Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 29-38)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إخراج أضغانهم ، وهو حقودها : إبرازها للرسول والمؤمنين ؛ والظاهر أنها من رؤية البصر لعطف العرفان عليه ، وهو معرفة القلب . واتصل الضمير في أريناكهم ، وهو الأفصح ، وإن كان يجوز الانفصال . وفي هاتين الجملتين تقريب لشهرتهم ، لكنه لم يعينهم بأسمائهم ، إبقاء عليهم وعلى قراباتهم ، واكتفاء منهم بما يتظاهرون به من اتباع الشرع ، وإن أبطنوا خلافه . { ولتعرفنهم من لحن القول } : كانوا يصطلحون فيما بينهم من ألفاظ يخاطبون بها الرسول ، مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح ، وكانوا أيضاً يصدر منهم الكلام يشعر بالاتباع ، وهم بخلاف ذلك ، كقولهم عند النصر : { إنا كنا معكم } [ العنكبوت : 10 ] ، وغير ذلك ، كقولهم : { لئن رجعنا إلى المدينة } [ المنافقون : 8 ] ، وقوله : { إن بيوتنا عورة } [ الأحزاب : 13 ] . والظاهر الإراءة والمعرفة بالسيماء ، وجود المعرفة في المستقبل بلحن القول . واللام في : { ولتعرفنهم } ، لام جواب القسم المحذوف . { والله يعلم أعمالكم } : خطاب عام يشمل المؤمن والكافر ؛ وقيل : خطاب للمؤمنين فقط . وقرأ الجمهور : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم } ، ونبلو : بالنون والواو ؛ وأبو بكر : بالياء فيهن وأويس ، ونبلو : بإسكان الواو وبالنون ؛ والأعمش : بإسكانها وبالياء ، وذلك على القطع ، إعلاماً بأن ابتلاءه دائم . ومعنى : { حتى نعلم المجاهدين } : أي نعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود ، وبأن مسكهم الذي يتعلق به ثوابهم . { إن الذين كفروا } : ناس من بني إسرائيل ، وتبين هداهم : معرفتهم بالرسول من التوراة ، أو منافقون كأن الإيمان قد داخل قلوبهم ثم نافقوا ؛ والمطعمون : سفرة بدر ؛ وتبين الهدى : وجوده عند الداعي إليه ، أو مشاعة في كل كافر ؛ وتبين الهدى من حيث كان في نفسه ، أقوال . { وسيحبط أعمالهم } : أي التي كانوا يرجون بها انتفاعاً ، وأعمالهم التي كانوا يكيدون بها الرسول ودين الإسلام . { يا أيها الذين أمنوا } : قيل نزلت في بني إسرائيل ، أسلموا وقالوا لرسول الله : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلنا ، كأنهم منوا بذلك ، فنزلت فيهم هذه الآية . وقوله : { يمنون عليك أن أسلموا } [ الحجرات : 17 ] ، فعلى هذا يكون : { ولا تبطلوا أعمالكم } بالمن بالإسلام . وعن ابن عباس : بالرياء والسمعة ، وعنه : بالشرك والنفاق ؛ وعن حذيفة : بالكبائر ، وقيل : بالعجب ، فإنه يأكل الحسنات ، كما تأكل النار الحطب . وعن مقاتل : بعصيانكم للرسول . وقيل : أعمالكم : صدقاتكم بالمن والأذى . { وماتوا وهم كفار } : عام في الموجب لانتفاء الغفران ، وهو وفاتهم على الكفر . وقيل : هم أهل القليب . وقيل : نزلت بسبب عدي بن حاتم ، رضي الله عنه ، " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال : وكانت له أفعال بر ، فما حاله ؟ فقال : " في النار " ، فبكى عدي وولى ، فدعاه فقال له : " أبي وأبوك وأبو إبراهيم خليل الرحمن في النار " ، فنزلت . { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم } : وهو الصلح . وقرأ الجمهور : وتدعوا ، مضارع دعا ؛ والسلمي : بتشديد الدال ، أي تفتروا ؛ والجمهور : إلى السلم ، بفتح السين ؛ والحسن ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وعيسى ، وطلحة ، وحمزة ، وأبو بكر : بكسرها . وتقدم الكلام على السلام في البقرة في قوله : { ادخلوا في السلم كافة } [ البقرة : 208 ] وقال الزمخشري : وقرىء : ولا تدعوا من ادعى القوم ، وتداعوا إذا ادعوا ، نحو قولك : ارتموا الصيد وتراموا . انتهى . والتلاوة بغير لا ، وكان يجب أن يأتي بلفظ التلاوة فيقول : وقرىء : وتدعوا معطوف على تهنوا ، فهو مجزوم ، ويجوز أن يكون مجزوماً بإضمار إن . { وأنتم الأعلون } : أي الأعليون ، وهذه الجملة حالية ؛ وكذا : { والله معكم } . ويجوز أن يكونا جملتي استئناف ، أخبر أولاً بقوله : { أنتم الأعلون } ، فهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ، ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها ، وهي كون الله تعالى معهم . { ولن يتركم } ، قال ابن عباس : ولن يظلمكم ؛ وقيل : لن يعريكم من ثواب أعمالكم ؛ وقيل : ولين ينقصكم . وقال الزمخشري ، وقال أبو عبيد : { ولن يتركم } : من وترت الرجل ، إذا قتلت له قتيلاً من ولد أو أخ أو حميم أو قريب ؛ قال : أو ذهبت بماله ؛ قال : أو حربته ، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد . فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر ، وهو من فصيح الكلام ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " ، أي أفرد عنهما قتلاً ونهباً . { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } : وهو تحقير لأثر الدنيا ، أي فلا تهنوا في الجهاد . وأخبر عنها بذلك ، باعتبار ما يختص بها من ذلك ؛ وأما ما فيها من الطاعة وأمر الآخرة فليس بذلك . { يؤتكم أجوركم } : أي ثواب أعمالكم من الإيمان والتقوى ، { ولا يسألكم أموالكم } . قال سفيان بن عيينة : أي كثيراً من أموالكم ، إنما يسألكم ربع العشر ، فطيبوا أنفسكم . وقيل : لا حاجة إليها ، بل يرجع ثواب إنفاقكم إليكم . وقيل : إنما يسألكم أمواله ، لأنه هو المالك لها حقيقة ، وهو المنعم بإعطائها . وقيل : الضمير في يسألكم للرسول ، أي لا يسألكم أجراً على تبليغ الرسالة ، كما قال : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } [ ص : 86 ] . { إن يسألكموها جميعاً فيحفكم } : أي يبالغ في الإلحاح . { تبخلوا ويخرج أضغانكم } : أي تطعنون على الرسول وتضيق صدوركم كذلك ، وتخفون ديناً يذهب بأموالكم . وقرأ الجمهور : ويخرج أضغانكم جزماً على جواب الشرط ، والفعل مسند إلى الله ، أو إلى الرسول ، أو إلى البخل . وقرأ عبد الوارث ، عن أبي عمرو : ويخرج ، بالرفع على الاستئناف بمعنى : وهو يخرج . وحكاها أبو حاتم ، عن عيسى ؛ وفي اللوامح عن عبد الوارث ، عن أبي عمرو : وتخرج ، بالتاء وفتحها وضم الراء والجيم ؛ أضغانكم : بالرفع ، بمعنى : وهو يخرج أو سيخرج أضغانكم ، رفع بفعله . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وابن سيرين ، وابن محيصن ، وأيوب بن المتوكل ، واليماني : وتخرج ، بتاء التأنيث مفتوحة ؛ أضغانكم : رفع به ؛ ويعقوب : ونخرج ، بالنون ؛ أضغانكم : رفعاً ، وهي مروية عن عيسى ، إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن ، فالواو عاطفة على مصدر متوهم ، أي يكف بخلكم وإخراج أضغانكم . وهذا الذي خيف أن يعتري المؤمنين ، هو الذي تقرب به محمد بن سلمة إلى كعب بن الأشرف ، وتوصل به إلى قتله حين قاله له : إن هذا الرجل قد أكثر علينا وطلب منا الأموال . { ها أنتم هؤلاء } : كررها التنبيه توكيداً ، وتقدم الكلام على هذا التركيب في سورة آل عمران . وقال الزمخشري : هؤلاء موصول بمعنى الذين صلته تدعون ، أي أنتم الذين تدعون ، أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون ؛ ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا : وما وصفنا فقيل : تدعون لتنفقوا في سبيل الله . انتهى . وكون هؤلاء موصولاً إذا تقدمها ما الاستفهامية باتفاق ، أو من الاستفهامية باختلاف . { في سبيل الله } ، قيل : للغزو ، وقيل : الزكاة ، واللفظ أعم . { ومن يبخل } : أي بالصدقة وما أوجب الله عليه ؛ { فإنما يبخل على نفسه } : أي لا يتعدى ضرره لغيره . وبخل يتعدى بعلى وبعن . يقال : بخلت عليه وعنه ، وصليت عليه وعنه ؛ وكأنهما إذا عديا بعن ضمناً معنى الإمساك ، كأنه قيل : أمسكت عنه بالبخل . { والله الغني وأنتم الفقراء } : أي الغني مطلقاً ، إذ يستحيل عليه الحاجات . وأنتم الفقراء مطلقاً ، لافتقاركم إلى ما تحتاجون إليه في الدنيا ، وإلى الثواب في الآخرة . { وإن تتولوا } : عطف على : { وإن تؤمنوا وتتقوا } ، أي وإن تتولوا ، أي عن الإيمان والتقوى . { يستبدل قوماً غيركم } : أي يخلق قوماً غيركم راغبين في الإيمان والتقوى ، غير متولين عنهما ، كما قال : { ويأت بخلق جديد } [ فاطر : 16 ] . وتعيين أولئك القوم ، وأنهم الأنصار ، أو التابعون ، أو أهل اليمن ، أو كندة والنخع ، أو العجم ، أو فارس والروم ، أو الملائكة ، أقوال . والخطاب لقريش ، أو لأهل المدينة ، قولان . وروى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن هذا ، وكان سلمان إلى جنبه ، فوضع يده على فخذه وقال : " قوم هذا والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس " وإن صح هذا الحديث ، وجب المصير في تعيين ما انبهم من قوله : { قوماً غيركم } إلى تعيين الرسول . { ثم لا يكونوا أمثالكم } : أي في الخلاف والتولي والبخل .