ، ومفعول أدوا محذوف ؛ وعلى قول مجاهد ومن ذكر معه : عباد الله : مفعول أدوا . { إني لكم رسول أمين } : أي غير متهم ، قد ائتمنني الله على وحيه ورسالته . { وأن لا تعلوا على الله } : أي لا تستكبروا على عبادة الله ، قاله يحيـى بن سلام . قال ابن جريح : لا تعظموا على الله . قيل : والفرق بينهما أن التعظيم تطاول المقتدر ، والاستكبار ترفع المحتقر ، ذكره الماوردي ، وأن هنا كان السابق في أوجهها الثلاثة . { إني آتيكم بسلطان مبين } : أي بحجة واضحة في نفسها ، وموضحة صدق دعواي . وقرأ الجمهور : إني ، بكسر الهمزة ، على سبيل الإخبار ؛ وقرأت فرقة : بفتح الهمزة . والمعنى : لا تعلوا على الله من أجل أني آتيكم ، فهذا توبيخ لهم ، كما تقول : أتغضب إن قال لك الحق ؟ { وإني عذت } : أي استجرت { بربي وربكم أن ترجمون } : كانوا قد توعدوه بالقتل ، فاستعاذ من ذلك . وقرىء : عدت ، بالإدغام . قال قتادة وغيره : الرجم هنا بالحجارة . وقال ابن عباس ، وأبو صالح : بالشتم ؛ وقول قتادة أظهر ، لأنه قد وقع منهم في حقه ألفاظ لا تناسب ؛ وهذه المعاذة كانت قبل أن يخبره تعالى بقوله : { فلا يصلون إليكما } [ القصص : 35 ] . وإن لم تؤمنوا إلي : أي تصدقوا ، فاعتزلون : أي كونوا بمعزل ، وهذه مشاركة حسنة . { فدعا ربه } : أني مغلوب فانتصر ، { أن هؤلاء } : لفظ تحقير لهم . وقرأ الجمهور : أن هؤلاء ، بفتح الهمزة ، أي بأن هؤلاء . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى ، والحسن في رواية ، وزيد بن علي : بكسرها . { فأسر بعبادي } : في الكلام حذف ، أي فانتقم منهم ، فقال له الله : أسر بعبادي ، وهم بنوا إسرائيل ومن آمن به من القبط . وقال الزمخشري : فيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء ، فقال : أسر بعبادي ، وأن يكون جواباً بالشرط محذوف ؛ كأنه قيل : قال إن كان الأمر كما تقول ، فأسر بعبادي . انتهى . وكثيراً ما يجيز هذا الرجل حذف الشرط وإبقاء جوابه ، وهو لا يجوز إلا لدليل واضح ؛ كأن يتقدمه الأمر وما أشبهه مما ذكر في النحو ، على خلاف في ذلك . { إنكم متبعون } : أي يتبعكم فرعون وجنوده ، فتنجون ويغرق المتبعون . { واترك البحر رهواً } : قال ابن عباس : ساكناً كما أجراه . وقال مجاهد وعكرمة : يبساً من قوله : { فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً } [ طه : 77 ] . وقال الضحاك : دمثاً ليناً . وقال عكرمة : جدداً . وقال ابن زيد : سهلاً . وقال مجاهد أيضاً : منفرداً . قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ، لما قطعه ، حتى يلتئم ؛ وخاف أن يتبعه فرعون ، فقيل : لمه هذا ؟ { إنهم جند مغرقون } : أي فيه ، لأنهم إذا رأوه ساكناً على حالته حين دخل فيه موسى وبنوا إسرائيل ، أو مفتوحاً طريقاً يبساً ، دخلوا فيه ، فيطبقه الله عليهم . { كم تركوا } : أي كثيراً تركوا . { من جنات وعيون } : تقدم تفسيرهما في الشعراء . وقرأ الجمهور : { ومقام } ، بفتح الميم . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : أراد المقام . وقرأ ابن هرمز ، وقتادة ، وابن السميفع ، ونافع : في رواية خارجة بضمها . قال قتادة : أراد المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها . { ونعمة } ، بفتح النون : نضارة العيش ولذاذة الحياة . وقرأ أبو رجاء : { ونعمة } ، بالنصب ، عطفاً على كم { كانوا فيها فاكهين } . قرأ الجمهور : بألف ، أي طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة ، كلابن ، وتامر ، وأبو رجاء ، والحسن : بغير ألف . والفكه يستعمل كثيراً في المستخف المستهزىء ، فكأنهم كانوا مستخفين بشكل النعمة التي كانوا فيها . وقال الجوهري : فكه الرجل ، بالكسر ، فهو فكه إذا كان مزاحاً ، والفكه أيضاً الأشر . وقال القشيري : فاكهين : لاهين كذلك . وقال الزجاج : والمعنى : الأمر كذلك ، فيوقف على كذلك ؛ والكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف ؛ وقيل : الكاف في موضع نصب ، أي يفعل فعلاً كذلك ، لمن يريد إهلاكه . وقال الكلبي : كذلك أفعل بمن عصاني . وقال الحوفي : أهلكنا إهلاكاً ، وانتقمنا انتقاماً كذلك . وقال الزمخشري : الكاف منصوبة على معنى : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها ، { وأورثنا قوماً آخرين } ليسوا منهم ، وهم بنوا إسرائيل . كانوا مستعبدين في يد القبط ، فأهلك الله تعالى القبط على أيديهم وأورثهم ملكهم . وقال قتادة ، وقال الحسن : إن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون ، وضعف قول قتادة بأنه لم يرو في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان ، ولا ملكوها قط ؛ إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشأم . انتهى . ولا اعتبار بالتواريخ ، فالكذب فيها كثير ، وكلام الله صدق . قال تعالى في سورة الشعراء : { كذلك وأورثناها بني إسرائيل } [ الشعراء : 59 ] وقيل : قوماً آخرين ممن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل . { فما بكت عليهم السماء والأرض } : استعارة لتحقير أمرهم ، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء . ويقال في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض ، وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس . وقال زيد بن مفرغ : @ الريح تبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه @@ وقال جرير : @ فالشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا @@ وقال النابغة : @ بكى حادث الجولان من فقد ربه وحوران منه خاشع متضائل @@ وقال جرير : @ لما أتى الزهو تواضعت سور المدينة والجبال الخشع @@ ويقول في التحقير : مات فلان ، فما خشعت الجبال . ونسبة هذه الأشياء لما لا يعقل ولا يصير ذلك منه حقيقة ، عبارة عن تأثر الناس له ، أو عن عدمه . وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الملائكة وأهل الأرض ، وهم المؤمنون ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين . روي ذلك عن الحسن . وما روي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : إن المؤمن إذا مات ، بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحاً ، وبكى عليه السماء موضع صعود عمله . قالوا : فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله تمثيل . { وما كانوا منظرين } : أي مؤخرين عن العذاب لما حان وقت هلاكهم ، بل عجل الله لهم ذلك في الدنيا .